محمود الورداني
دفتر أحوال جيل الستينيات ( 2 )
جولة فى حدائق النميمة
الإثنين، 11 يناير 2021 - 12:53 م
كتاب النميمة هو التاريخ غير الرسمي، وهو أيضا بنص كلمات فياض فى مقدمته يسعى إلى اتجسيد روح عصر، والتعبير عن ظواهر حياة فى وطنب
إذا كان كتاب النميمة قد طُبع عدة طبعات ، وأغلبها طبعات غير مكتملة، فإن الطبعة الأخيرة هى الأكثر اكتمالا، فقد صدرت بعد أن راجعها مؤلفها مراجعة أخيرة، حيث يشير هو إلى أنه نظر فيها بعد أن جاوز الثمانين، أى فى غضون العقد الأول من الألفية الجديدة من ناحية، وبعد أن تغيرت الظروف والأحوال التى أدت إلى مثل تلك الطبعات غير المكتملة من ناحية أخرى.
على أى حال، يضم كتاب النميمة بورتريهات أو صورا قلمية أو انطباعات عن خمس وثلاثين شخصية، نصفها تقريبا شاء كاتبها إلا يفصح عن أسمائها لأسباب مختلفة، إلا أنه ليس من الصعب معرفة أصحابها، والكاتب نفسه غير حريص مطلقا على إخفائهم، وأنا شخصيا رغم أننى لم أكن من أبناء هذا الجيل إلا أننى توصلت إلى أسمائهم الحقيقية جميعا، باستثناء صاحب بورتريه
االأستاذب، ربما لأنه أمضى أغلب سنوات عمره مطاردا منفيا تلاحقه سلطات الأمن حتى مات غريبا منسيا فى منفاه الإجبارى فى ليبيا.
ليس ضروريا أن يكونوا جميعهم من المشاهير أو المتحققين، بل اهتم العم سليمان بالهامشيين والمنسيين، مثل صاحب البورتريه الذى اختتم به الكتاب وهو عن االسيد هواب الصديق الراحل، الذى ربطته بالزعيم مصطفى النحاس صلة عائلية وطيدة، وأمضى سنوات من عمره ضيفا على معتقلات وسجون خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وهو المستشار النبيل الفقير إلى الله مصطفى عبد العزيز. إلا أن مثل هؤلاء الأخيرين تركوا أثرا غائرا فى جسم الجيل الذى كان سليمان أحد أبنائه، على الرغم من أن بعضهم لم يمارسوا الكتابة الأدبية، ولم يهتموا بها، مثل ابراهيم منصور الذى لم يكتب سوى قصتين فقط، ومع ذلك كان له حضور وسطوة وتأثير فاق الجميع على مدى عدة عقود.
من جانب آخر فإن كتاب النميمة أغلبه ليس نميمة مؤذية أو مضغا لسيرة الآخرين بالباطل، وحتى أولئك الأشرار والأنطاع الذين ملأوا الحياة الثقافية خلال العقد المذكور يستحقون النميمة من أجل كشفهم ومواجهة الأدوار التى لعبوها كوشاة نهشوا الثقافة والمثقفين.
كتاب النميمة هو التاريخ غير الرسمي، وهو أيضا بنص كلمات فياض فى مقدمته يسعى إلى اتجسيد روح عصر، والتعبير عن ظواهر حياة فى وطنب، ويضيف أن غايته أن يقبض على اللحظات الهاربة أو الآفلة التى يدير لها التاريخ ظهره. الكتاب يمكن أن يصفه الواحد بحدائق النميمة لنبلاء وأوباش ومساكين حركة الستينيات، ليس بشخوصها ولا أبطالها فقط، بل الأهم من خلال أماكن تجمعاتها السرية والعلنية ولقاءاتها الخاصة والنميمة التى يواجهون بها بعضهم البعض. الكتاب أيضا هو سيرة سليمان الذاتية وتاريخه السرى والعلني، والحقيقة أنه يبسطه واضحا، فليس لديه مايخشاه.
فأمل دنقل مثلا الذى يبدأ به الكتاب امروانيب يمتد نسبه إلى عبد الملك بن مروان، وهاجر أجداده إلى غرب أسوان، ولرأس الأسرة ضريح يُزار وشيخ يتبركون به. ويحكى سليمان تفاصيل علاقته به منذ عام 1962 عندما تم التعارف بينهما بواسطة الفنان عزالدين نجيب فى الإسكندرية قبل أن يكتب أمل الشعر، بل كان مجرد حافظ له ويعمل موظفا بسيطا منقولا من السويس.
وامتدت العلاقة بينهما فى القاهرة فى لقاءات شبه يومية، وكثيرا مايتشاجران ثم يتصافيان.. العلاقة الخاصة وتفاصيل الأماكن التى يرتادانها .. هو تاريخ آخر إذن، حميم وشخصى ومسكوت عنه، لذلك يبدو قريبا وإنسانيا..
سأستكمل إذا امتد الأجل فى الأسبوع القادم جولتى فى حدائق النميمة..
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة