د‭. ‬أحمد‭ ‬زايد
د‭. ‬أحمد‭ ‬زايد


تراث الاستعلاء.. بين الثقافة والتدين

أخبار الأدب

الثلاثاء، 11 مايو 2021 - 10:25 ص

د‭. ‬أحمد‭ ‬زايد

عندما‭ ‬طلب‭ ‬منى‭ ‬صديقى‭ ‬العزيز‭ ‬الأستاذ‭ ‬علاء‭ ‬عبدالهادى‭ ‬أن‭ ‬أكتب‭ ‬عن‭ ‬كتاب‭ ‬تراث‭ ‬الاستعلاء‭ (‬الذى‭ ‬فاز‭ ‬بجائزة‭ ‬الشيخ‭ ‬زايد‭ ‬هذا‭ ‬العام‭) ‬لم‭ ‬أتردد‭ ‬ولا‭ ‬أقل‭ ‬من‭ ‬دقيقة،‭ ‬فجل‭ ‬ما‭ ‬يسعد‭ ‬الأستاذ‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يرى‭ ‬تلاميذه‭ ‬وقد‭ ‬شبوا‭ ‬عن‭ ‬الطوق‭ ‬وأصبحت‭ ‬لهم‭ ‬أسماء‭ ‬بارقة‭ ‬وقامات‭ ‬كبيرة،‭ ‬ولقد‭ ‬كان‭ ‬سعيد‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬زميلاً‭ ‬نجيباً‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬رأيته‭ ‬أول‭ ‬مرة‭ ‬فى‭ ‬قاعة‭ ‬المحاضرات‭ ‬فى‭ ‬نهاية‭ ‬العقد‭ ‬الثامن‭ ‬من‭ ‬القرن‭ ‬الماضى‭ (‬وكنت‭ ‬عائداً‭ ‬من‭ ‬بعثة‭ ‬لمدة‭ ‬عامين‭ ‬فى‭ ‬انجلترا‭). ‬لقد‭ ‬كان‭ ‬وزملاؤه‭ ‬الثلاثة‭ ‬الذين‭ ‬رحلوا‭ ‬عن‭ ‬دنيانا‭ ‬مبكراً،‭ ‬من‭ ‬أنصع‭ ‬العقول‭ ‬الواعدة‭. ‬وظلت‭ ‬العلاقة‭ ‬منذ‭ ‬هذا‭ ‬الوقت‭ ‬المبكر‭ (‬كان‭ ‬فى‭ ‬السنة‭ ‬الثانية‭ ‬بقسم‭ ‬الاجتماع‭) ‬علاقة‭ ‬علمية‭ ‬وإنسانية‭ ‬متميزة،‭ ‬تتبادل‭ ‬فيها‭ ‬الافكار‭ ‬والعمل‭ ‬المشترك‭ ‬كما‭ ‬تتبادل‭ ‬الهموم‭ ‬والنصيحة‭. ‬ولقد‭ ‬كانت‭ ‬سعادتى‭ ‬بالغة‭ ‬بحصول‭ ‬كتابه‭ ‬على‭ ‬الجائزة،‭ ‬وقد‭ ‬هنأته‭ ‬قائلاً‭: ‬أنها‭ ‬جائزة‭ ‬للمدرسة‭ ‬التى‭ ‬تعلم‭ ‬فيها،‭ ‬ولكل‭ ‬علماء‭ ‬الاجتماع‭ ‬المخلصين‭ ‬لعلمهم،‭ ‬وللوطن‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬ومن‭ ‬بعد‮»‬‭ ‬ولعل‭ ‬ذلك‭ ‬يجعلنى‭ ‬أحيد‭ ‬قليلاً‭ ‬عما‭ ‬طلبه‭ ‬منى‭ ‬الصديق‭ ‬الأستاذ‭ ‬علاء‭ ‬عبدالهادى‭ ‬بأن‭ ‬أكتب‭ ‬مقالاً‭ ‬نقدياً‭ ‬للكتاب‭. ‬ففى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬المناسبة‭ ‬لا‭ ‬يكون‭ ‬النقد‭ ‬مطلوباً،‭ ‬قدر‭ ‬ما‭ ‬يكون‭ ‬التقريظ‭ ‬وتسليط‭ ‬الضوء‭ ‬على‭ ‬أهمية‭ ‬النص‭ ‬وما‭ ‬يصبو‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬محاولات‭ ‬للفهم‭ ‬السوسيولوجى‭.‬

