السيدة الجليلة صفية زغلول «أم المصريين»
السيدة الجليلة صفية زغلول «أم المصريين»


كنوز| «أم المصريين» فى مرآة العقاد

عاطف النمر

الأربعاء، 20 مارس 2024 - 08:15 م

لم تنل امرأة مصرية، قبلها أو بعدها، لقب «أم المصريين» برغم أنها لم تنجب واحداً أو واحدة من ملايين المصريين فى زمانها، تشرفت باللقب واللقب تشرف بها، فهى «صفية» هانم ابنة مصطفى فهمى باشا الذى كان رئيساً لوزراء مصر أواخر القرن 19، وعندما تزوجت من زعيم الأمة سعد باشا زغلول أصبح اسمها «صفية زغلول»، أحبها ملايين المصريين عندما قادت المظاهرات النسائية فى ثورة 19، فأطلقوا عليها «أم المصريين» أعز وأغلى اسمٍ تحمله سيدة «بيت الأمة»، ونقتبس بعض فقراتٍ من المقال الذى كتبه عنها المفكر الكبير عباس محمود العقاد فى مجلة «المصور» عام 1950 بعنوان «بيت الأمة قدوة للبيوت» ويقول فيه : 

«أول ما أعلمه عن السيدة الجليلة «أم المصريين» أنها كانت نموذج الزوجة المثالية للرجل العظيم، كانت تثق بعظمة «سعد»، كانت عظمته آية فى القوة الواضحة، وكان إيمانها آية فى الفطنة وصدق الشعور، كانت تثق به فيما تعلم وفيما لا تعلم، وحدثتنى عن عاداته فقالت: «إن سعدًا كان يطلعنى على كل شيء يهمه، فإذا كان فى الأمر ما يشغله ويحب ألا يتحدث فيه وضع أصبعه على فمه مازحًا إشارة إلى السكوت فأتركه فى تلك اللحظة ولا أكرر عليه السؤال»، كانت تثق بلطفه ورقة حسه، كما كانت تثق بقدرته وشدة بأسه، واتفق مرة أن جماعة من جمهرة الشعب قدموا إلى «بيت الأمة» صاخبين مندفعين، يعلنون احتجاجهم على اعتقال «سعد» وإقصائه إلى منفاه وهم يلوحون بالهراوات فى الهواء ويضربون بها الجدران والعمدان هنا وهناك، فخرجت إلى الشرفة وصاحت بهم : « ما هذا؟ أبمثل هذه المظاهرة تحيون سعدًا وتذكرونه؟! من تظنون سعدًا؟ إن سعدًا كان لطيفًا، لا يحب العنف، ولا يسره أن يراه».

كانت تثق به وكتب إليها بعض الحاقدين فى أول عهدهما بالزواج يقول لها: «إن سعدًا تزوج فى شبابه من إحدى بنات بلدته، وإن له ذرية من زوجته الأولى، وشاعت هذه الفرية لكنها كذبتها دون أن تسأل عنها، وجزمت باستحالتها، لأن رجلًا فى مثل أخلاقه التى عهدتها لن يكذب عليها ولن يخدعها، وقد بحثت وسألت وتأكدت أن إحساسها كان صادقاً تجاه زوجها العظيم، والقصة مختلقة تماماً!».

ويقول العقاد: «السيدة الجليلة صفية زغلول المُلقبة بأم المصريين كانت ربة منزل كما كانت شريكة حياة، رأيتها فى «مسجد وصيف» تشرف بنفسها على المطبخ وإعداد الطعام، وعلمت أنها لم تنقطع يومًا عن هذه العناية منذ احتاج زوجها العظيم إلى التغذية الخاصة التى توافقه فى حالته الصحية، ومعنى ذلك أن هذه السيدة ربيبة النعمة والحسب، وربة الخدم والأتباع، تدين نفسها بالواجب الذى يأنف منه كثير من الزوجات، وهن لا يرتفعن إلى منزلتها فى الحسب والتربية والمكانة الاجتماعية، عاشت مع زوجها نحو عشرين سنة حافظت خلالها «أم المصريين» على الوئام والمودة بالخلق الكريم والروح السمح والأدب الرفيع، وظلت محافظة على هذه الوحدة الروحية بعد أن فصل الموت بينها وبين شريكها فى الحياة، فلم تلقَ بعد وفاته أحدًا من قصاد «بيت الأمة» غير الذين لقيتهم عند سعد فى حياته، ولم تنقل شيئًا من أثاث المنزل إلى موضعٍ غير الموضع الذى رآه، فكان «بيت الأمة» قدوة للبيوت التى تتمناها الأمة لجميع أبنائها، بيت يعيش فيه إنسانان معيشة إنسانٍ واحد، فلا فاصل بينهما فى الحياة ولا بعد الممات، وقد نُفى «سعد» مرتين: مرة إلى جزيرة مالطة، ومرة إلى سيشل ثم جبل طارق. وفى كلتا المرتين كانت «أم المصريين» تلحُّ على السلطة فى إلحاقها بقرينها المنفى، ولحقت به فعلًا فى منفاه بجبل طارق، ولم تكفَّ عن طلب اللحاق به فى «سيشل» إلا حين علمت أن غيابها عن مصر مقصود للقضاء على شعلة الحماسة التى كانت تذكيها فى مصر بوجودها فى «بيت» الأمة، ومخاطبتها الشعب من حينٍ إلى حين بما يحفظ تلك الحماسة متقدة فى الصدور، فكانت «أم المصريين» قدوة للمصريات !

عباس محمود العقاد «المصور» - يناير 1950
 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة