زكريا عبدالجواد
زكريا عبدالجواد


رٌكن الحواديت

حكاية محمود مع الثانوية العامة

زكريا عبدالجواد

الجمعة، 06 أغسطس 2021 - 07:13 م

انتصر صوتُ الزغاريد على سكون الميدان الكبير بقريتنا، إعلانًا بنجاح جارنا محمود فى الثانوية العامة قبل أكثر من 35 عامًا، فانطلقت أقدام الصغار من عتبات المنازل كمتسابقين فى ماراثون من السعادة، لتهنئة صاحب الإنجاز العظيم.
وجدنا باب منزل والد محمود مفتوحًا على آخره، وفى فسحته الكبيرة كانت والدته تتمايل مع بعض القريبات والجارات اللاتى جئن للمجاملة، وعلا تصفيق النساء بأكف موشومة بشقاء الغيطان، وفرحة نادرة فى عيون أنهكتها المعاناة من أيام عيش كان بؤسها شديدًا.  
كان محمود يجلس على سرير من الجريد أمام منزلهم بجلابية بيضاء، نظيفة، وقلم ينام فى جيبها العلوي، وحذاء يلمع، ممشطًا رأسه بأفكار المدينة وأحلام الجامعة، وفى عينيه نظرة تباهٍ وكأنه كائن أسطورى اجتاز الثانوية العامة، رغم أننا لم نعرف مجموعه، ولا إلى أى كلية  سيذهب!
ولكن كنا نغبطه لأنه بهذه الخطوة سيفوز بلقب ساكن لقنا أو أسيوط، وربما ينتسب لأهل مدينة الحلم «القاهرة» فننتظره فى أول إجازة نصف العام ليحكى لنا عن نوادر إحدى بلاد العجائب التى صار من ساكنيها.
كان أبوه يجلس على السرير المقابل، يرحب بالمهنئين، وينضح العرق من أكتافه، ويوزع الشربات، ويغرف الفرحة من وعاء كبير، ويتجاوز عن تكرار حصول الأطفال الذين تزاحموا فى المكان  على أكثر من كوب احتفاء بالحدث الكبير.
بينما انشغل مجموعة من الرجال بقيادة خاله بإطلاق أعيرة نارية من بنادقهم الآلية بشكل متتابع وربما مبالغ فيه، نكاية فى جارهم الذى كان دوما يستهزئ بمحمود، بل ويستبعد وصوله للمرحلة الثانوية.   
مرت شهور، ولكن لاحظنا أن محمود لم يذهب إلى الجامعة! وكان جلوسه الدائم على حافة النيل، يطعم السمك شرودا ثم يهمهم للسماء ويعاقب الأرض بأعقاب السجائر. وحين سألته: هاتروح قنا ولا أسيوط؟ قال: هاعيد السنة علشان أبقى دكتور زى ما أبويا كان عايز بالظبط.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة