مجدى نجيب وزوجته
مجدى نجيب وزوجته


رسالة مؤثرة من زوجة الشاعر الراحل مجدي نجيب

أخبار الأدب

السبت، 17 فبراير 2024 - 05:02 م

«يا مجدى؛ جعلتنى أسعد زوجة فى الدنيا، ولا أزال، فأنت معى، لم تذهب إلى أى مكان. أدخُل غرفتى فى الصباح ممسكة بكوب من «النسكافيه»؛ ألقى عليك التحية وأجلس إلى جوارك أشربه. لا أشعر أبدًا أننى فقدتك. مازلت معى أنت وابننا ياسر».

بتلك الكلمات عبَّرت المهندسة دلال جلال الدين جلال؛ عن إحساسها بزوجها الشاعر مجدى نجيب، بعد أيامٍ من رحيله، عقب أزمة صحية مفاجئة وضعت حدًا لمحنته النفسية التى بدأت فى شهر مايو 2023، تقول: «بدأت آلامه النفسية منذ وفاة ابننا الأصغر ياسر فى مايو الماضى، لم يتقبل الأمر.


اقرأ أيضاً | ياسر عبد الحافظ ..جنة مجدى نجيب!


حاولنا التخفيف عنه، ولم يتركه أصدقاؤه، صاروا يزورونه باستمرار ويتحدثون معه، ويطلبون منه الكتابة والرسم. لكن سرعان ما وقعت أحداث غزة وخلفت وراءها دمار وموت للأطفال. كانت إنسانيته عالية جدًا ويتأثر سريعًا، فأخذ يتابع أخبار الحرب على مدار الأيام، وبحسرة يقول لى: بيموِّتوا الأطفال يا دلال».

ظل مجدى نجيب يكتب ويقرأ حتى آخر نفس؛ لما قبل وفاته بأقل من شهر. لم ينزو سوى عن حضور الندوات والفعاليات الثقافية، لأن الوضع، كما تصفه زوجته؛ لم يعد يشبهه، فضلًا عن ضعف نظره وعدم حفظه لقصائده، مما يجعل حضوره كشاعر، دون أن يلقى شعره؛ منقوصًا.  لكن صحته كانت جيدة جدًا، إلى أن بدأت المحنة، تقول المهندسة دلال: «تلونت أطرافه باللون الأزرق، وصحب ذلك ألمًا فى يده جعله يتوقف عن الرسم، فذهبنا للطبيب وأجرى التحليلات، وأظهرت نتائجها أن نسب إنزيمات الكلى بها خلل بسيط، تحتاج لمكوثه فى المستشفى ليومين، فذهبنا يوم ٤ يناير؛ لأقرب واحدة لنا فى الدقى، ووضعوا له محاليل. كان جيدًا ويتحدث معنا، والأصدقاء يزورونه يوميًا بعد العصر، وبدأ يشعر بالتحسن ويستعد للخروج خلال يوم أو اثنين على الأكثر. لكننا فى اليوم التالى وجدنا الوضع مختلفًا تمامًا؛ كان يريد التحرك وحاول الممرض منعه، وأثناء الشد والجذب بينهما سقط على الأرض وأُصيب بكسرٍ فى مفصل الحوض، ومن بعدها بدأت الأزمات المتلاحقة؛ من تغيير المفصل والقسطرة، وقرح الفراش نتيجة عدم الاهتمام، والتى تسببت فى زيادة خلل إنزيمات الكلى. كلها كانت مفاجآتٍ متتالية وسريعة نتيجة سقوطه، لكنه كان فى كامل وعيه، إلى أن دخل فى غيبوبة قبل الوفاة بيوم ونصف اليوم».



أُسدِل الستار على رحلة حياة مشتركة امتدت لأكثر من 55 عامًا، منذ تزوجا فى 1968، وأنجبا ولديهما أحمد وياسر، لكن المشاعر ورِفقة الروح مازالت قائمة، منذ انطلقت شرارتها الأولى بين طالبة الفنون الجميلة والشاعر المختلف، تتذكر دلال جلال الدين: «كنت أدرس فى كلية الفنون الجميلة، وأهوى كتابة الشعر وتذوقه، وأشارك فى تنظيم النشاط فى الكلية؛ الفنى والسياسى والأدبى، كان يحضر فعالياته صلاح جاهين وعبد الرحيم منصور وأمل دنقل، وغيرهم من الشعراء الشباب حينذاك، فدعينا مجدى نجيب ذات مرة ولم يأتِ، وأزعجنى الأمر. بعد أيام فوجئت بالشاعر عبد الرحيم منصور يخبرنى بأن مجدى يريد أن أمر عليه فى «الكواكب»، ففعلت ذلك؛ وجدته قد أحضر لى لبانًا و«بونبون نادلر» باعتبار أننى طفلة».

بعد ذلك اللقاء صارت تقابله كثيرًا فى ندوات شعر، وفى ندوات العقاد فى مصر الجديدة؛ إلى أن ذهبت ذات عامٍ لتقضى إجازة الصيف فى «ميامى»، وبعد عودتها أخبرها عبد الرحيم منصور أنه كان مع مجدى فى الإسكندرية يبحثان عنها على كل «البلاجات»، وحكى لها كيف طلب منه مجدى ذلك فاستقلا القطار. ومن هنا تطورت علاقتهما وتزوجا، فقد جمع بينهما حب الشعر والندوات والموسيقى والمشى، وفى كنفه تعلمت إنسانيات راقية جدًا، تذكر منها مثلًا: «كان يرسم، ويرسل كتاباته إلى المجلات، مثل «ميكى» و«سمير» وغيرهما، فسألته ذات مرة: لمَ لا تكتب وأرسم أنا وكان رده: «سيبى بيت تانى يتفتح » فإذا كنا نأخذ مقابل الكتابة؛ لنترك مقابل الرسم لشخص آخر. وكذلك حين كانت تأتيه عروض من مجلات أطفال عربية يرفض قائلًا: «أنا عايز الطفل المصرى يتبسط ويبص على صورة حلوة ورسمة حلوة، وتكون لديه رؤية فنية». هكذا كان مجدى نجيب».

بدأت قصة مجدى نجيب مع الرسم منذ سُجِن فى أواخر الخمسينيات لآرائه السياسية، كان صغيرًا جدًا فى السن، وأحبه مأمور السجن، فصار يجلب له ألوانًا ويجعله يرسم ويأخذ لوحاته. ومن تلك التجربة كذلك، خرجت أغنيته العظيمة التى سجلها محمد منير بصوته «شبابيك».

بعد التخرج عملت المهندسة دلال معيدة لفترة، لكن الأجواء لم ترق لها، فانتقلت للعمل بالهيئة الهندسية لمعارض الدولية، وواصلت مسيرتها إلى أن خرجت للمعاش بدرجة مدير عام، ورغم ذلك كان مجدى نجيب دائم الرفض لفكرة إقامة معرض أو بيع لوحاته، وإنما كان يهدى رسوماته للأصدقاء، إلى أن أقنعوه بعد خروجه للمعاش، فأقام عددًا قليلًا من المعارض.

قيمة الاختلاف والتميز كانت هى الفكرة الرئيسية لحياة مجدى نجيب واختياره لمساراته، ولذلك حين شعر بانزواء القيم آثر الابتعاد، ونأى بنفسه عن اللقاءات والانتشار، تقول زوجته: «كان من أعز أصدقائه مثلًا؛ فاروق شوشة رحمه الله، وهو من أطلق عليه شاعر الألوان، فصُعب عليه جدًا أن يجلس مع آخرين أقل منه. وكان يرفض كذلك أى مقابلاتٍ أو حضور أعياد ميلاد أصدقائه من الفنانين مثل: عبد الحليم حافظ أو شادية. كنت أعتذر لهم بدلًا عنه».

وبحثًا عن القيمة ذاتها، ونشدًا للكمال؛ سافر مجدى نجيب إلى الدوحة لمدة أربع سنوات، ورغم الراحة التى لقاها هناك، لكنه لم يصل إلى مبتغاه، ولم يكن يرضى بأنصاف الحلول، فآثر العودة، لأن المهادنة ليست من طباعه، حتى ولو كان مع الست «أم كلثوم». تقول المهندسة دلال: «طلب منه الموجى كتابة قصيدة لأم كلثوم، كان اسمها «أهلاً بالحب» تقريبًا، وهى كانت تحب تغيير الكلمات، فيسأله الموجى ويعرض عليه التغيير فيوافق، لكن التعديلات حين زادت قال له مجدى: إن صلحت فيها شيئاً آخر لن أضع عليها اسمى. هذا أقصى ما يمكن أن أكون مسؤولًا عنه. وتكرر الأمر مع شريفة فاضل حين غنت «لما راح الصبر منى جانا يبحث عن دوا»، إذ قالت له «مقدرش أقول يبحث دى، خليها يسأل عادى» لكنه رفض التغيير».

كانت دلال جلال هى المستمع الأول لنصوصه فى أحيانٍ كثيرة، خاصة تلك التى لم يكن راضيًا عنها تمامًا. وهى بدورها كانت تمنحه مساحته الخاصة، تقوم فقط بواجباتها دون تدخلٍ، وحين يقرأ لها قصيدة أو أغنية تكتفى بقول «ربنا يحميك». تقول: «كان مختلفًا وواثقًا، لا يشبه أحداً، حتى فى كتاباته وأغانيه. كانت صوره الشعرية مبهجة وملونة وغير مباشرة، ولذلك استمر مع الزمن. أتذكر أننا – ذات مرة – ذهبنا إلى «دهب» فوجدنا بنتاً عمرها 17 سنة لديها كافتيريا، حين رأتنا قالت له غير مصدقة: «أنت الشاعر الكبير مجدى نجيب»، ثم سألته: «أنت اللى كاتب غاب القمر؟ فين مراتك؟» وحين رآتنى؛ قالت «ممكن أبوسه؟» فقلت لها «واحضنيه كمان». فرحت جدًا أن فتاة فى ذلك العمر فهمت «غاب القمر» وأحبتها».


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة