الملك فاروق الأول فى مكتبه بقصر عابدين
الملك فاروق الأول فى مكتبه بقصر عابدين


82 عاماً على حصار الدبابات الإنجليزية للملك فاروق بقصر عابدين

عاطف النمر

الأربعاء، 07 فبراير 2024 - 09:35 م

يوم الأحد الماضى «4 فبراير» مضى 82 عاماً على أخطر حدثٍ سياسيٍ تعرضت له مصر فى تاريخها الحديث، تسبب فى شرخ لنفسية الملك فاروق عندما حاصرت دبابات الاحتلال البريطانى قصر عابدين وهو بداخله فى 4 فبراير 1942 لإرغامه على قبول الإنذار المُوجه إليه من السفير البريطانى السير مايلز لامبسون، وإجباره على تكليف مصطفى النحاس باشا زعيم حزب الوفد بتشكيل الوزارة بعد استقالة رئيس الوزراء حسين سرى باشا، وإذ لم ينفذ يتم إجباره على التنازل عن العرش وتنازله عنه لولى العهد الأمير محمد على توفيق!


هناك مجموعة مقدمات أدت إلى هذا الحدث الجلل الذى يمس السيادة المصرية بتدخل سلطة الاحتلال فى شئون مصر بما يخالف معاهدة 1936 التى وقعها النحاس باشا مع السلطات البريطانية، لكن ظروف الحرب العالمية الثانية التى اشتدت فى عام 1942، جعلت مصر فى القلب منها لأن القوات الألمانية بقيادة القائد الألمانى «روميل» وصلت إلى العلمين، والموقف العسكرى مشحونًا بالاحتمالات الخطيرة على مصر، وكان رئيس الوزراء فى ذلك العام هو حسين سرى باشا الذى تولى الوزارة للمرة الثانية فى 31 يوليو 1941 واختص لنفسه حقيبة الداخلية، وكانت علاقته متوترة مع سلطات الاحتلال، وقامت مظاهرات الطلبة بجامعة القاهرة بشعاراتٍ معاديةٍ للقوات الإنجليزية، ويقول السفير لامبسون فى مذكراته : إن الملك فاروق كان على علمٍ بهذه المظاهرات التحريضية، لكن رئيس الديوان الملكى أحمد حسنين باشا أوضح له أن القصر لا علاقة له بما يجرى وعلى رئيس الوزراء حسين سرى باشا أن يفعل ما يريده، واعتبر سرى باشا كلام رئيس الديوان بلاغاً رسمياً من جلالة الملك بالتخلى عنه وأنه لم يعد مسانداً له، ودون الدخول فى تفاصيل كثيرة أبلغ رئيس الوزراء كلاً من أحمد ماهر زعيم الحزب السعدى ومحمد حسين هيكل زعيم حزب الأحرار كزعماءٍ للحزبين فى حكومته أنه سوف يتقدم باستقالته لأنه لا يرضى لنفسه أو لهم بأن يكونوا فى مثل هذا المأزق.


ومن الكتب المهمة التى أرخت لهذه الواقعة كتاب «4 فبراير فى تاريخ مصر السياسى» لمؤلفه د. محمد أنيس الذى يقول: إن حسين سرى باشا قدمت استقالة وزارته فى 2 فبراير، وينقل عن د. محمد حسين هيكل أن الملك فاروق استدعى قادة الأحزاب السياسية فى محاولة لتشكيل وزارة ائتلافية، وكانوا جميعاً عدا مصطفى النحاس مؤيدين لفكرة الوزارة الإئتلافية برئاسته، فهى تحول دون انفراد حزب الوفد بالحكم ولهم أغلبية بالبرلمان، فطلبت بريطانيا من سفيرها مايلز لامبسون أن يلوح باستخدام القوة أمام الملك.
وفى صباح 4 فبراير 1942 طلب السفير مقابلة رئيس الديوان الملكى أحمد حسنين باشا، وسلمه إنذارًا مُوجهاً للملك هدده فيه بأنه إذا لم يعلم قبل الساعة السادسة مساءً أنه قد تم تكليف مصطفى النحاس بتشكيل الحكومة فإنه يجب عليه أن يتحمل تبعات ما يحدث، وكان السفير جادًا فى الإنذار بتولية ولى العهد الأمير محمد على توفيق الذى ظل حلم اعتلائه للعرش يراوده لسنواتٍ طويلة، لكن مصطفى النحاس باشا رفض الإنذار وأكد أنه يعترض على إقحام اسمه فى هذا الإنذار، وإنقاذاً للموقف يقبل تأليف الوزارة إذا طلب الملك منه ذلك، وقال إنه لا يتلقى أمراً بتأليف الوزارة إلا من الملك، وحذر بأنه يشم رائحة الخطر فى صيغة الإنذار!


ويقول السكرتير الخاص للملك فاروق حسين حسنى فى مذكراته: إنه قبل 4 فبراير بأيام قليلة أبلغه أحمد حسنين باشا أن الصحفى مصطفى أمين نقل إليه أخباراً مهمة يطلب سرعة تبليغها إلى الملك لأنه علم من مصدر موثوق أن هناك اجتماعاً بالسفارة البريطانية يضم القادة العسكريين وكبار المسئولين البريطانيين لعلمهم بأن الملك عازم على إنهاء الأزمة السياسية بإسناد رئاسة الوزارة إلى على ماهر باشا، واتفقوا على منع ذلك ولو استدعى الأمر استخدام القوة وعزل الملك، وأبلغه حسين حسنى أن الملك قال إنه لا مجال للتفكير فى على ماهر، فأعاد مصطفى أمين إبلاغه بما طلبه حسنين باشا وهو وجوب إبلاغ الملك فى الحال، وأنه يفكر فى تشكيل حكومة ائتلافية لا تكون الأغلبية فيها للوفد، لكن السفير لامبسون التقى بأحمد حسنين باشا وأبلغه برسالة شفوية تقول سطورها: «ما لم أسمع قبل الساعة 6 مساء اليوم بأنه تم تكليف النحاس بتشكيل الحكومة، فإن جلالة الملك عليه أن يتحمل العواقب»!!
ووضع لامبسون خطة محاصرة قصر عابدين بالدبابات وإجبار الملك على التنازل إذا لم يذعن وينفذ هذا الإنذار قبل الساعة 6 مساء، وتم تكليف الجنرال «ستون» بالتجهيز لتنفيذ الخطة التى كان ضمن بنودها أنهم سوف يأخذون الملك معهم بعيداً سواء تنازل عن العرش أو لم يتنازل، ووضع لامبسون وثيقة التنازل عن العرش فى جيبه، ورفض زعماء الأحزاب والسياسيين الإنذار واتفقوا على تأليف وزارة قومية برئاسة النحاس الذى رفض فكرة الوزارة القومية، وكـُتِبَوا احتجاجاً ووقعوا عليه جميعاً يقول نصه: «إن فى توجيه التبليغ البريطانى اعتداء على استقلال البلاد ومساساً بمعاهدة الصداقة، ولا يسع الملك أن يقبل أن يمس استقلال البلاد ويخل بأحكام المعاهدة»، ولكى لا نطيل فى سرد الأحداث المتسارعة تم حصار قصر عابدين بالدبابات البريطانية وامتلأت ردهات القصر والطرق المحيطة به بجنود الاحتلال، ودخل لامبسون والجنرال ستون مكتب الملك رغم اعتراض الحرس، انزعج الملك عندما بدأ لامبسون يهدد بعدم تنفيذ الإنذار، وقال «يا جلالة الملك، أريد إجابة الآن، هل جوابك «نعم أم لا»، وعندما حاول الملك الخروج عن الموضوع، قال لامبسون «يا صاحب الجلالة الموقف فى غاية الخطورة وأنا أعتبر ذلك رداً بالنفى وطبقاً لمسئولياتى سوف أستمر فى تنفيذ مهمتى»، وتلا لامبسون الخطاب الذى كان قد أعُد فى السفارة البريطانية ونصه: «منذ زمنٍ طويل كان واضحاً أن جلالتك تأثر بمجموعة المستشارين المحيطين بك، والذين لم يكونوا مخلصين فقط بالنسبة للتحالف مع بريطانيا بل ويعملون ضد هذا التحالف، ويساعدون العدو، ويشجعون جلالتك على ما يناقض المادة الخامسة من معاهدة التحالف التى تقضى بتعهد كل الأحزاب بألا يتخذوا موقفاً معادياً بالنسبة للبلاد الأجنبية، وبالإضافة إلى ذلك فإن جلالتك أحدثت أزمة خطيرة وغير ضرورية كرد فعل للقرار الذى اتخذته الحكومة المصرية السابقة استجابة للطلب الذى تقدم به الحليف «إنجلترا» والذى نصت عليه المادة الخامسة من معاهدة 1936» ! وكل المحاولات التى جرت لتشكيل حكومة إئتلافية باءت بالفشل، ورفضتم تشكيل الحكومة بزعيم حزب الأغلبية فى البلاد «النحاس باشا» وهو يتمتع بمكانة خاصة تجعله قادراً على ضمان استمرار تطبيق المعاهدة بروح الصداقة، ومثل هذا التهور وعدم تقدير المسئولية يعرض أمن وأمان مصر والقوات الحليفة الموجودة بالعاصمة للخطر».. وبعدها قدم لامبسون للملك وثيقة التنازل عن العرش التى تقول سطورها: «نحن فاروق ملك مصر، تقديراً منا دوماً لمصالح دولتنا، فإنى بموجب هذا أتخلى وأتنازل بالنيابة عن أنفسنا وورثتى عن عرش مملكة مصر، وعن جميع حقوق السيادة والامتيازات والصلاحيات فى المملكة المذكورة وبشأن رعاياها، وأننا نعفى رعايانا من ولائهم لشخصنا.. صدر فى عابدين فى الرابع من فبراير 1942»، وأوشك الملك أن يوقع على تلك الوثيقة، لكن أحمد حسنين تحدث إلى الملك باللغة العربية حديثاً لم يعه لامبسون، وبعد لحظاتٍ من التوتر قال الملك لمايلز لامبسون: «أما من فرصة أخرى تُعطى لى؟ فقال لامبسون: «أعرف اقتراحك بالتفصيل»، فقال الملك: «أنا مستعد أن أستدعى النحاس باشا لتكليفه بتشكيل الوزارة وله حرية اختيار تشكيلها»، فقال لامبسون «موافق بشرط أن يتم التنفيذ فوراً»، وحاول الملك برغم آلامه النفسية أن يتظاهر بالود والبشاشة وشكر لامبسون على أنه دائماً ما يحاول مساعدته.


غادر لامبسون والجنرال ستون القصر وانسحبت القوات وظلت منتظرة خارج القصر، واتصل حسنين باشا بمايلز لامبسون قائلاً: «لا تزال الدبابات تحاصر القصر وتمنع أى قادم إليه من الدخول حتى النحاس لا يستطيع الدخول إلا إذا سحبت تلك الدبابات»، وصدرت التعليمات بعودة الدبابات إلى مواقعها، كان الملك فاروق لا يطيق لامبسون ولامبسون كان لا يطيق فاروق وظل نادماً لأنه لم يجبره على التنازل عن العرش فى 4 فبراير 1942. 
عاطف النمر 
من عدة مصادر

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة