الكتاب: ما أنا فيه المؤلف: أحمد الشهاوى الناشر: الدار المصرية اللبنانية
ما أنا فيه: سطوة الأسطورة وجمالياتها
الخميس، 24 ديسمبر 2020 - 01:21 م
د. محمد سليم شوشة
فى المجموعة الشعرية اما أنا فيهب للشاعر المصرى أحمد الشهاوى الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة 2020 عدد بارز من السمات والخصائص الجمالية والقيم الدلالية التى تؤشر لكونها واحدة من أهم المجموعات الشعرية وأكثرها ثراء، وتبرهن بقوة على خصوصية الصوت الشعرى للشهاوي، وأنه يصدر عن أحوال شعرية تتسم بالكثافة والثقل، وتبتعد تماما عن الافتعال، أو ما يمكن تسميته بالتشعير الاضطراري، بل نجد أننا أمام أحوال شعرية تتدفق فى سلاسة وعذوبة نادرة، كأنها تجبر صاحبها على البوح بها، أو أن الشعر يقول نفسه عبره، وما الشاعر إلا ذات مضطرة ؛ لأن تفيض بما يعتمل بداخلها، وتتمثله الذهنية الشاعرة والروح لديه وفق جسد شعرى خاص فى لغته وصوره وتمثلاته الجمالية، وبخاصة ما يرتبط بالأسطورة أو السرد أو حالات العشق وتجلياته أو أحوال التلاشى والعدمية أحيانا، فكأن الشاعر عبر هذه النصوص إنما يرتقى بروحه نحو البناء الشعرى ويصعد فيه تدريجيا مدفوعا بقوة هذه الحالات التى تعيشها الذات الشاعرة.
النمل والملك سليمان
أشجار دم الأخوين
والعشقُ مثل الماءِ
إنْ شابتْهُ شائبةٌ خبا
واختار أن يمشى بعيدًا فى طريقٍ من سرابْ.
تتجلى حال خاصة من السقوط المثير للشجن والحزن، وهو ما يحاول النص الشعرى أن يصطنع منه حالا شعرية، لها قدرة كبيرة على إثارة مشاعر المتلقي، وجعله منحازا لهذه الذات المعذبة بهذا السقوط وآثار الخيبة المضنية.
>>>
فى المجموعة الشعرية اما أنا فيهب للشاعر المصرى أحمد الشهاوى الصادرة عن الدار المصرية اللبنانية بالقاهرة 2020 عدد بارز من السمات والخصائص الجمالية والقيم الدلالية التى تؤشر لكونها واحدة من أهم المجموعات الشعرية وأكثرها ثراء، وتبرهن بقوة على خصوصية الصوت الشعرى للشهاوي، وأنه يصدر عن أحوال شعرية تتسم بالكثافة والثقل، وتبتعد تماما عن الافتعال، أو ما يمكن تسميته بالتشعير الاضطراري، بل نجد أننا أمام أحوال شعرية تتدفق فى سلاسة وعذوبة نادرة، كأنها تجبر صاحبها على البوح بها، أو أن الشعر يقول نفسه عبره، وما الشاعر إلا ذات مضطرة ؛ لأن تفيض بما يعتمل بداخلها، وتتمثله الذهنية الشاعرة والروح لديه وفق جسد شعرى خاص فى لغته وصوره وتمثلاته الجمالية، وبخاصة ما يرتبط بالأسطورة أو السرد أو حالات العشق وتجلياته أو أحوال التلاشى والعدمية أحيانا، فكأن الشاعر عبر هذه النصوص إنما يرتقى بروحه نحو البناء الشعرى ويصعد فيه تدريجيا مدفوعا بقوة هذه الحالات التى تعيشها الذات الشاعرة.
النمل والملك سليمان
أشجار دم الأخوين
والعشقُ مثل الماءِ
إنْ شابتْهُ شائبةٌ خبا
واختار أن يمشى بعيدًا فى طريقٍ من سرابْ.
تتجلى حال خاصة من السقوط المثير للشجن والحزن، وهو ما يحاول النص الشعرى أن يصطنع منه حالا شعرية، لها قدرة كبيرة على إثارة مشاعر المتلقي، وجعله منحازا لهذه الذات المعذبة بهذا السقوط وآثار الخيبة المضنية.
فى نصوص هذه المجموعة الشعرية نحن أمام حال أقرب لمواجهة الذات مع نفسها، أو المصارحة والمحاسبة النهائية أو الختامية فى وقفة قوية تجعل الصوت الشعرى أقرب لانفجارات غضب أحيانا، ولهذا نجد أن ثمة نسقا من التبديل فى الضمير بين المتكلم والمخاطب، لنكون أمام تحول بين البوح والمواجهة، أو محاسبة النفس ومحاكمتها أو مراجعة كل ما مضى من تاريخها.
هذا التنوع فى الضمير من الناحية الجمالية،له أدوار وظيفية عدة، أهمها اصطناع شكل من البوليفونية أو تعدد الأصوات فى القصيدة، بأن تضحى الذات الواحدة منقسة إلى ذاتين، إحداهما تتحدث، والأخرى تستمتع، إحداهما تحاسب، وترى، وتراجع، والأخرى هى من ينصب عليها هذا الحساب، وتلك المراجعة والرؤية، وهذا النسق يمنح القصيدة بعدا دراميا، ويشكل صورة يُحتمل فيها القسوة من الذات المحاسِبة،أو التى تؤدى دور المراجعة، وهو ما قد يورث لدى المتلقى شعورا بالانحياز للذات الشاعرة ؛ لأنها فى النهاية إنما تقسو على نفسها وفق هذه التركيبة الشعرية، أو بالأحرى وفق هذه الحال الشعرية التى تجد نفسها مضطرة إليها.
>>>
وليس تعدد الذوات الفاعلة فى القصيدة مقصورا على اصطناع تلك الحال من المراوحة بين الضمائر، أو التحول إلى مخاطبة الذات، بل قد تنشأ التعددية من السؤال عن فواعل غامضة حاضرة فى النص بأثرها السلبي، كأنها وراء هذا السقوط، أو فاعلة فى إحداث كل تلك الخيبة التى تعانيها الذات الشاعرة، ومثال هذا النمط من السؤال ما نجده متحققا فى هذا النموذج حين يقول:
من ذا الذى سيَّبَ الخيلَ لتعدُو
والفَراشَ ليومضَ فى سمائى
والنحلَ ليطنَّ داخلي
والأفاعى لتفحَّ سُمُومَها فى لساني
والصُّقُورَ أتتْ من عالمٍ قديمٍ لتقنصَنِى فى المنام
والأفيالَ لتدُوسَنِى فى الحُلم
فى هذه الصور الشعرية المتفجرة فى الأصل عن السؤال، نلمح أن هناك فاعلا خفيا وراء كل هذه الأفعال المعطوفة على بعضها، ولكن هذا الفاعل مجهول، وهو ما يزيد فى الحيرة والألم، قد يكون القدر أو الزمن، أو شىء ما غامض هو السبب، كأن يكون حدثا مهملا أو منسيا،أو تتعمد الذات الشاعرة الهرب منه أو تجاهله، أو تتجنبه برغم كونها فى الظاهر تسأل عنه أو تفتش عنه عبر السؤال، فتلك هى إحدى حيل الذات لمجرد البوح، أو هى الحيل الشعرية بالأساس، وليست حيلا حياتية أو حقيقية، بل هى حقيقة من حقائق عالم الشعر فقط.
حتى فى الصور التى يكون فيها الفاعل واضحا مثل النحل الذى يطن، والأفاعى التى تفح سمومها أو القصور التى تقنصه فى المنام أو الأفيال التى تدوسه فى الحلم، هى بالأساس مرسلة أو وراءها قوة أخرى أكبر منها، فما هى إلا جنود ذلك الفاعل الخفي، أو ذلك الحدث الأبعد والأعمق والأكثر غموضا، القابع فى أعماق اللاوعى الشعرى.
وهذا الغموض يجعل النص الشعرى أمامه مساحات مهولة من الخفى الذى يحاول مقاربته ويبدو القول الشعرى متمركزا بإزاء خفايا وخبايا كثيرة، يحاول اقتناصها وهذا فى ذاته يمثل زادا له أو يجعله أكثر تشويقا وتحققا.
فهذه الذات الشاعرة التى تقول أو تبوح بأوجاعها مازال لديها ما هو غامض، وترجو العثور عليه،أو ترجو أن يعينها القول الشعرى أو الشعر وحال البوح على كشفها، وهنا يكتسب الصوت الشعرى طاقة ملحمية مستمدة من هذا البحث أو التنقيب عن الخفى لديه أو فى أعماقه وأحيانا ما يكون البحث فى تاريخ الشخصية أو مسيرتها، لأن هذه الصور الشعرية المكثفة إنما هى اختزال لتاريخ كامل وحياة حافلة بالتفاصيل وثرية بالتحولات.
على أننا لن نكون فى كامل الوعى النقدى إذا ما أهملنا الناتج الجمالى المتحقق عن حضور هذه الوحوش الغامضة والظاهرة فى فضاء حياة الشاعر بمسحاتها المختلفة ما بين الصحو والنوم، بين اليقظة والحلم، فلدينا النحل، والأفاعي، والصقور والأفيال، وكلها لها وجه من وجوه الشراسة، يتحقق هذا فى مساحة شعرية صغيرة وفى صورة شعرية مكثفة، وهو ما يجعلنا فى المجمل كما لو أننا أمام ذاتٍ تتعاورها وتتصارع عليها كل طاقات القوة والعنف والشر التى فى الكون، فتخلق هذه الصورة الشعرية حدودا لعالم درامى يصبح فيه الشاعر بطلا يتحتم عليه مواجهة هذه القوى ويحتمل الانتصار أو الانهزام، وهو فى الغالب ما تصمت عنه نهايات القصائد، فنكون مع كل نص شعرى جديد متشوقين لحسم هذا المصير.
>>>
وهكذا فإننا نجد النصوص مترابطة فيما بينها برباط الشعور، وبأنساق كثيرة ممتدة منها هذا الغامض المجهول، الذى يرغب دائما فى معرفة ولو اسمه، فقال فى قصيدة أخرى:
آهٍ لو قُلتَ لى ما اسمُه ؟
ومن أينَ جاء ؟
لكنتُ دفعتُ عنكَ الأذى
زرعتُ أمام البيتِ شجرةً
لا تطرحُ سوى التُوتِ والذَّهب .
فيكون دفاعه عن ابنه الذى هو ذات ظل وامتداد لذاته مرت هنا بأن يعرف اسم هذا الفاعل الغامض أو من أين جاء ومتوقفا عليه، وكأنه وحش يتربص بهما.
والأمر كذلك بالنسبة لزراعة شجرة لا تطرح سوى التوت والذهب أمام البيت، ليجتمع فى هذه الشجرة الأسطورية الغرائبية إنتاج الطعام والمال، فهى رمز لكل ما قد يحتاجه الإنسان فى حياة رخية، رمز لمستقبل هانئ تظلله الرفاهية والسعادة.
وهكذا نلمس أن النص الشعرى دائما قادر وفق سيرورة تخييلية خاصة على تمديد الصورة، وجعلها عالما كاملا عبر ما تكتنز من دلالات وترميزات غير مباشرة تستمدها من علاقتها ببقية العناصر الشعرية فى النص.
وظلال هذا الفاعل المجهول حاضرة باستمرار، وعبر تنويعات عديدة، هذه التنويعات بذاتها كاشفة عن قدرات شعرية كبيرة تجعل المعنى الواحد يتمثل فى حالات عديدة، وهى كذلك دليل على أن الشحنات الشعورية والعاطفية الضاغطة لإنتاج القول الشعرى هى من الثقل والقوة بما يجعل انعكاسه الشعرى ممتدا بهذه الكيفية، يقول فى موضع آخر:
ومُنذئذٍ تحاولُ شتلَ كُرُومٍ جديدة
فى أراضٍ لا تعرفُ من سَرَقَها منكَ ليلا
وأنا بعيدٌ.
فالنص الشعرى عبر طريقته الترميزية فى إنتاج المعانى والصور الشعرية عبر عن الأمنيات الضائعة ومصادر الخوف على الابن/ الذات الظل الذى لم يأخذ من الحياة بعد كل ما يستحق ويرجو له، وعبر عنها بنبيذ العمر وزجاجاته المتتابعة التى لم ينه منها سوى واحدة، وهكذا انتقل إلى زرع شتل كروم جديدة، وهكذا نجد أن فعل الزرع يأتى أكبر من معناه المعجمى بكثير، فهو سبيل دفاعية ومواجهة أمام ذلك الفاعل الغامض الذى يتموضع بوصفه ذاتا عدائية بشكل ممتد.
تعد الحال الشعرية التالية حالا مركزية ومهمة وكاشفة فى مسار القراءة التأويلية لنصوص هذه المجموعة، ذلك لأنها تعد نموذجا بلاغيا فى تجسيد السقوط والفشل الذى تشعره الذات الشاعرة وتعيشه، وذلك حين يقول:
لكنَّ اليومَ الأسوأَ
يوم سقطتُ واهنًا
لا جيبَ لى
لا سريرَ
لا طريقَ يدلُّنِى علىَّ
لا امرأة فى رأسى أشتهيها
ولا غُرباءَ مثلى يهتِفُونَ للفَشَل
هنا فى تكثيف وسرعة وبعيدا عن الانزلاق إلى الميلودراما ولغة الاستجداء الرخيص، نجد أن الذات الشاعرة جمعت الأبعاد كافة التى مثلت فشلها أو سقوطها، لا جيب لي، وهى صورة تملك قدرة كبيرة التلميح وتملك انفتاحا وثراء تأويليا هو بالأساس نابع من التوظيف الشعري، فكلمة جيب هنا دالة على التجرد من المال نقدا أو عيبا، فغياب المفردة الدالة على الاكتناز،أو الاحتفاظ دالة على غياب كل أشكال المال، وليس دالة على النقدى فقط، على أن هذا الغياب،ربما يكون لزهد من نوع خاص، أو غياب الرغبة فيه، وغياب الأمل.
أما ولا سرير، فهى دالة على السكن والبيت والشريك ولو بغير حب.
ولا طريق يدلنى إليَّ، تجعل المقولات والجمل الشعرية السابقة أكثر منطقية واتصالا ببعضها أو ذات تراتب دلالى ظاهر، لأن التيه أو الضياع الكامل عن ذاته يجعله بلا جيب أو سرير، وتمثل الجملة الشعرية بغياب المرأة التى يشتهيها هى قمة المعاناة، فغياب العشق أو انطفائه هو غياب للقلب وربما يشير إلى ذروة العدمية كأننا أمام حالة من الموات لديه وهو حيِّ.
وهكذا نجد أن الخسارة تتجلى فى نصوص هذه المجموعة الشعرية عبر تنويعات عديدة، ما بين ضياع العشق،أو خسارة الرأس، وضياع الطريق، يخسر قلبه أو لا يقدر على العشق الذى هو ذاته وكيانه، أو أن يفقد الطريق إلى نفسه وإلى العالم، ويصبح العالم كله غريبا عنه.
>>>
والحقيقة أن عرض المعنى الواحد بتنويعات قولية وتصويرية كثيرة هو بالأساس كاشف عن القدرات الشعرية والتخيليية الكبيرة التى تجعل للذهنية الشاعرة طرائقها فى التعبير وتشقيق المعانى وتفسيخها لحالات عدة وتنغيمات ذات مستويات متفاوتة تكسر حدة الملل، برغم كونها فى الأساس إنما تعبر عن روح واحدة، ولها دور وظيفى مهم وهو أنها تجعل نصوص المجموعة ذات ارتباط وتماسك فيما بينها.
ومن الطريف والمدهش أن يكون التعبير عن حالات الضياع والخسارة قابلا لأن ينتج كل هذا القدر من الجمال الشعرى عبر تحييز المتلقي،واجتذاب انتباهه، واستقطاب حواسه، ولا أقول اللعب على مشاعره، أو استجدائها؛ لأن هذا غير حاضر، فهذه الذات الشاعرة المزدحمة روحها بطعنات الخسارة والخيبة، هى بالأساس ذات مازالت بكامل اعتدادها بذاتها،وبكامل صرامتها ووقارها، تجد فى القول الشعرى كل عتادها وعدتها؛ لأن تتحقق ولو بشكل غير مباشر، فهى وإن تشككت فيما أنتجت أو طرحت، وتشعر بخيانات كل عناصر الوجود من حولها بما فيها اللغة ذاتها تظل منطوية على قدر كبير من الإباء والشعور بالقوة، ربما هى بقايا الطفولة أو متعة ما عاشت من أحلام الطفولة ودفعاتها وطموحها.
الجزء المهم فى هذه المجموعة الشعرية ويكسبها روافد جمالية عديدة، هو ذلك الجزء المتمثل فى توظيف الأسطورة بأشكالها ومستوياتها كافة، وبخاصة الأسطورة الدينية والتراث الإبراهيمى فى قصة نوح وسليمان وداود وقصة النمل وأشجار دم الأخوين، وحوت يونس الذى يصبح حيتانا، وغيرها من الأساطير والقصص الدينية التى تحتاج إلى دراسة قائمة بذاتها، أما ما يشغلنا هنا فهو أن نشير إلى جماليات حضور الأسطورة فى هذه النصوص الشعرية، أولها أنها منحتها طاقات سردية عظيمة، كما أنها جعلت الذات الشاعرة أقرب إلى بطل ملحمى يتجلل بقدر كبير من القداسة والهيبة ربما هى النابعة من الشعرية، أو من كونه يجابه كونا كاملا يبدو متحاملا عليه، أو جعلت من الشاعر نموذجا للبطل الأسطورى البحار أو الرحال المتجول الذى يتنقل فى الأماكن والفضاءات البعيدة والغابات المأهولة بالقوى الخفية والشياطين والمردة والوحوش ليجابهها ويدافع عن امتداده وظله ويحاول استنقاذ أحلام طفولته وخططها النبيلة منها.
تنفى الذات الشاعرة عن نفسها العظمة أحيانا، وتحاول أن تثبت عاديتها، وأنها ليست كالأنبياء أو الأبطال الأسطوريين، وفى الحقيقة أن هذا النفى هو بالأساس يفضى إلى الإثبات، لأنه نوع من النفى الاستنكارى الهادف لإثبات الدهشة من كون الدنيا كلها تعانده، أو تختبره وتمتحنه بكامل قسوتها، وهو ما يحقق للنص الشعرى قدرا كبيرا من موضوعية الرصد، ويجعل المتلقى متعاطفا مع هذه الذات التى وإن كانت تستشعر فى نفسها العادية لكن المتلقى يراها جديرة بكل هذه الحروب والمتاهات والامتحانات القاسية وأن يكون ضدها كل هذا الكم من معاندة الأقدار أو القوى الخفية.
تتخذ المفارقات مسارا تكوينيا خاصا، وتصبح مشكلة ومنتجة لنوع من الصور الشعرية الجديدة تماما، هى صورة شعرية نابعة من الحال الشعرية الخاصة والمغايرة التى تصبح الذهنية الشاعرة خاضعة لها ومتحركة بسيرورة ضغط تلك الحال، فإحساس الخسارة والتهشم والتلاشى مثلا، يدفع إلى إنتاج صور طازجة، ربما يشعر القارئ أنه لم يصادف مثلها من قبل لدى أى شاعر آخر، أو أى نص آخر، وذلك لأنها ابنة الحال الشعرية كما ذكرت، وهى صور قائمة على نسق من القلب والتضاد والتبديل التام، ومثلها أربى الخسارات وأرعى الخسائر، وأبكى صامتا، وعقلى جسر معلق، وصار الخوف سلطان حروفي، وأختبئ فى جيب قميصى.
وهذه الصور تبدو أحيانا جزءا من غرائبية العالم الشعرى الذى تقيمه وتنشئه نصوص أحمد الشهاوى الشعرية، تتحكم فى تكوينها أنساق من العكس والقلب والتصغير والتضخيم والتفتيت والمفاجأة وكسر التوقع، وكلها تقود نحو كون عجائبى أو يخالف السائد ويحطم المألوف، والأجمل فى تقديرنا أن كل هذا يتم دون أن يشعر المتلقى بأدنى درجة من التعسف أو الإقحام أو مجرد الرغبة فى التغريب، بل يبدو ذلك جزءا طبيعيا ومتناسقا مع بقية العناصر الشعرية وجزءا من الحال الشعرية التى يقاربها النص وجزءا من الشعور الكلى المهيمن على النص من بدايته إلى آخره.
والحقيقة هى مجموعة شعرية ثرية، وتحتاج إلى تعدد فى زوايا النظر والتأويل، ومستويات كثيرة فى المقاربة لمعطياتها ونواتجها الجمالية والدلالية،وتحتاج إلى دراسات مُطوَّلة تملك من الوقت والأمثلة ما يكفى للتدليل على هذه المسارات والأنساق المذكورة،وبخاصة الصورة الشعرية وحدود الأسطورة وتوظيفاتها.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة