تكريم ديبارديو
تكريم ديبارديو


بعد تكريم ديبارديو.. لعنة «التطبيع الفني» تطارد مهرجان الجونة

أخبار الأدب

الإثنين، 02 نوفمبر 2020 - 08:46 م

من جديد تطفو على الساحة المسألة الشائكة الخاصة برفض التطبيع الثقافى والفني مع إسرائيل، حيث أثار تكريم مهرجان الجونة السينمائى للممثل الفرنسى جيرارد ديبارديو وتسليمه درع الإنجاز الابداعى، جدلا كبيرا لدى الأوساط الفنية، ما بين معارض بشدة، وبين متجاوز للخطوة تحت نطاق انفتاح الإبداع على كل الثقافات وأن النجم الفرنسي لم يتجن على القضية الفلسطينية عند ذهابه لإسرائيل وأنه جامل الدولة التي زارها في رحلة سياحية.

 

وظهرت أصوات عديدة لفئات مختلفة تستنكر تكريم الفرنسي بمهرجان مصري باعتباره داعمًا كبيرًا للكيان الصهيوني ببيانات شجب وإدانة، انطلاقا من القرار الذي اتخذته الجمعية العمومية لاتحاد النقابات الفنية برئاسة الراحل سعد الدين وهبه في التسعينيات بعدم التطبيع الثقافي والفني مع الكيان الصهيوني، ولم تعلق إدارة الجونة على تلك الدعوات والبيانات التي ضمت الكثير من الأسماء والكيانات البارزة سواء من كتاب ومخرجين وفنانين وفي مقدمتهم اتحاد النقابات الفنية برئاسة المخرج عمر عبدالعزيز.

والواقع تأتي الأصوات الرافضة لوجود ديبارديو انطلاقا من حس قومي بالوقوف بجانب القضية الفلسطينية، خاصة في ظل المتغيرات السياسية التي تشهدها المنطقة وهرولة عدد من الدول العربية لعقد اتفاقيات سلام مع اسرائيل، وكان آخرها الإمارات والبحرين والسودان، وليس من اتهام مسبق لمهرجان الجونة بالتطبيع أو السعي إليه، وربما كانت تصريحات جيرار لدى زيارته إلى تل أبيب شرارة اتهامه بالصهيونية، حيث جامل اسرائيل وامتدحها.


الرافضون لتكريم ديبارديو أبدوا انزعاجهم في بيان لهم من إصرار القائمين على مهرجان الجونة السينمائي على تكريم الممثل الفرنسي ديبارديو وطالبوا رئيس اتحاد النقابات الفنية باتخاذ الإجراءات النقابية اللازمة تجاه أعضاء النقابات (السينمائية – التمثيلية - الموسيقية ) الذين خرقوا قرار الاتحاد بشأن عدم التعامل مع الكيان الصهيونى وداعميه، والتأكيد على استمرار الدعم لحقوق الشعب الفلسطينى المناضل.


وفي بيان آخر لاتحاد النقابات الفنية أكد التزام أعضائه بعدم التطبيع والتعامل مع الكيان الصهيوني، ووجهوا التحية والتقدير إلى الدكتورة إيناس عبدالدايم، وزيرة الثقافة، لامتناعها عن حضور افتتاح مهرجان الجونة، استمرارا لموقفها السابق في منع تكريم المخرج الفرنسى الصهيوني كلود ليلوش بمهرجان القاهرة السينمائي عام 2018 وكذلك عدم استقبال أي من منتسبي الكيان الصهيوني وداعميه في أنشطة وزارة الثقافة.


وفي الوقت الذي لم تعلق فيه إدارة المهرجان على ما حدث، حيث قال انتشال التميمى مدير المهرجان « لا تعليق» كانت كلمات ديبارديو فى حفل الافتتاح مفاجأة للحضور حين وجه التحية إلى الجمهور بتحية الإسلام وقال “السلام عليكم” واعتبر الكثيرون تصرف ديبارديو كرد على التصريح السلبى للرئيس الفرنسى ماكرون الذي قال فيه إن الاسلام يعيش أزمة.

 

وأكد ديبارديو الذي تسلم درع تكريمه من رئيس لجنة التحكيم المخرج بيتر ويبر، على عشقة لمصر وللنيل وللسينما وخص بالذكر المخرج الراحل يوسف شاهين الذي كان له تأثير كبير في السينما العالمية، وربما يكون تصريح ديبارديو فى حفل الافتتاح يسلط الضوء على بنيته النفسية إذ إن النظر إلى تاريخ تصريحاته السياسية والثقافية يكشف أنه شخصية مرتبكة يملك تاريخا حافلا من الانقلاب بين الأفكار والتيارات، آخرها تعميده أرثوذكسيا بكنيسة في باريس، وهو التيار الأكثر تشددا ضد اليهودية كديانة، بعد أن أسلم لمدة عامين بعد سماعه لصوت أم كلثوم في السبعينيات، ثم إثارته للجدل بطلبه التخلي عن الجنسية الفرنسية وحصوله على الجنسية الروسية بعد احتجاجه على قرار الرئيس الفرنسى فرانسوا هولاند زيادة الضرائب على الأغنياء.


ومثلما يملك ديبارديو هذا التاريخ من التفاوت الفكري يملك أيضًا رصيدًا فنيًا كبيرًا بعيدا عن السياسة والدين، فهو ممثل استثنائي قدم حوالي 240 فيلما وعرف بأنه الممثل الاكثر ترشحا للجوائز والأعلى أجرًا في تاريخ السينما الفرنسية، حيث حصل على وسام جوقة الشرف رتبة فارس، ووسام الاستحقاق الوطنى، كما حصل على جائزة سيزار لأحسن ممثل مرتين وهى الجائزة الفرنسية الكبرى التى تضاهى الأوسكار الأمريكى إحداهما عن فيلمه «المترو الأخير»، وقد حصل كذلك على جائزة جولدن جلوب لأحسن ممثل عن دوره فى فى فيلم « البطاقة الخضراء» (Green Card) وقد رُشّح لجائزة الأوسكار عن دوره الرئيسى فى فيلم سيرانو دو بيرجيراك (Cyrano de Bergerac) والذى فاز عنه بجائزة مهرجان كان السينمائي: أحسن ممثل، كما حصل ديبارديو من مهرجان فينسيا السينمائى  على جائزة احسن ممثل عن دوره فى فيلم «بوليس» وجائزة ستانيسلافسكى عن نجاحه الباهر فى مهنة التمثيل من مهرجان موسكو السينمائي، مثل ديبارديو مع أهم مخرجى عصره مثل ماركو فيريرى فى «المرأة الاخيرة» وبرناردو بيرتولوتشى فى «1976»، ومع موريس بيالا « المترو الأخير» وفرانسوا تريفو فى فيلم «1980» وقدم مع المخرج الايطالى تورناتورى فيلم «إجراء شكلى».


وبالعودة للأزمة نجد تصريحات المخرج أمير رمسيس المدير الفنى لمهرجان الجونة وقد حملت بعدا اخر اكثر متوازنا حيث قال «من حقنا أن يرى ديبارديو مصر والعالم العربى ورؤية وجهة النظر الأخرى، ولماذا نصدر للعالم أننا نتعامل مع الأمور بعنف».


وأشار إلى أنه يحترم الفنانين المعارضين، منوهًا إلى أن هناك ابتزازًا عاطفيًا لمشاعر الناس عبر استخدام مصطلحات مجانية كعاشق للصهيونية، «وأن جزءا كبيرا من ضيوفنا فلسطينين أحق بالقصية أكثر ولا يرون شبهة تطبيع فى الأمر»، وفقًا لتعبيره.


وكانت مسابقة مهرجان الجونة قد شهدت عرض الفيلم الفلسطينى « 200 متر» بحضور صناعه وفى مقدمتهم مخرجه أمين نايفة، والذى استقبل بترحاب كبير، وفاز بجائزة مؤسسة مينا مسعود الخيرية خلال المهرجان، ويتبنى الفيلم قضية الشعب الفلسطينى بتناوله قصة عائلة فلسطينية فرقها جدار الفصل العنصرى الاسرائيلى، حيث صار الأب يسكن فى الجانب الفلسطينى والأم والأبناء فى الجانب الاسرائيلى، وفى أحد الأيام يدخل أحد الابناء المستشفى وهو لا يبعد سوى 200 متر عن والده، ويحاول الأب الوصول إليه لكنه يحتاج للسفر فى رحلة تمتد لمئتى كيلو للوصول إلى عائلته.


والواقع سوف تظل تلك المسألة الشائكة مثار جدل مستمر فى ظل انفتاح المهرجانات السينمائية العربية على العالم، وسعيها لاستضافة نجوم وأفلام عالمية كبرى، وخاصة أن الانتاجات الضخمة بات يسيطر عليها كيانات يهودية، ولأن الفن هو الذي يبقى والأكثر تأثيرا فى الوجدان والمحرك للمشاعر، فمن الأفضل أن تتبنى المؤسسات الإنتاجية العربية تقديم أفلام داعمة للشعب الفلسطيني تروى قصصا وحكايات تزلزل إنسانية العالم وتضعه أمام خيار الوقوف أمام العدل والحق والمساواة والحرية، فالمشهد السينمائى أقوى بكثير من أى بيان أو تكريم، المشهد السينمائي يؤرخ لواقع الأيام ويصور رؤية لمستقبلها.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة