كنيسة السيدة العذراء بحارة زويلة
«الأعياد السيدية السبعة الكبرى»
الأيقونة الأندر
الإثنين، 11 يناير 2021 - 02:02 م
لعل أحد أهم الأيقونات الموجودة فى مصر والتى تخص الأعياد المسيحية هى أيقونة االأعياد السيدية السبعة الكبرىب والموجودة بكنيسة العذراء بحارة زويلة، فهى تعود للقرن الثانى عشر من الميلاد سنة ١١٨٦م، وسبب تفرد هذه الأيقونة أنه من النادر جدًا أن نجد لها مثيل نظرًا لأنها حوت بداخلها رموز الأعياد السبعة الكبرى، وهذا الأمر لم يكن معتادًا، فالشكل المعتاد للأيقونة هو أن نجدها تضم عيدًا واحدًا كعيد القيامة أو العماد، أو البشارة..
الدكتور إبراهيم ساويرس أستاذ اللغة القبطية بجامعة سوهاج يقول: اأيقونة الأعياد السيدية السبعة الكبرىب، تعود للفترة ما بين القرن الـ١٢ والـ١٤، وهذا مرتبط بوضع القاهرة كما يصفها كتاب الكنائس والأديرة لأبى صالح الأرمنى - فهى من زمنه بالتأكيد- ولا يمكن بأى حال أن نرجعها للقرن الـ١٨ كما يذكر البعض نظرًا، لأن هذا الأسلوب البيزنطى كان قد اختفى فى القرن الـ١٨، ولم يكن له مثيل أبدًا فى تلك الفترة، كذلك فطريقة التذهيب تدل على غنى مادى وفني، وهذا الأمر كان موجودًا تحت الأراخنة الكبار فى تلك الفترة، أيضًا، الكتابة باليونانية كانت موجودة فى نفس الفترة، بخلاف تفاصيل الطراز الفنى فى تصوير الملامح وبعض الرمزية والتى اختفت بعد هذا التاريخ، وهذا التأريخ للأيقونة تتوافق عليه المرممة الروسية سوزانا سكالوفا، نظرًا للمواد المستخدمة والتقنية الفنية التى استخدمت فى تلك الفترة، فالأيقونة مُنفذة على لوح واحد من خشب الجميز، بُطِن اللوح بالكتان والجبس، ورسم عليه بأسلوب التمبرا، وذُهِبت أجزاء منه، وقد نفذت بيد فنان ماهر، وهى بيزنطية الطراز، ويمكن تأريخها بالقرن الثالث عشر، وبها بعض الكتابات العربية باللون الأسود، واليونانية باللون الأحمر، وقد فسد خشبها، وخضعت للترميم على يد المرممة الشهيرة سوزانا سكالوفا فى تسعينيات القرن الماضي، والأيقونة هى من إنتاج ورشة فنية مهمة ربما كانت تابعة للبطريركية آنذاك، وهى من نوادر الفن القبطى عامة، حيث إن الأيقونات اللوحية من هذه الفترة نادرة للغاية، وهى تصور أعياد الكنيسة السبع الرئيسة والتى كان يُعيد بها فى هذه الكنيسة كما دون كتاب أبو المكارم عن الكنائس والأديرة المعاصر لهذه الفترة والذى صلى بنفسه فى تلك الكنيسة، لكن الملاحظ أن كل أيقونة من السبعة تأخذ شكل نصف دائرة من أعلى، مما ترك فراغا بين الأيقونات تم تزيينه بصور عدد من أنبياء العهد القديم ارتبطت كتاباتهم بنبوات حول الأعياد السبعة.
فأول عيد مصور داخل الأيقونة هو عيد البشارة، وتظهر فيه السيدة العذراء وقد جاء الملاك جبرائيل لتبشيرها بميلاد السيد المسيح، والمنظر التالى يمثل عيد الميلاد. تتوسطه العذراء مريم فى وضع مقوس الجسد، وتميل رأسها جهة اليمين. على يسارها الطفل يسوع فى أقمطته غير بعيد عن حيوانات المزود المصور وكأنه مذبح فيبدو الطفل وأمه وكأنهما فى كهف جبلي، وتضم الأيقونة تصوير لثلاثة حكماء الذين يقدمون للمسيح هداياهم كملك وبالأعلى تُبوق الملائكة معلنة عن الميلاد الإلهي، كما يوجد ملاك يشير لرجلين أحدهما شيخ والآخر شاب يرمزان للبشرية التى ستنول الخلاص بميلاد المسيح، وقد كتب أعلى الملائكة باليونانية الميلاد، وأسفل الكهف يوجد منظر حميم للطفل يسوع، والذى صور يوسف النجار وهو يتابعه بتدقيق، والمنظر هذا هو الممهد لمنظر المعمودية الثالث فى الأيقونة. ثم منظر دخول المسيح لأورشاليم راكبًا على حمار وهو الرابع، ثم الخامس وهو منظر النزول إلى الجحيم، وتحطيم أبوابه، ومن ثم إنقاذ المؤمنين القِدامى. ثم المنظر السادس وهو الصعود إلى السماء بعد القيامة، ثم المنظر الأخير لحلول الروح القدس على التلاميذ.
الدكتور وديع مالك مدير عام المجموعة الأثرية العلمية لترميم الأيقونات والرسومات الفنية فى حديث له لأخبار الأدب قال: الا نعرف تحديدًا متى دخلت هذه الأيقونة لكنيسة العذراء بحارة زويلة، فهى أيقونة تنتمى إلى العصور الوسطى وتضم السبعة أعياد السيدية الكبرى فى المسيحية، حيث أنها تعود للقرن الثانى عشر من الميلاد سنة ١١٨٦م، وهى من عمل فنان قبطى من قرية مليج بالمنوفية حاليًا، وطولها أكثر من ثلاثة أمتار وارتفاعها حوالى من ٥٠ إلى٦٠ سم، وهذا الشكل من الأيقونات نادرًا ما نجد لها مثيل انظرًا لأنها تمثل السبعة أعياد المسيحية داخل أيقونة واحدة، فالشكل المعتاد للأيقونة هو أن نجدها تضم عيدًا واحدًا كعيد القيامة أو العماد، أو البشارة، أما أن نجد هذا الشكل فهو شيء نادر، وهى شبيهة بأيقونة أخرى بكنيسة اأبى سيفينب والتى تقع بمصر القديمة.
وبالنسبة لعملية ترميم هذه الأيقونة فقد بدأت فى تسيعينيات القرن الماضي، عندما جاءت إلى مصر دكتورة هولندية الجنسية، ضمن مشروع لترميم الأيقونات بالمتحف القبطى لترميم الأيقونات بداخله، وبعد ذلك عندما وجد الدكتور شوقى نخلة رئيس الإدارة المركزية، براعة هذه الدكتورة فى هذا التخصص بسبب ندرته، قرر أن تدرب المرممين المصريين على هذا الأمر، فبدأت بالترميم فى أماكن عدة داخل مصر، وبدأت حينها بعملية ترميم هذه الأيقونة والتى لم تكملها فهى بدأت فقط فى أول مربع على يمين الأيقونة وبدأت بتعليم المصريين عملية الترميم، كعملية التنظيف تحت الميكروسكوب، أو عملية التثبيت والحقن، وبدأت بتعليم المرممين، إلى أن توقف العمل فى المشروع لظروف ما، ونظرًا لأهمية كنيسة حارة زويلة بسبب أنها تبركت بزيارة العائلة المقدسة، كان هناك فى تلك الفترة وتحديدًا بداية الألفية الجديدة عدة مشاريع ترميم وضعت لتطوير مسارات العائلة المقدسة داخل مصر، وبدأ الاهتمام بهذه الكنائس وبالأيقونات بداخلها، وقد كان التمويل من جانب جمعية إحياء التراث الوطنى المصرى انهراب وحينها تبنى الدكتور جودت جبرا والدكتور شوقى نخلة، عملية ترميم الأيقونات داخل كنيسة حارة زويلة وخاصة هذه الأيقونة، ونظرًا لأن هذه الجمعية كان تمويلها يتم من خلال رجال أعمال مصريين استطاعوا استقدام ثلاثة مرممين من روسيا، ليساعدونا فى عملية الترميم، وبدأنا فى عملية ترميم الأيقونة، حيث حاول المرممون الروس ترمميها وفقًا للتكنيك الأوروبي، فحالتها من قبل كانت سيئة للغاية ومختلفة، فكانت الألوان فيها غير واضحة وكذلك الرؤية، وكان بها العديد من المشاكل، وبعد عملية ترميمها بدأت الكنيسة فى تخصيص جزء من الجهة البحرية بداخلها لإقامة متحف ووضعت بداخله هذه الأيقونة.
نجد كذلك أنه فى الفن القبطى لم يستخدم فيه الفنان فكرة االمنظورب أو البعد الثالث وعملية التكبير والتصغير وذلك لأن الأيقونة هى التى تعبر عن العقيدة، والعقيدة معروف عنها أنها ثابتة أى لا يمكن أن تتغير أبدًا، وهى فكرة فلسفية بحتة، كذلك القديسون عند رسمهم فى الأيقونات لا يوجد ما يسمى بالظل أو ما نسميه بالمنظور من خلال سقوط الظل لأنه يعتبر أن النور يخرج من القديس نفسه ولا يسقط عليه، الأمر الآخر عند رسم الـProfile لقديس ما داخل أيقونة ممتطيًا جواده فإنه فى هذه الحالة يتم وضع وجه القديس وصدره فى وضع المواجهة وهذه هى فكرة فلسفية أخرى، فمثلا لو رأيتنى أتحدث معك ولا أعيرك اهتماما بنظرى فهذا يدل على تجاهلى لك، لكن حينما أنظر إليك فهذا يعنى أننى معك، وأيضًا الأمر نفسه عند القديس داخل الأيقونة فتجد وجهه مواجهًا للشخص الناظر إليه وهذا يوحى بأن القديس ينظر إليه.
مشاكل الترميم
عندما بدأنا بترميم هذه الأيقونة كانت ألوانها غير واضحة، ونظرًا لأنها كانت أيقونة فريدة فقد وضعتنا كمرممين أمام ضغط كبير وأخذت عدة أشهر فى عملية الترميم، لكن نحن عندنا مشكلة فى ترميم الأيقونات وهو أن الأيقونة تضم الكثير من المواد العضوية وغير العضوية، فمثلا الخشب هو مادة عضوية وله طريقة ترميم مختلفة فطريقة التعامل معه تكون مختلفة وفقًا لحالته وظروفه كالإصابات الحشرية، والتلف والتحلل، كما أنه يضم طبقة من القماش وطبقة أخرى تقع بين طبقة القماش والخشب وهى المسئولة عن عملية اللصق بينهما ولها مشاكلها الخاصة بها كالتمدد والانكماش، لكن نجد أن طبقة التحضير يدخل بداخلها الجزء العضوى وغير العضوي، فمثلًا الجبس هو مادة غير عضوية، والروابط التى تستخدم كالغراء أو الجيلاتين هى مواد عضوية، وكذلك طبقة الألوان هى أكاسيد لونية غير عضوية، فجميع هذه المُركبات لها طريقة تعامل مختلفة وفقًا للظروف الجوية المحيطة، كالحرارة والرطوبة التى قد تعرض الأيقونة للتلف، وهذا الأمر يتطلب مجهودًا كبيرًا منا كمرممين، وحالة الأيقونة هى ما تحدد لنا طريقة ترميمها.
من وجهة نظرى كمرمم فمصر رصيدها من أيقونات العصور الوسطى قليل للغاية نظرًا لأن الأيقونات كانت مغطاة بطبقة الـvarnish وهذه الطبقة تكون معتمة ومع الوقت تحدث عملية الإعتام إلى أن تصبح معالمها غير واضحة وسوداء، ولأن المصريين فى العصور الوسطى لم يكن لديهم فكرة الترميم، ونظرًا لأنه لا يجوز رمى الأيقونة عندما تتلف، فكان يتم حرقها نظرًا لقدسيتها وكانت هذه هى الطريقة الوحيدة للتخلص منها، وأحيانا أخرى نظرًا لأن مصر كانت فقيرة فى الاخشاب، كان يتم إعادة رسمها لكن هذا الأسلوب لم يتبع كثيرًا، لكن بالطبع الفكر الحديث سمح بالترميم لأنه أصبح علمًا يدرس.
التصوير فى المسيحية
هناك فرق بين الأيقونة والصورة، فالأيقونة هى صورة معتمدة أى مادامت الصورة قد دخلت الكنيسة واعتمدت فتصبح فى هذه الحالة أيقونة، وهى تعتمد من أسقف المنطقة لذلك يجب أن تعتمد من الأسقف، وأنها تناسبها من معتقدات دينية، الأمر الثانى أن الأيقونات القبطية ترسم بالأكستيد المختلط بصفار البيض.
لكن هنا يجب أن نعلم سبب وجود الأيقونات داخل الكنيسة قديمًا، فمعظم الناس كانوا لا يعرفون القراءة ولا الكتابة، والكتاب المقدس فى تلك الفترة لم يكن متوافرًا بصورة كبيرة ولم يكن متداولًا، لذلك الناس كانت تلجأ للصور الموجودة داخل الكنيسة لمعرفة الموضوعات الدينية فكل صورة كانت تحمل قصة، والدليل على ذلك أنك لو ذهبت لمصر القديمة فستجد ٦٥ أيقونة وهى عبارة عن موضوعات من الكتاب المقدس، ومن يطلع عليها كأنه قرأ الكتاب المقدس فالأيقونة هى كتاب مرئى يخص التصوير فى العصر المسيحي، فالشعب اليونانى كان يميل إلى التصوير أما الشعب العبرانى فكان يميل للكتابة، والأمر يظهر جليًا فى العهد القديم والذى استخدم فيه فعل الأمر ااسمعب لكن فى العهد الجديد استخدم فعل الأمر اانظرب لذلك فالخالق أراد ان يكلم كل شعبه بطريقته الخاصة به، فالنظرة هنا جاءت مكملة للصورة ومن هنا جاءت فكرة الأيقونة.
الأمر الآخر أنه فى العهد القديم حُرم التصوير، ولم يحرم فى العهد الجديد وذلك لأنه فى العهد القديم حينما ذهب موسى إلى الجبل كى يأخذ لوح الشريعة، أخذ الناس بعبادة العجل وكان عبارة عن تمثال، لذلك حرم التصوير وإقامة التماثيل، والدليل على ذلك حينما تاب اليهود وعرفوا خطأهم سمح لهم الرب بإقامة التماثيل والصور مرة أخرى، وأيضًا الأمر نفسه حدث فى الجزيرة العربية حينما حرمت التماثيل والصور فى بداية الإسلام، حتى لا يتخذ الناس هذه التمثايل أوثانًا مرة أخرى.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة