عبد الرازق قرنح
عبد الرازق قرنح : إذا كان لديك «أرض صلبة» ستفقد القدرة على السؤال
السبت، 09 أكتوبر 2021 - 03:05 م
حوار: تينا ستينر - ترجمة: بسمة ناجى
فى أى مرحلة تعليمية كنت قد وصلت حين غادرت زنجبار؟
- أنهيت دراستى الثانوية عام 1966، ثم كان من المتوقع أن أواصل التعليم العالي، ولكن بعد عامين من الثورة فى زنجبار أُرسل جميع من أكملوا المرحلة الثانوية إلى ما كان يسمى آنذاك بـ»الخدمة الوطنية». جرى تشغيل الكثير منا كمعلمين مساعدين فى المدارس، والبعض فى وظائف حكومية، وككَتبة مبتدئين فى الخدمة المدنية، وفى مواقع من هذا القبيل. أردت فى الواقع أن أكتب عن هذا، من بين أشياء أخرى، فى روايتى الجديدة. ليست مسألة كبيرة، لكنى أذكرها. جرى تشغيلنا جميعًا بهذه الطريقة وجرى توظيفى فى مدرسة ريفية.
هل اختير البعض لاستكمال التعليم العالي، مثل لطيف فى روايتك «على شاطئ البحر» والذي يسافر إلى ألمانيا الشرقية؟ هل كانت هذه هى الإمكانية الوحيدة للدراسة؟
- نعم، وفى الواقع، كانت الأماكن الوحيدة التى يمكنك الذهاب إليها هى تشيكوسلوفاكيا وألمانيا الشرقية والاتحاد السوفيتي. قدّمت تلك البلدان منحًا دراسية للحكومة، واختار قسم التعليم الأشخاص الذين يريدون الذهاب، إذ لم يرغب الجميع فى السفر إلىهناك عمومًا، سواء لضعف مستوى التعليم، أو فى بعض الحالات، كما فى روايتى «على شاطئ البحر»، لقلقهم من تغيير الشيوعيين لمعتقداتهم وما إلى ذلك. لذا فإن من بُعِثوا للخارج كانوا أشخاصًا تثق بهم السلطات، أو أبناء لأشخاص تثق بهم السلطات.
ولم يكن هذا لينطبق عليك وعلى أخيك؟
- حسنًا، كان احتمالًا بعيدًا ولكن ليس مستحيلًا، إذا أبدينا بعض الحماس. أعتقد أنها كانت طريقة لإظهار نوع من الانتماء والولاء. إذا كنت تريد الذهاب بالفعل لإكمال تعليمك، فهذه هى الطريقة التى تعبّر بها عن انتمائك لهذا الجانب.غادرنا بعدها، فى عام 1967، إلى لندن، وبدون تأشيرة. ذهبنا إلى المفوضية البريطانية العليا فى دار السلام فقيل لنا: لا، لن نمنحكم تأشيرات دراسة أو عمل، لكن يمكنكم الحصول على تأشيرة سياحية، ستسمح لكم بالبقاء هناك لمدة شهر أو شيء من هذا القبيل.
وكيف بدأت دراستك الجامعية بلندن؟
- ما حدث أننا حين وصلنا، أنا وأخي، إلى لندن، أقنعنا ابن عمنا، وكان يعمل بالزراعة، بوجوب الالتحاق بالتعليم العالي. درس أحمد العلوم البيولوجية وقرر أنه التخصص الذى يريد أن يعمل به، ودرست أنا الفيزياء والرياضيات والكيمياء ناويًا مواصلة دراسة الهندسة. وكان كل شيء يسير على ما يرام فى الواقع، حتى لقد عُرض عليَ مكانان للدراسة. كنا فقراء حين أتينا إلى هنا. كافحنا، ولا أعرف بالضبط كيف نجونا، لكننا نجونا. استمر ذلك حتى عام 1971، على ما أعتقد، وكان عمرى 22 عامًا، وكنت أعمل فى مستشفى، حين قررت أننى لا أريد أن أصير مهندسًا، فدرَّستُ فى فصول مسائية، وحصلت على مستويات متقدمة فى اللغة الإنجليزية لأننى أردت دراسة اللغة الإنجليزية.
شكرًا لك على توضيح بعض جوانب سيرتك الذاتية. ننتقل إلى عملك؟ اعتقدت أنه يمكننا البدء بالحديث عن الحرفة نفسها. هل لديك روتين معين؟
- أكتب على الكمبيوتر فى المنزل، نادرًا ما أفعل ذلك فى المكتب، أكتب دائمًا فى المنزل. هذه إحدى الحيل الصغيرة التى ألعبها، عندما أكون فى المكتب، أقوم بعملى الجامعى محاولًا عدم أخذه معى إلى المنزل، وعندما أكون فى المنزل أكتب محاولًا عدم إحضار كتابتى للجامعة. قد أقرأ قصة أو مقالًا بشكل متعمق إذا لم يكن لدى شيء محدد أقوم به، قد أفعل ذلك فى المكتب لتوفير بضع ساعات، لكننى أحاول الفصل بين هذين الأمرين. لذلك أعمل على الكمبيوتر الخاص بى فى المنزل، ولكنى أكتب ملاحظات بخط اليد فى كل مكان.
لنفترض أن لديك فكرة عن رواية، هل تصمّم خرائط ذهنية أم مخططات قصصية؟
- لا، لا أعتمد على المخططات. بعض الناس يفعلون ذلك ويجدون أنه مفيد جدًا. أما أنا فلا. بسبب التدريس والكتابة الأكاديمية الأخرى التى أمارسها، وحاليًا، بسبب السفر، فغالبًا ما يستغرق الأمر بعض الوقت حتى أبدأ. غالبًا ما أكتب فى وقت الإجازة، هذا بالنسبة لى هو الوقت الذى أستطيع خلاله التركيز على الكتابة. لا أكتب خلال الفصل الدراسي. تكون الإجازة شهرًاأو شهرين، ربما أكمل خلالها المسودة الأولى لرواية، أو أنهى عملًا كنت بدأته. هذه هى الطريقة المثالية للعمل بالنسبة لي.
عندما تكون لديك فكرة ما وبدأت فى كتابتها، هل يمكنك العمل عليها طوال اليوم؟
- أود أن أقول نعم، لكن هذا لا يحدث حقًا. فى العام الماضى كنت أتحدث إلى كاتبة معروفة وناجحة للغاية، وقالت إنها لا تستطيع العمل بعد الساعة الثانية عشرة ظهرًا. أحدد لنفسى سلسلة معقدة من الأهداف أيًا كانت. ليس الوقت فقط، لكن أحيانًا حجم ما أكتب.
تقصد عدد الكلمات؟
- لا، ليس بالضبط. يتعلق الأمر بسير الأمور. هل يجب على العمل بجِد أكثر؟ هل عملت بما يكفى اليوم؟ فى بعض الأحيان أتعثر فى شيء ما، ويكون لزامًا على المضى قدمًا لتجاوز هذه العثرة. لا أعتقد أنها فكرة جيدة أن تتوقف عندما لا تسير الأمور كما تريد أثناء الكتابة. أتوقف فقط حين أشعر أننى أريد نقطة تبدأ عندها الأمور فى التدفق بشكل أسلس. مرة أخرى، هذا لا ينجح دائمًا، لا توجد طريقة ثابتة.
هل تعتقد أن عملك كأكاديمى يضغط على عملك ككاتب؟ أو هل تؤثر كتابتك الأكاديميةبشكل ما على كتابتك الإبداعية؟
- حسنًا، تتحدثين عن عمر طويل من ممارسة الكتابة، سواء الأكاديمية أو الأدبية. فى البداية شكّل الأمر عناءًحقيقيًا؛ كان أبنائى صغارًا، وتوجب عليّ العمل للحفاظ على استمرار الدخل، لكنه لم يكن مستحيلًا، وإنما استلزم فقط بعض العمل الشاق. لم يكن متاحًا لى فى ذلك الوقت التوقف عن الكتابة الأكاديمية، لكننى الآن أكثر التزامًا بكونى أديبًا. صرنا أكثر ارتياحًا حيال ذلك، لأن أبنائى قد كبروا. لذلك لم يعد لدى نفس الصراع بين الذنب والمسؤوليات. ولكن ليست هذه هى المسألة حقًا، أو ليست تمامًا، فالمسألة أيضًا هى أن هناك تعارضًا فيما يتعلق بما يشغلك. دائمًا ما كانا منفصلين تمامًا، لكنهما نوعًا ما متداخلان بطريقة مثيرة للاهتمام. بمعنى أن قراءاتى تغذى كتاباتي وتنبئ عنها،أكثر بكثير مما تغذى كتابتى قراءاتي.
لقد تحدثت فى «الكتابة والمكان» عن إمكانية تقديم السرد طرقًا أعقد للمعرفة، ماذا تقصد بذلك؟
- أشرتُ إلى أن مثل هذه السرديات المعقدة تتحدى فى الواقع السردية المهيمنة، الأوروبية أو الإمبريالية، لأنها تقدّم المزيد من التفاصيل، بل وتبدو، ولعدم اتساقها مع السردية الأقوى، وكأنها تناقض نفسها أحيانًا. وبالتالى فهي فى موقف ضعف،لأنك كثيرًا ما لا تملك القدرة على السرد بل ربما تعجز فى الواقع عن دحض السردية الإمبراطورية بشكل نهائي. لذلك، توافق على أن هذه قصة صغيرة ومجزأة وغير مكتملة، يسهُل على أى شخص معارضتها.
أتساءل ما إذا كان هذا يُترجَم أيضًا إلى الأوضاع التى تتخذها شخصياتك فى المشاهد؟ تُختتم «ذاكرة المغادرة» بوقوف حسن على القارب، وعندما ينظر للوراء يتمنى رؤية أرض أكثر صلابة. هل الرغبة فى الحصول على أرضية صلبة تحت أقدامه هى استعارة للعديد من شخصياتك الذين لا يستطيعون ادعاء الشعور بالوصول، أو بمعرفة المكان الذى يقفون فيه من العالم على وجه التحديد؟
- نعم. ويمكننى القول أنه أيضًا موقف شخصي. يبدو لى أنك تقدّم نفسك كشخص لا يستطيع التحدث بشكل موثوق منه. هذا أيضًا موقف ضعف. هذا الوعى الذاتى والرغبة فى الحصول على أرضية صلبة، الرغبة التى لا تمثل أمنية حقيقية، لأنه إذا كانت لديك أرضية صلبة، ستفقد القدرة على التساؤل.
هناك العديد من الفجوات والصمت والأسرار فى رواياتك. قد يُفرض الصمت، فلا يمكن للشخصيات التحدث، وربما لا ترغب هى فى التحدث، أو قد يحدث كلاهما. يخلق هذا صعوبة، حيث يتوجب عليك كتابة شيء لا يمكن قوله. كيف تكتب عن الطريقة التى يتعيّن على الشخصيات التعامل بها مع فجوات المعرفة أو مع عدم القدرة على قول شيء ما فى السرد؟
- حسنًا، أعتقد أن هذا يمثل تحديًا دقيقًا لتحقيقه أو التطلع إليه. يحدث أن تتردد فى قول أشياء، لأنها مهينة أو مؤذية، أو لأنك ستكشف أكثر مما تريد. طوال الوقت يوجد هذا التحدي، وأعتقد أنه كلما زادت ثقتك، كلما زاد ارتياحك لقول ما تريد.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة