حامد عز الدين
حامد عز الدين


آخر صفحة

حامد عز الدين يكتب: هل كانت هى العودة من الموت؟

حامد عز الدين

الثلاثاء، 28 مايو 2024 - 08:17 م

كانت آلام الذبحة القلبية التي عانيت منها في العام 2003 أقسى بكثير من الاحتمال، وعلى الباب الخارجي لمستشفى عين شمس التخصصي، كان أحدهم يكاد يعدو بي بأقصى سرعته وأنا على الكرسي المتحرك، عندما دخلنا الى قسم الطوارئ، كان هناك طبيبان تخصص قلب بقسم الطوارئ، صاح أحدهما بصوت عالٍ بمجرد أن رآني: «جهاز القلب الاصطناعي بسرعة»، فتحرك الجميع، بعد لحظات وفيما الطبيبان و3 ممرضات يعملون في توصيل جهاز القلب الاصطناعي، وفيما الألم يتزايد، وفي لحظة واحدة زال كل شعور بالألم، ووجدتني أتنفس بسلاسة عجيبة، حتى أن شعورا بالاندهاش ملأني وتساءلت لماذا لم يعرف الطبيبان والممرضات بأن الألم توقف تماما، وحاولت أن أبشرهم بزوال الألم لكنني أحسست بأنهم بعيدون عني، بل وأنني أنظر إليهم وهم في الأسفل وظهري في سقف الغرفة شديد الارتفاع وأرى رؤوس الجميع من أعلى، فهناك شعر أسود كثيف وهناك صلعة طبيب آخر وهنا أغطية رؤوس الممرضات الزرقاء الفاتحة ومواقع المشابك المربوطة بها في شعر الرأس. شعور بالسهولة الشديدة في التنفس من دون ألم بالمرة، لكنهم كانوا لا يزالون منشغلين بالانتهاء من توصيل جهاز القلب الاصطناعي، وأنا أشعر برغبة في طمأنتهم بأنني لا أشعر بأي ألم. 

فجأة شعرت وكأنني أصعد إلى أعلى ومعي جميع من في غرفة الطوارئ، وأن ظهري المتجه إلى أعلى يخترق السقوف، سقفا ثم ثانيا ثم ثالثا، ثم رابعا حيث نستقر في غرفة بها ثلاثة أسرة موصولة كلها بأجهزة تنفس صناعي، وضعوني على أحدها، وبدأوا في توصيل ذراعي وساقي اليمنى بالأسلاك الخاصة بالأجهزة وأنا لا أزال أتابع من أعلى. وفي لحظة واحدة عاد الألم الشديد وشعرت بأن ظهري عاد إلى مكانه الطبيعي على السرير.

وسمعت بكاء ابنتي الكبرى هند «الدكتورة هند حامد عزالدين أستاذ الشعر الإنجليزي بجامعة عين شمس حاليا»، وكان الألم قد بدأ يخفت شيئا فشيئا، وسمعت بكاءها بوضوح ونظرت إلى حيث كانت واقفة بجوار باب وأشرت إليها بالاقتراب مني، فاقتربت دامعة، فدمعت عيناي وأنا أؤكد لها أن الأزمة في طريقها إلى الانتهاء وأدعوها إلى أن تتوقف عن البكاء. 

وقبيل العاشرة صباح اليوم ذاته، أفقت على وجودي في غرفة واسعة للغاية، مليئة بنحو 20 سريرا على كل منها مريض ينتظر دوره لإجراء جراحة قسطرة في القلب، وقضيت أقل من 45 دقيقة تحت جهاز القسطرة القلبية، وبعدها خرجت إلى غرفة عادية، محاطا بعدد غير قليل من أهلي وأقاربي واًصدقائي الذين كانوا في منطقة جراحات القسطرة القلبية. وكنت أحاول التخفيف من مشاعر القلق التي يعيشونها وعاشوها وأؤكد لهم أن الخطر زال تماما محاولا تبسيط ما جرى بالابتسام تارة وبإلقاء النكات تارة أخرى.

وبعد العودة إلى غرفة الطوارئ بدأت أسأل عن الطابق الذي توجد فيه غرفة الطوارئ لأتأكد مما كان هو الطابق الرابع، وأسأل عن صلعة طبيب الاستقبال لأتأكد مما إذا كان هناك طبيب أصلع في تلك الليلة، وعن ألوان أغطية وعدد الممرضات اللائي شاهدت رؤوسهن وظهري إلى السقف. وتأكدت من كل ما شاهدته في تلك الليلة سوى الوقت الذي استغرقه الصعود بي إلى غرفة الرعاية المركزة منذ وصولي، وهو ما كان هناك اتفاق على أنه لم يزد كله عن 12 دقيقة. 

وهنا بدأت أتذكر التجارب التى تناولها رايموند مودي في كتابه الذي ترجمته قبل ذلك بنحو العشرين عاما، والتي تحدث فيها عن تجارب موت حقيقية لأشخاص مازالوا على قيد الحياة، وهي روايات لأولئك الأشخاص الذين اتفقوا في مشاهداتهم بنسبة كبيرة رغم عدم معرفتهم ببعضهم وانتمائهم إلى دول وجنسيات وديانات ومعتقدات مختلفة. 

وحددت تلك الروايات التي شملها تحقيق رايموند مودي خمس مراحل أساسية لتجربة الموت التي خاضها هؤلاء الأفراد وتم تصنيف تلك المراحل على النحو التالي: 

1- مرحلة الخروج من الجسد في الظلام والشعور الداخلي بالسلام والسكون والسعادة والخفة وقد اجتازها 60 في المائة من الناجين. 

2- مرحلة التواجد خارج الجسد: وتعد المرحلة الأولى لانفصال الروح عن الجسد وقد روى عدد من المشاركين في الدراسة أنهم كانوا يحلقون في الهواء وينظرون لأجسادهم وهي ممددة على السرير أو في غرف العمليات محاطة بالأطباء الذين يحاولون إنقاذهم، كما روى شخص مر بالتجربة إثر حادث سير أنه كان يحلق فوق مكان الحادث ويتابع عملية إخراج رجال الإسعاف لجسده من تحت السيارة ويستمع لحديثهم وقد اجتاز هذه المرحلة 37 في المائة من الناجين. 

3 - مرحلة الدخول في نفق مظلم: وقد اجتازها 23 في المائة من الناجين وتحدث بعضهم عن شعورهم بأنهم كانوا يحلقون بسرعة كبيرة جداً داخل ذلك النفق المظلم وأنهم فقدوا رهبتهم من الموت في هذه المرحلة. 

4 - مرحلة رؤية النور الذهبي: وقد شاهده 16 في المائة من الناجين حيث يتمثل ذلك النور في نقطة بعيدة شعروا بأنهم يقتربون منها شيئا فشيئاً لتكتسب حرارة ولوناً غريباً وتشع سلاماً ومحبة. 

5 - مرحلة الذوبان داخل النور: وقد اجتازها 10 في المائة من الناجين، وأكدوا جميعهم أن ذلك النور احتواهم بمحبة وحنان كبيرين. 

ولوحظ أن الذين نجوا من الموت بعد محاولات انتحار قاموا بها لم يمروا بأغلب تلك المراحل واقتصرت مشاهداتهم على ضباب كثيف وسماع بعض الأصوات، كما لوحظ أنه كلما كانت تجربة الموت عميقة عزف أصحابها عن الحديث عنها لدرجة أن بعضهم كان يصاب بنوبة من البكاء عند تذكرها.  

ولعل رايموند مودي مؤلف كتاب «الحياة بعد الحياة» الذي قمت بنشر ترجمة له تحت عنوان «الذين عاشوا الموت»، أكد أن الغالبية العظمى من هؤلاء الذين عادوا من تجربة الموت تغيرت أنماط حياتهم بشكل كلي وقد تضمنت التغيّرات الشخصية تعلم المحبة، والميل للاسترخاء والتصالح مع الذات، وعدم الاهتمام بالأمور المادية وكنز المال، والميل الكبير إلى التعاطف مع الآخرين والرغبة الشديدة في مساعدتهم، وترك الإدمان على الكحول، وانعدام الخوف. 

الأسبوع المقبل بمشيئة الله، إن كان في العمر بقية، أحاول تقديم بعض النماذج التفصيلية للذين عاشوا الموت، مع التركيز على وجود نماذج لمعتنقي بعض الديانات المختلفة من مؤمنين ومسيحيين ويهود وغيرهم من أصحاب المعتقدات الأخرى المختلفة.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة