الفلسفة طريقة حياة
الفلسفة طريقة حياة


الفلسفة طريقة حياة

التدريبات الروحية .. من سقراط إلى فوكو

أخبار الأدب

الإثنين، 08 فبراير 2021 - 12:56 م

كتب: أحمد الزناتى

‭)‬الكتاب‭ ‬الجيد‭ ‬حقًا‭ ‬والأصيل‭ ‬حقًا‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬يجعل‭ ‬الناس‭ ‬تحب‭ ‬الحقائق‭ ‬القديمة‭(. ‬

انتشلتُ‭ ‬العبارة‭ ‬السابقة‭ ‬من‭ ‬وسط‭ ‬عشرات‭ ‬المقولات‭ ‬والإشارات‭ ‬والإحالات‭ ‬التى‭ ‬يزخز‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬العمل‭ ‬لأنها‭ ‬تعبير‭ ‬وافٍ‭ ‬عن‭ ‬روحـه‭. ‬الكتاب‭ ‬هـو‭ )‬الفلسفة‭ ‬طريقة‭ ‬حياة‭: ‬التدريبات‭ ‬الروحية‭ ‬من‭ ‬سقراط‭ ‬إلى‭ ‬فوكو‭(‬،‭ ‬الصادر‭ ‬مؤخرًا‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬رؤية‭ ‬بترجمة‭ ‬رصينة‭ ‬وشـرح‭ ‬ممتاز‭ ‬للدكتور‭ ‬عادل‭ ‬مصطفى‭. ‬

يذهب‭ ‬المؤلف‭ ‬بيير‭ ‬هادو‭ (‬1922-2010‭) ‬وهو‭ ‬فيلسوف‭ ‬فرنسى‭ ‬متخصص‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬الفكر‭ ‬الرومانى‭ ‬وأكبر‭ ‬مؤرخى‭ ‬الفلسفات‭ ‬القديمة‭ ‬المعاصرين،‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬الفلسفة‭ ‬فى‭ ‬العصور‭ ‬الغابرة‭ ‬لم‭ ‬تكن‭ ‬محاولات‭ ‬لفهم‭ ‬الوجود‭ ‬وحسب،‭ ‬بل‭ ‬كانت‭ ‬فى‭ ‬الأساس‭ ‬علاجًا‭ ‬للانفعالات‭ ‬الروحية‭ ‬والنفسية‭. ‬كانت‭ ‬الفلسفة‭ ‬تدريبًا‭ ‬روحيًا‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يفضى‭ ‬إلى‭ ‬تحول‭ ‬عميق‭ ‬فى‭ ‬أسلوب‭ ‬المرء‭ ‬فى‭ ‬الرؤية‭ ‬وفى‭ ‬الوجود،‭ ‬توسيع‭ ‬نطاق‭ ‬رؤيته‭ ‬إلى‭ ‬الأمور،‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬الإنسان‭ ‬من‭ ‬أناه‭ ‬الضيقة‭ ‬وهموم‭ ‬يومـه‭ ‬المُكررة‭ )‬والتى‭ ‬لن‭ ‬تنتهى‭ ‬بالمناسبة‭(‬،‭ ‬ويفرغ‭ ‬للبهجة‭ ‬البسيطة‭ ‬بكونه‭ ‬ما‭ ‬يزال‭ ‬على‭ ‬قيد‭ ‬الحياة،‭ ‬بكونه‭ ‬يستيقظ‭ ‬صباحًا‭ ‬ويشرب‭ ‬قـهوته‭ ‬فى‭ ‬منزله،‭ ‬لا‭ ‬فى‭ ‬أقرب‭ ‬مستشفى‭. ‬

فى‭ ‬مقدمة‭ ‬هى‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬مقطوعة‭ ‬من‭ ‬النثر‭ ‬الفلسفى‭ ‬يؤكد‭ ‬المترجم‭ ‬على‭ ‬حقيقة‭ ‬مهمة‭ ‬ينبغى‭ ‬الالتفات‭ ‬إليها‭ ‬قبل‭ ‬الشروع‭ ‬فى‭ ‬قراءة‭ ‬الكتاب،‭ ‬حقيقة‭ ‬مؤداها‭ ‬أن‭ ‬مهمة‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الأولى‭ ‬ليست‭ ‬إيصال‭ ‬معرفة‭ ‬موسوعية‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬خطاب‭ ‬فلسفى‭ ‬رصين‭ ‬وحـشد‭ ‬المعلومات‭ ‬والأسماء‭ ‬والكتب‭ ‬ونـفـثـهـا‭ ‬فى‭ ‬وجهه،‭ ‬بل‭ ‬بالأحرى‭ ‬تـحويل‭ ‬شخصية‭ ‬المرء‭ ‬وتعليمـه‭ ‬أسلوب‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬،‭ ‬ومن‭ ‬ثمّ‭ ‬فالعنصر‭ ‬الجوهرى‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬الفلسفية،‭ ‬وتحديدًا‭ ‬على‭ ‬النحو‭ ‬الذى‭ ‬يقصده‭ ‬مؤلف‭ ‬الكتاب،‭ ‬عـنصر‭ ‬عملى‭ ‬لا‭ ‬قولي؛‭ ‬عنصر‭ ‬يضع‭ ‬نصب‭ ‬عينيه‭ ‬غاية‭ ‬واحدة‭: ‬مساعدة‭ ‬الإنسان‭ ‬قدر‭ ‬الإمكان‭. ‬

يضرب‭ ‬المترجم‭ ‬أمثلة‭ ‬بتقنيات‭ ‬لممارسة‭ ‬التدريبات‭ ‬الروحية،‭ ‬من‭ ‬بينها‭ ‬أن‭ ‬يملك‭ ‬المرء‭ ‬بين‭ ‬يديه‭ ‬وفى‭ ‬ذاكرته‭ ‬مجموعـة‭ ‬من‭ ‬اجوامع‭ ‬الكلمب‭ ‬وفقَ‭ ‬تعبير‭ ‬المترجم‭ ‬أو‭ ‬اعـِدّة‭ ‬شُغـل‭ ‬متكاملةب؛‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬الكلمات‭ ‬والمأثورات‭ ‬التى‭ ‬تعينه‭ ‬على‭ ‬مواصلة‭ ‬العيش‭ ‬وتـقبّل‭ ‬سخافات‭ ‬الحياة‭ ‬والبشر،‭ ‬أو‭ ‬تأمّل‭ ‬المحن‭ ‬السابقة،‭ ‬بمعنى‭ ‬أن‭ ‬يمارس‭ ‬نـمط‭ ‬الحياة‭ ‬الرواقية،‭ ‬متذكرًا‭ ‬أن‭ ‬المصائب‭ ‬ليست‭ ‬كلها‭ ‬شرورًا‭ ‬لأنها‭ ‬لا‭ ‬تعتمد‭ ‬علينا‭ ‬ولأنها‭ ‬جزء‭ ‬من‭ ‬مسار‭ ‬الطبيعة،‭ ‬مشيرًا‭ ‬إلى‭ ‬قول‭ ‬فيلون‭ ‬السكندري‭: ‬اإنهم‭ ‬لا‭ ‬ينهارون‭ ‬تحت‭ ‬ضربات‭ ‬القَدر‭ ‬لأنهم‭ ‬تحسّبوا‭ ‬لها‭ ‬مسبقًا،‭ ‬فالتحسّب‭ ‬يجعل‭ ‬من‭ ‬السهل‭ ‬احتمال‭ ‬أصعب‭ ‬الحوادث‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬نريدهاب‭. ‬وحتى‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية‭ ‬العادية‭ ‬يستهلّ‭ ‬الرواقى‭ ‬يومـه‭ ‬مستعدًا‭ ‬لتحمل‭ ‬أى‭ ‬خـشونة‭ ‬فى‭ ‬لعبة‭ ‬الحياة‭ ‬كما‭ ‬علّمه‭ ‬سينيكا‭ ‬وماركوس‭ ‬أوريليوس‭ ‬وغيرهما‭. ‬فى‭ ‬العصر‭ ‬الهيلينستى‭ ‬والرومانى‭ ‬كانت‭ ‬مفردة‭ ‬الفلسفة‭ ‬تشير‭ ‬إلى‭ ‬اطريقة‭ ‬العيشب‭ (‬أسلوب‭ ‬حياة‭)‬،‭ ‬ولا‭ ‬يعنى‭ ‬ذلك‭ ‬أنها‭ ‬كانت‭ ‬نوعًا‭ ‬محددًا‭ ‬من‭ ‬السلوك‭ ‬الأخلاقي،‭ ‬وإنما‭ ‬كانت‭ ‬طريقة‭ ‬وجود،‭ ‬كانت‭ ‬الرؤية‭ ‬الشاملة‭ ‬للعالم،‭ ‬أو‭ ‬Weltanschauung‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬الفلاسفة‭ ‬الألمان‭. ‬

كان‭ ‬مجرد‭ ‬اللفظ‭ ‬philo‭-‬sophia‭ (‬مـَحبة‭ ‬الحكمة‭) ‬كافيًا‭ ‬للتعبير‭ ‬عن‭ ‬هذا‭ ‬المفهوم‭. ‬يقول‭ ‬المؤلف‭ ‬إنه‭ ‬فى‭ ‬محاورة‭ ‬المأدبة‭ ‬وضّـح‭ ‬سقراط‭ ‬أن‭ ‬اإيروسب‭ ‬ابن‭ ‬كلَّ‭ ‬من‭ ‬بوروس‭ (‬الحيلة‭) ‬وبنيا‭ (‬الـعَـوز‭ ‬والحاجة‭). ‬كان‭ ‬إيروس‭ ‬يفتقر‭ ‬إلى‭ ‬الحكمة،‭ ‬غير‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يعرف‭ ‬كيف‭ ‬يكتسبها،‭ ‬ومن‭ ‬هذا‭ ‬أخذتْ‭ ‬الفلسفة‭ ‬شكل‭ ‬تدريب‭ ‬الفكر‭ ‬والإرادة،‭ ‬كانت‭ ‬الفلسفة‭ ‬طريق‭ ‬التقدم‭ ‬الروحي‭. ‬كانت‭ ‬الفلسفة‭ ‬إذًا‭ ‬منذ‭ ‬العصور‭ ‬الأولى‭ ‬طريقة‭ ‬عيش،‭ ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬ممارستها‭ ‬وسعيها‭ ‬لتحقيق‭ ‬الحكمة‭ ‬أم‭ ‬فى‭ ‬هدفها،‭ ‬فالحكمة‭ ‬الحقيقية‭ ‬لا‭ ‬تؤدى‭ ‬بنا‭ ‬أن‭ ‬نعرف،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬نكون،‭ ‬أن‭ ‬نتعامل‭ ‬مع‭ ‬الحياة‭ ‬فى‭ ‬تقلباتها‭ ‬وقسوتها‭ ‬وغبائها‭. ‬كما‭ ‬يشير‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬نقطة‭ ‬مهمة‭ ‬وهـى‭ ‬أن‭ ‬تأمل‭ ‬الموت‭ ‬والاستعداد‭ ‬له‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬تغيير‭ ‬لزاوية‭ ‬الرؤية،‭ ‬طريقة‭ ‬رؤيتك‭ ‬إلى‭ ‬الأشياء‭. ‬ثمة‭ ‬شيء‭ ‬آخـر‭ ‬ندركه‭ ‬من‭ ‬تأمل‭ ‬ظاهرة‭ ‬الموت‭: ‬نـفاسَة‭ ‬الحياة‭ ‬وقيمتها‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬تقذفه‭ ‬فى‭ ‬وجوهنا‭ ‬من‭ ‬قذارة‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬السنة‭ ‬الماضية‭ ‬والحالية‭ ‬علّمتْ‭ ‬البشر‭ ‬كثيرًا‭ ‬عـن‭ ‬قيمة‭ ‬أبسط‭ ‬الأشياء‭ ‬التى‭ ‬رأوها‭ ‬ضئيلة‭ ‬هيّنة‭ ‬كالمشى‭ ‬فى‭ ‬الشارع‭ ‬أو‭ ‬رؤية‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬قيود،‭ ‬فيسوقُ‭ ‬مقولة‭ ‬للشاعر‭ ‬الإغريقى‭ ‬هوراس‭ ‬فى‭ ‬إحدى‭ ‬رسائلـه‭: ‬ااعــتـبرْ‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬يطلع‭ ‬عليك‭ ‬سيكون‭ ‬اليوم‭ ‬الأخير‭ ‬لك‭. ‬إذا‭ ‬فعلتَ‭ ‬ذلك‭ ‬ستتلقى‭ ‬كل‭ ‬ساعةٍ‭ ‬غير‭ ‬مـنـتَـظرة‭ ‬بالشكر‭ ‬والعرفانب،‭ ‬وهى‭ ‬لسان‭ ‬حال‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬اليوم‭. ‬

من‭ ‬بين‭ ‬التعاليم‭ ‬الفلسفية‭ ‬القديمة‭ ‬الكتابة‭ ‬العلاجية‭. ‬يقول‭ ‬المؤلف‭ ‬إن‭ ‬لدينا‭ ‬فى‭ ‬كتابات‭ ‬ماركوس‭ ‬أوريليوس‭ ‬مثالا‭ ‬رائعا‭ ‬على‭ ‬التدريب‭ ‬العلاجى‭ ‬بالكتابة،‭ ‬فيخصص‭ ‬الفصل‭ ‬السادس‭ ‬لتأملات‭ ‬ماركوس‭ ‬أوريليوس،‭ ‬فيقول‭ ‬إن‭ ‬الإمبراطور‭ ‬الرومانى‭ ‬السادس‭ ‬عشر‭ ‬قد‭ ‬كتبَ‭ ‬تأملاته‭ ‬الثرية‭ ‬تحت‭ ‬وطأة‭ ‬حالة‭ ‬القلق‭ ‬والأرق‭ ‬الشديدة‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تطوّقه‭ ‬فى‭ ‬أثناء‭ ‬غَزواته‭. ‬

نقرأ‭ ‬الفقرة‭ ‬التالية‭: ‬االزمن‭ ‬أشبه‭ ‬بنهرٍ‭ ‬من‭ ‬الأحداث‭ ‬الجارية‭ ‬وتيار‭ ‬عنيف‭. ‬انظرْ‭ ‬مليًا‭ ‬كيف‭ ‬يُزاح‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هـو‭ ‬قائم‭ ‬وكل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬قادم‭ ‬ويزول‭ ‬زوالًا‭. ‬أليس‭ ‬بأحمقٍ‭ ‬من‭ ‬يعيش‭ ‬وسط‭ ‬هذا‭ ‬كله‭ ‬ثم‭ ‬تحدثه‭ ‬نفسه‭ ‬أن‭ ‬يسخط‭ ‬على‭ ‬نصيبه؟‭ ‬وكأن‭ ‬أى‭ ‬شيء‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬دائم‭ ‬لـه‭ ‬أو‭ ‬مُقدّر‭ ‬أن‭ ‬يؤرقه‭ ‬طويلًا‭ ‬فالرداء‭ ‬الأرجوانى‭ ‬مأخوذ‭ ‬من‭ ‬فراء‭ ‬خروف‭ ‬منقوع‭ ‬فى‭ ‬النبيذ،‭ ‬واللحم‭ ‬المشوى‭ ‬جثة‭ ‬حيوان‭ ‬ميّت،‭ ‬والجـِمَاع‭ ‬مجرد‭ ‬احتكاك‭ ‬غشاء‭ ‬ورعشة‭ ‬ودفقة‭ ‬مخاطب‭. ‬

ما‭ ‬الذى‭ ‬نتعلمه‭ ‬من‭ ‬ذلك؟‭ ‬يقول‭ ‬المؤلف‭ ‬إن‭ ‬تأملات‭ ‬أوريليوس‭ ‬ليست‭ ‬تعبيرًا‭ ‬عن‭ ‬نظرة‭ ‬تشاؤمية‭ ‬أو‭ ‬سوداوية‭ ‬إلى‭ ‬الحياة،‭ ‬ولكنها‭ ‬وسيلة‭ )‬أو‭ ‬ربما‭ ‬تدريب‭ ‬وفقَ‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب‭ ‬فى‭ ‬تقديري‭( ‬يستخدمها‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬أن‭ ‬يغير‭ ‬طريقة‭ ‬تقييم‭ ‬الأحداث‭ ‬والأشياء،‭ ‬طريقة‭ ‬النـظر‭: ‬الكلّ‭ ‬واحد‭: ‬الشوكة‭ ‬والوردة‭. ‬الجميل‭ ‬أن‭ ‬الرجل‭ ‬لم‭ ‬يكتشف‭ ‬ذلك‭ ‬إلا‭ ‬فى‭ ‬أثناء‭ ‬عملية‭ ‬الكتابة‭ ‬نفسِها‭. ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬أوريليوس‭ ‬يتحدث‭ ‬إلى‭ ‬نفسه‭ ‬غير‭ ‬أننا‭ ‬ما‭ ‬زلنا‭ ‬

نشعر‭ ‬بانطباع‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يتحدث‭ ‬إلى‭ ‬كل‭ ‬واحدٍ‭ ‬ما‭. ‬ويبدو‭ ‬أن‭ ‬آباء‭ ‬الكنيسة‭ ‬الأوائل‭ ‬قـد‭ ‬أخذوا‭ ‬هذه‭ ‬التقنية‭ ‬من‭ ‬الفلسفة‭ ‬القديمة،‭ ‬فقد‭ ‬كان‭ ‬القديس‭ ‬أنطونيوس‭ ‬يوصى‭ ‬تلاميذه‭ ‬بمراقبة‭ ‬أسرارهم‭ ‬وأفعالم‭ ‬وتدوينها،‭ ‬مُعترفًا‭ ‬بالقيمة‭ ‬العلاجية‭ ‬للكتابة‭ ‬فيقول‭: ‬الـيدوّن‭ ‬كل‭ ‬منا‭ ‬أفعاله‭ ‬وحـركات‭ ‬نفسه،‭ ‬وكأننا‭ ‬سنقّدم‭ ‬تقريرًا‭ ‬عنها،‭ ‬فلتكن‭ ‬الكتابة‭ ‬بديلًا‭ ‬عن‭ ‬عيون‭ ‬الآخرين،‭ ‬فالمرء‭ ‬لا‭ ‬يجرؤ‭ ‬أن‭ ‬يأثم‭ ‬وهـو‭ ‬مُراقَب،‭ ‬فلتراقبه‭ ‬كتابته‭ ‬إن‭ ‬لم‭ ‬تراقبه‭ ‬أعين‭ ‬الآخرينب‭. ‬

كنتُ‭ ‬أظن‭ ‬بسذاجة‭ ‬أن‭ ‬فكرة‭ ‬التقرير‭ ‬وليدة‭ ‬الأدب‭ ‬المعاصر،‭ ‬فأتذكر‭ ‬الآن‭ ‬اتقرير‭ ‬إلى‭ ‬جريكوب‭ ‬لكازانتاكيس‭ ‬وتطل‭ ‬فى‭ ‬ذاكرتى‭ ‬آخر‭ ‬فقرة‭ ‬فى‭ ‬آخر‭ ‬صفحة،‭ ‬أقصد‭ ‬رسالة‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬جـدّه‭. ‬وأتذكر‭ ‬ايوزيف‭ ‬كاب،‭ ‬عندما‭ ‬قرر‭ ‬فى‭ ‬منتصف‭ ‬رواية‭ ‬القضية،‭ ‬وبرغم‭ ‬ضغوط‭ ‬العمل،‭ ‬إزاحة‭ ‬الأوراق‭ ‬المكدسة‭ ‬فوق‭ ‬مكتبه‭ ‬جانباً‭ ‬ليبدأ‭ ‬كتابة‭ ‬تقرير‭ ‬الدفاع‭ ‬فى‭ ‬قضيته‭. ‬ينتهى‭ ‬صاحبنا‭ ‬إلى‭ ‬ضرورة‭ ‬إنهاء‭ ‬التقرير،‭ ‬فإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فى‭ ‬المكتب،‭ ‬ففى‭ ‬المنزل‭ ‬ليلًا،‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬فى‭ ‬المنزل‭ ‬فعليه‭ ‬القيام‭ ‬بإجازة،‭ ‬المهم‭ ‬ألا‭ ‬يتوقّف‭ ‬أبدًا؛‭ ‬فما‭ ‬ينبغى‭ ‬للمرء‭ ‬الوقوف‭ ‬فى‭ ‬منتصف‭ ‬الطريق،‭ ‬لأن‭ ‬أحدًا‭ ‬غيره‭ ‬لن‭ ‬يمكنه‭ ‬إكمال‭ ‬تقريره،‭ ‬فربـما‭ ‬يعثر‭ ‬الأستاذ‭ ‬كاب‭ ‬عما‭ ‬كان‭ ‬يفتّش‭ ‬عنه‭ ‬بعد‭ ‬إنهاء‭ ‬كتابة‭ ‬تقريره‭ ‬ورفـعه‭ ‬إلى‭ ‬جهة‭ ‬الاختصاص‭. ‬

***

كتاب‭ ‬د‭. ‬هادو‭ ‬مـكوّن‭ ‬من‭ ‬أربعة‭ ‬أجزاء،‭ ‬تبدأ‭ ‬بأشكال‭ ‬الحياة‭ ‬والخطاب‭ ‬فى‭ ‬الفلسفة‭ ‬القديمة،‭ ‬ثم‭ ‬تنتقل‭ ‬إلى‭ ‬التدريبات‭ ‬الروحية‭ ‬فى‭ ‬العصور‭ ‬القديمة‭ ‬وفى‭ ‬العقيدة‭ ‬المسيحية،‭ ‬ثم‭ ‬تعرض‭ ‬لصور‭ ‬شخصية‭ ‬لسقراط‭ ‬وماركوس‭ ‬أوريليوس‭ ‬وكيركجارد،‭ ‬وصولًا‭ ‬إلى‭ ‬الجزء‭ ‬الرابع‭ ‬والأخير‭ ‬بعنوان‭ (‬موضوعات‭) ‬يعرّج‭ ‬فيها‭ ‬على‭ ‬موضوعات‭ ‬شتى‭ ‬تتناول‭ ‬رؤية‭ ‬المحدثين‭ ‬لقضية‭ ‬العيش،‭ ‬فيقدم‭ ‬تحليلًا‭ ‬لافتًا‭ ‬لفاوست‭ ‬جـوته‭ ‬ورغبته‭ ‬فى‭ ‬حيازة‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ثم‭ ‬إدراكه‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬أن‭ ‬حيازة‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬لن‭ ‬تغنيه‭ ‬فى‭ ‬شيء،‭ ‬لأنه‭ ‬لن‭ ‬يبلغ‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬أبدًا‭. ‬برغم‭ ‬ذلك‭ ‬كان‭ ‬ينبغى‭ ‬للبطل‭ ‬أن‭ ‬يجرّب‭ ‬ويتألم‭ ‬ليتعلّم،‭ ‬فالمعرفة‭ ‬باهظة‭ ‬الثمن‭. ‬لذلك‭ ‬نرى‭ ‬المؤلف‭ ‬فى‭ ‬الفصل‭ ‬الثالث‭ ‬المعنون‭ ‬بــالتدريبات‭ ‬الروحية‭ ‬يطالب‭ ‬القارئ‭ ‬ببدء‭ ‬تدريبات‭ ‬روحية‭ ‬تتمثل‭ ‬فى‭ ‬نصائح‭ ‬قد‭ ‬تبدو‭ ‬للوهلة‭ ‬الأولى‭ ‬مدرسية‭ ‬ساذجة‭ ‬مملة‭ (‬مثل‭ ‬من‭ ‬يبدأ‭ ‬فى‭ ‬ممارسة‭ ‬رياضة‭ ‬بدنية‭ ‬ويستثـقل‭ ‬الأمر‭ ‬فى‭ ‬البداية‭ ‬ثم‭ ‬يُدمنها‭ ‬إدمانًا‭ ‬بعد‭ ‬فترة‭ ‬وجيزة‭). ‬لا‭ ‬بأس‭ ‬أن‭ ‬أسوقها‭ ‬إلى‭ ‬القارئ‭: (‬القراءة‭ ‬مع‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬مقولات‭ ‬الشعراء‭ ‬والفلاسفة‭ ‬أوapophthegmatic‭ (‬مجموعات‭ ‬الحِكَم‭) ‬الإنصات‭ ‬إلى‭ ‬الآخرين،‭ ‬الانتباه،‭ ‬عدم‭ ‬الاكتراث‭ ‬بالأشياء‭ ‬اللا‭ ‬فارقة،‭ ‬عدم‭ ‬الاهتمام‭ ‬بما‭ ‬لا‭ ‬يعنى‭ ‬المرء‭ ‬منا‭ ‬حقًا‭ ‬وضرورة‭ ‬اهـتمامه‭ ‬بما‭ ‬يعنيه‭ ‬حقًا،‭ ‬أن‭ ‬تــفــرّق‭ ‬بين‭ ‬الرغبات‭ ‬الضرورية‭ ‬والرغبات‭ ‬غير‭ ‬الضرورية‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭. ‬أعتقد‭ ‬أنه‭ ‬يمكن‭ ‬للإنسان‭ ‬أن‭ ‬يبعد‭ ‬كثيرًا‭ ‬عن‭ ‬منغصات‭ ‬العيشة‭ ‬غير‭ ‬الضرورية،‭ ‬الراجعة‭ ‬فى‭ ‬الأساس‭ ‬إلى‭ ‬رغبته‭ ‬فى‭ ‬الحُكم‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬ومحاولة‭ ‬فهم‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬وامتلاك‭ ‬كل‭ ‬شيء‭. ‬فى‭ ‬الجانب‭ ‬المقابل‭ (‬أقصد‭ ‬الأبيقوري‭) ‬يوصى‭ ‬الحكيم‭ ‬أبيقور‭ ‬بسدّ‭ ‬صرخات‭ ‬اللحم‭ ‬الثلاث‭: ‬الشبع‭ ‬من‭ ‬الجوع‭ ‬والريّ‭ ‬من‭ ‬العطش‭ ‬والدفء‭ ‬من‭ ‬البرد،‭ ‬فإذا‭ ‬نَعِم‭ ‬المرءُ‭ ‬بامتلاك‭ ‬هذه‭ ‬فقد‭ ‬ينافس‭ ‬الإله‭ ‬زيوس‭ ‬فى‭ ‬سعادته‭. ‬

قرأتُ‭ ‬مرة‭ ‬أن‭ ‬هيرمان‭ ‬هسّه‭ ‬اكتفى‭ ‬فى‭ ‬سنواته‭ ‬الأخيرة‭ ‬بقراءة‭ ‬اعترافات‭ ‬القديس‭ ‬أوغسطين‭ ‬وسِـفـر‭ ‬الأمثال‭ ‬وأكـل‭ ‬الخضروات‭ ‬التى‭ ‬يزرعها‭ ‬بنفسه‭ ‬فى‭ ‬حديقة‭ ‬منزله،‭ ‬ثم‭ ‬التمشية‭ ‬مع‭ ‬زوجته‭ ‬فى‭ ‬حديقة‭ ‬المنزل‭ ‬عند‭ ‬الغروب‭. ‬

السؤال‭: ‬ما‭ ‬الفائدة‭ ‬من‭ ‬قراءة‭ ‬حِكَم‭ ‬القدماء‭ ‬وفلسفتهم؟‭ ‬الإجابة‭ ‬يقدمها‭ ‬المؤلف‭ ‬بقوله‭ ‬إن‭ ‬العبرة‭ ‬ليست‭ ‬بحلّ‭ ‬مشكلة‭ ‬بعينها،‭ ‬بل‭ ‬بالطريقة‭ ‬التى‭ ‬نتخذها‭ ‬لحلّ‭ ‬المشكلة‭. ‬عندما‭ ‬يُسأل‭ ‬طفل‭ ‬أن‭ ‬يتهجى‭ ‬حروف‭ ‬كلمة‭ ‬ما‭ ‬هل‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نعتبر‭ ‬هذا‭ ‬التمرين‭ ‬غرضـه‭ ‬اكتشاف‭ ‬الهجاء‭ ‬الصحيح‭ ‬لكلمة‭ ‬معينة‭ ‬أم‭ ‬نعتبره‭ ‬مصممًا‭ ‬لتحسين‭ ‬قدرة‭ ‬الطفل‭ ‬فى‭ ‬التعامل‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الكلمات‭ ‬التى‭ ‬قد‭ ‬يُطلب‭ ‬منه‭ ‬أن‭ ‬يتهجاها؟‭ ‬الأمر‭ ‬هنا‭ ‬بالمثل؛‭ ‬فعبر‭ ‬هذه‭ ‬التدريبات‭ ‬الروحية‭ ‬نكون‭ ‬أكثر‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬الحوار‭ ‬مع‭ ‬جميع‭ ‬الموضوعات‭/ ‬العقبات‭ ‬الممكنة‭. ‬ربما‭ ‬يسخر‭ ‬بعض‭ ‬الناس‭ ‬من‭ ‬ذلك،‭ ‬وهذا‭ ‬طبيعى‭ ‬ومفهوم‭ ‬فى‭ ‬سياقه،‭ ‬فالمعرفة‭ ‬غالية‭ ‬والسخرية‭ ‬بضاعة‭ ‬رائجة‭. ‬وهل‭ ‬بالإمكان‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الخلاص‭ ‬ميسورًا‭ ‬ومبذولًا‭ ‬من‭ ‬دون‭ ‬عناء‭ ‬ومشقة‭. ‬الأشياء‭ ‬الغالية‭ ‬دائمًا‭ ‬صعبة‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬نادرة‭. ‬

تتفق‭ ‬جميع‭ ‬المدارس‭ ‬الفلسفية‭ ‬على‭ ‬رؤية‭ ‬واحدة‭ ‬مفادها‭ ‬أن‭ ‬البشر‭ ‬تعساء‭ ‬لأنهم‭ ‬مستعبدون‭ ‬لأهواء‭ ‬النفس‭ ‬ومطالبها‭ (‬أذكر‭ ‬أن‭ ‬العارف‭ ‬أبا‭ ‬يزيد‭ ‬البسطامى‭ ‬اعتاد‭ ‬مخاطبة‭ ‬نفسه‭ ‬قائلًا‭: ‬يا‭ ‬نفسي‭.. ‬يا‭ ‬مأوى‭ ‬كل‭ ‬سوء‭). ‬تعلمنا‭ ‬التجربة‭ ‬أن‭ ‬نفس‭ ‬ابن‭ ‬آدم‭ ‬عادة‭ ‬تعيسة‭ ‬لأنها‭ ‬تتوق‭ ‬بشدة‭ ‬إلى‭ ‬أشياء‭ ‬صعبة‭ ‬المنال،‭ ‬وربما‭ ‬لا‭ ‬نفع‭ ‬من‭ ‬بلوغها،‭ ‬والتدريب‭ ‬الروحى‭ ‬هنا‭ ‬ليس‭ ‬دعوة‭ ‬رضا‭ ‬وقبول‭ ‬بالمعنى‭ ‬الميتافيزيقى‭ ‬أو‭ ‬الديني‭/‬الوعظي،‭ ‬بل‭ ‬دعـوة‭ ‬إلى‭ ‬إزالة‭ ‬الغشاوة‭ (‬أو‭ ‬الغشامة‭)‬،‭ ‬لو‭ ‬كانت‭ ‬لكَ‭ ‬لجاءتكَ‭ ‬إلى‭ ‬عقر‭ ‬دارك‭. ‬

من‭ ‬بين‭ ‬الملاحظات‭ ‬اللافتة‭ ‬أيضًا‭ ‬أنّ‭ ‬الحب‭ ‬قد‭ ‬يصير‭ ‬تدريبًا‭ ‬روحيًا‭ ‬مهمًا،‭ ‬فيشير‭ ‬المؤلف‭ ‬إلى‭ ‬ثلاث‭ ‬مقولات‭ ‬توجز‭ ‬بإحكام‭ ‬هذا‭ ‬البعد‭ ‬الإيروسى‭ (‬بالمعنى‭ ‬الرَحب‭ ‬للكلمة‭). ‬أحدهما‭ ‬لنيتشه‭ ‬فى‭ ‬مدخل‭ ‬إلى‭ ‬دراسة‭ ‬الفلسفة‭ ‬الكلاسيكية‭ ‬حين‭ ‬يقول‭: ‬اأعمق‭ ‬الاستبصارات‭ ‬تنبع‭ ‬من‭ ‬الحب‭ ‬وحدهب،‭ ‬والثانى‭ ‬لأمير‭ ‬الشعراء‭ ‬والعشّاق‭ ‬يوهان‭ ‬فولفجانج‭ ‬فون‭ ‬جـوته‭: ‬انحن‭ ‬لا‭ ‬نتعلم‭ ‬إلا‭ ‬من‭ ‬أولئك‭ ‬الذين‭ ‬نحبّهمب،‭ ‬والثالث‭ ‬للشاعر‭ ‬الرومانسى‭ ‬الألمانى‭ ‬هولدرلين‭: ‬االإنسان‭ ‬الفانى‭ ‬يعطى‭ ‬أفضل‭ ‬ما‭ ‬عنده‭ ‬عندما‭ ‬يُـحبب‭. ‬

***

يوصينا‭ ‬المؤلف‭ ‬أيضًا‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬عيش‭ ‬الحياة‭ ‬كما‭ ‬يجب‭ ‬بأن‭ ‬نقرأ‭ ‬كما‭ ‬ينبغى‭ ‬للمرء‭ ‬أن‭ ‬يقرأ‭. ‬فينقل‭ ‬عن‭ ‬كاتب‭ ‬المقالات‭ ‬والفيلسوف‭ ‬الفرنسى‭ ‬فوفنجارس‭ ‬قوله‭: ‬االكتاب‭ ‬الجيد‭ ‬حقًا‭ ‬والأصيل‭ ‬حقًا‭ ‬هو‭ ‬الكتاب‭ ‬الذى‭ ‬يجعل‭ ‬الناس‭ ‬تحب‭ ‬الحقائق‭ ‬القديمة،‭ ‬ثمة‭ ‬حقائق‭ ‬لن‭ ‬ينضب‭ ‬معناها‭ ‬أبدًا‭ ‬عبر‭ ‬أجيال‭ ‬البشر،‭ ‬ليس‭ ‬لأنها‭ ‬صعبة،‭ ‬بل‭ ‬بالعكس‭ ‬لأنها‭ ‬بسيطة‭ ‬للغاية‭ ‬فى‭ ‬الأغلبب‭. ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬لكى‭ ‬يُفهم‭ ‬معنى‭ ‬الحقائق‭ ‬القديمة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تُعاش‭ ‬وتُعاد‭ ‬معايشتها‭ ‬على‭ ‬الدوام‭. ‬نحن‭ ‬نقضى‭ ‬حياتنا‭ ‬نقرأ،‭ ‬أى‭ ‬نُـجـرِى‭ ‬تفسيرات‭ ‬لأشياء‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭. ‬لنسمّها‭ ‬أشياء‭ ‬غامضة‭ ‬أو‭ ‬رؤى‭ ‬وأحلام‭. ‬

فى‭ ‬اعتقادى‭ ‬ربما‭ ‬تكون‭ ‬حياة‭ ‬كل‭ ‬إنسان‭ ‬منا‭ ‬مكتوبة‭ ‬بلغة‭ ‬لا‭ ‬يفهمها،‭ ‬ومن‭ ‬ثـمّ‭ ‬فـهو‭ ‬فى‭ ‬حاجة‭ ‬إلى‭ ‬مترجم‭ ‬يفسّر‭ ‬له‭ ‬المكتوب‭. ‬الأدب‭ ‬هنا‭ ‬هــو‭ ‬المترجم،‭ ‬لكنه‭ ‬وَفق‭ ‬التعبير‭ ‬الشهير‭ ‬مترجم‭ ‬خائن‭ ‬لأنه‭ ‬ينقل‭ ‬روح‭ ‬النص‭ ‬الأصلي،‭ ‬غير‭ ‬متقيد‭ ‬بألـفاظه،‭ ‬لا‭ ‬يُخبركَ‭ ‬المترجم‭ ‬بكلمات‭ ‬النص‭ ‬الأصلي،‭ ‬بـل‭ ‬بروحـها،‭ ‬فيظل‭ ‬الإنسان‭ ‬طَوال‭ ‬حياته‭ ‬فى‭ ‬أشواط‭ ‬سعى‭ ‬بين‭ ‬نـص‭ ‬أصلى‭ ‬وآخر‭ ‬مـتـرجَـم‭. ‬

على‭ ‬ذكر‭ ‬توصية‭ ‬المؤلف‭ ‬بمدوامة‭ ‬الاحتفاظ‭ ‬بمقولات‭/‬أشعار‭/‬اقتباسات‭ ‬تعين‭ ‬المـرء‭ ‬على‭ ‬مـرور‭ ‬يـومِه،‭ ‬ثمة‭ ‬عبارة‭ ‬لم‭ ‬أنسَها‭ ‬لهنرى‭ ‬ميللر‭ ‬فى‭ ‬ثلاثية‭ ‬الصَلب‭ ‬الوردى‭ (‬بليكسوس‭ ‬بترجمة‭ ‬أسامة‭ ‬منزلجي‭) ‬تقول‭: ‬اوإذا‭ ‬كنتُ‭ ‬أقرأ‭ ‬كتابًا‭ ‬وتصادف‭ ‬أنى‭ ‬وقعت‭ ‬على‭ ‬فقرة‭ ‬رائعة،‭ ‬أغلق‭ ‬الكتاب‭ ‬على‭ ‬الفور‭ ‬وأخرج‭ ‬لأتمشى‭ [...] ‬المسألة‭ ‬ليست‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬روح‭ ‬شقيقة،‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬مسألة‭ ‬التعرف‭ ‬على‭ ‬ذاتك،‭ ‬أن‭ ‬تقف‭ ‬وجهًا‭ ‬لوجه‭ ‬مع‭ ‬ذاتك‭. ‬إنـكَ‭ ‬بإغلاقكَ‭ ‬الكتاب‭ ‬تواصل‭ ‬عملية‭ ‬الخلقب‭. ‬

وفق‭ ‬قراءتى‭ ‬فهذا‭ ‬العمل‭ ‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬اقــصّــاص‭ ‬أثرب‭ ‬يقوم‭ ‬بتعقّب‭ ‬آثار‭ ‬النصوص‭ ‬والأفكار‭ ‬القديمة‭ ‬ذات‭ ‬الطابع‭ ‬التأملى‭ ‬والروحانى‭ ‬فيحللها‭ ‬ويضعها‭ ‬داخل‭ ‬سياقها‭ ‬التاريخى‭ ‬،‭ ‬رابطًا‭ ‬إياها‭ ‬باللحظة‭ ‬الراهنة،‭ ‬مؤكدًا‭ ‬المقولة‭ ‬التى‭ ‬بدأتُ‭ ‬بها‭ ‬هذه‭ ‬المراجعة‭: ‬التأكيد‭ ‬على‭ ‬الحقائق‭ ‬القديمة‭ ‬للأجيال‭ ‬الجديدة،‭ ‬ومؤكدًا‭ ‬أن‭ ‬الفلسفات‭ ‬الحديثة‭ ‬حـولّت‭ ‬الفلسفة‭ ‬من‭ ‬فـنّ‭ ‬للعيش‭ ‬إلى‭ ‬خطابات‭ ‬تنظيرية‭ ‬جافة‭ ‬ومن‭ ‬ثم‭ ‬انصرف‭ ‬عنها‭ ‬الناس،‭ ‬مُتسائلًا‭: ‬لماذا‭ ‬نعود‭ ‬حتى‭ ‬اليوم‭ ‬إلى‭ ‬تأملات‭ ‬أوريليوس‭ ‬ومختصر‭ ‬إبكتيتوس‭ ‬واعترافات‭ ‬القديس‭ ‬أوغسطين؟‭ ‬

أودّ‭ ‬فى‭ ‬النهاية‭ ‬الإشارة‭ ‬إلى‭ ‬عبارة‭ ‬مهمة‭ ‬أخذها‭ ‬المؤلفُ‭ ‬من‭ ‬الفيلسوف‭ ‬الفرنسى‭ ‬الكبير‭ ‬هنرى‭ ‬برجسون‭ ‬تقول‭: ‬اتقتضى‭ ‬الحياة‭ ‬أن‭ ‬نضع‭ ‬غمائم‭ ‬على‭ ‬أعيننا‭ ‬فلا‭ ‬ننظر‭ ‬يمينًا‭ ‬ولا‭ ‬شمالًا‭ ‬ولا‭ ‬وراءً،‭ ‬بل‭ ‬أن‭ ‬ننظر‭ ‬أمامنا‭ ‬فحسب،‭ ‬فى‭ ‬الاتجاه‭ ‬الذى‭ ‬يُفترض‭ ‬أن‭ ‬نسير‭ ‬فيه‭. ‬لكى‭ ‬نعيش‭ ‬علينا‭ ‬أن‭ ‬نكون‭ ‬انتقائيين‭ ‬فى‭ ‬معرفتنا‭ ‬وذاكرتنا،‭ ‬ولا‭ ‬نحتفظ‭ ‬إلا‭ ‬بما‭ ‬يُسهم‭ ‬فى‭ ‬فعلنا‭ ‬للأشياءب‭. ‬

بمرور‭ ‬الأيام‭ ‬وتراكم‭ ‬الخبرة‭ ‬يتحجّـر‭ ‬الذوق‭ ‬الجمالى‭ ‬للإنسان‭ ‬وتنضج‭ ‬بصيرته‭ ‬ويصير‭ ‬انتقـائـيًا‭ ‬بشكل‭ ‬صارخ،‭ ‬فيُعاود‭ ‬قراءة‭ ‬نصوص‭ ‬بعينها‭ ‬ومؤلفين‭ ‬بعينهم،‭ ‬فالحياة‭ ‬أقصر‭ ‬من‭ ‬احتمال‭ ‬قراءة‭ ‬كتاب‭ ‬رديء‭ ‬كما‭ ‬قال‭ ‬جويس‭. ‬وكأن‭ ‬النضـج‭ ‬فتاة‭ ‬جميلة‭ ‬مُدللة‭ ‬لا‭ ‬تأتى‭ ‬إلا‭ ‬متأخرًا‭ ‬وعلى‭ ‬الجميع‭ ‬انتظارها‭. ‬ربما‭ ‬يكون‭ ‬ذلك‭ ‬لونًا‭ ‬من‭ ‬ألوان‭ ‬التدريبات‭ ‬الروحية‭ ‬بحسب‭ ‬عنوان‭ ‬كتابنا،‭ ‬أو‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬تدريبًا‭ ‬على‭ ‬ضرورة‭ ‬أن‭ ‬ينتقى‭ ‬الإنسان‭ ‬ما‭ ‬يقرأ،‭ ‬أن‭ ‬يتأمل‭ ‬أكثر،‭ ‬أن‭ ‬يدقق‭ ‬فى‭ ‬اختيار‭ ‬الكتب‭ ‬وفى‭ ‬اختيار‭ ‬البشر‭ ‬أيضًا‭. ‬

نصوص النديم الشعرية والنثرية

صدر‭ ‬مؤخراً‭ ‬عن‭ ‬دار‭ ‬المرايا‭ ‬للإنتاج‭ ‬الثقافى‭ ‬انصوص‭ ‬عبدالله‭ ‬النديمب‭ ‬فى‭ ‬جزئين‭ ‬يتضمنان‭ ‬الديوان‭ ‬الشعرى‭ ‬والآثار‭ ‬النثرية‭ ‬الكاملة،‭ ‬جمع‭ ‬وتحقيق‭ ‬وتصوير‭ ‬د‭. ‬علاء‭ ‬الدين‭ ‬محمود‭.‬

يحتوى‭ ‬الجزء‭ ‬الأول‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬إنتاج‭ ‬عبدالله‭ ‬النديم‭ ‬الشعرى،‭ ‬شعراً‭ ‬وزجلاً،‭ ‬والذى‭ ‬ضاع‭ ‬منه‭ ‬الكثير،‭ ‬مما‭ ‬اضطر‭ ‬الباحث‭ ‬إلى‭ ‬خوض‭ ‬رحلة‭ ‬بحثية‭ ‬طويلة‭ ‬لجمع‭ ‬المتبقى‭ ‬وتحقيقه‭ ‬فى‭ ‬ضوء‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬السياقات،‭ ‬كالسياسى‭ ‬والاجتماعى‭ ‬والثقافى،‭ ‬كما‭ ‬قسّم‭ ‬النصوص‭ ‬إلى‭ ‬عدة‭ ‬فصول‭ ‬منها‭: ‬المدائح‭ ‬والاستغاثات‭ ‬النبوية،‭ ‬شعر‭ ‬الوطنية‭ ‬والسياسة‭ ‬والثورة،‭ ‬الغزل‭. ‬الوصف،‭ ‬شعر‭ ‬الحكمة،‭ ‬شعر‭ ‬المناسبات،‭ ‬الذّم‭ ‬والهجاء،‭ ‬الألغاز،‭ ‬منوعات،‭ ‬الأزجال،‭ ‬ومن‭ ‬مسرحية‭ ‬االوطن‭ ‬وطالع‭ ‬التوفيقب‭.‬

أما‭ ‬الجزء‭ ‬الثانى‭ ‬فيضم‭ ‬أربعة‭ ‬أقسام‭ ‬وملحقاً،‭ ‬هى‭: ‬مقالات‭ ‬لم‭ ‬تُنشر‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬فضل‭ ‬من‭ ‬مسرحية‭ ‬االوطن‭ ‬وطالع‭ ‬التوفيقب‭ ‬الرسائل‭ ‬الأدبية‭ ‬خمس‭ ‬رسائل‭ ‬من‭ ‬النديم‭ ‬إلى‭ ‬عرابى،‭ ‬والهدف‭ ‬منها‭ ‬استعراض‭ ‬ما‭ ‬خطّه‭ ‬قلم‭ ‬النديم‭ ‬طوال‭ ‬حياته‭ ‬المهنية‭ ‬فى‭ ‬حقل‭ ‬الكتابة‭ ‬النثرية‭ ‬صحفياً‭ ‬ومسرحياً،‭ ‬إلى‭ ‬جانب‭ ‬رسائله‭ ‬التى‭ ‬وصفها‭ ‬بعض‭ ‬الدارسين‭ ‬بالمقامات‭ ‬الإخوانية،‭ ‬وكذا‭ ‬ما‭ ‬نُشر‭ ‬عن‭ ‬عبدالله‭ ‬النديم‭ ‬من‭ ‬دراسات‭ ‬متنوعة‭ ‬سواء‭ ‬باللغة‭ ‬العربية‭ ‬أو‭ ‬الإنجليزية‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬اللغات‭.‬

وُلد‭ ‬عبدالله‭ ‬النديم‭ ‬فى‭ ‬الإسكندرية‭ ‬وشغل‭ ‬بعض‭ ‬الوظائف‭ ‬وأنشأ‭ ‬الجمعية‭ ‬الخيرية‭ ‬الإسلامية،‭ ‬وبدأ‭ ‬بكتابة‭ ‬المقالات‭ ‬فى‭ ‬جريدتى‭ ‬االمحروسةب‭ ‬واالعصر‭ ‬الجديدب‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يصدر‭ ‬جريدة‭ ‬االتنكيت‭ ‬والتبكيتب،‭ ‬وبعد‭ ‬قيام‭ ‬الثورة‭ ‬العرابية‭ ‬صار‭ ‬واحداً‭ ‬من‭ ‬كبار‭ ‬خطبائها‭ ‬وعرّضه‭ ‬ذلك‭ ‬لأزمات‭ ‬سياسية‭ ‬مع‭ ‬الملك‭ ‬اضطرته‭ ‬للهروب‭ ‬عشر‭ ‬سنوات‭ ‬ثم‭ ‬حبسه‭ ‬سنة‭.‬

علاء‭ ‬الدين‭ ‬محمود‭ ‬أكاديمى‭ ‬ومترجم‭ ‬مصرى‭ ‬حاصل‭ ‬على‭ ‬الدكتوراة‭ ‬فى‭ ‬الأدب‭ ‬المتقارن‭ ‬بكلية‭ ‬الألسن‭ ‬جامعة‭ ‬عين‭ ‬شمس،‭ ‬مهتم‭ ‬بحثياً‭ ‬بأدب‭ ‬النهضة‭ ‬العربية‭ ‬الحديثة‭ ‬وفنونها‭ ‬وتاريخا‭ ‬الثقافى،‭ ‬وقد‭ ‬تجلى‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬انصوص‭ ‬النديمب‭ ‬إذ‭ ‬يكشف‭ ‬عن‭ ‬فترة‭ ‬زمنية‭ ‬مهمة‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬مصر‭ ‬الحديث‭ ‬وهى‭ ‬الثورة‭ ‬العرابية‭ ‬وأحداثها‭ ‬ومآلاتها‭.‬

أحمد سليم يعيد تقديم

اللهجة السيناوية فى "غالية"

أصدرت‭ ‬دار‭ ‬االمسكب‭ ‬رواية‭ ‬اغاليةب‭ ‬للكاتب‭ ‬أحمد‭ ‬سليم‭ ‬وقدم‭ ‬لها‭ ‬الدكتور‭ ‬ياسر‭ ‬ثابت‭ ‬مؤكدا‭ ‬أنها‭ ‬عمل‭ ‬إبداعى‭ ‬يحمل‭ ‬للقارىء‭ ‬فكرة‭ ‬جديدة،‭ ‬ذات‭ ‬بنيان‭ ‬متماسك‭ ‬ولغة‭ ‬سردية‭ ‬متدفقة،‭ ‬يقف‭ ‬وراءها‭ ‬روائى‭ ‬شاب‭ ‬أجاد‭ ‬نقل‭ ‬المجتمع‭ ‬السيناوى‭ ‬بطريقة‭ ‬مميزة‭.‬

وأضاف‭: ‬االلافت‭ ‬للانتباه‭ ‬هو‭ ‬إجادة‭ ‬الروائى‭ ‬توظيف‭ ‬اللهجة‭ ‬السيناوية‭ ‬ونجاحه‭ ‬فى‭ ‬نقل‭ ‬ثقافة‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬بعد‭ ‬جريمة‭ ‬بئر‭ ‬العبدب‭ ‬مؤكدا‭ ‬أن‭ ‬عبارة‭ ‬اهنا‭ ‬فى‭ ‬سيناء‭ ‬شيء‭ ‬ما‭ ‬خفى‭ ‬غير‭ ‬معلوم‭ ‬لأى‭ ‬أحد‭ ‬ولكنه‭ ‬محسوس‭ ‬للجميعب‭ ‬تلخص‭ ‬كل‭ ‬شىء،‭ ‬وتوضح‭ ‬معنى‭ ‬تعمق‭ ‬الروائى‭ ‬فى‭ ‬حكايته،‭ ‬حتى‭ ‬وهو‭ ‬يردد‭ ‬رثاء‭ ‬الموتى‭ ‬على‭ ‬لسان‭ ‬أبطاله،‭ ‬مثبتا‭ ‬أن‭ ‬الحكاية‭ ‬هى‭ ‬جوهر‭ ‬التخييل،‭ ‬وأن‭ ‬المغامرة‭ ‬هى‭ ‬طغيان‭ ‬الصدفة‭ ‬أو‭ ‬القدر‭ ‬فى‭ ‬الحياة‭ ‬اليومية،‭ ‬حيث‭ ‬يقدم‭ ‬فى‭ ‬سردية‭ ‬ممتعة‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يدفعنا‭ ‬إلى‭ ‬تأمل‭ ‬الموت،‭ ‬سواء‭ ‬أكان‭ ‬هذا‭ ‬الموت‭ ‬ممكنا،‭ ‬أو‭ ‬محتملا،‭ ‬أو‭ ‬حاضرا‭.‬

يهدى‭ ‬أحمد‭ ‬سليم‭ ‬روايته‭ ‬التى‭ ‬تقع‭ ‬فى‭ ‬248‭ ‬صفحة‭ ‬من‭ ‬القطع‭ ‬المتوسط‭ ‬إلى‭ ‬أمه‭ ‬ويبدأها‭ ‬بهذه‭ ‬الجمل‭: ‬اانفض‭ ‬الجميع‭ ‬من‭ ‬حولنا،‭ ‬وعادوا‭ ‬إلى‭ ‬بيوتهم‭ ‬يلفهم‭ ‬الصمت‭ ‬وقت‭ ‬أن‭ ‬لملمت‭ ‬المدينة‭ ‬أطرافها‭ ‬وتلحفت‭ ‬برداء‭ ‬الليلب‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة