فيلم صراع فى النيل
السينما هبة النيل
الإثنين، 26 يوليه 2021 - 03:02 م
كتب : محمود قاسم
إذا كان هيرودت قال إن مصر هبة النيل فإن الفنون المعاصرة تؤكد أن النيل منح الحياة لكل الفنون المصرية بدءا من الفن التشكيلى والمسرح والسينما بالإضافة إلى فنون الكتابة أبدا من الشعر والرواية والقصة القصيرة، وعليه أن السينمائى المصرى عبر عن ارتباطه الشديد بالنهر فى قصص الأفلام التى دارت أحداثها من جنوب الوادى وحتى المصب وبالنظر إلى التاريخ سوف نجد أن مخرجين بعينهم حكوا قصصا عن النيل وتأثيره القوى جدا فى حياة المصريين، وهناك فى قائمة هؤلاء المخرجين يوسف شاهين ثم عاطف سالم ونيازى مصطفى وصلاح أبو سيف وحسن الإمام، ولاشك أن وجود نهر دعا إلى ارتباط الفنان بحكايات متنوعة قادمة من التاريخ أحيانا واتجه إلى المستقبل أحيان أخري.
قبل أن نتحدث عن السينما فإن لدينا كاتبا راحلاً يدعى عمر أنور حكى فى روايته ثقب فى قاع النهر عن أن صعود التيار الدينى فى ذلك الوقت مرتبط بظهور ثقب كبير فى قاع النيل أدى إلى جفاف النهر وضياع الفكر وجفاف المياه من خريطة الحياة.
يهمنا الحديث أولا عن يوسف شاهين فهو الأكثر عشقا للنهر والقطار فى أغلب أفلامه يعيشون على جوانب النهر ويركبونها ويرتزقون منه ويبحثون عن حياة أفضل.
تعالوا نبدأ من فيلم اابن النيلب الذى أخرجه عام 1951 نحن أمام شاب صعيدى يسكن فى أسوان ومتزوج من ابنة خالته لكنه يحلم دوماً بالسفر إلى العاصمة لكى يحقق حلم أن يكون متعلماً، هو يقف دوما عند محطة القطار ينتظر زملاءه القادمين من القاهرة ويحلم أن يكون متعلماً مثلهم ويظل على حلمه منذ أن كان طفلاً حتى صار رجلاً والغريب أن حميدة هذا لم يذهب إلى العاصمة عن طريق القطار بل عن طريق النهر ومراكبه حتى وصل إلى هناك واستقر به المقام فى إحدى العوامات التى تطل على النيل ويرفض العودة دوما إلى قريته باعتبار أن النيل هو الإجراء الأكبر له إلا أنه فى القاهرة يرتكب جريمة قتل ويدخل السجن وتسوء حالته بقوة وعندما يقرر العودة فإنه يفعل ذلك عن طريق مركب قادمة ضد تيار الفيضان ويكتشف أن التيار قد أغرق البيوت اللبنية التى يسكنها أهله ويروح يجدف ضد النهر ويقوم بإنقاذ زوجته وابنه.
كان هذا هو الهاجس الأول ليوسف شاهين وهو مخرج فى الخامسة والعشرين من عمره ابن الإسكندرية، ولم يتوقف شاهين عن العودة إلى منابع النهر فى الصعيد ففى عام 1953 سارت أحداث فيلمه صراع فى الوادى أى وادى النيل والبطل الرئيسى هنا هو مهندس زراعى يسعى إلى تحسين السلالات فى قريته ضد الإقطاعيين الذين استولوا على الأرض والسلطة وتدور قصة حب بين هذا المهندس وبين ابنة الإقطاعى ويبدو النهر هنا هو مصدر الرزق والتاريخ وليست الآثار والصراع من أجل الحياة شيء منشود والناس مهتمه جدا بالزراعة وتخطيط أحلامهم.
ظل أبطال يوسف شاهين يركبون النيل ويذهبون إلى الجنوب من فيلم إلى آخر مثلما حدث فى فيلم اأنت حبيبيب 1957 فهناك عروسان يتزوجان رغم المشاكل العائلية ويفران إلى سد أسوان وعلى ضفاف النهر تغير مشاعر الأبطال ببطء فهما يعبران النهر إلى الجانب الأخر لحضور حفل زفاف نوبى فيه كافة مراسم الحياة وعادات يعشيها أهل النوبة ويغنى فريد الأطرش للعروس النوبية زينة، وعلى ضفة النهر فإن زاهر يقرر الزواج بقوة وبشكل رسمي.
فى عام 1964 طلب من يوسف شاهين إخراج فيلم تسجيلى عن تحويل مجرى النيل بمناسبة بناء السد العالى بعدها بثلاثة أعوام ذهب المخرج إلى أسوان ليقدم فيلمه الروائى النيل والحياة وهو إنتاج سوفيتى مصرى مشترك يحكى عن قصص حب تدور فى منطقة بناء السد العالى أثناء تركيب التوربينات الكبرى
أما المخرج الذى قدم النيل كجزء أساسى من كيان المصريين خاصة الصعايدة فهو عاطف سالم فى فيلم صراع فى النيل النيل هنا هو وسيلة حياة للصعايدة وعلى رب الأسرة أن يرسل ابنه مع شخص ناضج لشراء مركب نقل من العاصمة والفيلم كله بمثابة رحلة فوق النهر وحوله يتعرف على المدن وعادات الناس فيها، يبدو أن النهر كان دائما سندا للبطل المصرى فالشاب الذى سوف تشترى أسرته المركب الجديد سوف يتغير مع نهاية الرحلة ويتحول إلى كيان مسئول فى المقام الأول أى أن الرحلة فى النهر مزرعة أبدية لمصائر أبنائها هذا الفيلم من إنتاج 1959 ومن الواضح أن المصريين فى هذه الحقبة كانوا بالغى الشغف بما يحققه النهر لهم من أمجاد وخلود مهما كانت الأسباب عديدة تحمل أسم النهر منها ادماء على النيل والفيلم اليابانى المصرى القاهرة فى الليلب بالإضافة إلى ثرثرة فوق النيل.
اتجهت أنظارالسينما بقوة نحو النيل مع بناء السد العالى فرأينا فيلم الحقيقة العارية الذى تدور أحداثه فى منطقة بناء السد تنمو قصة حب بين مهندس قاهرى يعمل فى أسوان والفيلم من أفلام الرومانسية حيث تنمو قصة حب بين مرشدة سياحية وبين أحد مهندسى السد، والفيلم كله بمثابة حالة من التسجيل لما كانت عليه مصر فى تلك الفترة، بناء السد العالي.
لم تتوقف السينما عن إعجاب بالجانب التاريخى للنهر مثلما رأينا فيلم اعروس النيلب إخراج فطين عبد الوهاب حيث يحكى قصة الأسطورة الخالدة المرتبطة بالتضحية بعروس النيل إرضاء للسد، ويحاول الفيلم إثبات أن عروس النيل ليست أسطورة ولكنها معتقد عند المصريين وهناك يدور صراع بين المهندس الذى يسعى لاكتشاف البترول وبين أجداده الفراعنة الذين أرسلوا له عروسا وقع فى حبها وفى الفيلم مشاهد عديدة عن المراسيم الوثنية التى كان يمارسها المصريون دائما من أجل الاحتفاظ برضاء النهر.
نعم رضاء النهر قبل كل شيء وليس هذا أمرا خرافيا أو ضد المعتقدات لكنه حقيقة وتخلى المهندس عن مشروعه وأن يقدم لعروس النيل ما تستحق من مجد.
ظل الاهتمام بالنهر فى السنوات العشر الأخيرة من حياة جمال عبد الناصر 1970 وفيما بعد بدا النهر كأنه فقد بريقه وبدا أصحابه يهملون النهر المقدس على الأقل سينمائيا، وتغيرت الحياة بشكل ملحوظ مع السبعينيات إلا أنه من فترة لأخرى كنا نشاهد أفلاما تدور أحداثها عند منطقة أسوان باعتبار أن بعض الأجانب حولوا المنطقة إلى مكان للمطاردات مثلما رأينا فى الأفلام منها االأنثى والثعلبب و اوليلة لا تنسيب.
ومع توالى الأجيال امتلاء سطح النهر خصوصا فى القاهرة بالكبارى الطويلة بين الضفاف فإن النهر تحول إلى واحد من شوارع القاهرة الطويلة جدا خاصة المواصلات اليومية التى يقطعها الناس وظهر النهر أحيانا كمكان الخوف والإرهاب مثلما فعل محمد أبو سيف فى فيلم انهر الخوفب 1982 بطولة محمود عبد العزيز وهو يدور حول ما يمكن أن يحدث فى الأتوبيس النهري، لو رجعنا للأتوبيس النهرى فى فيلم االأيدى الناعمةب فإنه تم تقديمه بشكل سياحى مزدهر يركبه السائحون لمشاهدة الإنجازات التى قدمتها الثورة وفى هذا الأتوبيس يجد البرنس حلا لمشكلة البطالة التى عنده ويعمل مرشد سياحيا، أما فى أرض الخوف فإن مجموعة من الشباب الموتورين يركبون نفس الأتوبيس هاربين من مطاردة رجال الشرطة ويضطرون إلى اتخاذ الركاب رهائن للتفاوض مع رجال الأمن وبدلا من التنازل فوق سطح النهر فإن رجال الشرطة تملأ النهر الذى صار مصدرا للخوف حيث إرهابيون بلا إرهاب ورهائن أبرياء يتعاطفون مع شاب وزملائه وفى النهاية يتم تحرير الرهائن.
من الواضح أن نهر النيل صار رمديا غامقا يخلو من الصفاء والجمال الذى شاهدناه من قبل وتحولت البنايات الأسمنتية على ضفاتى النهر إلى زنازين تحبس النهر بداخلها فاختفى الشكل الرومانسى للنهر ولجأ إليه البعض للسكن مجدداً، ليس العوامات التى كانت موجودة فى أماكن بعينها عند النهر ولكنها صارت موجودة ونلجأ للعرسان الجدد الذين تعذر عليهم الحصول على مسكن مثل فيلم االشقة من حق الزوجةب وفيلم انشاطركم الأفراحب إخراج محمد عبد العزيز عام 1988 حيث يفضل العاشقان الشبان السكن فى مركب نيلى بدلا من الوقوع فى زيجات أخرى فاشلة.
اعتمدت الأفلام الريفية دائما على مسألة فقر المياه وفقر الشعب وحاجة إلى رعاية الدولة وكانت بعض الأفلام بمثابة تحذير قوى يمكن أن يحدث للمصريين ومنها االخوفب للمخرج حسين كمال وفيلم الأرض والنداهة وبشكل عام أن الأفلام الريفية تضاءل عددها طوال الأربعين عاما الماضية لتظهر مشكلة أخرى هى تجريف الأرض أرض النيل السوداء ليتم بناء الكثير من البنايات سيئة السمعة حول مصر واختفت الرقعة الخضراء وينتقل الاستثمار للطرق الصحراوية ويعانى أهل الوادى بطوله من الجفاف الملحوظ، وللأسف الشديد أن الأمر استمر سنوات لدرجة أن المصريين باستخفاف شديد جدا مع خطر سد النهضة الإثيوبى حتى وصل الأمر ل ما لا يعرفه أحد.
مستقبل مجهول جدا.
المصدر : جريدة اخبار الادب
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة