صورة موضوعية
صورة موضوعية


«زلزال» نتائج الانتخابات البرلمانية الأوروبية.. الانتخابات مرحلة جديدة ونقطة فاصلة

الأخبار

السبت، 15 يونيو 2024 - 04:36 م

مروى حسن حسين - إبراهيم الشواربى - سميحة شتا - مرام عماد المصرى - محمد نعيم - ياسمين السيد هاني

أسباب عديدة وراء هذا الاهتمام الدولى بانتخابات البرلمان الأوروبى التى تم الإعلان عن نتائجها منذ أيام قليلة فهى تتعلق بقارة لها دور مهم فى صياغة  القرار الدولى كما أننا نتحدث عن انتخابات هى بكل المقاييس لم تكن كغيرها من الاستحقاقات الانتخابية  كما أن برلمانها يملك صلاحيات حقيقية وقدرة على التشريع وإقرار القوانين الملزمة. 

ووفقاً للمحصلة النهائية للنتائج فقد عززت أحزاب اليمين من موقفها وزادت نسبة تمثيلها ووصلت إلى ١٧٥ مقعدًا من أصل ٧٢٠ لتكون ثانى أكبر قوة بعد يمين الوسط والمحافظين والنماذج على ذلك عديدة ففى فرنسا فاز حزب التجمع الوطنى بزعامة جان مارين لوبان بثلث الأصوات فى انتخابات البرلمان الأوروبى فى المانيا تراجع الاشتراكيون الديمقراطيون وحزب الخضر وتقدم حزب البديل اليمينى والغريب فى الأمر أن العديد من الأحزاب الفائزة قد يكون لديها تحفظات على مستقبل منظومة الاتحاد الأوروبى ذاتها وبالالتزام بالسياسات التى يتخذها وبعضها يسعى إلى الخروج منها.. ولعل الأهم هو تداعيات تلك النتائج على العديد من الملفات التى تؤثر على الجوار الاوروبى وفى مقدمتها قضية المهاجرين التى كانت سبباً فى زيادة فرص أحزاب اليمين والتوقعات تقول إنه قد يكون أقل تحمساً تجاه التدابير الرامية للحد من الهجرة حيث تعمل على دعم التوجهات الشعبوية ووصلت إلى حد العنصرية كما أن هناك منظمات مجتمع مدنى متعاطفة مع القضية الفلسطينية تدرس توابع تلك النتائج على الخطوات التى اتخذتها بعض الدول تجاه الاعتراف بالدولة الفلسطينية وكذلك تصاعد مشاعر الإسلاموفوبيا فى القارة وسط مخاوف من أن تكون إسرائيل هى أحد المستفيدين من تلك النتائج ناهيك عن تأثير تلك النتائج على صياغة موقف من الحرب الأوكرانية والصراع مع روسيا  

والأيام القادمة ستكشف حقيقة تلك السياسات.

صوت مئات الملايين من الأوروبيين خلال أربعة أيام  لاختيار 720 عضوا فى البرلمان الأوروبي، وبعد انتهاء التصويت وعملية الفرز، أصبحت نتائج الانتخابات واضحة الآن للجميع فى البلدان الأعضاء الـ27 فى الاتحاد.

أظهرت نتائج انتخابات البرلمان الأوروبى  التى اجريت فى التاسع من يونيو، تقدما كبيرا لليمين الشعبوى داخل البرلمان الأوروبى وهو ماكان متوقعا ما يعني، إن دول أوروبا سوف تشهد خريطة سياسية وتكتلات جديدة من شأنها اعادة حسابات الأحزاب التقليدية والخبراء والمراقبين المعنيين بالشأن الأوروبي.  لكن الزيادة فى دعم الأحزاب اليمينية المتطرفة لم تكن واضحة كما توقع البعض، مما يعنى أنه إذا كانت هناك إرادة سياسية كافية، فإن التحالف المؤيد لأوروبا فى الوسط قد يصمد.

اقرأ أيضًا | مجلس الأمن يعتزم التصويت على وقف حصار ‬الفاشر

احتفظ تكتل حزب الشعب الأوروبى (يمين) والاشتراكيين والديموقراطيين و»تجديد أوروبا» (وسطيون وليبراليون) بالغالبية فى البرلمان الأوروبي، رغم التقدم الكبير لأحزاب اليمين المتطرف. وكانت النتائج ، وفق ما أظهرته تقديرات نشرها البرلمان:181 مقعدا لحزب الشعب الأوروبي، و135 للاشتراكيين والديموقراطيين و82 لـ»تجديد أوروبا»، تشكل هذه الكتل «الائتلاف الأكبر» الذى ستحصل فى إطاره التسويات فى البرلمان الأوروبي، كونها ستتحصل على 398 مقعدا من أصل 720.

إلا أن هذه الغالبية ستكون أقل مما كانت عليه فى البرلمان المنتهية ولايته، على الرغم من فوز كتلة حزب الشعب الأوروبي، حزب رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين بعدد إضافى قليل من المقاعد. لكن مقاعد الاشتراكيين والديموقراطيين تراجعت بشكل طفيف، كما خسرت كتلة «تجديد أوروبا»، التى تضم حزب النهضة بزعامة الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون، حوالى 20 مقعدا.

فى حين سجل اليمين المتطرف صعودا ملحوظا فى فرنسا وألمانيا، حيث تقدم على حزبى الرئيس إيمانويل ماكرون والمستشار الألمانى أولاف شولتز. وتنقسم القوى اليمينية الشعبوية بشكل أساسى إلى كتلتين فى البرلمان الأوروبي، ولكن يمكن إعادة تشكيلهما فى أعقاب الانتخابات.

أما كتلة المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين، التى تضم خصوصا حزب «إخوة إيطاليا»بزعامة ميلونى وحزب «القانون والعدالة» البولندي، فقد فازت بمقعدين إضافيين. وارتفع عدد مقاعد كتلة «الهوية والديموقراطية» التى تضم حزب «التجمع الوطني» الفرنسى وحزب الرابطة الإيطالي، من 49 إلى 62 مقعدا، بعد أن استبعدت الكتلة مؤخرا حزب البديل من أجل ألمانيا من صفوفها. تتجه الأنظار الآن إلى الفائز فى الانتخابات، أى حزب الشعب الأوروبى الذى حقق فوزًا واضحًا وعزز هيمنته فى المجلس الجديد. وقد أشارت مرشحته الرئيسية أورسولا فون دير لاين فى وقت سابق، إلى استعدادها للعمل مع بعض الأحزاب، التى تجلس مع المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين اليمينيين المتشددين. ولكن الإشارات الأولية الصادرة عن معسكر حزب الشعب الأوروبي، تدل على أنهم سيبقون أوفياء لحلفائهم التقليديين فى الوسط.

ومع ذلك، نظرًا لأن البرلمان الأوروبى لا يعمل من خلال ائتلاف مستقر، بل من خلال تحالفات كل قضية على حدة تتشكل وفقًا لمشروع القانون التشريعى المطروح - وبما أن المجموعات لا تصوت دائمًا فى كتلة واحدة مع شيوع التمردات - فقد يعنى ذلك هوامش تصويت ضيقة، خاصة بالنسبة للملفات الحساسة، مثل تلك المتعلقة بالصفقة الخضراء الأوروبية. حسابات البرلمان الأوروبى يمكن أن تتغير أيضًا، بمجرد أن يتفاوض الوافدون الجدد أو الأحزاب المشردة سياسيًا حاليًا فى البرلمان الأوروبي، على الانتماء إلى المجموعة. وبما أن العديد من هذه الأحزاب تنتمى إلى اليمين المتطرف، فهذا يعنى أن التعديل المحتمل يمكن أن يعزز أعداد التجمعين اليمينيين المتطرفين، الهوية والديمقراطية (ID) والمحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR).  ومن بين الأحزاب المصنفة حاليًا على أنها غير مرتبطة حزب فيكتور أوربان «فيدس» الذى حصل على 10 مقاعد، والذى قد يتطلع إلى الانضمام إلى حزب المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين وتعزيز أعداد التجمع القومي. كما يمكن أن تؤدى إعادة تشكيل المجموعات إلى مزيد من التراجع فى أعداد مجموعة «تجديد أوروبا» الوسطية، التى عانت من خسائر فادحة، حيث خسرت 22 مقعدًا. النمو التدريجى لأحزاب اليمين المتطرف دعوة لاستيقاظ الأحزاب الرئيسية التقليدية التى تراجعت. وقد ينعكس هذا النمو على أى مشروعات قادمة لتوسيع الاتحاد الأوروبي، فمن المرجح ان تتراجع محاولات توسيعه مع انكماش كل دولة على مصالحها، ورفض تحكم سلطة بروكسل فيها، ما يزيد من مخاوف تفكيكه. إن نتائج انتخابات 2024 سوف تعيد شكل الحكومات، بعد ان اطاحت ببعضها ومازالت تهدد الأخرى، وهذا يعنى اننا أمام مرحلة جديدة ونقطة فاصلة فى تاريخ اوروبا.

بعد إعلان النتائج الخريطة الكاملة للأحزاب اليمينية
اليمين المتطرف وصف يطلق على تيار سياسى يتركز أساسا بأوروبا ويتبنى نزعة متطرفة معادية للمهاجرين، ولديه تمسك بالقيم الوطنية وبالهوية السياسية والثقافية واللغوية. وقد أدى صعود التيارات اليمينية- ودخولها إلى حكومات أوروبية مثل إيطاليا وهولندا إلى تغيير سياسة الاتحاد الأوروبى بشأن الهجرة واللجوء بالفعل وادت الى تعزيز الضوابط على الحدود.

وبعض هذه الأحزاب يربطها البعض بالفاشية، أو بجذورها فى الحركات القومية أو العنصرية المتطرفة الماضية التى ترتبط أحيانًا بالحرب العالمية الثانية والنازيين.

ورغم هذه الانتقادات والاتهامات، الا ان للناخبين رأيا آخر فى الانتخابات. فأغلب الأحزاب اليمينية المتشددة والقومية والشعبوية والمتشككة فى أوروبا أصبحت أكثر ديمقراطية وداعمة بقوة لحرية التعبير، وتسعى إلى السلطة من خلال صناديق الاقتراع بدلا من سياسة تشويه الاخرين.

وتنقسم الأحزاب الموجودة على يمين الطيف السياسى إلى ثلاثة أوعية مختلفة: الحزب الشعبوى الأوروبي؛ ومجموعة الهوية، وهى موطن الفصائل اليمينية المتشددة الأكثر نموذجية؛ ومجموعة كبيرة من الأحزاب غير المنحازة. وتمنح النتائج الأولية هذه المجموعات الثلاث ما لا يقل عن 130 مقعدا من أصل 720 مقعدا.

وتأثيرهم على عملية صنع القرار فى البرلمان، وقدرتهم على التأثير على التشريعات وترشيح كبار المسؤولين فى الاتحاد الأوروبي، سوف يعتمد على ما إذا كان بوسعهم تنحية الخلافات جانباً وكيف يمكنهم العمل معاً.

التحالفات الحزبية اليمينية المتطرفة الرئيسية على المستوى الأوروبي
هناك مجموعتان فى جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي. الأول هو، المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون والذين تجسدهم رئيسة وزراء ايطاليا جورجيا ميلوني، والتى عززت شعبيتها من خلال المكاسب التى حققتها فى انتخابات البرلمان الأوروبى الاحد.

وقد أصبح تجمع المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين (ECR) كتلة قوية ومؤثرة داخل البرلمان الاوروبي، ويضم حزب «إخوة إيطاليا» فى إيطاليا، وحزب «فوكس» الإسباني، فضلا عن حزب «القانون والعدالة» فى بولندا وقد ينضم اليهم قريبا حزب فيدسز الذى يتزعمه فيكتور أوربان من المجر.

وتمكنت ميلونى بالفعل من تغيير سياسة الاتحاد الأوروبى بشأن الهجرة وأذهلت العديد من الزعماء الأوروبيين الآخرين، بما فى ذلك رئيس الوزراء البريطانى ريشى سوناك، بفضل برجماتيتها وكاريزمتها.



ويتمتع حزبها «إخوة إيطاليا» بجذور فاشية، لكنه أعاد اختراع نفسه كحزب من الشعبويين المحافظين المستعدين لمواجهة منتقديهم فى الاتحاد الأوروبي، وخاصة فيما يتعلق بالحدود والهجرة.

أما المجموعة الثانية، وهى حزب الهوية والديمقراطية، فهى أكثر راديكالية وقومية، وتضم حزب التجمع الوطنى من فرنسا وحزب الحرية من هولندا، فضلا عن حزب المصلحة الفلمنكية، الذى يريد تفكيك بلجيكا.

شكوك حول تنفيذ «ميثاق الهجرة واللجوء»
حظيت قضية الهجرة واللجوء بأهمية كبيرة فى انتخابات برلمان الاتحاد الأوروبى الأخيرة، وفى ظل صعود تيار اليمين المتطرف فى عدد من الدول، ومع ظهوره القوى فى هذه الانتخابات، يمكن لأحزابه أن تصبح لاعبا رئيسيا فى رسم سياسات وقرارات الاتحاد الأوروبى الذى يمثل 450 مليون مواطن داخل أوروبا.

ومع تزايد أعداد المهاجرين إلى دول الاتحاد الأوروبى فى السنوات الأخيرة، حثّ البرلمان الأوروبى مؤخراً على تشريع «ميثاق الهجرة واللجوء»، الذى من شأنه تشديد القواعد ويلزم الدول الأعضاء بتقاسم المسئولية عن طالبى اللجوء، على أن يدخل حيز التنفيذ فى عام 2026.



والهدف من ميثاق اللجوء والهجرة هو محاربة الهجرة غير الشرعية وتقليص الهجرة النظامية، فضلا عن تعقيد سبل الحصول على اللجوء السياسى فى دول الاتحاد الأوروبي. كما أنه يجبر دول الاتحاد على تقاسم العبء المالى الناتج عن استقبال المهاجرين الذين يصلون إلى أراضيها بشكل غير شرعي. وهذا ما ترفضه بعض الدول التى تحكمها أحزاب قومية، على غرار المجر وبولندا والنمسا إضافة إلى سلوفاكيا.

الخلافات فى الرؤى وفى طريقة التعامل مع ملف الهجرة من قبل كل دولة أبقى الفكرة فى أدراج البرلمان الأوروبى سنوات طويلة قبل أن يتم إخراجها من جديد. وجاء ذلك على ضوء موجة المهاجرين غير الشرعيين التى عرفتها أوروبا خلال الأشهر الماضية من جهة واقتراب موعد الانتخابات الأوروبية.

كانت فكرة وجود ميثاق  يضع قواعد مشتركة للتعامل مع اللاجئين مطروحة على الطاولة منذ أزمة الهجرة 2015-2016، والتى حولت القضية إلى ديناميت سياسى وانقسمت البلدان بشكل مرير إلى معسكرات متعارضة.

انتهت المهمة الشاقة فى شهر أبريل الماضى، حيث اجتمعت الدول الأعضاء لإعطاء الضوء الأخضر النهائى للقواعد الخمسة التى تشكل الميثاق الجديد بشأن الهجرة واللجوء، وهو إصلاح شامل يسعى لضمان أن تقوم جميع  الدول، الأوروبية بتحمل نصيبها العادل. مع ذلك تم التصديق على الاتفاق، الذى تم الترحيب به باعتباره «تاريخيًا»، من قبل أعضاء البرلمان الأوروبى بفارق ضئيل فى أبريل الماضى بعد نقاش ساخن كشف عن التناقضات الأيديولوجية التى لا تزال دون حل. و لهذا يبدو الأمر جلياً بأن التحول إلى اليمين فى البرلمان الأوروبى من شأنه أن يؤدى إلى تشريعات أكثر صرامة فى الاتحاد الأوروبى حول موضوع الهجرة.  وكان حزب الشعب الأوروبى قد تعهد «بمضاعفة عدد موظفى فرونتكس (الوكالة الأوروبية لحرس الحدود والسواحل) ثلاثة أضعاف ليصل إلى 30 ألفًا» .

أما التحالف التقدمى للاشتراكيين والديمقراطيين فقد أوضح أنه يدعم أى مهمة أوروبية للبحث والإنقاذ فى البحر الأبيض المتوسط.  وأكد أن الحزب لن يجرم أبدًا المساعدة الإنسانية. وبالنسبة لحزب تجديد أوروبا فقد دعا إلى تسهيل المعاملات القانونية للعمال المهاجرين «حتى تتمكن الاقتصادات الأوروبية من الحصول على القوى العاملة اللازمة لازدهارها»، فى ظل النقص الحاد فى اليد العاملة الأوروبية.

كما دعا حزب الخضر الأوروبي/التحالف الحر الأوروبى فى بيانه لإنشاء مهمة بحث وإنقاذ يمولها ويقودها الاتحاد الأوروبى فى البحر المتوسط، ورفض الحزب بشدة ما يسمى باتفاقات الهجرة، مثل الاتفاق مع تونس، حيث يدفع الاتحاد الأوروبى للدول مالاً لمنع المهاجرين من دخولها. كما تعهد المحافظون والإصلاحيون الأوروبيون بمحاربة «استغلال تدفقات المهاجرين كسلاح من قبل الجيران الشرقيين والجنوبيين، بهدف زعزعة الاستقرار وزيادة التوترات داخل الاتحاد الأوروبي». من ناحية أخرى انتقدت المنظمات غير الحكومية ميثاق الهجرة بشدة والذى تم التصويت عليه فى المجلس  بدون إثارة، ولا نقاش. ونددت منظمة العفو الدولية بالميثاق الجديد، محذرة من أنه سيقلل من جودة عملية اللجوء ويؤدى إلى معاناة أكبر للاجئين.

والخطوة الوحيدة المتبقية أمام الميثاق الجديد تتلخص فى نشره بالجريدة الرسمية للاتحاد الأوروبي. وقد يستغرق الأمر عامين ليدخل حيز التنفيذ الكامل.

وتتوقع مراجعة الميزانية التى اتفق عليها زعماء الاتحاد الأوروبى فى وقت سابق من هذا العام توفير 2 مليار يورو لتحقيق طموحات الميثاق الجديد حتى عام 2027.. وبمجرد دخول القوانين حيز التنفيذ، سيتحول التركيز إلى التنفيذ. ويشكل عدم التزام  دول مثل المجر وبولندا تهديداً كبيراً للإصلاح، الذى تم التفاوض عليه بجهد شديد لضمان مساهمة كافة البلدان بطريقة أو بأخرى.

وإذا بدأت الدول الأعضاء فى تجاهل القواعد، فإن نظام «التضامن الإلزامي» سوف يتقوض بسرعة ويصبح عديم الجدوى.  وفى هذه الأثناء، سيستمر وصول طالبى اللجوء الجدد لطلب الحماية الدولية. وفى عام 2023، وصل عدد الطلبات إلى 1.14 مليون، وهو أعلى مستوى منذ سبع سنوات.

تحديات متعددة وتعاون مشكوك فيه ماذا ينتظر «القارة العجوز» فى المرحلة القادمة؟
رغم أن نتائج انتخابات البرلمان الأوروبى كانت إلى حد كبير متوقعة من حيث «صعود التيارات اليمينية» إلا أن هذا الصعود يمثل زلزالا ستصل هزاته الارتدادية إلى أكثر من ملف لتمثل تحديات ستواجهها القارة العجوز فى الفترة القادمة.

ووفقا لتقرير نشرته وكالة أسوشيتد برس، فإنه لعقود من الزمن، كان الاتحاد الأوروبى يحصر اليمين القومى المتطرف فى الهامش السياسى. لكن مع الأداء القوى الذى حققته تلك التيارات فى الانتخابات التى جرت الأحد، يمكن لقوى اليمين المتطرف الآن التأثير أو عرقلة السياسات المشتركة على مستوى الاتحاد الأوروبى بشأن الهجرة والأمن وتغير المناخ.



فقد حصلت القوى الشعبوية أو اليمينية المتطرفة على مقاعد أكثر من أى وقت مضى، لكن وجهات نظرها تتباين حول العديد من القضايا. وقالت هو إن النتائج سوف تؤدى إلى إبطاء عملية اتخاذ القرار وتمرير التشريعات بشأن قضايا تتراوح من تغير المناخ إلى إعانات الدعم الزراعى.

ووفقا للتقرير، فقد شكلت القيود التى يفرضها الاتحاد الأوروبى على انبعاثات الكربون مثالا عالميا، وكذلك حماية خصوصية البيانات واللوائح التنظيمية لشركات التكنولوجيا الكبرى. وتتطلب كل هذه التدابير إجماع 27 دولة مختلفة وموافقة البرلمان الأوروبى.

كما واجهت المؤسسات والقيم الديمقراطية تهديدات متزايدة فى العديد من دول الاتحاد الأوروبى، من العنف السياسى فى ألمانيا وسلوفاكيا والدنمارك، إلى حملة فى المجر على وسائل الإعلام، وإساءة معاملة المهاجرين فى جميع أنحاء الكتلة. وقد احتشد الاتحاد الأوروبى خلف أوكرانيا منذ الحرب الروسية عام 2022، حيث رأى الكثيرون فى أوروبا أن الحرب تمثل تهديدًا وجوديًا.

وتقع خمس دول فى الاتحاد الأوروبى على الحدود مع روسيا. وقدم الاتحاد الأوروبى مليارات اليورو فى هيئة مساعدات مالية وعسكرية لأوكرانيا ووضعها على الطريق نحو عضوية الاتحاد الأوروبى، فى حين فرض جولة تلو الأخرى من العقوبات على المسئولين والشركات الروسية وقطاع الطاقة لديها. ولا يوجد تهديد وشيك بدعم أوكرانيا، لكن نتائج الانتخابات قد تؤدى إلى تعقيد المناقشات بشأن أوكرانيا. وتدعم الأحزاب القومية فى معسكر المحافظين والإصلاحيين الأوروبيين ــ والذى يضم رئيسة وزراء إيطاليا اليمينية المتطرفة جيورجيا ميلونى ــ أوكرانيا.

أما أعضاء مجموعة الهوية والديمقراطية، التى تضم مارين لوبان الفرنسية، فهم أكثر ودية مع روسيا ــ ويظل رئيس الوزراء المجرى فيكتور أوربان أقرب حليف لبوتين فى الاتحاد الأوروبى.

ويسلط هذا الانقسام حول أوكرانيا الضوء على التحدى الأساسى الذى تواجهه قوى اليمين المتطرف فى أوروبا: تركيز هذه القوى على المصالح الوطنية يجعل من الصعب العمل معا على المستوى الأوروبى. وتم طرد حزب البديل من أجل ألمانيا مؤخرًا من بطاقة الهوية بعد أن قال الزعيم ماكسيميليان كراه إنه ليس كل رجال قوات الأمن الخاصة النازيين «كانوا بالضرورة مجرمين».

ويتوقع المحللون أن يكون الهدف العام لقوى اليمين المتطرف هو زيادة تطبيع تفكيرهم القومى المناهض للمهاجرين داخل البرلمان وخارجه. وجاءت المفاجأة الكبرى فى باريس، حيث أعلن الرئيس الفرنسى إيمانويل ماكرون إجراء انتخابات تشريعية مبكرة بعد أن تعرض المعتدلون المؤيدون لقطاع الأعمال لهزيمة ساحقة أمام حزب لوبان اليمينى المتطرف فى التصويت فى الاتحاد الأوروبى.

وقال ماكرون إنه لا يستطيع تجاهل الواقع السياسى الجديد بعد أن كان من المتوقع أن يحصل حزبه المؤيد لأوروبا على أقل من نصف دعم حزب التجمع الوطنى بزعامة لوبان. ويأمل أن يتحد الناخبون معًا لاحتواء اليمين المتطرف فى الانتخابات الوطنية بطريقة لم يحدثوا بها فى الانتخابات الأوروبية. لكن قرار الأحد بحل البرلمان وإرسال الناخبين الذين عبروا للتو عن استيائهم من سياسات ماكرون إلى صناديق الاقتراع كان محفوفا بالمخاطر - فقد يؤدى إلى قيادة اليمين المتطرف الفرنسى الحكومة للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية.

وسيتعين على ماكرون، الذى لم يتبق له سوى ثلاث سنوات على ولايته الرئاسية الثانية والأخيرة، أن يجد طريقة للعمل مع رئيس وزراء من حزب يعارض بشدة معظم سياساته. وستجرى الانتخابات على جولتين، 30 يونيو و7 يوليو.

غسيل السمعة وعزل جنوب أفريقيا فى المقدمة ..إسرائيل المستفيد الأكبر وفى انتظار «قبلة الحياة» 
بات الصراع العربى الإسرائيلى على موعد مع سياسات جديدة، يحملها 720 عضوا منتخبا فى البرلمان الأوروبي؛ وبينما وشت صناديق الاقتراع بصعود اليمين المتطرف، تنامت مؤشرات التفاؤل الإسرائيلى الحذر، لتصل حد التصالح مع أحزاب اعتبرتها تل أبيب قبل ذلك «معادية للسامية»، وفيما أوصى كهنة السياسة الخارجية الإسرائيلية بـ«حتمية تنظيم حملة دبلوماسية لاستقطاب المنتخبين الجُدد والتأثير على مواقفهم إزاء إشكالية الوضع فى غزة، فضلًا عن قضايا أخرى تتعلق بالصراع»؛ رأت تقديرات موازية أن «صعود اليمين جيد بالنسبة لإسرائيل على المدى القريب فى سياق الحرب، ولكنه على المدى الطويل قد يعرض الجاليات اليهودية الكبيرة فى أوروبا للخطر، ويتعين على إسرائيل أن تتصرف على هذا الأساس»، حسب خبير استخبارات البحرية الإسرائيلية عاميت ياجور.

ولا تكترث إسرائيل فى الوقت الراهن بسياسة المدى البعيد قدر انتظارها «قبلة حياة» سريعة قد تعيد صياغة صورتها لدى القارة العجوز بعد «طوفان الأقصى» والحرب فى غزة، وتضع على رأس أولويات اليمين تحييد محور الدول الذى يضم أيرلندا وإسبانيا وسلوفينيا ولوكسمبورج ومالطا، وفرض تراجعه عن قرارات الاعتراف بدولة فلسطينية، لاسيما وهو يفتقر فى الوقت الراهن إلى ظهير برلماني، بالإضافة إلى كبح جماح تعزيز سياساته الهجومية ضد إسرائيل. بالإضافة إلى حصار دولة مثل جنوب أفريقيا ودعوتها القضائية ضد تل أبيب أمام المحكمة الدولية فى مربع العزلة الأوروبية. ويستند معدو السيناريو المتفائل إسرائيليًا إلى سوابق الماضى غير البعيد حين نسف اليمين المتطرف (رغم قلة تمثيله حينئذ) فى دول مثل التشيك والنمسا وألمانيا والمجر محاولات الدعوة إلى وقف كامل لإطلاق النار فى غزة إبان بداية الحرب.



ربما استشرف عضو الكنيست الإسرائيلى عاميت هاليفى واقع التحول الأوروبى مبكرًا، ودعا الخارجية الإسرائيلية قبل عدة أشهر إلى التصالح مع أحزاب اليمين الأوروبي، لاسيما المدرجة على قائمة «النازيون الجدُد»؛ لكن الحزب الإسرائيلى الحاكم «الليكود» كشف حفاظه منذ سنوات على علاقات وثيقة مع الأحزاب اليمينية المتطرفة فى أوروبا، بما فى ذلك الأحزاب التى تقضى سياسة إسرائيل الرسمية بتجنب العلاقات معها بسبب «معاداة السامية»، وإنكار المحرقة، لاسيما حزب اليمين الرومانى  AUR. البروفيسور الإسرائيلى شلومو فرلا، باحث العلاقات الدولية، والمتخصص فى ملف الاتحاد الأوروبي، يعارض أية تحليلات لا تؤشر إلى إقبال تل أبيب على «شهر عسل» مع اليمين الأوروبي، واستند إلى دراسة أعدتها منظمة (ECI) الأوروبية المؤيدة لإسرائيل، والتى أكدت أن أحزاب اليمين لم تتخل عن التصويت لإسرائيل فى الفترة ما بين 2019 إلى 2022؛ وكان على رأس المؤيدين ممثلو أحزاب من بولندا (صوتوا لصالح إسرائيل بنسبة 60.27%)، بالإضافة إلى ممثلين عن أحزاب من إيطاليا وبلغاريا وجمهورية التشيك وسلوفاكيا (ما يقرب من 60% من الأصوات)، وبلغ متوسط الأصوات المؤيدة لإسرائيل بين النواب الألمان 46.4%. أما ممثلو الأحزاب فى إسبانيا فاقتصرت على نسبة تأييدهم على (26%) وقبرص (24.4%) وإيرلندا (14.6%). 

واختزل الباحث الإسرائيلى المخضرم رؤية اليمين الأوروبى للصراع العربى الإسرائيلى فى مضاهاته بأى نزاع دولى فى العصر الحديث، ويُنظر إليه فى المقام الأول باعتباره نزاعًا حول ترسيم الحدود على سبيل المثال، وعلى هذا النحو يمكن حل الأزمة بالمنظور الأوروبى من خلال الحوار وحسن النية بين الأطراف. واعتبر شلومو فرلا كلامه دليلًا على عزوف اليمين الأوروبى عن أية إجراءات وصفها بـ«المبالغ فيها» ضد إسرائيل على خلفية ضغوطات قد يمارسها الفلسطينيون أو دوائر عربية أخرى.

أما البروفيسور نوعم جيدرون أستاذ الفلسفة والاقتصاد والعلوم السياسية فى الجامعة العبرية، والمتخصص فى دراسة أحزاب اليمين، فأشار إلى أن تضافر القوى بين اليمين الأوروبى ونظيره الإسرائيلى يصب فى صالح سياسة إسرائيل الخارجية، لاسيما ما يتعلق بقضايا النزاع مع العرب والفلسطينيين على وجه الخصوص.

وقال فى سياق «بودكاست»لموقع The Marker  الإسرائيلي: «بما أن البرلمان الأوروبى هيئة تشريعية، فلن يتراجع عن سن تشريعات حازمة حيال موضوعات رئيسية منها: حماية الحدود، والحد من الهجرة، وتعزيز السيادة الوطنية. إلا أنه إلى جانب ذلك، يعد تعزيز مكانة اليمين فى القارة العجوز خبرًا جيدًا بالنسبة للدولة العبرية، وفى ظل هذا الواقع يصبح العمل الدبلوماسى وتمرير المبادرات الإسرائيلية بمختلف صنوفها لدى أوروبا أسهل بكثير من الماضي».

«الاسلاموفوبيا» كراهية مؤسسية تعززها النتائج الأخيرة

رغم المكانة الجوهرية التى تحتلها قيم التسامح والتعايش والانفتاح الذى يتباهى به الغرب فى ثقافتهم، الا أن الأقليات لاسيما المسلمين منهم، يواجهون تمييزا متزايدا، كما ان نتائج الانتخابات الأخيرة فى البرلمان الأوروبى التى أسفرت عن تصدر المين المتطرف تلقى بأسئلة إضافية عما قد تواجهه الأقليات فى البلدان الأوروبية لاسيما المسلمين.

وذكر تقرير نشره موقع «يورونيوز» أن الأقليات ليست فقط هى التى تتعرض للخطر، بل العالم الغربى أيضًا، وقيمه المشتركة المتمثلة فى الحرية والعدالة والمساواة.

وفى يناير الماضي، تم الكشف عن مؤامرة بين مسؤولى حزب البديل من أجل ألمانيا والنازيين الجدد لترحيل ملايين الأقليات العرقية من ألمانيا.



ولكن هذه المؤامرة تشكل جزءاً من تيار شرير يجتاح أوروبا والعالم الغربى عموماً ــ وهو تيار يسير جنباً إلى جنب مع موجة لا هوادة فيها من كراهية الإسلام.

ومنذ المجازر التى بدأتها إسرائيل فى أعقاب 7 أكتوبر والهجوم المستمر ضد سكان غزة، ارتفعت نسبة الإسلاموفوبيا فى المملكة المتحدة بنسبة 600٪. ومع ذلك، استجابت الحكومة البريطانية من خلال تأجيج الخطاب بدلا من الترويج لرسائل الوحدة. ووفقا للتقرير الذى كتبته «ناز شاه»، أنفقت حكومة المحافظين وقتها وجهدها ــ ليس فى معالجة العلاقات الاجتماعية المتدهورة أو حل الصراع فى الشرق الأوسط ــ بل فى فرض خطة اللجوء المثيرة للجدل فى رواندا والتى تُعَد مثالاً لكراهية الأجانب المؤسسية.

ولكن كراهية الأجانب أصبحت، بحسب تقرير يورونيوز، أكثر من مجرد أمر طبيعى فى مستويات السلطة السياسية ــ فقد أصبحت أساسية للفوز بالانتخابات فى مختلف أنحاء أوروبا، وخارجها.

ومن السويد إلى اليونان، لا تشارك الجماعات اليمينية المتطرفة والقادة الشعبويون فى الانتخابات فحسب؛ إنهم يفوزون، غالبًا بأرقام قياسية. فصعود خيرت فيلدرز فى هولندا، الذى تغذيه الخطابات المعادية للمسلمين على مدى عقود، بما فى ذلك الوعد بحظر المساجد والقرآن، يجسد كيف تواجه أوروبا اتجاها سياسيا ليس نحو التكامل والقبول، بل نحو الكراهية والإقصاء. ويمكن أن يصبح الأمر أسوأ بكثير.

وفى أمريكا، إذا انتخب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة فى نوفمبر المقبل، فسوف يكون العالم الغربى قد تحول إلى منعطف جديد مثير للقلق، حيث تصبح الأقليات كبش فداء لأمراض المجتمع الغربي.

على سبيل المثال، قال ترامب مؤخرا إن المهاجرين «يسممون دماء «أمريكا»» وسط تصفيق صاخب من الحشود.

ولا شك فى أن صعوده إلى البيت الأبيض من شأنه أن يبشر بإحياء أقوى لليمين المتطرف، وتشجيع الشعبويين الجدد على الظهور من دول الاتحاد الأوروبى الأخرى.

ولكن لماذا يتردد صدى هذا الخطاب المثير للانقسام، والذى يشكل مفتاح النجاح الانتخابي، لدى الكثيرين؟ الجواب يكمن فى قوة الخوف.

على سبيل المثال، تؤكد نظرية الاستبدال العظيم التى يحث عليها الكثير من الشعبويين اليمينيين المتطرفين أن الحضارة الغربية تواجه تهديدا وجوديا فى حرب ثقافية ضد القيم الغربية. واعتبر التقرير أن تلك الرواية التى تصور الغرب يناضل من أجل البقاء ضد هجمة أسلمة متخيلة، مصممة للاستفادة من المخاوف الوجودية العميقة الجذور، وإلى حد ما، فإنه يعمل.

فى غضون ذلك، تنجذب أوروبا نحو الإيديولوجيات اليمينية المتطرفة على نطاق يذكر بمقدمات الحرب العالمية الثانية. وهذا ليس مجرد اتجاه سياسي، بل انزلاق خطير نحو عصر الانقسام والعداء، وهو العصر الذى سيتحدى أسس قيمنا الديمقراطية.

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 

 

 
 
 
 
 

مشاركة