أم كلثوم ابنة الحضارة المصرية العريقة
أم كلثوم ابنة الحضارة المصرية العريقة


فلسطين فى قلب «كوكب الشرق» الساكنة دوماً فى الوجدان

عاطف النمر

الأربعاء، 31 يناير 2024 - 08:24 م

تحيى المؤسسات الثقافية الرسمية وغير الرسمية بعد غدٍ «السبت» الذكرى 49 لغياب سيدة الغناء العربى أم كلثوم التى رحلت بالجسد وبقى صوتها الذهبى فى وجدان الأجيال التى عاشتها والتى لم تعشها، ولا أدرى لماذا تروج جماعة الشر الأزلى فى ذكرى سيدة الغناء مقاطع تسيء إليها، يتقيأ بها الإخوانى المسن عبد الله النفيسى عضو البرلمان الكويتى الأسبق فى برنامج «الصندوق الأسود» على قناة «القبس»، تقيأ بسيلٍ من فحيح الحقد والغل والكراهية، عندما قال لمحاوره الخليجى: «لا تقل على أم كلثوم سيدة، ولا تقل سفيرة الغناء، إنها سفيرة الفساد ومن يريد أن يستأجر الفن يستأجرها»، وظل يهذى ويخرف قائلاً: «أم كلثوم حولت مصر لـ «غرزة حشيش»، ومن يحضرون حفلاتها تجدهم مغيبين تماماً»!، واستمر فى التقيؤ بما فى داخله قائلاً: «فى ليلة حفل أم كلثوم  تجدهم يسمعونها فى قعدة مزاج بفعل تعاطى الحشيش»!!، ولن أستطرد فى بقية ما تقيأ به من سبابٍ فى حق «سيدة الغناء رغم أنفه»، وحق مصر التى تعلم بها وأكل من طعامها وشرب من نيلها، ورد لها الجميل بوصفها «غرزة حشيش».

الذين كانوا يحضرون حفلات «ستك أم كلثوم» من المصريين لم يكونوا «مساطيل» إنما كانوا  فى قمة الأناقة والرقى، وكان يأتى لحفلاتها من كل الدول العربية: الأمراء والكبراء بالطائرات يا أيها «النفيسى»، فمصر التى علمتك ليست «غرزة حشيش» وأم كلثوم ستظل رغم أنفك وشيبة لحيتك سيدة الذوق الرفيع التى غنت قصائد أحمد شوقى، وحافظ إبراهيم، وأحمد رامى، وعمر الخيام، وأبو فراس الحمدانى، وإبراهيم ناجى، وكامل الشناوى، والسودانى الهادى أدهم، واللبنانى جورج جرداق، وأغلب شعراء العرب الكبار، وكانت تُستقبل كزعيمةٍ من رؤساء الدول والملوك، فهل يأكل الغل قلبك مثل بقية الأشرار لأنها خصصت إيراد حفلاتها لإعادة بناء الجيش بعد نكسة 67 فى الوقت الذى سجد فيه قادة الإخوان شكراً لله على النكسة، وهذا هو الفرق بين الخيانة والوطنية!.
غزة تُباد وفلسطين تُنتهك بآليات الوحوش البربرية وكل عربى مخلص يتوجع لمعاناة أخوتنا هناك، فماذا قدمت أنتَ لفلسطين؟!، أنت لا تعرفُ ما قدمته «سيدة الغناء» لفلسطين وما قدمته فلسطين لها من محبةٍ واحترامٍ وتقدير، «سيدتك رغم أنفك» لا تحتاج لمن يدافع عنها أو يثبت وطنيتها لأشباهك وإخوانك، لكن اللحظة التى نمر بها تستدعى التذكير بقصة الحب التى ربطت أم كلثوم بفلسطين قبل أن يتم زرع الكيان الصهيونى بأرضها المقدسة. 
مواقف عديدة جمعت بين أم كلثوم وفلسطين تدل على حبٍ صادق ومواقفٍ نبيلة من أعظم فنانة مؤثرة فى الوطن العربى تجاه مدينة السلام التى زارتها لأول مرة عام 1928، قبل أن يكون هناك وجود للكيان الصهيونى، ذهبت لتغنى للمقدسيين فى زهرة المدائن، انتظرها أهل «حيفا ويافا» ولبت النداء، وانتشرت فى الصحف الفلسطينية إعلانات تنبئ عن قدومها إليهم وتصدرت الإعلانات عبارة «أعياد الطرب والسرور فى مدن فلسطين بقدوم ملكة الطرب وكروانة القرن العشرين فى الشرق الآنسة أم كلثوم»، وقالت صحيفة «فلسطين»: إن «يافا» استعدت لاستقبال أم كلثوم قبل وصولها إليها بأسبوع، وزين أهل المدينة واجهة قاعة «أبولو» التى ستغنى فيها أم كلثوم بتمثالٍ لها بالحجم الطبيعى، ونشرت صحيفة «فلسطين» تقريراً بعنوان «أعياد الطرب والسرور فى مدن فلسطين العامرة بتشريف بلبلة الشرق والأقطار العربية». 
استقبل سكان القدس ويافا وحيفا سيدة الغناء العربى بلقب «ملكة الطرب» و«كروانة القرن العشرين» وعادت أم كلثوم من فلسطين للقاهرة  بلقب «كوكب الشرق» الذى صاحت به السيدة الفلسطينية «أم فؤاد» عندما صعدت إليها على المسرح وهى تقول لها:  «أنتِ كوكب الشرق بأكمله»، والتصق اللقب بأم كلثوم حتى آخر يوم فى حياتها ومازالت تُوصف به حتى الآن، ويقول الكاتب الفلسطينى سليم نسيب فى كتابه «أم كلثوم»: إن سيدة الغناء العربى تبرّعت بإيراد إحدى حفلاتها التى أقامتها فى «حيفا» للوقوف فى وجه الهجرة اليهودية التى بدأت تتنامى بدعمٍ من سلطات الانتداب البريطانى، وقال: إنها غنت فى القدس ويافا وحيفا مرة ثانية عام 1931، وغنت مرة ثالثة فى نفس المدن عام 1935، وفى كل حواراتها الصحفية والإذاعية كانت تقول «فلسطين الحبيبة قضية كل عربى حر، ويجب أن ندافع عنها بكل ما نملك» !
تلك هى السيدة أم كلثوم، رغم أنف العبد الله النفيسى، «سفيرة» الذوق الراقى التى كانت تنضحُ بالوطنية، ولدورها المؤثر فى دعم القضية الفلسطينية، وقد أصدرت السلطات الصهيونية حكماً عليها بالإعدام، وقالت صحيفة «البلاغ»: إن الاتهام ينحصر فى أنها تغنى لفلسطين وتثير الشعب المصرى ضد الصهيونية وتحرضه على الجهاد عندما تردد فى الأغنية عبارة «ولكن تؤخذ الدنيا غلابا» !!
 ولأم كلثوم دور وطنى يترجمه صوتها الخالد فى مجموعة من الأغنيات الوطنية، ففى عام 1961 شدت فى نادى الضباط بأنشودة «ثوار لآخر مدى» لصلاح جاهين ورياض السنباطى،  وتقول فيها «ثوار لآخر مدى.. مطرح ما نمشى يفتح النوار.. ننهض فى كل صباح بحلم جديد.. ثوار نعيدك يا انتصار ونزيد.. وطول ما إيد شعب العرب بالإيد.. الثورة قايمة والكفاح دوار» .
وغنت عام 1967 أنشودة «راجعين» لصلاح جاهين ورياض السنباطى أيضاً، وتقول كلماتها: «راجعين بقوة السلاح راجعين نحرر الحمى.. راجعين كما رجع الصباح من بعد ليلة مظلمة.. جيش العروبة يا بطل الله معك.. ما أعظمك ما أروعك ما أشجعك.. مأساة فلسطين تدفعك نحو الحدود» وتختتمها قائلة: «غاصب لعين فى كل دين.. ودى فلسطين العرب» . 
وفى عام 1967 شدت بأنشودة «إنا فدائيون» لعبد الفتاح مصطفى وبليغ حمدى، وتقول فيها : «كشف النقاب عن الوجوه الغادرة.. وحقيقة الشيطان بانت سافرة.. إنا فدائيون نفنى ولا نهون.. إنا لمنتصرون» . 
ومن أروع أعمالها التى ساندت بها فلسطين الحبيبة إلى قلبها  قصيدة «خذونى إلى فلسطين» للشاعر نزار قبانى ومحمد عبد الوهاب، وتقول كلماتها: «أصبح عندى الآن بندقية.. إلى فلسطين خذونى معكم.. إلى رُبى حزينةٍ كوجه مجدليه.. إلى القباب الخضر.. والحجارة النبية»، وتختتمها قائلة: « قولوا لمن يسأل عن قضيتى.. بارودتى صارت هى القضية.. أصبحت فى قائمة الثوار.. أفترش الأشواك والغبار وألبس المنية.. أنا الذى أغير الأقدار.. يا أيها الثوار.. فى القدس، فى الخليل، فى بيسان، فى الأغوار.. فى بيت لحمٍ، حيث كنتم أيها الأحرار» .
اللعنة على كل من يتطاول على مصر وزعماء مصر وشعب مصر وأم كلثوم رمز شامخ من رموز مصر وهرمها الرابع، وما تقيأ به الكهل الإخوانى فى حقها يستوجب المساءلة والعقاب.
عاطف النمر

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة