د. أحمد عفيفى
د. أحمد عفيفى


قضية ورأى

قلب العلم

أحمد عفيفي

الثلاثاء، 03 نوفمبر 2020 - 06:46 م

 هى الأصل.. هى الأساس.. هى العلوم «الطبيعية».. لا تقدم تكنولوجيا بدونها.. ولا نهضة رقمية بغيرها.. ولا استدامة تنموية فى غيابها.. تسمى أيضا العلوم «الأساسية». إنها تمنح المجتمعات دائما أرضا جديدة وآفاقا واسعة وثروات مستحقة.
 يحلو للبعض أن يمايز بينها وبين العلوم «التطبيقية» التى تحظى بالبريق واللمعان، حيث تتوارى «الأساسية» خلف الصفوف. إنه اتجاه «عنصرى» «تحيزى» يعود إلى الإيمان بـ «النتيجة» دون الاهتمام بـ«السبب» أو الاقتناع بأن الاختراعات والابتكارات والإبداعات - التى باتت تغير حياة البشر للأفضل - تهبط هكذا من السماء بلا جهود مشهودة وإنجازات متعاقبة وتراكمات وتمهيدات وتحضيرات وعناءات كثيرة، قامت بها العلوم «الأساسية».. وكأنهم ينظرون لـ"الوليد" دون حبل "الوريد".
 إنه تصنيف يثير حفيظة «العلميين» (خريجى كليات العلوم)، ويجعل المادة الخام لـ«التنمر» ماثلة ضدهم، ويسكنهم بأحاسيس «اليتم» و«الإقصاء» و«الازدراء»، ويملكهم هاجس «الدونية»!!.. ويظهر الأمر جليا واضحا حينما يجتمعون للعمل بجهة بحثية واحدة مع زملاء لهم ينتمون لكليات «تطبيقية» مختلفة (مراكز البحوث نموذجا).
 ربما تكون هذه العقلية السائدة بريئة تماما من تحقيق سيناريو «الخضوع»، حيث تقع اللائمة على إرث سلوكيات مكتسبة سلبيا منذ إقرار نظام «مكتب التنسيق» والتفريق بين العقول فقط على قاعدة «الثانوية العامة» و«المجموع» كمعيار أوحد - على عدالته - فى توزيع الطلاب على كليات تتصدر «القمة» وأخرى تتذيل «القاع»، طبقا لما رسخته وسائل الإعلام فى الوجدان المصرى وعززه الإلف والعادة إجتماعيا بمرور السنين. لقد أفرز هذا النظام نفسيات «راضية» وأخرى «غاضبة»، ومابين النقيضين تفاعلت المشاعر وتشكلت المواقف وتجهزت الذهنيات للدفاع عن »مسارات مهنية» بعينها ضد غيرها. إضافة إلى إقامة العراقيل ووضع العقبات وإنقاص القدر إعتمادا على «أحكام مسبقة».
يجمع الوطن رصيده الحقيقى من «حيوية» العلم و«نضج» المعرفة. لذا، علينا تحديد مواقع الخلل ومناطق الإختراق لفهم العلل والمسببات وتحرى سبل العلاج لوأد هذا الفكر- الذى بعث من مرقده - بإحكام العقل والمنطق تفاديا للوقوع فى فخ الوهم الخاطئ بأن التخصصات العلمية - على تنوعها - حدودها «طبقية». على العكس تماما، فهى "تكاملية" يحتاج بعضها بعضا، مما يستلزم تبنى رؤى جديدة تقوم دعائمها على أن العلوم «الأساسية» و«التطبيقية» مثال حى تنطبق عليه نظرية «الأوانى المستطرقة»، مهما اختلفت أشكالها فإن صب السائل فى «الأول» سيصل حتما إلى «الأخير» حتى يستوى السطح فى الجميع.
 إن تنقيح الشخصية العلمية أمر شديد الضرورة، حتى لايصيب «الوهن» قلب العلم ونساهم فى صنع الحضارة الإنسانية ونعبر جسر الرفعة والرقى الذى لايمنح سائريه أية هدنة.
 > أستاذ بكلية العلوم - جامعة القاهرة


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة