هالة العيسوى
هالة العيسوى


من وراء النافذة

مفاجآت مصنع الرؤساء

هالة العيسوي

الأربعاء، 22 مايو 2024 - 05:54 م

بكثير من الإعجاب وقليل من الدهشة تابعت تحركات طلاب الجامعات الأمريكية، واحتجاجاتهم على الممارسات العدوانية الإسرائيلية ودعمهم للفلسطينيين من أجل وقف الحرب على غزة،  وجرأتهم فى المطالبة بمقاطعة الشركات التى تتعامل مع إسرائيل والمستثمرين الذين يستخدمون حواصل الرسوم الدراسية فى تمويل حربها الغاشمة على الفلسطينيين. وبما أن العديد من الجامعات الأمريكية يمتلك وقفًا، عبارة عن أموال يتم التبرع بها ويتم استثمارها بشكل عام فى الأسهم والسندات والأدوات المالية الأخرى لمساعدة الجامعة على كسب المال، فإن الطلاب يطالبون جامعاتهم أيضًا بسحب استثماراتهم تلك. 

غضبة المجتمع الأكاديمى الغربى على إسرائيل ليست جديدة، فقبل سنوات من الآن كان للأكاديميين البريطانيين من أساتذة وعلماء قصب السبق فى المطالبة، بل والإقدام على مقاطعة الأكاديميين الإسرائيليين والامتناع عن التبادل العلمى مع المؤسسات الأكاديمية الإسرائيلية.

لكن احتجاجات الطلاب الأمريكيين التى تدحرجت مثل كرة اللهب، فأصابت مختلف المؤسسات الأكاديمية بنوعيها العام والخاص، لها طعم خاص. فقد تحركت  النوازع الإنسانية لدى هذا الجيل من الشباب، بعيدا عن حسابات السياسة وأروقة الحكم، وإيمانًا منهم بضرورة ممارسة حقهم فى حرية التفكير وحرية التعبير واحترام الرأى الآخر وهى القيم التى يغرسها المجتمع الأكاديمى الأمريكى فى طلابه. مع ذلك لم تسلم هذه القيم من تدخلات ونفوذ اللوبيات الصهيونية المختلفة، التى استهدفت رؤساء جامعات كبرى مثل هارفارد وبنسلفانيا ومعهد ماساشوستس للتكنولوجيا الذين خضعوا للتحقيق وأجبر بعضهم على الاستقالة لأنهم سمحوا للطلاب بالتعبير عن رأيهم. أو من تسليط سوط الاتهام بمعاداة السامية، أو الصراخ بمظلومية الخوف على أمن الطلاب اليهود فى هذه الجامعات وتعرضهم لموجات من العداء والكراهية من جانب زملائهم المناصرين للفلسطينيين.

المفاجأة الحقيقية جاءت من جامعة ييل تحديدًا حين خرج العشرات من طلابها فى مظاهرات دعم للفلسطينيين، وتعرض بعضهم للاعتقال. بل إن طلابًا يهودًا شاركوا زملاءهم فى احتجاجاتهم المناصرة لغزة، والمطالبة بوقف الحرب. قد يكون حجم حركتهم ضئيلا نسبيًا مقارنة بأقرانهم فى الجامعات الأمريكية الأخرى، لكن لهذه المفاجأة دلالة معينة تناقض الخصوصية الفكرية والعقائدية التى تتمتع بها جامعة ييل العريقة؛ ثالث أقدم مؤسسات التعليم العالى فى الولايات المتحدة. فهى من الجامعات المحافظة، تحكمها قيود شديدة الإحكام وتضم أخويات لها طقوس غريبة وسرية ترتبط بمجتمع التنويريين والماسونيين (شعارها: النور والحقيقة)، ولطالما نسب إليها أنها معقل رواد فكرة «النظام العالمى الجديد»، وتشتهر بأنها مصنع الرؤساء الأمريكيين؛ تخرج فيها كل من الرؤساء جورج بوش (الأب والابن)، وبيل كلينتون وزوجته هيلارى، وجيرالد فورد، كذلك نواب الرئيس ديك تشينى وجون كيرى وجو ليبرمان وغيرهم من كبار السياسيين والحزبيين الأمريكيين. وجميعهم خضعوا لطقوس الانضمام الرهيبة للأخويات السرية، اثناء دراستهم بالجامعة، ثم جمعتهم شبكات خفية بعد التخرج، كانت هى النواة لتشكيل التيار المسيحى الصهيونى.

أن تشهد مثل هذه الجامعة مظاهرات طلابية مناصرة للحق الفلسطينى، وأن يكون منهم يهود تحدثوا بلسان توراتى دينى مناهض للصهيونية هذا هو الجديد. على أمل أن يتخذ «التنوير» عندهم منحىً موضوعيًا بلا انحياز أعمى للدولة الصهيونية، ويكون شعار النور والحقيقة اسمًا على مسمى.
 

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة