أحمد عباس
أحمد عباس


تساؤلات

وأين أنا ؟

أحمد عباس

الخميس، 12 مارس 2020 - 05:34 م

بينما يترقب الجميع هبوب إعصار مدوٍ قالوا إن اسمه إعصار "التنين"، وللاسم وحده حالة يخلقها، قالوا إن السماء ستغرق الأرض، وأن الرياح ستطيح بما عليها، وربما تلتهمه وتدفنه فى جوفها، وأن العواصف ستقذف بأى جماد وكل كائن حى، وأن المياه ستجرف الشجر وتصنع بركا لا نهاية لأعماقها، ولا قدرة لأحد مهما امتد ارتفاعه واستطال على الصمود أمام جريانها، قالوا إن التراب سيحيل لون الدنيا إلى إصفرار برتقالى داكن، يحجب رؤية كل ما اعتدنا رؤيته، وأن الشمس لن تطلع يومها، ولا غروب لما لا شروق له، إذن لن تغرب الشمس أيضًا. كذلك هو المشهد المرتقب، مُربك، مخيف إلى حد مميت، يخطف العقل، والحالة المسيطرة مُقبضة، كئيبة، والانتظار يلتهم صبر الجميع، وصفوه بأنه يوم القيامة، ما كل هذا الحذر، والخوف، ماذا يحمل المجهول، وأين أنا؟
والآن بدأت ساعة القيامة.. السماء ترعد، تزأر بلا هوادة، صوتها كأن أسرابًا من طائرات مُحلقة اعتادت كسر حواجز الصوت، أو كوحش قادم من عصور سحيقة، بالكاد ينفض غبار الزمن ليًعلن عن مجيئه، فلا حساب لكبير أو صغير، والرعب مقذوف فى قلوب الجميع، أما البرق فلن تجرؤ على مشاهدته، وإلا اختطف بصرك فى الحال، وميض لحظى يخترق سُحب ثقيلة بالكاد يشقها شقا، لا يستمر، ولا نعرف موعد تكراره، هو أيضًا من علامات الجلال والرهبة.. وما أصعب الكتابة فى هذه الساعات، هذه اللحظات التى تبحث فيها عن ذاتك، ونفسك، وتسأل: أين أنا؟
مُخيفة هذه الحالة، تلك التى تفرض عليك الطبيعة مواجهتها وأنت أعزل، حتى وإن كنت مستعدا، فلن تستطيع المقاومة، وكيف تقاوم ما تجهله، أو تستعد لما لا محددات لقدرته، وأنا أخشى جنون الطبيعة أضعاف مضاعفة، لى صديق راح ضحية لإحدى نوبات جنون ضجر الطبيعة، مات متجمدًا أعلى قمة ما بجبل سانت كاترين، كان فى رحلة صعود، وجدوه ممدداً بين أكوام الجليد، ومنذ يومها وأنا أخاف.. أخاف جدا، ليس من الموت، فالموت آت، يأتينا فى كل لحظة، يخطف أحدنا، يسترده متى شاء وقرر، إنما أخاف الفقد، أن تفقد عزيزا، وهذا هو الخوف الحقيقى، فلا شيء يُخيف الموتى، أما الوجع كله سيتلقاه من تتركهم، وأنت آمن فى رقادك، محمول على الأكتاف، وحينها لن تسأل إلا.. أين أنا؟!
الحالة كلها لا تبعث إلا على مناجاة من نوع خاص، اقتراب يُدنينى من مجهول أنت تؤمن بوجوده، وتصدق فى قوته، وترتعد من جبروته، مؤكد أن خالقًا ربًا إلهًا يُدير الكون، تدُبر ما يدفعك للإمتثال والتسليم، حيث لا قوة إلا له، ولا حول إلا به، صوت انفجار يتكرر، يأتى من السماء يذكرك أنك أعزل، ضعيف مهما بلغت وارتقيت. لازلت أذكر يومها، كنت قد وصلت إلى قمة أحد جبال إفريقيا العظيمة التى تُشرف على محيط شاسع، وترى نهاية القارة، كأن شُرفة على علو شاهق ترى نهاية الأرض، وقف الناس يتأملون حدود الطبيعة، ووقفت أنا مُلجم، لا شيء يشغلنى إلا أسئلة لا إجابة عنها، ما كل هذا الخضوع، ولماذا كل هذا العجز الذى أصابنى، أين مُتعة السفر والترحال؟، أين شغف الاكتشاف والمغامرة، ومن يُدير شئون كل هذا الكون؟.. وأين أنا؟!

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة