مارا أحمد
مارا أحمد


«الوشاح الأزرق» قصة قصيرة للكاتبة مارا أحمد

صفوت ناصف

الجمعة، 19 يناير 2024 - 03:55 م

 جلست أقلب في ألبوم صور الأسرة؛ فلقد اشتقت لرؤية أمي، مرت سنوات طويلة على رحيلها والحنين إلى حضنها ينقر في صدري كما نقار الخشب يلتمس إشباع جوعه إليها، ها هي تجلس بين أخوالي وقد فارقتها أغلب أسنانها لم يتبق منهم إلا أسنانها الأمامية، ولكنها لم تفقد خدودها الممتلئة والتي ما زالت مرتفعة لم تتهدل رغم ضعفها.

ومن تحت طرحتها السوداء الحريرية تظهر ضفائرها السوداء الطويلة الناعمة كما ريش الغراب في لونه ونعومته، إلا من بعض خصلات بيضاء تظهر على استحياء بالصف الأمامي من شعرها في فرقه، على مسافات متباعدة، وكأنهم حملة استيطانية تتسلل محاولة السطو على ذلك الحرير الأسود، يغطي تلك الخصلات الحريرية وشاح أزرق يتناثر على أرضيته السماوية الزرقاء زهرات بألوان متنوعة بعضها باللون الأحمر وأخريات باللون البرتقالي والبنفسج وشجيرات هنا وهناك وكأن الربيع ألقى بسحره ليقيم جنة أرضها السماء، وكلاهما استوطن رأس أمي.

لا تبتسم أمي إلا حينما نجتمع حولها، وتتسع ابتسامتها أكثر حين سماعها أخبار تفوقنا الدراسي،

أو حين تجمعنا أمام التلفاز لمشاهدة فيلم لإسماعيل ياسين أو فؤاد المهندس، وهناك صورتها وهي راضية رغم قلة الطعام وفراغ الطبلية من اللحم، تتظاهر دوما بالشبع حتى تترك لنا طبقها وتدعي التخمة وهي التي تلتصق معدتها بظهرها ضعفا وهزالا.

سجدت أمي شكرا حين أكملت رسالتها وأنهت دورها معنا بأن أوصلتنا إلى بر الأمان.

أتذوق الآن الفاكهة التي نادرا ما لمست حبيباتها لسانها، وكأنها رفضت إلا أن تنتظر وتفطر من مائدة السماء وأن يكون تذوقها للفاكهة من أول قطفة من فاكهة الجنة.

صورتها وهي وسط أخوالي كانت توثيقا للقاء أسري أبى إلا أن يظل قائما هنا بالأرض ولم يفرق الموت بينهم، فأبوا إلا أن يظلوا في ترابط وتلاحم هنا على الأرض وهناك بالسماء، حيث ارتقوا جميعا، فكانت الصورة توثيقا لحبهم.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة