هالة العيسوى
هالة العيسوى


من وراء النافذة

ألغام فى مفاوضات «الناقورة»

هالة العيسوي

الخميس، 15 أكتوبر 2020 - 08:31 م

 أما وقد بدأت فعليًا يوم الأربعاء الماضى مفاوضات ترسيم الحدود البحرية بين لبنان وإسرائيل برعاية أمريكية، من الضرورى إدراك ان تلك المفاوضات محفوفة بالمخاطر والألغام، لاسيما أنها تجرى ولبنان غارق فى حالة من السيولة السياسية، مصحوبة بانهيار اقتصادى ترشح البلاد إلى الانزلاق نحو تصنيف الدول الفاشلة. غير خافٍ على الجميع الحاجة الماسة للبنان لترسيم حدودها البحرية مع إسرائيل ليتمكن أولًا من استغلال موارده الطبيعية والاستفادة الكاملة من ثرواته من النفط والغاز التى حرم منها على مدى عقود، وهى ثروات من شأنها- لو أُحسِن استغلالها- أن تقيل البلاد مع عثرتها الاقتصادية. ولو جرت المفاوضات بشكل مستقيم وانتهت إلى اتفاق حقيقى جاد فهذا أيضًا من شأنه أن يمنح البلاد قدرًا من المصداقية تسمح له بالحصول على المعونات الخارجية وتشجع الدول المانحة على المساهمة باطمئنان فى إعمار لبنان ونهوضه من كبوته.
على أن طريق هذه المفاوضات ليس مفروشًا بالورود؛ لأنها تجرى فى ظل حالة من انعدام الثقة بين الجانبين من أثر عداء طويل لا يزال قائمًا حتى الآن. لبنان يدخل تلك المفاوضات مع إسرائيل وهو يتحسس طريقه خوفًا من وجود شراك ومصائد سياسية تجره فى النهاية إلى اتفاق سياسى ملزم يضيع عليه حقوقه الأخرى المحبوسة لدى إسرائيل ويؤدى إلى تنازلات مهمة، وقد اضطر تحت ضغط الحاجة الاقتصادية إلى التراجع بالفعل عن بعض شروطه لإجراء المفاوضات مع إسرائيل كشرط الرعاية الأممية لهذه المفاوضات والاكتفاء بالوساطة الأمريكية فقط، وأيضا التراجع عن شرط تلازم مفاوضات الترسيم البحرى مع ترسيم الحدود البرية بينه وبين إسرائيل.
دخل لبنان المفاوضات وفى ذهنه انها مفاوضات ذات طابع عسكرى وتقنى وليس دبلوماسيًا، وبالفعل أرسل وفدًا يضم ممثلين عن الجيش، وخبراء من هيئة البترول اللبنانية، إلا انه فوجئ بالوفد الإسرائيلى يضم المستشار السياسى لرئيس الوزراء، ونائب مدير عام وزارة الخارجية لشئون المنظمات الدولية، الأمر الذى أنذر بوجود فخ إسرائيلى لجر لبنان نحو مفاوضات دبلوماسية مباشرة، قد تنتهى إلى التطبيع مع إسرائيل قبل تفكيك باقى العقد السياسية العالقة معها. لذلك سارع الرئيس اللبنانى بإعلان أنه لم يقرر بعد تشكيل الوفد، وانه الوحيد الذى يحق له إجراء هذا التشكيل. لم يتضح حتى الآن كيف سيتم التغلب على هذه الإشكالية، هل سيعترض لبنان على تشكيلة الوفد الإسرائيلى أم يقوم هو بتعديل تشكيلة وفده فى المفاوضات.
ثمة سؤال دستورى يشكل بدوره لغمًا آخر يبدو فى الأفق البعيد نسبيًا، فى ضوء الشلل الحكومى الموجود والسيولة السياسية الحاصلة الآن عمن له الحق الدستورى فى إجراء المفاوضات والتوصل إلى اتفاقات مصيرية من هذا القبيل. صحيح ان مجلس النواب أو البرلمان هو الذى يقر أو يرفض مثل تلك الاتفاقات، لكن القرار دائمًا يكون مبنيًا على مشروعات تعدها الحكومة. فى الحالة اللبنانية لايزال مجلس النواب محتفظًا بتماسكه لكن الحكومة تقف فى مهب الريح والرئيس وحده الآن هو الذى يضطلع بالإشراف على العملية، فهل يحق له بمفرده أن يوجه مسار المفاوضات ويتحكم فيها، أم يدخل لبنان فى دائرة جديدة من الفوضى واللا حل أوعقد؟

 

 

الكلمات الدالة

 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة