كاريكاتير لجمعة
البستان
تامر يوسف يكتب : فنان بدرجة فارس
السبت، 30 أكتوبر 2021 - 04:03 م
من أصعب ما يمكن هو أن تمسك بقلمك لتنعى صديقاً. فما بالك أن كان من تكتب عنه وعن سيرته هو أستاذ كبير وعلامة فارقة فى تاريخ الكاريكاتير المصري. بل هو واحدٌ من عمالقته. تعلمت منه الكثير والكثير حقيقة. خاصةً وأننى زاملته لسنوات فى عدة أماكن منها جريدة الأهرام اليومية والأهرام ويكلي. وكنت أحد من تشرفوا بالتواجد فى مجلس إدارته للجمعية المصرية للكاريكاتير منذ عام 2015 وحتى اللحظات الأخيرة من عمره.
هو فنان متحضر ومثقف. عبر بريشته عن أحلام البسطاء. وكان نصيراً للمواطن الكادح. وحارب بإبداعه كل الأفكار والاتجاهات السياسية الفاسدة. نجح فى أن يوصل فكرته وصل بفنه للعالمية.
جمعنا العمل فى خدمة فنّ الكاريكاتير عبر الجمعية المصرية للكاريكاتير. فسافرنا هنا وهناك. وجهزنا ونظمنا معارض عدة. وفى أثناء الراحة، دارت بيننا حوارات غنية حول حال الكاريكاتير ورساميه. وخصنى فيها ببعضاً من ذكرياته وعلاقاته مع أساتذته ممن سبقوه. وهذا ليس بغريب عنه. فهو شخصٌ متواضعٌ جداً، بالرغم من أنه فى قمة الفخر والعلياء والزهو بما يقدمه من فن. فكان دائماً يصف نفسه بأنه أهم رسام كاريكاتير سياسى فى مصر.
حصل على عدة جوائز منها جائزة نقابة الصحفيين عامى 1986 و1989. وجائزة مصطفى وعلى أمين عام 1999. وقد تم تكريمه من قِبل الملتقى العربى لرواد الكاريكاتير فى دورته الثانية عام 2018. كما قام بتحكيم جائزة التفوق بنقابة الصحفيين عن قسم الكاريكاتير لسنوات. له جناح خاص يضم أعماله بمتحف الكاريكاتير بالفيوم.
الأهرام ويكلى
التحق جمعة بالأهرام ويكلى منذ تأسيسها فى عام 1991. حيث أن مؤسس ورئيس التحرير السابق للويكلى كانت له نظرة ثاقبة فى اختيار الكوادر العاملة بالجريدة. وكان جمعة خير اختيار حيث قدم عبر بوابته أعمالاً كاريكاتورية مميزة. لم تختلف كثيراً عما كان يقدمه فى الصحف الأخرى من حيث رصانة الفكرة والمضمون. وواكب كل الأحداث ووثقها بريشته. حرب الخليج وتبعيتها. القضية الفلسطينية. قضايا الشرق الأوسط. الشئون الإقليمية والعالمية. حيث كانت المساحة التى يقدمها غاية فى الثراء. بالرغم من أنها تكن المساحة الإبداعية الوحيدة بالجريدة. فتخيلوا أن جمعة كان واحداً من ضمن ستة رسامين بالأهرام ويكلي. بهجورى وجميل شفيق ورجائى ونيس وفتحى أبو العز وأسامه قاسم وأخيراً الفقير إلى الله كاتب هذا المقال. حيث كانت منافسة حقيقية بين أجيال مختلفة وكانت النتيجة دائماً فى صالح القاريء.
أعماله
ما لا يعرفه الكثير عنه أن بدايات جمعة الصحفية أنه كان رساماً للبورتريه. وكان متميزاً فيه. وكان يرسم كل من حوله من زملائه. وأتذكر أن الفنان الراحل رؤوف عياد قد روى لى عن رسم كاريكاتيرى لطيف جداً رسمه له الفنان جمعة بمناسبة زواجه. وكان سعيداً به جداً. حيث رسمه قصيراً ضاحكاً متعلقاً بذراع زوجته الفارعة الطول فى مفارقة كاريكاتورية ساخرة.
لكن سرعان ما خطفه الكاريكاتير السياسى من فن البورتريه. حيث وجد نفسه وتألق وسط أسماء لامعة فى هذه المرحلة. حتى بين أبناء جيله أمثال محمد حاكم والراحل عادل البطراوي.
تميزت أعمال جمعة بالخطوط القوية الصارمة. وقد قدم معظم أعماله بالأبيض والأسود. وكل ذلك زاد من نجاح توصيل فكرته من خلال الحالة الدرامية للكادر الكاريكاتوري. ورغم ذلك لم تر الألوان إلا فيما نشره بمجلة الأهرام العربي.
ومع بزوغ الصحافة الخليجية فى ستينيات القرن الماضى سافر العديد من رسامى الكاريكاتير المصريين للحاق بركب الصحافة هناك، إلا أنه رفض الفكرة ولم يسعى أبداً لترك وطنه. حيث أنه يعتبرها الأرض الخصبة التى ساعدته على نجاحه ونبوغه كرسام.
النهاية
مع تقدم جمعة فى العمر هاجمه المرض وبشدة. إلا أنه لم يستسلم له. وداوم على العمل ومتابعة الرسم كفارس جسور. ولم يتخلف يوماً عن المشاركة والتواجد فى المحافل الفنية. وقبل عدة أيام بادرنى بمكالمة هاتفية لتهنئتى بحصولى على الجائزة الأولى فى مسابقة المجلس الأعلى للصحافة. ورغم سعادتى بهذه المكالمة إلا أنى كنت مشفقاً عليه لما أصاب صوته من وهن. فحاولت أن أنهى المكالمة سريعاً. إلا أنه عاد ليتصل بى مجدداً بعدها بثلاثة أيام ليهنئنى مرة أخرى مصرحاً بعدم اقتناعه بأن المكالمة السابقة كانت كافية. لكن يبدو لى أنها كانت مكالمة الوداع. فلقد توفى جمعة فى سلام يوم الجمعة . ويبدو أن جمعة ارتبط اسمه بيوم الجمعة فى كل ما يخص حياته وحتى وفاته!.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة