د. محمد السعدنى
د. محمد السعدنى


فى الفكر والسياسة

إيكهارت تول و"قوة اللحظة - الآن"

بوابة أخبار اليوم

الخميس، 17 أكتوبر 2019 - 08:20 م

عندما نكتفى من المعاناة ندرك حينها قوة الآن،
ربما فى هذه الجملة تلخيص غير مخل لفكرة الكاتب وكتابه "قوة الآن" الذى قدمنا لمحة عنه فى مقالنا السابق، والذى أحدث دوياً عند نشره، إذ راح الكاتب يؤسس فيه لمفاهيم جديدة عن أهمية اللحظة الآنية التى غالباً مايتجاوزها الإنسان فيتسبب لنفسه فى قدر كبير من المعاناة والألم، بينما لو أيقن قيمة - الآن- وعاش اللحظة واستمتع بكل مافيها، لأنزل عن كاهله هم الأمس - الماضى- وطرح عن ذاته -عبء الغد وقلق المستقبل- واستشعر داخله بمعنى وجوده وقيمته وتوصل إلى حالة الاستنارة الذاتية والحكمة والرضا. فكم من الفرص ضاعت على الإنسان لمجرد أنه بقى عالقا بماضيه، أو خائفاً من مستقبله، بينما الأوفق أن يستغل لحظته بكل ما أوتي، ولا يأسف لما فاته ويعمل قدر استطاعته لتحقيق ما يريده ويطمح إليه فى مستقبله. والحكمة أنك عندما تتحرر من الزمن النفسى ستتحرر من الخوف ولن تفتقد إلى النشاط بسبب الخوف من الفشل.
لم يتوقف أيكهارت تول عند ذلك، بل راح يقدم رؤيته فيضيف "كلما كنت قادراً على إحترام وقبول الحاضر، كلما تحررت من الألم والمعاناة، وعندما تصبح أنت واللحظة الحاضرة أصدقاء، تشعر وكأن المكان مكانك، وبالعكس عندما لا تستأنس باللحظة فإن شعورك بالضيق سيرافقك أينما تكون. أدرك بعمق أن لحظة الحاضر هى كل ما تملك، واجعل الآن هو تركيزك الرئيسى فى الحياة. ركز على اللحظة الحالية واقبل بها، فالمكان الوحيد الذى تستطيع بصدق أن تجد نفسك فيه هو المكان الذى معظم الناس لا ينظرون إليه وهو اللحظة الحالية، لحظة "الوجود الحقيقى". عدم الشعور بالفرح فى ما تفعله لا يدل على وجوب تغييره بل تغيير كيفية قيامك به، إذ غالبًا ما تكون كيفية الشىء أهم من ماهيته - أى كنهه وحقيقته- لذا ركز انتباهك على الفعل ذاته وستشعر بنتيجته". ولم ينس الكاتب أنه معلم روحى فراح يقدم فلسفته فى التأمل والصمت والكشف الداخلى وصفاء الذات، التى هى تنويعات على أفكار بوذا وزرادشت وكونفوشيوس - فلسفات الشرق القديم- فيقول "استعمل حواسك وانظر حولك إلى الأشكال والألوان، وكن واعيًا للحضور الصامت لكل شيء تراه. استمع الأصوات وراقب تنفسك واشعر بطاقة الحياة فى جسدك.، فكل ما يخبئه لك المستقبل يعتمد على حالة وعيك وإدراكك، فكن الصمت الذى يراقب أفكارك وتصرفاتك، فأنت لست المفكر، أنت الصفاء دون ضجيج العقل وأنت الحب والفرح دون الألم، إنسجم مع الوجود، فالتنوير هو حالتك الطبيعية أثناء الانسجام مع الوجود. اشعر بحضورك الخاص..الذى هو حالة وحدة مع الحضور الكونى، وعندما تبدأ تتعمق بالتأمل ستشعر بحيوية فى كل جسمك وهذا يمكن أن يصبح جزءا من شعورك بالآن". ويوجز فيقول "أنا لست أفكارى ولا مشاعري، ولست مفاهيمى الحسية ولا تجاربي، ولست محتوى حياتي، بل أنا الحياة، أنا الفضاء الذى يحدث به كل الأشياء، وأنا الوعي، أنا الكينونة وأنا الآن". ولعل صاحبنا قد أخذته حماسة الفكرة إلى أبعد ما يمكننى موافقته عليه. إذ دعوته بالتوقف ولو مرحلياً عن التفكير وضجيج العقل تصطدم حتى مع مايدعو له من حالة الوعى والإدراك والتأمل والاستنارة، التى لاتكون بغير التفكير ولا تستقيم فى مبعدة عنه. على أى الحالات هى أفكار وأحياناً شطحات ضمن كثير مما يراودنا به الموجهون الروحانيون ورواد التنمية البشرية فى أيامنا هذه التى ما بان لها شمس ولا قمر.
والكتاب فى مجمله، يطالبك أن تفتح صندوق ذاتك لتكتشف اللحظة وتعيش كل دقائقها ولا تستسلم للمعاناة والألم والخوف، فتصبح أسيراً فى انتظار مالا يجىء. وأكاد أراه يدفعك دفعاً للتحرك الآن حالاً فوراً، فيقول:" غالباً مايكون أى إجراء أفضل من عدمه، خاصة إذا كنت عالقاً فى وضع غير سعيد لفترة طويلة، فإذا كان هذا الإجراء خطأ، فإنك على الأقل تكون قد تعلمت شيئاً، وهكذا يكون تصرفك مفيداً، بينما لو بقيت عالقاً فى الانتظار فلن تتعلم شيئاً إلا الألم والخوف". والترجمة هنا بتصرف.


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة