الخميس، 01 فبراير 2024 - 10:55 ص

 تدفق الدم الغاضب لرأسها، أطلت نظرات الاحتقار من عينيها، أبى قلبها الصمت فتسارعت ضرباته في صراع مع الخوف. 

تجوب الزنانة السماء، تنتقي بدقة، صاح شيخ:
ـ فروا إلى الله فلا ملجأ إلا إليه .
هرولوا في اتجاهات شتى، لا أحد يعرف أين ستضرب.
انفجار تلته انفجارات، انهدم الحي كله، تعالت صرخات الأحياء، يمدون أيديهم  للقابعين تحت الركام، أخرجوها تكسوها الجراح والأتربة.
تنادي على الأحبة، لا مجيب، احتضنت الأرض الجميع.
 جفت المآقي من كثرة البكاء.
  منذ أمس تعاني أوجاع المخاض، بحثوا لها عن جرعة ماء دون جدوى.
ـ هوني عليك  سننقلك للمشفى.
الطريق  وعر يكسوه حطام المنازل والبشر. 
عادت الزنانة تلوث السماء، وتسلب الحياة، تصبغ الطريق  بالدماء الذكية.
 متثاقلة سارت بين أطلال المدينة تجاه المشفى.
  عجوز خرجت من بين الخرائب،  صاحبتها،  رائحة البارود تشعرها بالغثيان اشتدت آلام  المخاض.
ـ  تحملي فالمبني المهدم أمامك هو المشفى ، كدنا نصل .
دبابات ومصفحات في انتظار انتهاء الجرافة من تجريف مقبرة أُنشأت  في فناء المستشفى، دفن فيها مئات الجثث المتحللة.
اعترضتهما  مدرعة هبط منها أربع أنذال، يحتمون خلف  أسلحتهم، صاحت العجوز.
ـ ستلد .
كلمات عبرية أعقبها ضحكات،  تحدث أحدهم بلغة عربية بلكنة خبيثة:
ـ  لن يولد  صلاح الدين مرة أخرى.
قهقوا وهو بمزق ثيابها ويكشف سترها

تدفق الدم الغاضب لرأسها، أطلت نظرات الاحتقار من عينيها، أبى قلبها الصمت فتسارعت ضرباته في صراع مع الخوف صاحت:
ـ يا أحفاد القردة والخنازير.
 هجم عليها، دفعته وهي تصرخ في وجهه، اختل توازنه وسقط وتدحرج سلاحه، جثمت فوق صدره، ارتعب فلا جدار مشيد يحول بينها وبينه، أنشبت أظافرها في عينيه، صرخ من الوجع.
آفاق الباقيين من هول الصدمة، تراجعوا ووجهوا بنادقهم نحوها، اخترقتها رصاصاتهم، ارتمت العجوز فوقها، تلقت عنها بعض رصاصات الغدر.
فوق جثتين بغير حراك
 رقصوا  في انتشاء، حملوا جريحهم مشوه الوجه فاقدًا للبصر.
مسعف يزحف تجاههما   ليكرمهما بالدفن، نادى:
ـ توجد حياة في بطنها.
على أرض المشفي المدمر،  خرجت من بطنها ، طفلة فلسطينية حية.

في ذلك البلد البعيد،  يتدفأ  العجوز بالخمر، سعيدًا  بأسلحته التي يمدهم بها .