عبد الحليم حافظ
عبد الحليم حافظ


حادث صنع مستقبلى

عاطف النمر

الأربعاء، 27 مارس 2024 - 04:54 م

بقلم: عبد الحليم حافظ

كان حادثاً مشئوماً لزمت الفراش بعده سبعة شهور كاملة، أتكلم بصعوبة ولا أتحرك! ورغم هذا فقد تركت المستشفى لأسير فى طریق جدید، كان فى نهايته میكروفون وقفت لأغنى أمامه. لم أكن وأنا فى التاسعة من عمرى أقلد المطربين وأثير الإعجاب بهـذا التقليد، لم أكن أتصور أننى سأصبح مطرباً، كانت أسرتى وأنا فى تلك السن تحرص على أن توجهنى لأكون طبيباً أو محامياً أو مهندساً، لأن أسرتى وجهت شقیقی إسماعيل إلى معهد فؤاد للموسيقى ليكون مطرباً. ولم يكن فى بيتها أن تتركنى أحذو حذوه، وفى مدرسة الزقازيق الابتدائية كانت لنا فرقة موسيقية وكان لنا مدرس موسيقى من الطراز القديم يلقننا درساً واحداً من دروس النوتة فى أسابيع، ويقول لنا: إنه يريدنا أن نتمكن من كل شيء يلقنه لنا، ولكنى ثرت على هذا الوضع وقلت لناظر المدرسة: إننا نريد أن نتعلم الموسيقى بسرعة، فضحك الناظر وقال: «بكرة تتعلم وتبقى مطرب كبير».

كان أخى إسماعيل يعلمنى ما يعلمونه فى المعهد.. وبهذه الطريقة استطعت أن أكون رئيس فريق الموسيقى فى المدرسة، وحدث وأنا فى السنة الرابعة أن كنت ألعب مع بعض أصدقائى فى بيتنا وسقطت من الدور الثانى فُكسرت ساقی، ونقلتنى عربة الإسعاف الى المستشفى وأنا فى غيبوبة، لا أتكلم ولا أحس بما يدور حولى وكانت نتيجة الأشعة مؤلمة، لم أعرفها من الطبيب ولكنى عرفتها من دموع أهلى الذين التفوا حول فراشى، وكان يجب أن أتجلد وألا أيأس، ونقلونى إلى القاهرة لأعُالج فى أحد المستشفيات المجهزة لحالتى الخطيرة، وقال الأطباء: إننى سأمكث فى الفراش 7 شهور، ولم يكن هناك مفر من قبول هذا الحكم فى سبيل الشفاء !

كان أخى إسماعيل يجيء لزيارتى فى المستشفى كل يوم، ويحضر لى ما عنده من كتب الموسيقى وتراجم أعلامها، ویزودنی بمؤلفاتٍ عن الغناء ومضت الشهور واستطعت أن أتحرك قليلاً وأتنقل وأنا أتوكأ على عصا، وبشرنى الأطباء خيراً، ولم يبقِ على خروجى إلا أسبوعان حين جاء أخى إسماعيل يقول: إنه قدم لى طلباً لألتحق بمعهد الموسيقى لأنه لاحظ شغفى بها،  فرحت وأحسست أننى أريد أن أقفز من فراشى، وجاءت الأسرة من الزقازيق لزيارتى وتولى إسماعيل إقناعهم بما فعل، ورحت أرقب النقاش فى لهفة، واستطاع إسماعيل أن یكسب تأييدهم لنا، ومكثت فى معهد فؤاد للموسيقى ثلاث سنوات، ثم التحقت بالمعهد العالى للموسيقى المسرحية فرسبت فى امتحان القبول، ولم أفقد الأمل بل تقدمت للالتحاق مرة ثانية ونجحت، وفى المعهد العالى تعرفت على زميلى كمال الطويل الذى مهد لى سبلاً كثيرة، فقد سمع صوتى وقال: إننى سأصير مطرباً، ثم أسمعنى ألحانه فقلت له: إنه سیكون موسیقاراً.

وازداد اقتناعاً بأن صوتی جمیل، وازددت اقتناعاً بأن موسيقاه رائعة، وأخذ يضع لى ألحاناً فأغنيها، وكنا لا نفترق، ثم تخرجنا من المعهد، وعُينت مدرساً للموسيقى فى طنطا، وانتقلت منها إلى الزقازيق، وسعيت لأنتقل الى القاهرة وفى اليوم الأول لوصولى للقاهرة ذهبت لأسلم على صديقى كمال الطويل الذى تم تعيينه فى الإذاعة، ووجدته فى لجنة لسماع الأصوات الجديدة، قرأ البطاقة التى أرسلتها له فأسرع ليستقبلنى، ويدخلنى لأعضاء اللجنة ويقول لهم: «عبد الحليم شبانة سيغنى لكم !»، واعتقدت أنه يضحك لكنه ألح فغنيت واستعادونى مرة ثانية وثالثة.. واتفقوا على الإعجاب بى، وهكذا وقفت أمام الميكروفون، وكان السبب حادثاً مشئوماً، وضعنى على أول طريق وجدت فى نهايته میكروفوناً!

«الكواكب» - مايو ١٩٥٧

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة