محمد المسلاتى
محمد المسلاتى


محمد المسلاتى: الكتابة لا تقاس بالأعمار

أخبار الأدب

السبت، 12 ديسمبر 2020 - 05:35 م

‎حوار: عذاب الركابى

محمد المسلاتى، كاتب وقاص وإعلامىليبى يُحبُّ الكتابة لأنّها متنفسه، والمرادف للحياة، وحياة المسلاتى بدون الكتابة موت.. يؤمن بأنَّ الكلمات التى تؤرّخ للصباح والفرح، هى رحمُ الحُل.. ولا تموت. وكما أن لهُ أسلوبه فى الحياة، لهُ أسلوبه فى الكتابة، ولهذا رآه النقاد من المؤسّسين لأسلوب فى القصّة القصيرة. هنا حوار معه.

-لو لم تكن الكتابةُ مهنتك ومتنفسك وأداة المقاومة لديك ماذا كنت ستفعل؟ كيف تكونُ حياتُك بدون الكتابة؟
لقد فوجئت بهذا السؤال! أنا لا يمكننى تصور حياتى من دون الكتابة.. ولم أفكر فى ذلك قط، حالة الكتابة تلبستنى منذ الطفولة، عندما كنت أكتشف الأشياء من حولى، أتعرف إليها، أتهجى الحروف، أخزن كل التفاصيل فى ذاكرتى، يراودنى إحساس فى بعض الأحيان أن الكتابة راودتنى، وصاحبتنى منذ بداية العمر، لا أستطيع الفصل بين ذاتى، وحالة الكتابة، وذاتى خارج الكتابة، الكتابة بالنسبة إليّ هى الحياة. والحياة هى الكتابة، إنهما وجهان لعملة واحدة، أنا أكتب لأحيا، وأحيا لأكتب.
بداية سؤالك أوحت إليّ كأن الكتابة مهنة.
الكتابة ليست مهنة فى اعتقادى الخاص، قد يراها آخرون مهنة للتكسب والعيش إنما هى ممارسة لفعل الحياة، ومتنفس، وأداة للمقاومة، والرفض، وتشكيل العالم برؤية مغايرة للمألوف.
إنها الحياة بكل زخمها، وتفاصيلها، وأحزانها، وأفراحها، وسعادتها، وتعاستها.. فالكتابة أيضاً هى فن الحياة.
-يرى الدارسون أن شاعر الحداثة الكبير – آرتور رامبو قد آثر الحياة على الكتابة.. هل تصدق هذا! أهى المعاناة فى الكتابة؟ قل لى هل الكتابة حياة أم الحياة كتابة؟ أى التعبيرين أقرب إليك؟
كما سبق أن ذكرت لا يمكننا الفصل بين الحياة والكتابة. وإذا كان الدارسون رأوا فى شاعر الحداثة رامبو أنّه آثر الحياة فهو فى الوقت نفسه آثر الكتابة، ولولا الكتابة ما تعرفنا إلى رامبو، ولا دخلنا فضاءات شعره. إن الكتابة هى التى منحت رامبو الحياة، استمرارية التواصل مع الأجيال.
الكتابة هى التى جعلت صوت هذا الشاعر يصل إلينا، ودفعت النقّاد والدارسين ينكبون على دراسة قصائده، واعتباره من مؤسسى وروّاد شعر الحداثة.
وهنا تكمن عظمة الكتابة، وقيمتها، وقدرتها على منحنا نفحة من خلود الإنسانية، والتوالد عبر الأزمنة والأجيال. رامبو انتهى كجسد، احتواه الموت كبشر لكنه ظل حياً فى قصائده، فهو مارس الحياة من خلال الكتابة، يجب ألا نسقط من حساباتنا أن لأى كاتب تجربته الشخصية، الذاتية، وظروفه الخاصة التى تنعكس على نتاجه، وعطائه، لكن التجربة الشخصية محكومة بظروفها، وزمانها، ومعطيات عصرها، الكاتب الروائى إرنست همنجواى وظروف موته الغامض تختلف عن موت الشاعر خليل حاوى، وموت الروائى غسان كنفانى، ومقتل الشاعر الأسبانى لوركا، وموت أبى القاسم الشابى، وبدر شاكر السياب، وحتى الشاعر العربى المتنبى.. وبغض النظر عما يقوله النقّاد والدارسون عن كل هؤلاء وغيرهم، ومن منهم آثر الحياة، ومن منهم آثر الموت، الذى بقى منهم هو نتاج أدبى إنسانى رائع يقنعنا دائما أنهم آثروا الكتابة، فمنحتهم الخلود، وهذا يعود بنا إلى ما ذكره الدارسون حول الشاعر رامبو. لكن الشواهد التى لدينا من شعر رامبو تعطينا المؤشر الواضح على أن الكتابة آثرت رامبو على عمره الزمنى القصير.
-تميزت من بين أبناء جيلك بهذا الفن الرفيع: القصة القصيرة.. لماذا القصة دون غيرها من فنون الأدب؟
أنا نفسى لا أدرى لماذا اخترت القصة القصيرة! أو اختارتنى. أكتب فى المجالات الأخرى مثل الخاطرة، المقالة الأدبية، لكن  القصة القصيرة هى التى تمثّل كتابتى بشكل عام. ولعل السبب يعود فى تركيزى على القصّة القصيرة أننى وجدت فيها إمكانية ما أود أن أعبر عنه، وأن الحالات التى تتملكنى عند الكتابة هى حالات قصص قصيرة، فالنصّ هو الذى يحدد شكل وجنس ما أكتبه، واللحظة القصصية تفرض نفسها من حيث تبلور الحدث، وبدايته، ونهايته، أحياناً، الحالة القصصية لا تتحمل أكثر من بضع أسطر، وأحياناً صفحة، وأحياناً إلى ما يزيد على أربعين صفحة، فالنصّ يفرض جنسه وشكله وطوله.
حتى فى «كتاب الحكايات؟» الذى صنّفه عدد من القراء والنقّاد على أنّه «رواية السيرة الذاتية؟» نجده يتكوّن من مجموعة من القصص القصيرة، وتتداخل ضمن عناصره الحكاية للتوالد عنها حكايات وهكذا.
- لجأت فى الفترة الأخيرة إلى كتابة – القصة القصيرة جداً جداً. التى يطلق عليها البعض أيضاً: القصة – الومضة.. ما الفارق بين هذين اللونين؟ من يجيب أكثر عن أسئلتك؟
القصة حالة من حالات الكتابة أحياناً تتقمصها الومضة، وأحياناً تتدفق على الورق إلى أن تنتهى الحالة القصصية بتفاعل عناصرها، أنا لم ألجأ إلى كتابة القصة القصيرة جداً أو قصة الومضة بل النص فرض نفسه عبر عناصر إنتاجه وظروفها، وربما لأن الحياة المعاصرة اختصرتنا لدرجة أن حالاتنا القصصية أصبحت ومضة، لقد كتبت أشكالاً متنوعة من القصة منذ بدايتى، والقصّة القصيرة جداً كانت ضمن نصوصى المبكرة منذ السبعينيات، حتى الجملة المختصر استحوذت على مبكراً لدرجة أن بعض النقاد لم يتقبلوا ذلك الاختصار والتكثيف.
والجمل القصيرة واعتبرها البعض أقرب إلى الريبورتاج الصحفى، واحترمت رأيهم، لأن المعتاد فى قصص تلك المرحلة هو الإطالة، لذلك جاءت الجمل القصيرة، والقصص القصيرة جداً من الأشكال غير المقبولة آنذاك.
وأذكر أننى عندما نشرت قصة بعنوان «السقوط؟» لم تتعد صفحاتها الصفحة الواحدة، كانت قصيرة جداً بالنسبة لقصص السبعينيات وفترة الستينيات.
لكن الكاتب الناقد الراحل حسين مخلوف، التقط الحالة القصصية المكثّفة فى ذلك النص، وكتب عنها مقالة نقدية فى السبعينيات بإحدى الصحف المحلية أكّد فيها تكامل عناصر النص القصصى فى قصة السقوط التى تعتبر من القصص القصيرة جداً.
أنا لا أفرق بين القصة القصيرة، والقصة الومضة إلا من حيث تمكن القاص من أدواته، وتفاعل عناصر نصه. وأنا دائماً أجرّب كل الأشكال فى القصّة وفقاً للحالة القصصية التى تؤكد ذاتها وشكلها وطولها من خلال تفاعل العناصر المكوّنة للقصة، لا يمكننا فرض قوالب جاهزة للنص القصصى، لكننا نفرق بين نص قصصى، ونص غير قصصى من خلال الحالة التى ينقلنا إليها النص نفسه، من معايشتنا له، وتفاعلنا مع عناصره خلال القراءة، بالدرجة نفسها التى حدثت مع الكاتب أثناء كتابة النص، أى أن علاقة النص بالقارئ هى علاقة تبادلية.
بمعنى أن القارئ يأخذ مكان الكاتب عند ممارسة فعل القراءة، وتكون درجة سموّ النص ونجاحه بدرجة معايشة القارئ للحالة التى عايشها الكاتب عند فعل الكتابة.
وأنا أتعامل مع النصوص على هذا الأساس، وليس ضمن قوالب جاهزة، فالحالة القصصية قد ينقلها إلينا الكاتب فى ثلاثة أسطر، أو صفحة، وقد يخفق فى نقلها إلينا لو كتب مئات الصفحات.
-فى آخر أعمالك: «كتاب الحكايات؟« ج1 (ليل الجدات) يمكن أن يؤرخ الدارس لأول عمل روائى للمسلاتى.. وهو الرواية – السيرة الذاتية- الأوتوبوغرافية.. حدثنا عن تجربتك الجديدة، وماذا يخبئ الجزء الثانى من كتاب الحكايات من أحداث؟
ليل الجدّات الذى صدر لى أخيراً عن مجلس الثقافة العام هو الجزء الأول من كتاب الحكايات، وهى تجربة بدأت كتابتها منذ بدايات السبعينيات، وتم تقديمها عبر الإذاعة المسموعة، وبقدر ما تشكل جزءاً من السيرة الذاتية إلاّ أنها تتداخل مع عديد الشخصيات وتنتقل عبر الأزمنة، فكل حكاية تتولد عنها حكاية أخرى، والحكاية الأخرى تنفسح لحكايات، تعتمد على مخزون الذاكرة، ورصد الأحداث برؤية طفل شاهد على عصره.
إن الحكايات اعتبرها تجربتى المميزة فى أشكال الكتابة التى حاولت أن أكون فيها مختلفاً عن تجارب الآخرين، لكن هل نجحت أم أخفقت فى هذه التجربة، هذا متروك للنقّاد والقراء.
كل ما فعلته أننى مارست الكتابة من خلال الحكايات قد يصنفها البعض سيرة ذاتية، أو رواية، أو قصص قصيرة.. لكننى اخترت لها اسم الحكايات لتداخل أحداثها، وشخصياتها، وأزمنتها.
فكما حكت شهرزاد فى حكايات ألف ليلة وليلة لتعيش، أنا أيضاً أحكى وأحكى لأعيش وأمارس الحياة، ولعلّ لحكايات الجدة تأثيرها القوى فى انحيازى للحكايات، فأنا أشعر أن تلك العجوز مازالت تحكى بالرغم من موتها منذ سنوات، لقد ظلت حيّة فى حكاياتها، وحكايات الآخرين.
-هناك تفجّر إبداعى شبابى كبير فى الشعر والقصة، ما تقييمك لكتابات الشباب؟ من تذكر منهم أثار فيك تساؤلا؟
الكتابة إبداع، ولا يمكننى تقسيم الكتابة إلى كتابة شابة، أو كتابة كهلة، الكتابة لا تقاس بالأعمار بل بارتفاع قيمة النص، لا تحضرنى أسماء بعينها، لكن ثمة نصوصاً تستوقفنى، ربما أقرأ لكتابها لأول مرة لكنها نصوص ناضجة، أنا لا أعرف أعمار كتّاب هذه النصوص، لكننى أكتشف بين الحين والآخر أن نصاً متميزاً يُقرأ بشغف.
وعلى سبيل المثال الروائى محمد الأصفر ليس شاباً، ربما تجاوز الخمسين من العمر، لكنه بدأ الكتابة متأخراً نصوصه تثير الجدل، وتثير الانتباه، هذا يؤكد لنا أن العمر الحقيقى هو عمر النص، ثمة كتاب يكتبون لأكثر من نصف قرن لكن نصوصهم لا تثير أى انتباه.
فى كل عصر كتّاب، وأدباء، ورؤى، ونصوصها تتجاوز السائد، الإبداع استمرارية، وديمومة ما دام الإنسان على الأرض.

 

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة