معرض لهيئة الكتاب خلال ٢٠٢٠
معرض لهيئة الكتاب خلال ٢٠٢٠


2020 فى مجال النشر وعالم الكتاب: عام البقاء للأقوى!

أخبار الأدب

الأحد، 27 ديسمبر 2020 - 03:00 م

منصورة عز الدين

لم يكن 2020 عامًا عاديًا، بل لن أكون مبالغة إن قلت إننا لم نشهد عامًا يماثله من قبل، وقد انعكس هذا على كل نواحى الحياة، بما فيها بطبيعة الحال سوق النشر وصناعة الكتاب: أغلقت دور النشر والمكتبات فى جميع أنحاء العالم أبوابها لعدة أشهر، وخرجت بعض الدور والمكتبات الصغيرة من السوق، واضطرت للإغلاق نهائيًا.
عرف عالم الكتاب لأول مرة حفلات الإطلاق والمعارض الإلكترونية، أُلغيت معارض كتب وتأجلت أخرى، ورحلّت الكثير من دور النشر إصداراتها إما إلى الربع الأخير من العام أو إلى العام القادم.
فى مصر والدول العربية لم يختلف الأمر كثيرًا، إذ تشابهت ظروفنا مع ظروف بقية العالم فى المجمل، وإن اختلفت بعض التفاصيل.
نعرف جميعًا أن النشر لدينا ينقسم إلى موسمين أو أكثر قليلًا، ففى البداية هناك الموسم الرئيسى فى كل دولة، ويتزامن مع معرض الكتاب الرئيسى فيها، والمواسم الأخرى مستجدة نسبيًا وترتبط بمواعيد التقديم للجوائز الكبرى مثل جائزة البوكر العربية وجائزة الشيخ زايد وجائزة الملتقى للقصة القصيرة.
لكن ما حدث فى 2020 فى مصر مثلًا، أننا شهدنا فى مطلع العام الموسم الأول، حيث صدرت عناوين كثيرة بالتزامن مع إقامة معرض القاهرة الدولى للكتاب؛ بعضها حصد رواجًا كبيرًا، وبعضها الآخر كان يحتاج إلى مزيد من الوقت كى يثبت حضوره، لكن ما حدث أن كل شىء توقف بعد أقل من شهرين على انتهاء المعرض: أُغلِقت المكتبات وتوقفت دور النشر مؤقتًا، واعتمد الجميع تقريبًا على توصيل الكتب إلى بيوت الراغبين فى شرائها، وعلى الفعاليات الـ«أونلاين» التى تُبث مباشرة عبر الفيسبوك أو إنستجرام. استمر هذا حتى يوليو تقريبًا، وهو الشهر الذى استأنفت فيه دارا الشروق والمصرية اللبنانية النشر مجددًا؛ الأولى بـ«لوكاندة بير الوطاويط» لأحمد مراد و«الوباء الذى قتل 180 ألف مصري» للدكتور محمد أبو الغار، والثانية بـ«شلة ليبون» لهشام الخشن، بعدها تتالت إصدارات الدارين، ليس بالكثافة المعتادة، لكن بمعدل جيد مقارنة بالوضع العام. تلتهما دار نهضة مصر بإصدار «سبيل الغارق» لريم بسيونى،  وبعدها بفترة دار الكرمة بإصدارها لرواية «كل الشهور يوليو» لإبراهيم عيسى، واللافت أن معظم هذه الإصدارات قد لاقى رواجًا شديدًا، ربما لأن الدور المذكورة حين عادت للنشر ابتدأت بكتابها الأفضل مبيعًا، وربما أيضًا بسبب تعطش القراء إلى قراءات جديدة بعد شهور من الإغلاق.
مع اقتراب موعد إقامة معرض الشارقة الدولى للكتاب فى دورته الأخيرة، استأنفت معظم دور النشر العربية نشاطها، وأصدر أغلبها قائمة إصداراته المؤجلة خلال عام 2020 دفعة واحدة، فلاحظنا مثلًا كيف صدرت للمترجم الواحد عدة ترجمات فى وقت واحد، وكيف تزاحمت العناوين الجديدة لدور كانت قد توقفت لشهور. لا أحد يلوم الناشرين على هذه الكثافة فى النشر خلال مدة زمنية محدودة، فالظرف العام هو ما وضعهم فى هذا الموقف المُهدِّد بأن تحرق العناوين بعضها بعضًا، وأن تتوارى عناوين كثيرة لصالح عدد أقل من العناوين الرائجة. فعدم النشر كليةً أو الاكتفاء بنشر عنوانين أو ثلاثة مخاطرة لا تقل عن مخاطرة النشر المكثف فى وقت ضيق. وقد يكون ما قلل من مخاطر الأمر أن معرض الشارقة للكتاب غامر بأن يُقام على أرض الواقع؛ على الأقل فيما يخص أجنحة الناشرين، إذ أقيمت الكثير من الندوات إلكترونيا فقط. كما استفاد الناشرون أيضًا من قرار حاكم الشارقة بإعفائهم من المقابل المادى لحجز أجنحة العرض.
على المستوى المحلى،  مثّلت المعارض الفرعية مثل معارض الإسكندرية والمنصورة والأوبرا طوق نجاة نسبيا لدور النشر المصرية؛ إذ ساهمت فى التعويض بدرجة ما عن الخسارة المتوقعة بسبب تأجيل معرض القاهرة الدولى للكتاب، خاصة أن هذه المعارض قد شهدت إقبالًا من القراء، وضمت حفلات توقيع متعددة.
وعمومًا، عادت حفلات التوقيع والندوات على أرض الواقع بكثافة، فى الفترة من نهاية يوليو وحتى ديسمبر، ونشطت المكتبات؛ خاصة ديوان ومكتبات الشروق فى إقامة سلسلة من جولات التوقيع لكتاب مثل ريم بسيونى وأحمد مراد وإبراهيم عيسى وغيرهم، ورأينا توافد طوابير ممتدة من القراء للحصول على توقيع هؤلاء الكُتَّاب.
وفى وقت اضطرت فيه كثير من المكتبات فى العالم إلى الإغلاق النهائى،  افتتحت الدار المصرية اللبنانية مكتبة تحمل اسمها فى حى الزمالك، فى الموقع نفسه الذى كانت تشغله مكتبة دار نشر الجامعة الأمريكية بالقاهرة، وبمجرد بدء نشاطها أقامت المكتبة عددًا من حفلات التوقيع والندوات الخاصة بالإصدارات الجديدة.
ومن أهم ظواهر العام، تنامى دور مجموعات القراءة على الفيسبوك مثل: نادى الكتاب المحترفين، «بوك مارك» ونادى القراء الأصليين، ويعود هذا بالأساس إلى أن نقاشات هذه المجموعات الإلكترونية ومراجعات الكتب المختصرة لأعضائها شكلت بديلًا للنقاشات الفعلية على أرض الواقع. والجدير بالذكر أن هذه المجموعات لها دور بارز فى توجيه المقروئية وإلقاء الضوء على عناوين بعينها، لكن هذا الدور تضاعف بدرجة ملحوظة فى 2020.
كل ما سبق قد يوحى بدرجة ما من الانتعاش، لكن هل سيصمد هذا الانطباع إن دققنا فى سؤال: هل هذا الرواج رواج فعلي؟ أو بالأحرى، هل يعكس هذا الوضع رواجًا شاملًا فى سوق الكتاب ككل؟ أم أن الوضع الاستثنائى قد أدى إلى وضع استثنائى فى النشر أيضًا، بات البقاء فيه للأقوى والأكثر قدرة على المنافسة فى ظل ظروف قاهرة للآخرين؟
الإجابة عن سؤال مماثل تستلزم الاطلاع على الجانب المخفى من المشهد، وأقصد به عدد الكُتَّاب الذين لم يتمكنوا من إيجاد ناشر لنشر مخطوطات كتبهم، وعدد المخطوطات التى تنتظر دورها فى النشر لدى دور النشر المختلفة، وأيضًا عدد الناشرين والمكتبات الصغيرة التى تصارع من أجل مجرد البقاء فى السوق.
وواقع الحال يقول إن المسودات المركونة سواء فى أدراج الكتاب أو القوائم المؤجلة لدور النشر قد تضاعفت خلال العام الموشك على الانتهاء، كما أن كثيرًا من دور النشر الصغيرة تصارع حاليًا من أجل الاستمرار، كما أن بعضها على حافة إيقاف نشاطه نهائيًا.
وفى النهاية، ربما يكون الجانب الإيجابى الأبرز فى 2020 أن سوق النشر المصرى قد أثبت قدرته على الاستقرار والاستمرار، مقارنة بمعظم أسواق النشر العربية، حتى فى أصعب الظروف، وحتى فى ظل تأجيل معرض القاهرة الدولى للكتاب، وفى رأييّ أن السر فى هذا يكمن فى وجود قاعدة مقروئية كبيرة فى مصر مقارنة بغيرها من الدول العربية، وهى قاعدة متنوعة وحيوية وكفيلة باستيعاب طبعات متعددة من بعض العناوين دون الحاجة إلى التوزيع الخارجى.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة