أحمد الإمام
عصير القلم
أخلاق الكلاب
السبت، 13 يناير 2024 - 12:49 م
..في مذكراته الشخصية التي نشرت بعد وفاته كتب الفنان الراحل نجيب الريحاني فصلا كاملا عن علاقته بكلبته المفضلة «ريتا» التي أهدته إياها زوجته بديعة مصابني واحتلت مكانة خاصة في قلبه حيث كان يحبها كابنته، ويراها أفضل صديقة له، وأخلص مخلوقة معه.
تفهمه دون غيره، وتنفذ طلباته دون أن يطلب .. تكفيها فقط إشارة منه.
ومن المفارقات العجيبة أنه توفي بعد وفاتها بـ3 أيام وكأنه لم يتحمل أن يعيش بدونها.
كتب الريحاني عن ريتا : «هي الأنثى الوحيدة التي تعرف الوفاء والإخلاص، لأنها أعز مخلوق لدي وأقرب صديقاتي إلى قلبى .. كلبتي حيوان أتحدث إليه، يفهم ما أريد أكثر من أي إنسان، هي أليفتي في المنزل، وصديقتي في الشارع، وزميلتي في العمل، تشاركني في التمثيل، ولا تتعبني فى إخراج دورها، فهي تجيده ولا تنساه ولا تتأخر عن موعد العمل، ومن هنا كانت هي الممثلة الوحيدة التي أبقيت عليها من أفراد فرقتي وعندما سافرت إلى لبنان فارقتها لأول مرة في حياتي، وقد أصيبت بمرض من جراء حزنها العميق، وكنت أراها كثيراً في المنام وبعد عودتي لم تكد تراني بعد غيبة حتى وقفت بعيدة عني، وهي التي كانت تتحرق شوقًا إلى لقائي، واغرورقت عيناها بالدموع وكأنها تقول: إخس عليك يا خاين العيش والملح».
كانت ريتا شرسة للغاية في تعاملها مع أي كلب في الشارع أو في عمارة الايموبيليا حيث نسكن لذلك أسميتها «ريتا العضاضة».
ومن شدة شراستها في التعامل مع الكلاب الأخرى كان جميع السكان يتحاشون الخروج بكلابهم في نفس توقيتات نزولي من العمارة وعودتي اليها بعد انتهاء عملي بالمسرح.
وذات يوم أثناء دخولي الاسانسير وبصحبتي ريتا كالعادة فوجئت بوجود إحدى جاراتي وبصحبتها كلبها.
التصقت الجارة بحائط الاسانسير وهي تتوقع مذبحة دامية لكلبها ، وتوترت أعصابي أيضا خوفا من المعركة المنتظرة ، ولكنني وياللعجب شاهدت أغرب مشهد في حياتي.
ريتا تحركت نحو الكلب الذي لم يحرك ساكنًا وبدلا من غرس انيابها في جسده أخرجت لسانها وبدأت تلعقه بحنان غريب ثم جلست على الارض بجانبه دون أن تحرك ساكنا.
أصابني المشهد بالذهول وظللت أتبادل النظرات الحائرة مع جارتي التي قالت وهي غير مصدقة « معقولة الكلبة بتاعتك اكتشفت ان كلبي أصيب بالعمى وعشان كده رفضت تهاجمه».
انهمرت الدموع من عيني ولم أصدق أن الكلبة لديها هذه المشاعر الفياضة والرقي لدرجة انها رفضت مهاجمة خصمها بعد اكتشافها عجزه وضعفه.
بهذه الكلمات الراقية وصف الريحاني سمو أخلاق كلبته التي كان سلوكها الراقي مدهشًا بالنسبة لي بنفس القدر الذي أدهش صاحبها الفنان الراحل.
للأسف لا يمتلك بعض البشر هذا النبل والتسامح في خصومتهم ولا يتوقفون عن توجيه الضربات لخصمهم حتى وهو ملقى على الارض يئن من شدة الألم .. لا يرحمون ضعفه وتوسلاته .. لا يترفعون عن مشاعرهم العدائية نحو خصومهم حتى لو أقعدهم المرض وهزمتهم الأيام والسنين.
للأسف بعض البشر لا يمتلكون أخلاق الكلاب بكل مافيها من وفاء وإخلاص نادر ومشاعر صادقة لا تتغير ولا تتلون مهما حدث.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة