فضيلة الإمام محمد عبده - قداسة البابا شنودة الثالث
فضيلة الإمام محمد عبده - قداسة البابا شنودة الثالث


كنوز|المصريون قلب واحد ينبض بتراويح وتراتيل وابتهالات الصيام

عاطف النمر

الأربعاء، 13 مارس 2024 - 05:01 م

كل عام وأنتم بخير، اليوم هو الرابع من أيام صيام شهر رمضان الكريم، والرابع أيضاً من أيام الصيام الكبير الذى يمتد «55 يوماً» عند المسيحيين، المسلمون والمسيحيون حلقوا معاً فى ساعة واحدة لنيل بركة فريضة الصيام فى مصر المحبة والخير والسلام، تقبل الله منهم صيامهم وقيامهم وحلت عليهم البركة بتراتيل وترانيم وابتهالات وتواشيح الصيام التى تهذب النفوس وتنقيها من الغل والحقد والحسد والكراهية، وتزرع فيها الطمأنينة والتقوى والورع والمحبة والتكافل والتكاتف بالإخاء والسلام. 

مصر يا سادة يا كرام كانت وستظل أرض الإيمان الفطرى المتجذر فى الجينات الوراثية، أهلها أول من عرفوا «فجر الضمير» كما يقول عالم الآثار الأمريكى «هنرى بريستد»، مصر جاءت أولاً ومن بعدها جاء التاريخ، بحضارتها وتدينها وضميرها وعلومها.. وعلمنا العالم الذى كان غارقاً فى الظلام بما حباها الله من بركة غير موجودة فى أى مكان، وجعلها فى وقت القحط وسنوات الجوع العجاف «سلة غذاء» للعالم المحيط بها، من ينظر لوجوه أهلها لن يعرف من منهم المسلم ومن منهم المسيحى، الأصل واحد والدم واحد والجينات واحدة، كلهم فى الأصل ينتمون لقبيلة «قفط» التى استمدت مصر اسم «إيجيبتوس» منها، ويقول الباحث الأثرى حسين دقيل: إن المصريين القدماء عرفوا شعيرة الصوم ومارسوها كنوعٍ من التقرب إلى الإله، ويقول د. وسيم السيسى: إنهم كانوا يصومون 30 يوماً وعُرف صيامهم فى اللغة الهيروغليفية بكلمة «صاو» التى تعنى «الامتناع». 

مصر المؤمنة بالفطرة فتحت أحضانها لإبراهيم أبو الأنبياء، ويوسف الصديق وأخوته وأبيه يعقوب، وعلى أرضها وُلد النبى «موسى» الذى تعلم بعلومها وتأدب بآدابها، واستقبلت مصر الطفل يسوع وأمه مريم الموصوفة فى القرآن الكريم بخير نساء العالمين، وفى فترة صيام «المسيح» أراد الشيطان اختباره لزعزعة صيامه بكل المغريات فقال له: «ابعد عنى يا شيطان.. ليس بالخبز وحده يحيا ابن الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله».

وأوصى النبى الكريم محمد بن عبد الله  بمصر خيراً، ووصف جنودها بخير أجناد الأرض، ومن الآية 183 بسورة البقرة يحدثنا القرآن الكريم عن فريضة الصيام فى قوله تعالى: «يا أيها الذين آمنوا كتب عليكم الصيام كما كتب على الذين من قبلكم لعلكم تتقون» «صدق الله العظيم»، أى أن الصيام يجلب التقوى، فهل هناك ما هو أجمل وأنفع من التقوى للإنسان المؤمن المحب لله ؟ 

وعن مفهوم وفضائل الصيام.. يقول لنا الشيخ المجدد الإمام محمد عبده: إن شهر رمضان هو الشهر الذى لا يتسع لغير العبادة المحضة كالذكر والصلاة والتلاوة، ويقول فى الجزء الرابع من الأعمال الكاملة صفحة 439 «إن الصيام أمرٌ موكول إلى نفس الصائم لا رقيب عليه فيه إلا الله تعالى، وحين يدع شهواته التى لولا اطلاع الله تعالى عليه ومراقبته لما صبر عليها، يحصل له من تكرار ذلك ملكة المراقبة لله تعالى والحياء منه أن يراه حيث نهاه، وفى هذه المراقبة كمال الإيمان بالله وتعظيمه وتقديسه من جهة، ويوضح فى كتاباته أن المرء حين يصوم فإنه يخوض معركة نفسية تُكسبه خلق الرجولة التى تأبى الاستسلام، وتمنحه ثلاث قوى معنوية وهى: الصبر والطاعة والنظام، ويمتد أثر الصوم إلى الوشائج الإنسانية، فينفخ الروح فى خلق المواساة، ويُذكّر بالرابطة الاجتماعية التى يعطف بموجبها الغنى على الفقير، ويثرى الصلة بالجار والقريب.

وللمسيحية مفهوم روحانى يوضحه قداسة البابا شنودة الثالث فى كتاباتٍ كثيرة تتناول مفهوم المسيحية للصيام وما يعود على الصائم من أفضالٍ فيقول قداسته: «فى الصوم الحقيقى يتدرب الصائم على ضبط النفس، الصوم ليس مجرد فضيلة للجسد بعيدًا عن الروح، فكل عمل لا تشترك فيه الروح لا يُعْتَبَر فضيلة على الإطلاق، الصوم فترة تُرفع فيها الروح وتجذب الجسد معها، ويظن البعض أن الصوم مجرد علاقة بين الإنسان والطعام دون أن يكون الله طرفًا ثالثًا فيها، الصوم الذى لا يكون الله فيه ليس صومًا على الإطلاق، والإنسان الذى يصوم فمه عن الطعام ولا يصوم قلبه عن الخطايا ولا يصوم لسانه عن الأباطيل صومه باطل، وأخطر ما يتعب البعض فى الصوم، أن يكون الجسد لا يتغذى والروح أيضًا لا تتغذى وهذا الوضع يجعل الصوم فترة حرمان أو تعذيب، وهذا ليس هو المعنى الروحى للصوم، آباؤنا لم يصوموا طاعة للوصية، إنما محبة للوصية، الطاعة درجة المبتدئين، لكن الحب هو درجة الناضجين والكاملين، والذين يصومون ولا يستفيدون من صومهم، فالعيب لم يكن فى الصوم وإنما فى الطريقة، فإما أنهم صاموا بطريقة جسدانية ولم يهتموا بالفضائل المصاحبة للصوم، أو أنهم اتخذوا الصوم غاية فى ذاتها، بينما هو مجرد وسيلة توصل إلى غاية، والغاية هى إعطاء الفرصة للروح، إن كنت فى خطية اصطلح مع الله، وإن كنت مُصْطَلِحًا معه عَمِّق محبتك له، وإن أبطلت الخطية فى الصوم، استمر فى إبطالها بعد فترة الصيام، لأن الذين يصومون وليس فى أصوامهم أى عمل روحى تكون أصوامهم ثقلًا عليهم وبلا فائدة»! 

ما أجمل هذه البركة التى جمعت بين المسلم والمسيحى على مائدة صيام رمضان.. ومائدة الصيام المسيحى الكبير بروحانياتٍ تبهج النفس بالتراتيل والابتهالات والتواشيح والأدعية الدينية التى تسمو بالنفس وترتقى بالوجدان لمساعدة الفقير والمحتاج محبة فى الله. 
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة