محمد متولى الشعراوى
محمد متولى الشعراوى


خواطر الشيخ محمد متولى الشعراوى «أياما معدودات»

الأخبار

الإثنين، 11 مارس 2024 - 09:54 م

 يقول الحق فى الآية 184 من سورة البقرة: «أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ» وكلمة أيَّامًا تدل على الزمن وتأتى مجملة، وقوله الحق عن تلك الأيام: إنها «مَّعْدُودَاتٍ» يعنى أنها أيام قليلة ومعروفة.

ومن بعد ذلك يوضح الحق لنا مدة الصيام فيقول: «شَهْرُ رَمَضَانَ الذى أُنْزِلَ فِيهِ القرآن هُدًى لِّلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِّنَ الهدى والفرقان...». ويقول فى الآية رقم (185): «شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِى أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ» إذن، فمدة الصيام هى شهر رمضان، ولأنه سبحانه العليم بالضرورات التى تطرأ على هذا التكليف فهو يشرع لهذه الضرورات، وتشريع الله لرخص الضرورة إعلام لنا بأنه لا يصح مطلقًا لأى إنسان أن يخرج عن إطار الضرورة التى شرعها الله، فبعض من الذين يتفلسفون من السطحيين يحبون أن يزينوا لأنفسهم الضرورات التى تبيح لهم الخروج عن شرع الله، ويقول الواحد منهم: «لا يكلف الله نفسًا إلا وسعها» «البقرة: 286». ونقول: إنك تفهم وتحدد الوُسعَ على قدر عقلك ثم تقيس التكليف عليه، برغم أن الذى خلقك هو الذى يُكلف ويعلم أنك تَسَعُ التكليف، وهو سبحانه لا يكلف إلا بما فى وسعك؛ بدليل أن المشرع سبحانه يعطى الرخصة عندما يكون التكليف ليس فى الوسع. ولنر رحمة الحق وهو يقول: «وَمَن كَانَ مَرِيضًا أَوْ على سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِّنْ أَيَّامٍ أُخَرَ»، وكلمة «مَرِيضًا» كلمة عامة، وأنت فيها حجة على نفسك وبأمر طبيب مسلم حاذق يقول لك: (إن صمت فأنت تتعب) والمرض مشقته مزمنة فى بعض الأحيان، ولذلك تلزم الفدية بإطعام مسكين. وكذلك يرخص الله لك عندما تكون «على سَفَرٍ». وكلمة «سَفَرٍ» هذه مأخوذة من المادة التى تفيد الظهور والانكشاف، ومثل ذلك قولنا: (أسفر الصبح). وكلمة (سفر) تفيد الانتقال من مكان تقيم فيه إلى مكان جديد، وكأنك كلما مشيت خطوة تنكشف لك أشياء جديدة، والمكان الذى تنتقل إليه هو جديد بالنسبة لك، حتى ولو كنت قد اعتدت أن تسافر إليه؛ لأنه يصير فى كل مرة جديدًا لما ينشأ عنه من ظروف عدم استقرار فى الزمن، صحيح أن شيئًا من المبانى والشوارع لم يتغير، ولكن الذى يتغير هو الظروف التى تقابلها، صحيح أن ظروف السفر فى زماننا قد اختلفت عن السفر من قديم الزمان. إن المشقة فى الانتقال قديمًا كانت عالية، ولكن لنقارن سفر الأمس مع سفر اليوم من ناحية الإقامة. وستجد أن سفر الآن بإقامة الآن فيه مشقة، ومن العجب أن الذين يناقشون هذه الرخصة يناقشونها ليمنعوا الرخصة، ونقول لهم: اعلموا أن تشريع الله للرخص ينقلها إلى حكم شرعى مطلوب؛ وفى ذلك يروى لنا جابر بن عبد الله رضى الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم فى سفر فرأى زحامًا ورجلا قد ظلّل عليه فقال: ما هذا؟ فقالوا: صائم. فقال: ليس من البر الصوم فى السفر). 


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة