رجل فقد رأسه
رجل فقد رأسه


فرفيش كده | رجل فقد رأسه

الأخبار

الخميس، 26 أغسطس 2021 - 07:28 م

عبدالصبور بدر

لا تعرف أمى عدد الشهور التى أمضيتها فى رحمها، قالت إن أياما كثيرة مرت بعد التاسع وأنا أرفض الولادة، ما جعلها تظن أننى ميت، ويظن أبى أنه حمل كاذب وتظن ستات النجع أنها حامل فى فحل جاموسة، ولكنى أتيت فى النهاية لأطمئن أمى وأنهى ثورة شك والدى، وأخيب ظن حريم النجع. 


لم أصرخ كالأطفال حديثى الولادة، فمى كان مغلقا وعيناى مفتوحتين تنظران إلى الداية فى تحفز، ما جعلها تشعر بالرعب لدرجة أننى سقطت من بين يديها على الأرض و»هات يا عياط».


لم أبك من قلة الحيلة، وعدم قدرتى على الانتقام من المرأة التى أوقعتنى بتلك الطريقة القاسية.. فى الحقيقة الست الداية ليست المسئولة عن انزلاقى من بين يديها، بل يمكنك وصف ما حدث بأنه محاولة انتحار رضيع فقد ذاكرته للتو.


هل كانت النسخة السابقة من حياتى مبهجة لدرجة أننى حاولت التخلص من الجديدة؟.. لم أعد أتذكر شيئا على الإطلاق!


 تقول أمى إننى فى شهورى الأولى كنت أشد فى شعرى دائما وأنظر إلى السقف، وحين لا أصل لشيء أخبط دماغى فى الأرض، وإذا حملنى أحدهم أظل أصفعه على وجهه حتى يتركنى لحالى، أما ما كان يقلقها فهو رفضى للرضاعة.


يبدو أننى استسلمت فى النهاية، وبدأت التأقلم على الوجوه من حولى، نبتت لى ذاكرة جديدة، وانتقلت إلى حياة مختلفة، والدنيا مشيت، أو هكذا أظن الآن، فلم أعد أتذكر شيئا على الإطلاق إلا لحظات الولادة فقط.. لقد تكرر الأمر وفقدت ذاكرتى للمرة الثانية. 


ترددت على مراكز العلاج على مدار سنوات، ولم أعثر على الحل، وجدت من تقول إنها زوجتى، ومن يخبروننى بأنهم أبنائى، ومن يطالبنى بالحضور والانصراف فى أوقات معينة وهو يشخط فىَّ ويتهمنى بالكسل بوصفه رئيسى المباشر فى العمل.


عانيت كثيرا وأنا أجاهد لتذكر أى شخص، وأى شىء، ولم أفلح، حتى قرأت عن نجاح أحد الأطباء فى اختراع برنامج يعيد إلى رأسى المعلومات التى فقدها.
وضعنى الطبيب على الجهاز  وبمجرد توصيل مخى بالأسلاك شاهدت شريط حياتى السابقة فى لحظات قصيرة، بعدها سألنى الكمبيوتر: هل أنت متأكد أنك ترغب فى استرداد ذاكرتك؟


مددت يدى سريعا، وضغطت على الماوس (No)


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة