عبد الهادي عباس
عبد الهادي عباس


30 يونيو.. آمال الدولة وآلام الخونة 

عبدالهادي عباس

الخميس، 27 يونيو 2024 - 03:16 م

أحد عشر عاما عصرت مصر فيها نفسها لإنشاء مؤسسات وطنية قادرة على النضال والمقاومة في هذا العالم المتسارع، المتناطح، المتكالب نحو التقدم والرفاهية وتحقيق الوجود؛ أحد عشر عامًا تغلبت فيها مصر على أعدائها من الداخل والخارج، هزمت فيها المؤامرات والمساومات والتدخلات السافرة في شئونها؛ أحد عشر عاما قالت مصر فيها إنها لن تقبل المرجفين والكاذبين والمليشيات التي تحركها دولارات الخيانة والإرهاب.. أحد عشر عامًا قال الشعب المصري والعربي إنه لن يقبل بإخوان الفوضى والإرهاب تحت اسم الدين البريء من نواقصهم ومخازيهم.

في هذا العام، وكل عام، من حقنا أن نحتفل؛ أن نذاكر ونتذكر أين كنا وأين أصبحنا؛ أن نغمض عيوننا قليلا ونفتح قلوبنا كثيرا ونتخيل الطريق التي كنا نسير فيها، وإلى أين سيكون مصيرنا لو لم تحدث هذه الثورة المباركة، التي جاءت لتطالب، ليس فقط برفض جماعة الإخوان وميليشياتها الإرهابية، وإنما من أجل بناء الدولة المدنية والحفاظ على الدولة الوطنية؛ ومن أجل ذلك علينا أن نتذكر بطولات

الشرفاء من هذه الأمة الذين وقفوا بقوة للحفاظ على الهوية المصرية وتفكيك خطط المرشد وتابعيه؛ وعلى رأسهم البطل الراحل المشير محمد حسين طنطاوي، رحمه الله، هذا الرجل الذي سيسطر التاريخ قصة استبساله في وجه أعداء الوطن بأحرف من نور خالد، وسيذكر أن معين مصر لا ينضب من الأبطال؛ وكذلك سيذكر جرأة وتضحية الرئيس السيسي في قيادة سفينة الوطن في تلك الحوالك التي سيطرت عليها من كل جانب؛ سيذكر لهذا الرجل كيف أنقذنا من ضباع الأمم ومرتزقة القارات وخدام دولارات الدم.. إن التاريخ لا ينسى بطولات الوطنيين، كما لا ينسى خيانات المتآمرين.     

في هذه الذكرى لن ينسى المصريون الشرارة الأولى التي أطلقها المثقفون باعتصامهم ضد الوزير الإخواني الذي أراد "تدجين" الوزارة وأخونتها، ولكن الدور الثقافي كان موجودا بقوة في المجتمع، وهذا دليل أن الأفكار المتطرفة لم تنجح في اختراق مصر كما اخترقت مجتمعات أخرى في تلك الفترة الصعبة من عمر الوطن العربي؛ بل إن الأفكار المضادة للتطرف ظلت هي التي تنمو وتتجذر لتطرد زبد

الوطن وأعشابه الضارة، وكان دور المثقفين، ولا يزال، أكبر من أي نشاط للأفكار المتطرفة فهو المصدّ الأول لمجابهة أفكارهم الضالة، ولهذا يعوّل الشعب عليهم كثيرًا وينتظر أمواج نهضتهم الفكرية المتتابعة، وعلينا أن نقارن دور هذه الجماعات عندنا بدورها في سوريا والعراق وليبيا ولبنان؛ وهذا الفارق كان سببه وجود حركة ثقافية وفكرية قوية في مصر تقوم بدور المصدّ التويري ضد هذه الجماعات.

الواقع يشهد أن ظاهرة الإسلام السياسي تراجعت في العالم العربي كله وليس في مصر وحدها؛ كما أنها ظاهرة مؤقتة صنعتها المخابرات الغربية، ومن يقرأ التاريخ يعلم كيف لعبت المخابرات البريطانية بورقة الدين في الهند والدول العربية للسيطرة على اقتصاديات الدول التي احتلتها؛ ورغم هذا لا تزال هناك أصوات تنادي بهذه الشراذم لتولي السلطة، وبعد كل هذه التجارب الفاشلة أصبح من الواضح أنه لا

مستقبل للإسلام السياسي في مصر، ولا في الدول العربية؛ وأن البديل أن نُقدم النموذج المدني المحترم، وأن تنزل الأحزاب إلى الشارع.
مخطئ من يظن أن الشعب قد أعطى الثقة للإخوان في أي مرحلة من مراحل حياته، رغم أنه كان على استعداد لإعطائهم فرصة للإدارة؛ لأنهم ببساطة كانوا يُصدرون تمثيلية المظلومية التي يُجيدون اللعب بها.. وهي خدعة انطلت على كثير من المفكرين قديما، ولا تزال تنطلي

على بعضهم حديثا؛ وهناك عبارة مهمة قالها نجيب محفوظ ونشرها جمال الغيطاني، عندما حصل الإخوان على 88 كرسيا بمجلس الشعب عام 2005م، قال محفوظ: "إن المصريين يُريدون أن يُجربوا الإسلاميين"، وجاءتهم الفرصة على طبقٍ من فِضة بعد 25 يناير، وكانت النتيجة كارثية لأنهم لا يملكون مشروعًا أصلا.. ومن يرجع إلى بيان المحكمة الدستورية العليا عند إعلان نتائج انتخابات الإعادة في 2012م سيجد أنه رصد مخالفتين، بل وطالب بالتحقيق فيهما؛ وهما ملف المطابع الأميرية، والبطاقات التي خرجت مسوّدة لمرسي، وملف قرى الصعيد ذات الأغلبية المسيحية، والتي مُنع أهلها من التصويت في هذه الانتخابات.
في هذه الأيام من حقنا أن نفرح بفضل الله علينا وحمايته لنا من الوقوع في المهالك، وحفظه لمصرنا المحروسة من التشرذم تحت عباءة مجموعة من الأفاكين الذين لا تزال أذنابهم تلعب في الخفاء حقدا على الوطن وكراهية لأبنائه؛ علينا أن نتذكر كل ذلك عند كل خطوة نخطوها وكل عثرة تقابلنا في طريقنا لبناء مستقبل وطننا.

 

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 

 

 

 

 
 
 
 


 

مشاركة