مسرح الجريمة
مسرح الجريمة


فى قضية سفاح التجمع .. صحفي الحوادث يكشف كنت جارًا له

أخبار الحوادث

السبت، 01 يونيو 2024 - 05:23 ص

خلال رحلتي الطويلة في تغطية الجرائم والحوادث الكبرى عبر سنوات تقترب من ربع قرن تقريبًا، كنت أتعامل مع هذه الجرائم باعتبارها مجرد عمل أؤديه بعين الصحفي وقلب المهني الذي يتعاطف دائمًا مع الضحايا ويجلد الجناه بسوط كلماته.

ولكن كانت هناك دائما مسافة بيني و الجريمة أو الحادث الذي أتناوله على صفحات “أخبار الحوادث” أو بمعنى أدق كانت جميع الجرائم بعيدة عن دائرتي المغلقة المتمثلة في منطقة سكني أو محيطي الاسري والعائلي ودائرة أصدقائي ومعارفي.

ولكنني هذه المرة وجدت نفسي لأول مرة في قلب الحدث ولا يفصلني عن مسرح الجريمة سوى بضعة أمتار.

ولم تكن جريمة عادية ولكنها الجريمة الأشهر والابشع خلال الفترة الأخيرة وهي سلسلة الجرائم التي ارتكبها “كريم سليم” خريج الجامعة الأمريكية والمعروف إعلاميا بـ “سفاح التجمع” الذي اختار نفس الكومباوند الذي أقيم به في منطقة الأندلس بالتجمع الخامس مقرًا لإقامته ومسرحًا لجرائمه البشعة .

من يصدق أن تلك البقعة الساحرة والهادئة على أطراف القاهرة وتحديدًا في حي الاندلس بالقاهرة الجديدة ستكون مسرحًا لعدد من جرائم القتل البشعة التي ارتكبها قاتل متسلسل خلال فترة زمنية بسيطة لا تتجاوز بضعة أشهر.

الأندلس لماذا

من خلال إقامتي بنفس الكومباوند السكني الذي اختاره السفاح مقرًا لإقامته ومن واقع خبرتي الصحفية أجيب على السؤال الأهم الذي يشغل بال الكثير من المتابعين ، وهو لماذا اختار القاتل المتسلسل هذا المكان تحديدا مسرحًا لجرائمه؟

الاجابة عندي .. وتتلخص فيما يلي.

منطقة الأندلس تحديدا من أحدث المناطق السكنية في القاهرة الجديدة بأكملها وهو ما يعني أن معظم سكانها حديثى العهد بالمكان ولا يعرف بعضهم بعضا وهو ما يوفر له بيئة هادئة بعيدًا عن عيون الفضوليين وتساؤلات المتطفلين  كما يحدث في المناطق الأقدم نسبيًا والمكتظة بالسكان الذين يعرف بعضهم بعضا وهناك علاقات وروابط انسانية تجمعهم ومن الصعب أن يتواجد بينهم غريب بدون أن يلفت الأنظار أو يثير التساؤلات.

منطقة الأندلس أيضا قريبة من بعض الطرق السريعة التي تتيح له الخروج من القاهرة والابتعاد سريعًا اذا شعر بأي هاجس أمني مثل طريق العين السخنة وطريق السويس وكذلك الطريق الدائري الاوسطي.

وبالنسبة للكومباوند نفسه الذي استأجر فيه السفاح شقة سكنية واتخذها مسرحًا لجرائمه لم يكن اختياره له عشوائيًا فهو مازال كومباوند حديث العهد لا يتجاوز عمره ثلاث سنوات فقط ونسبة الإشغال فيه مازالت ضعيفة ولا تتجاوز 40% فقط وهو ما يعني أن العمارة التي تضم 24 شقة لا يقطنها سوى 8 أسر على الأكثر.

العمارة رقم 279 التي كان يقيم بها المتهم تحديدا تحيطها حديقة كبيرة المساحة ومنطقة خالية مخصصة للخدمات ولم يتم استغلالها بعد، فضلا عن وجود مسافة كبيرة نسبيًا بين العمارات مما يعني عدم وجود آذان قريبة تسمع أصوات استغاثات الضحايا.

ولمزيد من الحيطة استعد السفاح جيدا لهذه النقطة بعد أن قام بتبطين جدران حجرة النوم تحديدا بعوازل للصوت لتجنب أي مفاجآت غير سعيدة بالنسبة له متمثلة في وصول صرخات الضحايا إلى الجيران.

عمارات الكومباوند شأنها شأن جميع الكومباوندات المماثلة بالتجمع أو غيره تخلو من وجود بوابين ، حيث يتولى مهمة التأمين شركات أمن خاصة مهمتها تأمين بوابات الدخول والخروج ومنع دخول الغرباء بدون الاطلاع على بطاقاتهم الشخصية ورخص سياراتهم.

وبالطبع ليس من شأن افراد الأمن استيقاف الملاك أو المستأجرين وسؤالهم عن مرافقيهم عند الدخول ، لان مهمتهم تنحصر فقط في استيقاف الغرباء عن المكان في حالة دخولهم بمفردهم بدون مرافقة أحد الملاك أو المستأجرين.

وبالتالي لم يستوقف أحد السفاح أثناء دخوله وبرفقته الضحايا باعتبار أن استقباله للضيوف أمر طبيعي ومكفول للجميع.

وطبعا هناك لمبة حمراء تضيئ الآن بشدة في رؤوس القراء ويتساءلون كيف خرج بجثث الضحايا من الكومباوند؟

الاجابة بسيطة للغاية وتتلخص في قيام السفاح بوضع جثث الضحايا في شنط سفر كبيرة والنزول بها من شقته ، وهو سلوك لن يلفت انتباه الجيران وخاصة أن المعلومات القليلة المتاحة لديهم عن جارهم الهادئ تؤكد انه يحمل جنسية أجنبية وبالتالي فإن سفره باستمرار أمر بديهي ومنطقي.

وبالنسبة لخروجه من بوابات الكومباوند بدون أي معارضة من الأمن كما ذكرت آنفا ، ليس من سلطة أمن الكومباوند معارضة الملاك أو المستأجرين أثناء دخولهم أو خروجهم وينحصر دورهم فقط في معارضة الغرباء عن المكان ، وبالتالي لن يستوقفه أحد أثناء خروجه ولن يقترب من سيارته أي فرد أمن.

وبالنسبة للتخلص من جثث الضحايا فإن قرب منطقة الأندلس من المحاور المرورية السريعة التي ذكرتها مثل طريق العين السخنة وطريق السويس والطريق الدائري الأوسطي ووجود ظهير صحراوي يحيط بها يسهل من مهمته كثيرا في التخلص من جثث الضحايا بعيدا عن العيون.

أتمنى أن اكون وفقت في رسم خريطة دقيقة لمسرح الجرائم والاجابة على السؤال حول اختيار السفاح لهذا المكان تحديدا مقرا لإقامته ومسرحًا لجرائمه البشعة التي شاء القدر أن أكون قريبا منها أكثر من أي وقت مضى وأقرب من أي مسرح جريمة تواجدت فيه بحكم عملي .. وليس باعتباري جارا للقاتل. 

اقرأ أيضا : لعدم تذكره عددهن.. الداخلية تفحص بلاغات التغيب لكشف ضحايا «سفاح التجمع»

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 

مشاركة