اللوحات للفنانة: رشا المازن
قبل اللعنة بمحطة
الثلاثاء، 20 أبريل 2021 - 11:43 ص
كتب/ روبير الفارس
انزلقت روح رويد الفارس المكون لـ أُكرة باب الكهف الأسود فى بطن المقطم الشامخ. تعثرت فى بضع حصوات رمادية اللون محدبة الأطراف.ارتعشت قليلا مفسحة الطريق لأفعى شرسة تثير الضحك لإتقان دورها الأبدى فى بث الرعب.أسرعت الروح بدق رأسها فاختلط دمها الأزرق بالسم الغليظ وانتج المزيج شرارة أضاءت الكون وفتحت باب الكهف. فخرجت أفعتان فى ملابس حداد برتقالية زاهية. اقتربتا بوقار من جثة خالتهما العذراء. واشتعل الثلاثة فى حريق حزين على ضوئه استيقظت دودة تلعن عدم احترام النوم وانطلقت فى سباب وقح متواصل. ثم ابتلعت رماد الثلاث جثث فى لقمة واحدة بعدها شعرت بجفاف الحلق فعطف عليها إخناتون وقدم لها كأسٱ من اللبن الرائب. فشربته وعادت للنوم العميق .
- كم أنت طيب القلب يا إخناتون
همست هيباتيا
- وهل دخل هذا الكهف غير الطيبين يا فيلسوفة البحر
ابتسمت وعادت إلى حزنها المعتاد فاقترب آريوس الهرطوقى صارخٱ
-لا تصطاد فى الماء العكر يا إخناتون بين النار والأفاعى والصخور مملكة لا يدخلها غير الصادقين المرفوضين من ال..
قاطعه إخناتون
-لا ترفع الألقاب يا آريوس الهرطوقى. أحذرك أنا ملك مصر الأعظم.
فقال آريوس ضاحكٱ
-وهل يفيدك اللقب فى كهف محفور ببطن المقطم محبوسٱ مثل جنين حرام فى رحم زمن لا يرق. ثم أنت أيضٱ لقبت بالهرطوقى
صرخ إخناتون
-احترم نفسك يا آريوس أنا ابن آتون
نفض الحاكم بأمر الله عباءته وقام غاضباً
-لعنة الله عليكم يا هراطقة الكهف الضائع ألا يوجد منكم من يحترم النوم غير هذه الدودة السمينة. الصراع المعتاد على المرأة الجميلة إخناتون يتودد إلى هيباتيا وهى تبغى الانتقام من المجرمين الذين قطعوها إربٱ وسحلوها فى شوارع الإسكندرية. و إخناتون لا يؤمن بالانتقام ولذلك هو الآخر قطَّعوه بالسكاكين الحجرية أى أن الذى يجمعهما هو التمزق ! أما آريوس الهرطوقى فقد دُسَ له السم فى الطعام حتى انسكبت أمعاؤه مع فضلاته أى موت مختلف لكن غير رومانسى .كلكم قتلى
ورد آريوس ضاغطٱ على بطنه لإسكات ذكرى الوجع
_ وهل نجوت أنت ألم تقتل بالخناجر وتم رميك فى هذا الكهف
تنهد الحاكم غاضبٱ
_ لكنى الوحيد فيكم من تنتظر الجموع عودته
قالت هيابتيا
_ الجموع قتلونا ولا ينتظرون أحدٱ
ضحك إخناتون
_ قطعان لا تعرف الانتظار تسعى لراحة البطن ونوم العقل ولذة اللحم
اصطاد آريوس عنكبوتٱ ضخمٱ كان فى طريقه لإخافة هيباتيا وقال وهو يفعصه
- أنا أطلب يدك يا هيباتيا الآن بشكل رسمى أنا أقرب منك من أى شخص لأن الجهة التى قتلتنا واحدة
اغتاظ اخناتون وتبلل ثوبه الأبيض بالعرق البارد
لكنى فيلسوف مثلها
تمتمت هيباتيا
_ قبل اللعنة تمرد .بعد اللعنة مجد
تعالى الشجار حتى استيقظت الدودة السمينة من جديد ونظرت بعينيها المرعبة إلى إخناتون وارتفع صوتها فظهرت جدران معبد فرعونى وأخذت تقرأ بالهيروغليفية
“ضفائرها سنابل قمح فى عيونه للأبد.. بدعوات الأم المقدسة تكون مخلصة كإيزيس وأنت حكيم كحورس ويبعد عنكما كل «ست» ببركة «رع”.
- هل نسيت الدعاء؟ سألته وهى تغلف حروفها بحرير الدموع.. أخذ يدها بقلبه وتنهد بعمق العتمة الكامنة فى داخله. أهلك يعبدون آمون وأهلى يتعبدون لآتون فانفجرت فى غيظ – وما ذنبنا!؟.
فقال ولماذا لا تغيرون عقيدتكم وينتهى الأمر؟
- لماذا نغير؟! أنت هو أنت.. عيناك اللتان رضعتهما يوم سبوعى مازالتا تصليان فى دمي.. وجسدك القوى مازال مثالاً للذين ينحتون تماثيل الآلهة.. وأنا هى أنا يلمع فى عينى ماء القمر.. ويذوب فى ثنايا أنوثتى عصب المعابد التينة وقاطعها فى حدة.
- ولكن إخناتون
ولم تستطع أن تكتم زمام لسانها
- عليه اللعنة!! لقد زرع الفرقة والتعصب.. قبله. كان كل من شاء يعبد ما يشاء.. فلماذا يريد أن يفرض إلهاً بالقوة علينا.. فاحمرت روحه فى داخله وثار قائلاً:
- عليك أن تختارى إما أنا أو آمون
وأجابته بنفس الحدة:
- وأنا أستطيع أن أقول مثلك.. إما أنا أو آتون.. ولكنى أذكرك بأن إلهى هو إلهك مع اختلاف الأحرف. وإلهى هو الذى علمنى أن أحبك.
- وأنا نفس الشيء. قالها وهو ينصرف
بعد عدة أيام حرق أتباع آتون معبداً لأتباع آمون أثناء الصلاة وهم يهتفون «آمون هس اخرس بس».. وعندما علم بما جرى هرع إلى حطام المعبد، وأخذ يفتش بقلب متفحم بين الجثث المتناثرة. فوجد الضفيرة السنبلية وبها رسم حديدى لأول حروف اسمه ملقاة تحت أقدام رئيس الكهنة . نقاء عقلك قاد نفرتيتى إلى خيانتك فساعدت الشعب الجاهل فى تقطيعك .كانت القتيلة ابنة شقيقتها.
صمتت الدودة قليلٱ ثم نظرت إلى هيابتيا وظهر رف من مكتبة الإسكندرية القديمة فمدت يدها إلى صفحة حوافها محروقة وأخذت تقرأ باللغة اليونانية
“ اشتعل الشماس بطرس فى غرامك ولم يجد غير الصد .حاول أن يتتلمذ على فلسفتك عجز عقله عن إدراكك .هو رجل يعشق جسدٱ بضٱ معجونٱ بالعسل الأبيض وشعلة النار .وقف يناقشك فكشفتى جهله وصار أضحوكة الإسكندرية كلها من الميناء إلى الصحراء. صار مجنونٱ مطاردٱ من النكات عارية المؤخرة. وقع فى جحر وحجر كيرلس الكبير الذى أغراه بقتلك. كان يحلم يكشف الثوب عن روعة البدن السماوى .فكشفه ليمزقه ويخلط دمه بملح البحر .
ولم تهدأ الدودة عاشقة النوم فنظرت نفس النظرات المتوحشة إلى آريوس وقرأت من وعاء قديم جملٱ باللغة القبطية
“بين الآب والابن زمن. كانت هذه ترنيمة عقلك الأثيرة التى قلبت بها المدينة بل والعالم القديم .ورغم ترديدك لكلمة الابن مئات المرات فى اليوم الواحد .نسيت الابن الذى وضعته فى غمرة اللذة جنينٱ فى رحم هيابتيا الثانية .طاردتك فى كل مكان تطلب لقمة واسمٱ للابن المولود بلا أب .لكنك لم تحن أو تشفق لحظة على المسكين ابن مذود البقر الذى لم يكن له أين يسند رأسه .لذلك نمت بسهولة فى قصر الشيخ العجوز صانع السم الذى مزقك يوم العشاء الأخير “
وبالعربية قرأت الدودة مخطوطة عن الحاكم
“تآمرت شقيقتك على قتلك لأنها كانت تعشق الملوخية التى منعت زرعها وطبخها .لم تكن ست الملك تجيد طبخ وجبة سواها .كاد الجوع للشهقة المحببة أن يقتلها .فقتلتك “
صرخوا الأربعة فى صوت واحد « اللعنة . هذا ليس تاريخنا « وأسرع الحاكم فأشعل النار فى الدودة السمينة فاشتمت الصخور رائحة الشواء .فسقطت أحجار ضخمة قاتلة عدد من أهالى الدويقة .
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة