الدكتورة إيمان سيد إسماعيل
الدكتورة إيمان سيد إسماعيل


«فرصة ثانية» قصة قصيرة للكاتبة الدكتورة إيمان سيد إسماعيل

صفوت ناصف

الجمعة، 12 يناير 2024 - 05:09 م

عصفت بها خلافاتها مع زوجها .. كانت دائما ما تشعر أنها وحيدة، فلا أحد يفهم ما تمر به من ضيق .. حتى أقدامها لم تعد تفهمها فرفضت هي الأخرى حملها.. تتعب كثيرا من أجل صغارها.. أهملت عملها ونفسها وأهملت كل شيء، ولكن لا أحد يرى ما تفعل وكأن كل شيء يذهب سدى ..

جلست وحيدة في غرفتها وقد استبد بها ظلام الليل وأخذها إلى سواد أفكارها وذكرياتها ..تذكر كل غدر ووجع وكل فراق .. كل بُعد.. وكأن كل شيء اتفق على موتها حية، شعرت بألم الحياة وكم هي تعانى فقد ضاقت عليها كل السبل .. لم تجد نور في نهاية النفق ولم تجد لأحلامها مكانا، سقطت كل الأقنعة من حولها!

 .. كانت تشعر بخوف يهز قلبها ولا يوجد ذلك الحضن الدافئ ولا تلك اليد التي تربت على كتفها.. خارت كل قواها فشعرت وأنها لم تعد تقوى على الحياة .. ليس لديها قدرة على العطاء .. تشعر وأنها حتى صغارها لم تعد جديرة بتربيتهم.. تساقطت كل أحلامها وأفكارها حتى سنوات عمرها أمام عينيها كأوراق الخريف وعصفت بهم ريح الحياة فأصبحو هباء..

هان عليها كل شيء حتى حياتها.. لم يعد لأى شيء معنى الآن .. رأت في الموت الحل الأمثل .. فأصعب ألم هو ألم الموت وأنت على قيد الحياة .. فلتنتهى تلك الحياة إذا وليكن لكل ذلك الهراء نهاية .. بكت كثيرا .. بكت كل شيء .. كم أصبح النحيب صديق وحدتها الأوحد في أيامها الأخيرة .. سقطت أرضا وكأن ظلمة الليل اقتحمت روحها فأصبح كل شيءفي ظلام .. شعرت بذلك البرد القارس يتخلل أوصالها .. كل شيء أصبح كالثلج .. ولكنها تفاجأت بذراعين يحيطان بها يشعرانها بالدفء وكأنها تسمع صوت أمها من بعيد يأتي ليهدئها ويبث فيها بعض الأمل.. كأنها تسمع صوتها تبكي.. تذكرت أنها حينما كانت أمها تأتي إليها ليلا قبل أن تنام وتأخذها بين ذراعيها .. تذكرت إحدى القصص التي كانت تقصها عليها .. قصة العصافير الصغيرة ..

( كان يا ما كان .. كان في أربع عصافير عايشين مع مامتهم وباباهم في عش صغير .. كان كل يوم باباهم بيخرج علشان يجيب الأكل من بعيد ومامتهم كانت بتلف حوالين الشجر تجيب أكل تفطرهم وبعدين تأخدهم تحت جناحاتها وتدفعيهم .. وفى يوم مامتهم خرجت زى عادتها بس المرة دى اتأخرت وما رجعتش .. قعدت أختهم الكبيرة تطمنهم وتقولهم ماما هتيجى دلوقتى .. بس ما جاتش.. فضلوا يعيطوا كتير .. والليل جه والدنيا برد وباباهم دور عليها وما لقاهاش ..

 

 قعدو يعيطوا كلهم على مامتهم اللى مش عارفين راحت فين .. تانى يوم جت خالتهم وأكلتهم ورجعت لعشها .. وقعدوا الأربع عصافير بردانين .. ويقولو فينك يا ماما ويبكو عليها .. تالت يوم باباهم جابلهم الأكل وطار تانى وفضلو بردانين ..وطول الليل بردانين لأنهم اتعودوا ينامو تحت جناحاتها الدافية .. وفضلت الأيام تلف وبقو العصافير الصغيرين قاعدين طول الوقت لوحدهم ضعفانين وتعبانين ومليانين زعل وحزن وقعدوا يقولو يا ترى انتى فين يا ماما احنا محتاجينك .. احنا بردانين .. عاوزين جناحاتك نتدفى تحتهم لحد ما في يوم جت مامتهم ورجعتلهم من تانى ورجعتلهم معاها الحياة والسعادة والدفا  .. وحكت لهم إنها وقعت وجناحها انكسر وما عرفتش تطير وجت بنت طيبة وخدتها وعالجتها وأنها كانت بتحس بيهم في كل لحظة وقلبها كان معاهم وخايفة عليهم لأنهم كل حياتها وفضلت معاهم تأخد بالها منهم من تانى وتدفيهم وتعلمهم ازاى يطيروا لحد ما بقوا يطيروا كلهم سوا وهوا فرحانين)

تذكرت كلمات أمها ( الأم يا بنتى هي كل حاجة هي مصدر السعادة والنور لبيتها وولادها وجوزها.. لازم تفضلى دايما قوية وجميلة علشان انتى نبع)

وفتحت عينيها ورأت ضوءا قويا يتسلل إليهما فأغلبيتهم مرة أخرى سريعا .. وسمعت صوتا يقول ( حمد الله ع السلامة .. أخيرا رجعتى )

فتحت عينيها مرة أخرى لتجد حولها صغارها وزوجها ممسكا يدها.. أمها وأبيها وأخوتها .. صديقاتها كلهم مجتمعين ينظرون إليها بعيون قد امتلأت بالدموع ونظرات ملأها الحوف

سألت في ذهول:

 ( إيه اللى حصل .. إحنا فين ؟؟ ومالكو في إيه)

ردت أمها:  حمد الله ع السلامة يا حبيبتى .. خوفتينا عليكى ..انتى كنتى واقعة ع الأرض وحاولنا نفوقك ما كنتيش بتردى وجبناكى هنا في المستشفى..

نظرت حولها رأت الدموع في عيون زوجها وأبنائها، تذكرت أنها قبل ساعات كانت تعتقد أن لا شيء يستحق الحياة وهى الآن ترى أن في الحياة من يستحق أن تحاول مرات ومرات أن تحيا لأجلهم .. فقد أعادتها قصة العصافير الصغيرة إلى الحياة.. ابتسمت في نفسها وقالت.. الحمد لله الذي أعطاني فرصة ثانية للحياة....

اقرأ أيضاً| «صبرا آل دحدوح» قصيدة للشاعر طه إبراهيم

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة