بقلم : عبدالله البقالى
بقلم : عبدالله البقالى


حديث الأسبوع

التعليم الجامعى.. ضيق شديد فى التنفس

بوابة أخبار اليوم

الإثنين، 02 سبتمبر 2019 - 08:11 م

عبدالله البقالى

مهما قلبنا صفحات التقارير الدولية الخاصة بالتصنيف السنوى لأحسن الجامعات، فإننا لن نفاجأ بوجود جامعة عربية واحدة ضمن أحسن خمسمائة جامعة فى العالم، وهذه هى الحقيقة التى أكدتها التقارير التى توالت فى الصدور قبل أسابيع، من شنغهاى ولندن وفى غيرهما من مواقع رصد أوضاع الجامعات فى العالم، والتى لم تجد جامعة عربية واحدة موقعا لها فى الخمسمائة جامعة الأحسن عالميا. وبتعدد التقارير تتعدد وتختلف وتتباين وتتنوع المقاييس المعتمدة فى هذه التصنيفات، ورغم هذا الاختلاف والتعدد الذى يفسح المجال أمام أكبر عدد من المؤشرات، فإن ذلك لم يسعف ولو جامعة واحدة فى العالم العربى فى أن تجد لها مرتبة واحدة ضمن خمسمائة أحسن جامعة فى العالم.
إن إجماع التقارير الدولية والإقليمية سواء التى تصدرها المنظمات الدولية المختصة أو الأوساط الأكاديمية أو العلمية، أو بعض الجهات المختصة فى الرصد على إقصاء الجامعات العربية من أفضل خمسمائة جامعة فى العالم، وبالتالى تلقى بها إلى المراتب جد المتأخرة يؤكد أن الرصد منطقى وعادل، كما أن أوضاع الجامعات فى العالم العربى يفسر طبيعة المراتب المتأخرة التى تجعل هذه الجامعات تتحول إلى مؤسسات تفرخ جيوشا من العاطلين الذين تلفظهم أسواق الشغل لأنهم تلقوا تعليما وتكوينا لا يفيد هذه الأسواق فى شيء، وإلى مواقع علمية يواجه فيها البحث العلمى أعطابا كبيرة وكثيرة.
دعنا نبدأ بالقول إن الإحصائيات تؤكد أن 57 دولة إسلامية وضمنها طبعا الدول العربية تتوفر على 500 جامعة فقط، بينما تكشف نفس الإحصائيات أنه فى الولايات المتحدة الأمريكية لوحدها توجد 5758 جامعة، بيد أن عددها فى الهند يرتفع إلى 8407 جامعة. وهذا يعنى أن قلة المؤسسات الجامعية فى العالم العربى تفسر ضيق مجالات استقطاب الطلبة الجدد، وتوضح أسباب الاكتظاظ وتكدس الطلبة فى القاعات والمدرجات، وتكشف ضعف الإمكانيات.
ولعل قضية تمويل التعليم فى جميع مستوياته بما فيه التعليم العالى تلقى الأضواء الكاشفة على جميع أعطاب التعليم، إذ بالقدر الذى ترتفع فيه الموازنات الخاصة بالتعليم تتمكن الجامعات والمعاهد العليا من التنفس بكميات مناسبة من الأوكسجين، وبالقدر الذى تتراجع فيه هذه التمويلات تواجه هذه المؤسسات ضيقا خطيرا فى التنفس. وعلى هذا المستوى فإن القطاعات الاجتماعية بصفة عامة لا تحظى بعناية خاصة، وضمنها قطاع التعليم بطبيعة الحال، وفى هذا الصدد كشفت إحصائيات حديثة تفاوتات كبيرة وعميقة فيما يتعلق بالإنفاق على التعليم من المستوى الابتدائى إلى الجامعى، وهكذا أوضحت هذه المصادر أن متوسط هذا الإنفاق فى هونج كونج يصل إلى 132.261 دولارا للشخص الواحد، بينما يصل فى سنغافورة إلى 70.939 دولارا أمريكيا وفى الولايات المتحدة يصل إلى 58.464 دولارا وفى الصين يبلغ 42.892، وفى أستراليا يصل إلى 36.402، وفى المملكة المتحدة يصل إلى 24.862، بيد أنه فى مجمل الدول العربية لا يتجاوز سقف 16 ألف دولار، باستثناء فى دولة الإمارات العربية التى يصل بها هذا الإنفاق إلى مستوى مقبول جدا يبلغ 99.378 دولارا، وبالتالى فإن ضعف التمويل وعدم الاهتمام بالموارد البشرية فيما يتعلق بالتأهيل والتكوين وتحسين الأوضاع المادية للعاملين، كل هذا يتسبب فى أعطاب كبيرة فى بنية الجامعات العربية.
ليست التقارير الخاصة بالتصنيف التى تكشف عيوب الجامعات العربية، بل هناك مصادر أخرى كثيرة تضع هذه الجامعات فى موقف يكشف عن معطى مهم يصلح لقياس فعالية التعليم بصفة عامة، والتعليم THE SPECTATORS INDEX، صعب جدا، فمثلا التعليم بصفة خاصة، ويتعلق الأمر بنسبة العلماء فى العلوم الحقة فى كل مليون نسمة من السكان، ففى دولة الكيان الصهيونى يصل عدد العلماء فى العلوم الحقة إلى 8250 من كل مليون نسمة، ويصل فى كوريا الجنوبية إلى 7113 من كل مليون، وفى اليابان 5220، وينزل فى ألمانيا إلى 4893، وفى كندا إلى 4552، وفى أستراليا إلى 4539، وفى بريطانيا إلى 4430، وفى الولايات المتحدة الأمريكية إلى 4313، وفى فرنسا إلى 4307، وفى روسيا إلى 2979، وفى إسبانيا إلى 2732، وفى ماليزيا إلى 2274، وفى الصين إلى 1206، وفى البرازيل إلى 881، وفى الهند إلى 216، وفى أندونيسيا إلى 89، ولا داعى للسؤال عن نسبة العلماء فى العلوم الحقة بالبلدان العربية لأن هذه النسبة تقل عن المعدل المسجل فى آخر دولة وردت فى هذا التصنيف، أى أقل عشر مرات عما هو موجود فى دولة الكيان الصهيونى مثلا، ولا تفسير مقنع لهذا الأمر إلا من خلال التأكيد على مضامين ومناهج التعليم والبيداغوجية المعتمدة، وعبر طبيعة المعرفة والتربية والتكوين الذى يشحن به الطلاب العرب، وهو تعليم لا ينتج إلا العاهات المستديمة التى تعطل إمكانات تحقيق التنمية والتطور.
يحكى أن تقريرا مخابراتيا لدولة أوربية كانت تستعمر قطرا عربيا أكد على حقيقة مفادها أن تدمير التعليم فى ذلك القطر العربى يجب أن يبدأ من التعليم العالى لأنه هو الذى يخرج الأساتذة الذين يكونون ويدرسون أساتذة باقى مستويات التعليم، لذلك نفهم اليوم لماذا يقع كل هذا الإصرار فى البلدان العربية على تهميش التعليم الجامعى وتعطيل البحث العلمى.
نقيب الصحافيين المغاربة


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة