مدخل إلى تحول صلاح عيسى
مدخل إلى تحول صلاح عيسى
الأحد، 04 يوليه 2021 - 02:47 م
محمد الشماع وهاجر صلاح الدين يأخذان على عاتقهما مهمة صعبة تتمثل فى إعادة تقديم صلاح عيسى وربما لذلك اختارا عنوانا يخفف عنهما عبء المسئولية احكايات من دفتر صلاح عيسىب وكأن العنوان يحجم طموح القراءة.. قلنا لك من البداية إنها حكايات. لكن هل ذلك بالفعل ما عليه الكتاب!
فى مقدمة المؤلف القصيرة نقرأ ما يشير صراحة إلى معنى مضاد للخفة التى يوحى بها العنوان االسيرة التى بين أيدينا ـ أو الرحلة ـ هى محاولة لمعرفة المختلف عن صلاح عيسى وهو المعروف بغزارة إنتاجه..ب وفى موضع آخر من المقدمة ذاتها االسيرة التى بين أيدينا سيرة رجل يحكى كما يتنفس. حاولنا فيها أن نستخرج ما خفى وأعظمب وفى موضع ثالث احاولنا أن نقول ما لم يكن يريد هو أن يقوله عن نفسهب.
ما جاء فى المقدمة ثم ما يضمه الكتاب بعد ذلك يؤكد أن العنوان قد لا يوافق المتن إلا بالتناص مع عنوان كتاب صلاح عيسى احكايات من دفتر الوطنبتناص يفتح الباب لتأويله ما يمثله صلاح لكل من مؤلفى الكتاب فالمسألة هنا ليست بحثا يجريه كاتبان صحفيان عما لم يقله المفكر الراحل، بل الأسبق من ذلك، والداعى إليه، العلاقة الإنسانية والمهنية بينهما وبينه، علاقة حميمية ووثيقة الصلة تسمح لنا كقراء بأن نتم لعبة التشابه بين العنوانين ليترادف الوطن وصلاح عيسى، استنتاج تبرر المجازفة فيه أن فترة العلاقة المهنية والإنسانية بين الشماع وهاجر من ناحية وصلاح عيسى من ناحية أخرى، بدأت مطلع القرن فى سنوات شهدت انهدام التعريفات الكلاسيكية للوطن ليرده كل فرد وكل جماعة إلى ملجئه وملاذه!
لكن كتاب الشماع وهاجر ليس مجرد حكايات يمكن للقارئ أن يأخذها إلى سريره قبل النوم، يمكنه بالتأكيد أن يفعل ما يشاء لكنه سيجد الحكايات وبقدر ما تسليه بقدر ما تثير لديه من أسئلة، والسؤال الأول يبدأ مباشرة من بعد مقدمة المؤلفين، ويطرحه عبد المنعم سعيد عنوانا لمقدمته الماذا أكتب هذه المقدمة؟ب سؤال استفهامى يوجهه إلى هاجر، من سألته أن يكتب، ويضيف عليه الماذا كان اختيارى للقيام بهذه المهمة؟ب ووجه اندهاشه أنه ليس من المنتمين إلى الجماعة اليسارية، ولا تربطه بالمفكر الراحل صداقة.. إلى آخر ما يعدده لها من جملة أسباب ترد عليها بأنه الأفضل للمهمة بالذات لعدم انتمائه إلى الجماعة اليسارية، ولأنه أفضل من كتب عن صلاح عيسى بعد رحيله..
فهل كان للسؤال إذا أهمية؟ وهل إجابة هاجر مقنعة؟ عبد المنعم سعيد يستخدم السؤال لتبيين الفروق الأساسية بينه وبين صلاح عيسى.. اليمين واليسار، اختلاف لم يمنع اتفاقا عندما دعت إليه الأحوال، فى التحرك إلى إسقاط القانون 93 لعام 1995 الخاص بالصحافة اوالذى كان بكل المقاييس كارثة قومية من الطراز الثقيلب.
تمثل المقدمة الـ امنصفةب من عبد المنعم سعيد للمفكر الراحل عتبة مناسبة، مقدمة من ند يحترم خصمه ويقدر شجاعته فى التحول من يسارى ثورى إلى ااشتراكى ديمقراطيب ويقرأ التحول على وجهه الصحيح ابالنسبة لى صار ذلك المفكر على الجانب الآخر من الوسط الذى كلما اتسع كان ذلك فى مصلحة الأمة وتطورها الديمقراطيب.
فهل كان فى ذهن مؤلفى الكتاب عندما وقع اختيارهما على عبد المنعم سعيد لكتابة المقدمة، النظر إلى التحول الكبير الذى قام به صلاح عيسى، من أقصى اليسار إلى اليمين؟ فى كل الأحوال وسواء كان ذلك مقصودا أم نتج عرضا فيبقى ذا قيمة كبرى للكتاب فمن شأن لفت الانتباه إليه مبكرا، وعبر صياغة عبد المنعم الأنيقة والموجزة للقضية، رسم صورة بالرصاص للمفكر الراحل، لزمنه، وللتقلبات العالمية،بعد انهيار الاتحاد السوفيتي، والتى شكلت تحديا هائلا للمثقفين والمفكرين إما التشبث بما مضى وقضاء الوقت فى الذكرى أو امتلاك مرونة وشجاعة كافية لإجراء التحول.
على أنه فى حالة صلاح فإن ذلك التحول لم يكن وليد اللحظة ولا مجرد رد فعل على سقوط نظرية يطبقها، فالحقيقة أن نظرة ولو سطحية على كتابات الرجل وأفكاره تدلنا على أنه لم يكن ذلك الدوجما، هل يجوز القول بأنه كان أرحب من اليسار بصيغته المصرية المغلقة والاتهامية، وأنه على خلاف المؤمنين بنبوتهم كانت لديه آلية المراجعة وحساب النفس، وهذا ما يبدو جليا فى الفصل الخامس من الكتاب والمعنون بـبهل باع القضية فعلا؟ب
ارأيه من السهل أن يختلف بمرور الزمن، خصوصا فيما يتعلق بالأشخاص وليس السياسات. يرى أن فورة الشباب كانت سببا فى معارضته السابقة، وأن حكمة الكبار والعجائز تنير الطريق وتجعلك تنظر بشكل أفضل للأحداثب.
هذه جملة مفتاحية تقود إلى فهم مواقف صلاح عيسى المتغيرة تجاه قضايا، وتجاه رؤساء: عبد الناصر والسادات ومبارك، وأيضا إلى موقفه الثابت والمعارض للإخوان.
تمكنه هذه المرونةمن مراجعة ما جرى مع الشاعر صلاح عبد الصبور بسبب رئاسته هيئة الكتاب فى الثمانينيات، وعلى خلفية أزمة دورة معرض القاهرة للكتاب لعام 1981 بعدما أشيع بأن إسرائيل تشارك فيها، الحملة الضارية ضد شاعر مأساةالحلاج وبشر الحافى والتى انتهت برحيله المأساوى فى العام ذاته.تقود المراجعة صلاح عيسى للاعتراف لمؤلف الكتاب أنه لم يكن هناك وجودصهيونى بالمعنى المفهوم وإنما امجرد جناح هولندى يعرض بعض كتب لمثقفين يهودب. وفوق هذا يرى أن عبد الصبور امات فطيسب.
ليس القصد من أخطأ ففى مجال العمل العام، وتناطح الأفكار والنظريات لا رفاهية للتوقف للمراجعة، الكل تجهز للمعركة متطهرا من الغرض، مدافعا عن وطن تتناوشه الأخطار، لكن بعد وقت وبعد تراكم التجارب يمكن إعادة النظر لما جرى، تتدخل الحكمة التى تحدث عنها عيسى للمؤلف، يمكنه ساعتها استخدام تقنيات الثورة بجانب تقنيات التفاوض، قليل من الغضب والكثير من الحكمة، الهجوم عندما تتاح الفرصة والتراجع عند الضرورة، وذلك لتحقيق مصالح للجماعة التى ينتمى إليها (الجماعة الصحفية)، والاصطفاف حفاظا على الوطن نفسه (من توحش التيارات الإسلامية).
ليس تحول صلاح عيسى القضية الرئيسية للكتاب، لا هو معنى بالدفاع عنه أو بالهجوم على أحد، لكنها تنسجم فى إطار كادر صحفى عن المفكر وعن زمنه، ولا يخلو الكادر من الشماع وهاجر أنفسهما فى محراب الأستاذ فى علاقة تنقلب إلى صداقة أساسها العمل الصحفى الذى لا يشبه هنا مدرسة الخبر والسبق الصحفى بل يرتكز على ما وصفه عبد المنعم سعيد اخلاصة صلاح عيسى هى القدرة على تحقيق قدر كبير من النشوة ومتعة القراءة وإعطاء القارئ بعد أن ينتهى من القراءة نقطة يصبح عندها مختلفا عما كان قبلهاب.
فى هذا الإطار واستلهاما لروح صلاح عيسى يقدم محمد الشماع وهاجر صلاح عملا صحفيا ذكيا وممتعا يمكن القارئ من رؤية صلاح عيسى المنعزل اجتماعيا، المدخن الشره، قصة حبه وزواجه وقصة عدم الإنجاب والسجن والمظاهرات والمؤلفات والوطن الذى بقى بالنسبة له وإلى اللحظة الأخيرة بوصلته الهادية.