مصطفى صادق الرافعي
مصطفى صادق الرافعي


مصطفى صادق الرافعي.. معجزة الأدب العربي الـ «صماء»

بوابة أخبار اليوم

السبت، 11 مايو 2024 - 10:51 م

كتبت : نجلاء اسماعيل

 لقب بـ «معجزة الأدب العربي» نظر لما قدمه من كتاباته الرائعة والتي خطفت قلوب محبيه وقرائه، هو مصطفى صادق الرافعي أحد الكتاب والشعراء الذين رحلوا عن عالمنا تاركاً ارث من الكتابات الرائعة والمتميزة.

ونرصد في سطور أبرز وأهم محطات في ذكرى رحيل الكاتب والشاعر مصطفى صادق الرافعي 

نشأة مصطفى صادق الرافعي

الكاتب مصطفى صادق بن عبد الرزاق بن سعيد بن أحمد بن عبد القادر الرافعي يعود نسبه إلى الخليفة عمر بن الخطاب، حيث ولد في بيت جده لأمه في قرية بهتيم بمحافظة القليوبية، في يناير سنة 1880 وعاش حياته في طنطا، وينتمي إلى مدرسة المحافظين وهي مدرسة شعرية تابعة للشعر الكلاسيكي ولقب ب«معجزة الأدب العربي»، ودخل الرافعي المدرسة الابتدائية في دمنهور حيث كان والده قاضيا بها، وحصل على الشهادة الابتدائية بتفوق

وتولى والده منصب القضاء الشرعي في كثير من أقاليم مصر، وكان آخر عمل له هو رئاسة محكمة طنطا الشرعية. أما والدة الرافعي فكانت سورية الأصل كأبيه وكان أبوها الشيخ الطوخي تاجرًا تسير قوافله بالتجارة بين مصر والشام، وأصله من حلب، وكانت إقامته في بهتيم من قرى محافظة القليوبية.

إعاقة مصطفى صادق الرافعي 

أصيب بمرض يقال أنه التيفود أقعده عدة شهور في سريره وخرج من هذا المرض مصابًا في أذنيه، واشتد به المرض حتى فقد سمعه نهائيا في الثلاثين من عمره، لم يحصل الرافعي في تعليمه النظامي على أكثر من الشهادة الابتدائية، مثله مثل العقاد في تعليمه، فكلاهما لم يحصل على شهادة غير الشهادة الابتدائية، كذلك كان الرافعي صاحب عاهة دائمة هي فقدان السمع، ومع ذلك فقد كان الرافعي من أصحاب الإرادة الحازمة القوية فلم يعبأ بالعقبات، وإنما اشتد عزمه وأخذ نفسه بالجد والاجتهاد، وتعلم على يد والده وكان أكثر عمل عائلته في القضاء.

وظيفته

كان كاتبًا ومقدرًا ماليًا لرسوم القضايا والعقود في محكمة طلخا.

ترك كتابة الشعر 

لم يستمر الرافعي طويلا في ميدان الشعر، فقد انصرف عنه إلى الكتابة النثرية لأنه وجدها أطوع، وأمام ظاهرة انصرافه عن الشعر، يتبين أنه كان على حق في هذا الموقف؛ فعلى الرغم مما أنجزه في هذا الميدان الأدبي من نجاح، ورغم أنه استطاع أن يلفت الأنظار، إلا أنه في الواقع لم يكن يستطيع أن يتجاوز المكانة التي وصل إليها الشعراء الكبار في عصره، وخاصة أحمد شوقي وحافظ إبراهيم، فقد عبر هذان الشاعران عن مشاعر الناس وهمومهم في هذا الجيل.

اعتراض الرافعى على قيود الشعر العربي القليدى 

أطلق مصطفى صادق الرافعي أول صرخة اعتراض على الشعر العربي التقليدي في أدبنا، فقد كان يقول: «إن في الشعر العربي قيودًا لا تتيح له أن ينظم بالشعر كل ما يريد أن يعبر به عن نفسه» وهذه القيود هي الوزن والقافية. كانت وقفة الرافعي ضد قيود الشعر التقليدية أخطر وأول وقفة عرفها الأدب العربي في تاريخه الطويل

 وتعود أهمية هذه الوقفة أنها كانت في حوالي سنة 1910 وقبل ظهور معظم الدعوات الأدبية الأخرى التي دعت إلى تحرير الشعر العربي جزئيًا أو كليًا من الوزن والقافية،

الميدان الأول الذي انتقل إليه الرافعي، الذي كان مقيدًا بالوزن والقافية، هو ميدان النثر الشعري الحر في التعبير عن عواطفه العتيقة التي كانت تملأ قلبه ولا يتعداها إلى تصرفات تخرج به عن حدود الالتزام الأخلاقي والديني كما كان يتصوره

أهم كتاباته 

اهتم مصطفى صادق الرافعي بالدراسات الادبية وأهمها كان كتابه عن تاريخ آداب العرب وهو كتاب بالغ القيمة، ولعله كان أول كتاب في موضوعه يظهر في العصر الحديث، لأنه ظهر في أوائل القرن العشرين وبالتحديد في سنة 1911، ثم كتب الرافعي بعد ذلك كتابه المشهور تحت راية القرآن وفيه يتحدث عن إعجاز القرآن. ويرد على آراء الدكتور طه حسين في كتابه المعروف باسم في الشعر الجاهلي.

يأتي الميدان الأخير، الذي تجلت فيه عبقرية الرافعي ووصل فيه إلى مكانته العالية في الأدب العربي المعاصر والقديم، وهو مجال المقال، والذي أخلص له الرافعي في الجزء الأخير من حياته وأبدع فيه إبداعاً عجيباً، وهذه المقالات جمعها الرافعي فكانت كتابه وحي القلم.

وفاته

في يوم الاثنين 29 صفر 1356 هـ الموافق 10 مايو 1937 م استيقظ الرافعي لصلاة الفجر، ثم جلس يتلو القرآن، فشعر بحرقة في معدته، تناول لها دواء، ثم عاد إلى مصلاه، ومضت ساعة، ثم نهض وسار، فلما كان بالبهو سقط على الأرض، ولما هب له أهل الدار وجدوه قد أسلم الروح، وحُمل جثمانه ودفن بعد صلاة الظهر إلى جوار أبويه في مقبرة العائلة في طنطا. توفي مصطفى صادق الرافعي عن عمر يناهز 57 عاماً.

وبهذه المناسبة ننشر أحد الأعمال الأدبية المميزة لمصطفى صادق الرافعي من كتاب " وحي القلم "

أيها البحر 

إذا احتدم الصيف، جعلتَ أيها البحر للزمن فصلًا جديدًا يُسمَّى الربيع المائى، وتنتقل إلى أيامك أرواح الحدائق، فتنبت فى الزمن بعض الساعات الشهية كأنها الثمر الحلو الناضج على شجره، ويوحى لونك الأزرق إلى النفوس ما كان يوحيه لونُ الربيع الأخضر، إلا أنه أرق وألطف، ويرى الشعراء فى ساحلك مثل ما يرون فى أرض الربيع، أنوثة طاهرة، غير أنها تلد المعانى، ويُحِسُّ العشاق عندك ما يحسونه فى الربيع: أن الهواء يتأوَّه.

فى الربيع، يتحرك فى الدم البشرى سر هذه الأرض، وعند الربيع المائى يتحرك فى الدم سر هذه السحب، نوعان : هواء الربيع وهواء البحر، يكون منهما سُكْر واحد من الطرب، وبالربيعَيْن: الأخضر والأزرق، ينفتح بابان للعالم السحرى العجيب؛ عالم الجمال الأرضى الذى تدخله الروح الإنسانية كما يدخل القلبُ المحب فى شعاع ابتسامة ومعناها، وفى الربيع المائى يجلس المرء، وكأنه جالس فى سحابة لا فى الأرض، ويشعر كأنه لابس ثيابًا من الظل لا من القماش؛ ويجد الهواء قد تنزَّه عن أن يكون هواء التراب، وتخفُّ على نفسه الأشياء، كأن بعض المعانى الأرضية انتُزِعت من المادة.

وللشمس هنا معنى جديد ليس لها هناك فى دنيا الرزق، تشرق هنا على الجسم، أما هناك فكأنما تطلع وتغرب على الأعمال التى يعمل الجسم فيها، الشمس هنا جديدة، تُثبت أن الجديد فى الطبيعة هو الجديد فى كيفية شعور النفس به، والقمر زاهٍ، كأنه اغتسل وخرج من البحر، أو كأنه ليس قمرًا، بل هو فجرٌ طلع فى أوائل الليل، فحصرته السماء فى مكانه ليستمر الليل، فجرٌ لا يوقظ العيون من أحلامها، ولكنه يوقظ الأرواح لأحلامها، ويلقى من سحره على النجوم فلا تظهر حوله إلا مستبهِمة كأنها أحلام معلقة، وللقمر هنا طريقةٌ فى إبهاج النفس الشاعرة، كطريقة الوجه المعشوق حين تقبِّله أول مرة، وللربيع المائى طيوره المغردة وفراشه المتنقل: أما الطيور فنساء يتضاحكن، وأما الفراش فأطفال يتواثبون، نساءٌ إذا انغمسن فى البحر، خُيِّل إلىَّ أن الأمواج تتشاحن وتتخاصم على بعضهن، رأيت منهن زهراء فاتنة قد جلست على الرمل جِلسة حواء قبل اختراع الثياب، فقال البحر : يا إلهى! 

أيها البحر، قد ملأتْك قوةُ الله لتثبت فراغ الأرض لأهل الأرض، ليس فيك ممالك ولا حدود، وليس عليك سلطان لهذا الإنسان المغرور، وتجيش بالناس وبالسفن العظيمة، كأنك تحمل من هؤلاء وهؤلاء قشًّا ترمى به، والاختراع الإنسانى مهما عَظُمَ لا يغنى الإنسانَ فيك عن إيمانه، وأنت تملأ ثلاثة أرباع الأرض بالعظمة والهَوْل، ردًّا على عظمة الإنسان وهوله فى الربع الباقى؛ ما أعظمَ الإنسانَ وأصغرَه!

ينزل فى الناس ماؤك فيتساوون، ويركبون ظهرك فى السفن فيحِنُّ بعضهم إلى بعض حتى لا يختلف باطن عن باطن، تُشعرهم جميعًا أنهم خرجوا من الكرة الأرضية ومن أحكامها الباطلة، وتُفقرهم إلى الحب والصداقة فقرًا يريهم النجوم نفسها كأنها أصدقاء، إذ عرفوها فى الأرض، يا سحر الخوف، أنت فى اللجة كما أنت أنت فى جهنم، وإذا ركبك الملحد، فرجفتَ من تحته، وهدرتَ عليه وثُرْتَ به، وأريتَهُ رأى العين كأنه بين سماءين ستنطبق إحداهما على الأخرى، فتُقْفَلانِ عليه، تركته يتطأطأ ويتواضع! 

ألا ما أشبه الإنسان فى الحياة بالسفينة فى أمواج هذا البحر! إنِ ارتفعتِ السفينةُ أو انخفضت، فليس ذلك منها وحدها بل مما حولها، ولن تستطيع أن تملك من قانون ما حولها شيئًا، ولكن قانونها الثبات والتوازن ونجاتُها فى قانونها، فلا يَعْتِبَنَّ الإنسان على الدنيا وأحكامها، ولكن فليجتهد أن يحكم نفسَه.

من كتاب «وحى القلم»

المصدر مركز معلومات أخبار اليوم

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

مشاركة