وسوف‭ ‬أتوجه‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬لفت‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬قضيتين‭ ‬هامتين‭ ‬تطلان‭ ‬برأسهما‭ ‬عبر‭ ‬قراءة‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب،‭ ‬القضية‭ ‬الأولى‭ ‬هى‭ ‬قضية‭ ‬منهجية‭ ‬تتعلق‭ ‬بمنهج‭ ‬التحليل‭ ‬الثقافى‭ ‬الذى‭ ‬اتبعه‭ ‬الكتاب،‭ ‬وهو‭ ‬يدخل‭ ‬تحت‭ ‬باب‭ ‬التحليل‭ ‬الثقافى‭ ‬النقدى‭ ‬الذى‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يفكك‭ ‬العناصر‭ ‬الثقافية،‭ ‬ويكتشف‭ ‬ما‭ ‬فيها‭ ‬من‭ ‬دلالات،‭ ‬أملاً‭ ‬فى‭ ‬اكتشاف‭ ‬ما‭ ‬تؤدى‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬تكبيل‭ ‬حركة‭ ‬المجتمع‭ ‬وصيرورة‭ ‬تقدمه‭. ‬ويأمل‭ ‬الباحث‭ ‬من‭ ‬توخى‭ ‬هذا‭ ‬المنهج‭ ‬أن‭ ‬يلتزم‭ ‬بأكاديمية‭ ‬البحث‭ ‬الانثربولوجى‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬والدور‭ ‬الذى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يلعبه‭ ‬هذا‭ ‬البحث‭ ‬فى‭ ‬الوعى‭ ‬بمكبلات‭ ‬الوجود‭ ‬الإنسانى،‭ ‬وكوابح‭ ‬الانطلاق‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬أما‭ ‬القضية‭ ‬الثانية‭ ‬فإنها‭ ‬ترتبط‭ ‬بالموضوع،‭ ‬الذى‭ ‬يتمحور‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬حول‭ ‬ما‭ ‬أسماه‭ ‬المؤلف‭ ‬تراث‭ ‬الاستعلاء‭ ‬حيث‭ ‬يدور‭ ‬السؤال‭ ‬الأساسى‭ ‬فى‭ ‬البحث‭ ‬عن‭ ‬الطرق‭ ‬التى‭ ‬ينتج‭ ‬بها‭ ‬هذا‭ ‬التراث،‭ ‬والتى‭ ‬يستمر‭ ‬بها‭ ‬فى‭ ‬الوجود‭. ‬ويوحى‭ ‬استخدام‭ ‬كلمة‭ ‬الاستعلاء‭ ‬بأن‭ ‬هذا‭ ‬التراث‭ ‬هو‭ ‬تراث‭ ‬كابح‭ ‬أو‭ ‬هو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬تراث‭ ‬يؤطر‭ ‬لثقافة‭ ‬تطل‭ ‬على‭ ‬العالم‭ ‬من‭ ‬أعلى،‭ ‬وتفرض‭ ‬صوراً‭ ‬من‭ ‬الاستعلاء‭ ‬على‭ ‬الآخرين،‭ ‬عبر‭ ‬مجليات‭ ‬يمكن‭ ‬اكتشافها‭ ‬فى‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وفى‭ ‬أساليب‭ ‬التدين‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬

لقد‭ ‬شكل‭ ‬هذان‭ ‬المحوران،‭ ‬الثقافة‭ ‬الشعبية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬والدين‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬الشغل‭ ‬الشاغل‭ ‬لفصول‭ ‬الكتاب‭ ‬المتتالية،‭ ‬وكما‭ ‬هو‭ ‬شائع‭ ‬فى‭ ‬الدراسات‭ ‬السوسيولوجية‭ ‬والانثربولوجية‭ ‬فإن‭ ‬المؤلف‭ ‬يبدأ‭ ‬كتابه‭ ‬بمقاربات‭ ‬نظرية‭ ‬حول‭ ‬التميز‭ ‬الثقافى،‭ ‬فنعرف‭ ‬المفهوم‭ ‬ومقابله‭ ‬بمفهوم‭ ‬العدالة‭ ‬الثقافية،‭ ‬وجادل‭ ‬حول‭ ‬بعض‭ ‬الأطروحات‭ ‬النظرية‭ ‬فى‭ ‬فهم‭ ‬التمييز‭ ‬الثقافى،‭ ‬مثل‭ ‬التصنيفات‭ ‬المعرفية،‭ ‬والتعصب‭ ‬الاجتماعى،‭ ‬والعنصرية‭ ‬الثقافية،‭ ‬وهى‭ ‬ثلاثة‭ ‬مستويات‭ ‬من‭ ‬التمييز‭ ‬تتراتب‭ ‬بعضها‭ ‬فوق‭ ‬بعض‭ ‬لتنتج‭ ‬رؤية‭ ‬نظرية‭ ‬لعمليات‭ ‬التمييز‭ ‬الثقافى‭ ‬والتى‭ ‬تتجلى‭ ‬فى‭ ‬صور‭ ‬بسيطة‭ ‬كالعداء‭ ‬اللفظى‭ ‬وتتدرج‭ - ‬وفقاً‭ ‬لرأى‭ ‬البورت‭ ‬–‭ ‬إلى‭ ‬عمليات‭ ‬التحاشى،‭ ‬والفصل‭ ‬والاعتداء‭ ‬الجسدى‭ ‬ثم‭ ‬أخيراً‭ ‬الإبادة‭. ‬ولقد‭ ‬مكنت‭ ‬هذه‭ ‬العدّة‭ ‬النظرية‭ ‬المؤلف‭ ‬من‭ ‬أن‭ ‬يحدد‭ ‬مقصده‭ ‬بدقة،‭ ‬بإشارة‭ ‬واضحة‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬جل‭ ‬الدراسات‭ ‬الدائرة‭ ‬حول‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬تبرز‭ ‬العناصر‭ ‬الإيجابية‭ ‬فيه،‭ ‬ولا‭ ‬تكشف‭ ‬عن‭ ‬الاتجاهات‭ ‬التعصبية‭ ‬اللاوعيية‭. ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬هذا‭ ‬هو‭ ‬مقصد‭ ‬الكتاب‭ ‬برمته‭ ‬بأن‭ ‬يلفت‭ ‬النظر‭ ‬إلى‭ ‬الطرق‭ ‬المختلفة‭ ‬التى‭ ‬يعاد‭ ‬بها‭ ‬إنتاج‭ ‬هذه‭ ‬الاتجاهات‭ ‬التعصبية،‭ ‬والتى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬تؤشر‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬ورد‭ ‬فى‭ ‬عنوان‭ ‬الكتاب،‭ ‬أقصد‭ ‬تراث‭ ‬الاستعلاء‭ ‬وجاءت‭ ‬فصول‭ ‬الكتاب‭ ‬المتتالية‭ ‬تبحث‭ ‬هذه‭ ‬الاتجاهات‭ ‬عبر‭ ‬التركيز‭ ‬على‭ ‬مجال‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬ومجال‭ ‬الحقل‭ ‬الدينى‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭.‬

ولقد‭ ‬حظى‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬بفصلين‭ ‬من‭ ‬فصول‭ ‬الكتاب‭ ‬تناول‭ ‬أحدهما‭ ‬صور‭ ‬التمييز‭ ‬الثقافى‭ ‬حيث‭ ‬تسيطر‭ ‬الثقافة‭ ‬الذكورية،‭ ‬وتسود‭ ‬النظرة‭ ‬الدونية‭ ‬للشباب،‭ ‬والتمييز‭ ‬بين‭ ‬الناس‭ ‬فى‭ ‬ضوء‭ ‬المكانة‭ ‬والطبقة،‭ ‬والتعصب‭ ‬الدينى،‭ ‬والنزعة‭ ‬العنصرية‭ ‬التميزية‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬اللون‭ ‬والنسب‭ ‬والموقع‭ ‬الجغرافي‭. ‬وتناول‭ ‬الفصل‭ ‬الآخر‭ ‬التراث‭ ‬الثقافى‭ ‬والتعليم،‭ ‬كاشفاً‭ ‬عن‭ ‬العلاقة‭ ‬الإشكالية‭ ‬بينهما‭ ‬حيث‭ ‬لعب‭ ‬التراث‭ ‬دوراً‭ ‬كبيراً‭ ‬فى‭ ‬نقل‭ ‬المعارف‭ ‬واكتساب‭ ‬المهارات‭ ‬وبناء‭ ‬الشخصية،‭ ‬وحيث‭ ‬تحول‭ ‬التعليم‭ ‬الدينى‭ ‬إلى‭ ‬سلطة‭ ‬على‭ ‬التراث،‭ ‬وحيثما‭ ‬شكل‭ ‬التراث‭ ‬أداة‭ ‬للصراع‭ ‬والتنازع‭ ‬داخل‭ ‬المنظومة‭ ‬التعليمية‭ ‬الحديثة‭.‬

أما‭ ‬الدين‭ ‬فقد‭ ‬حظى‭ ‬بأربعة‭ ‬فصول‭ ‬جاء‭ ‬الأول‭ ‬منها‭ ‬بعنوان‭: ‬تراث‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامى‭ ‬المتخيل‭ ‬واستعادة‭ ‬الماضى،‭ ‬ويقدم‭ ‬تحليلاً‭ ‬لفكر‭ ‬المجتمع‭ ‬الإسلامى‭ ‬كما‭ ‬يظهر‭ ‬فى‭ ‬مخيال‭ ‬رجال‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسى،‭ ‬والممارسات‭ ‬المختلفة‭ ‬التى‭ ‬تعكس‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬المتخيل‭ ‬وتعدد‭ ‬طرائق‭ ‬الخيال‭ ‬حول‭ ‬هذا‭ ‬المجتمع‭ ‬مع‭ ‬وجود‭ ‬عناصر‭ ‬مشتركة‭ ‬بين‭ ‬هذه‭ ‬الصور‭ ‬المتعددة،‭ ‬وهى‭ ‬مسارات‭ ‬متعددة‭ ‬رغم‭ ‬تمحورها‭ ‬حول‭ ‬صورة‭ ‬واحدة‭. ‬وخلص‭ ‬المؤلف‭ ‬فى‭ ‬الفصل‭ ‬الآخر‭ ‬لتحليل‭ ‬المجتمع‭ ‬البدوى‭ ‬معتمداً‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬ميدانية‭ ‬لمجتمع‭ ‬بدوى،‭ ‬وقد‭ ‬ركز‭ ‬هذا‭ ‬الفصل‭ ‬على‭ ‬موضوعات‭ ‬هامة‭ ‬تتصل‭ ‬بعلاقة‭ ‬الدين‭ ‬بالبداوة،‭ ‬والطرق‭ ‬التى‭ ‬تم‭ ‬بها‭ ‬اسلمة‭ ‬المجتمع‭ ‬البدوى‭ ‬تاريخياً،‭ ‬والأساليب‭ ‬المستحدثة‭ ‬للحركة‭ ‬الإسلامية‭ ‬فى‭ ‬المجتمع‭ ‬البدوى،‭ ‬والدور‭ ‬الذى‭ ‬تلعبه‭ ‬النخبة‭ ‬الدينية‭ ‬البدوية‭ ‬فى‭ ‬محاربة‭ ‬جاهلية‭ ‬المجتمع‭ ‬البدوى‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬وجاهلية‭ ‬الحداثة‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى،‭ ‬والدور‭ ‬الذى‭ ‬يلعبه‭ ‬القضاء‭ ‬البدوى‭ ‬فى‭ ‬تأسيس‭ ‬القضاء‭ ‬على‭ ‬أسس‭ ‬دينية‭. ‬وفى‭ ‬مقابل‭ ‬التحليل‭ ‬الذى‭ ‬تم‭ ‬تقديمه‭ ‬حول‭ ‬المجتمع‭ ‬المتخيل،‭ ‬وتجليات‭ ‬التدين‭ ‬البدوى،‭ ‬جاء‭ ‬الفصلان‭ ‬الأخيران‭ ‬ليقدما‭ ‬مناقشة‭ ‬حول‭ ‬موضوعين‭ ‬هامين‭ ‬هما‭: ‬معضلة‭ ‬المجال‭ ‬الدينى‭ ‬فى‭ ‬مصر،‭ ‬مع‭ ‬إشارة‭ ‬خاصة‭ ‬إلى‭ ‬علاقته‭ ‬بالدولة‭ ‬والمشكلات‭ ‬الناتجة‭ ‬عن‭ ‬هذه‭ ‬العلاقة،‭ ‬ثم‭ ‬الفصل‭ ‬الأخير‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬حول‭ ‬عودة‭ ‬الدين‭ ‬إلى‭ ‬المجتمع‭ ‬والذى‭ ‬ناقش‭ ‬قضايا‭ ‬تتصل‭ ‬بالخطاب‭ ‬الدينى،‭ ‬وضرورة‭ ‬إعادة‭ ‬صياغة‭ ‬الفكر‭ ‬الدينى،‭ ‬وإبراز‭ ‬الأولويات‭ ‬المطلوبة‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الصدد‭ ‬مثل‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬التسلط‭ ‬الفكرى،‭ ‬والاهتمام‭ ‬بشئون‭ ‬الحياة‭ ‬الدنيا،‭ ‬والانتماء‭ ‬الاجتماعي‭.‬

ولاشك‭ ‬أن‭ ‬الكتاب‭ ‬يقدم‭ ‬اسهاماً‭ ‬متميزاً‭ ‬فى‭ ‬درس‭ ‬موضوع‭ ‬هام‭ ‬يتعلق‭ ‬بعلاقة‭ ‬الإنسان‭ ‬بثقافته‭ ‬الشعبية‭ ‬من‭ ‬ناحية،‭ ‬وأساليب‭ ‬تناول‭ ‬القضايا‭ ‬الدينية‭ ‬من‭ ‬ناحية‭ ‬أخرى‭. ‬ففى‭ ‬تصورى‭ ‬أن‭ ‬الإنسان‭ ‬هنا‭ ‬يبدو‭ ‬وكأنه‭ ‬يعيش‭ ‬بين‭ ‬شقى‭ ‬رحى،‭ ‬فهذا‭ ‬تراث‭ ‬ثقافى‭ ‬يدفعه‭ ‬إلى‭ ‬تبنى‭ ‬القيم‭ ‬الذكورية‭ ‬والأبوية،‭ ‬ويغرس‭ ‬فى‭ ‬وعيه‭ ‬أشكالاً‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬التميز،‭ ‬وهذه‭ ‬ممارسات‭ ‬دينية‭ ‬تجره‭ ‬إلى‭ ‬الوراء‭ ‬وتشكل‭ ‬مخياله‭ ‬بطريقة‭ ‬ماضوية،‭ ‬وكل‭ ‬ذلك‭ ‬يتم‭ ‬فى‭ ‬إطار‭ ‬مجال‭ ‬عام‭ ‬يحاول‭ ‬أن‭ ‬يسيطر‭ ‬عليه‭ ‬بطرق‭ ‬مختلفة‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬جماعات‭ ‬الإسلام‭ ‬السياسى‭ ‬وتتنازعه‭ ‬صراعات‭ ‬من‭ ‬الداخل‭ ‬والخارج،‭ ‬وفى‭ ‬إطار‭ ‬جدل‭ ‬عام‭ ‬حول‭ ‬الخطاب‭ ‬الدينى‭ ‬وتطويره‭. ‬وقد‭ ‬تطفو‭ ‬إلى‭ ‬الذهن‭ ‬ملاحظات‭ ‬نقدية‭ ‬تتعلق‭ ‬بطبيعة‭ ‬تراث‭ ‬الاستعلاء‭ ‬وعلاقته‭ ‬بموضوع‭ ‬التمييز‭ ‬الثقافى،‭ ‬وطبيعة‭ ‬الخصائص‭ ‬المميزة‭ ‬لهذا‭ ‬التراث‭ ‬والتى‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬توحده‭ ‬مع‭ ‬موضوع‭ ‬التميز‭ ‬الثقافى‭ ‬أو‭ ‬تفرقه‭ ‬عنه،‭ ‬وحول‭ ‬غياب‭ ‬موضوع‭ ‬الاستعلاء‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬التحليلات‭. ‬ولكن‭ ‬رغم‭ ‬ذلك‭ ‬تبقى‭ ‬السعادة‭ ‬بالغة‭ ‬بهذا‭ ‬الجهد‭ ‬المتميز،‭ ‬وتبقى‭ ‬الحاجة‭ ‬ماسة‭ ‬إلى‭ ‬مزيد‭ ‬من‭ ‬البحث‭ ‬فى‭ ‬موضوعات‭ ‬كثيرة‭ ‬تطل‭ ‬برأسها‭ ‬عبر‭ ‬التحليل،‭ ‬مثل‭ ‬موضوع‭ ‬التعليم‭ ‬الدينى،‭ ‬ودور‭ ‬النخب‭ ‬الدينية،‭ ‬وطبيعة‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬التراث‭ ‬الشعبى‭ ‬والديانة‭ ‬الشعبية،‭ ‬وما‭ ‬إذا‭ ‬كانت‭ ‬تلك‭ ‬الأخيرة‭ ‬تشى‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬التميز‭ ‬أو‭ ‬الاستعلاء،‭ ‬أو‭ ‬بقدر‭ ‬من‭ ‬العدالة‭ ‬الثقافية‭ ‬المنشودة‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة