من أعمال الفنان خالد الحمزة
من أعمال الفنان خالد الحمزة


فى ضيافة بيكاسو l خالد الحمزة يوظف الصدفة مازجاً بين المتخيل والواقعى

أخبار الأدب

الأحد، 05 سبتمبر 2021 - 01:46 م

منى عبد الكريم

أعماله تموج بالحركة، التى تشبه فعل الحياة ذاتها، تحمله من فكرة لغيرها ومن تجربة وجدانية لأخرى، وربما جاء اختيار الفنان خالد الحمزة لعنوان «أمواج» ليقدم من خلاله معرضه الفردى  الذى استضافه جاليرى بيكاسو بالزمالك مؤخرا من هذا المنطلق، إذ يقول الحمزة إن اختيار اسم «أمواج» ربما جاء لحس الحركة الموجود فى مجموعة الأعمال التى تحمل الاسم نفسه والتى تحيلنا إلى حركة الأمواج سواء بمعناها المباشر كما هو الحال مع موج البحر، تلك الحركة التى تتكرر بلا انقطاع على مر الزمان، أو على حركاتنا نحن كبشر حركة دائبة.


ومن خلال هذا المعرض قدم الحمزة عددا من الأعمال التى تنتمى لثلاث مجموعات مختلفة من بينها «أمواج» و«فن التصوير» و«السلالم»، التى يعكس كل منها مفهوما مختلفا، والتى أراد من خلالها أن يقدم للجمهور تنويعات من تجارب عدة شغلته عبر مراحل متباينة.


يعود الفنان والناقد خالد الحمزة بهذا المعرض إلى القاهرة، التى تعددت زياراته إليها، والتى بدأ مشواره الفنى منها دارسا بكلية التربية الفنية، ومفتونا بعمارتها الإسلامية التى كانت محورا لأطروحتى الماجستير والدكتوراه، ففى رسالة الماجستير التى حصل عليها من  قسم التصميم بكلية التربية الفنية بجامعة حلوان ركز على محاريب الجوامع فى مصر من العصر الطولونى إلى العهد العثمانى ليناقشها تحت عنوان «القيم الفنية فى تصميم محراب المسجد كمصدر لتصميم جداريات داخلية»، قبل أن يستمر بالدراسة ليحصل مجددا  على ماجستير تاريخ الفن والعمارة، من جامعة ولاية أوهايو بالولايات المتحدة الأمريكية، وبعدها الدكتوراه من الجامعة نفسها من خلال دراسة متعمقة فى «أوقاف السلطان قنصوه الغورى فى القاهرة»، ليصبح أول من ترجم وقفية قنصوه الغورى، التى تقع فى 600 صفحة، إلى الانجليزية. 


وعلى الرغم من انغماسه فى فنون العمارة الإسلامية من خلال دراسته البحثية، إلا أن منتجه البصرى ينحو منحى التجريد، هذا المصطلح الذى يعلق عليه قائلا: أفضل أن أستخدم مصطلح اللا استحضار عن مصطلح التجريد، وأعنى بذلك حين لا يستحضر العمل الفنى شيئا نعرفه من الواقع، وربما يمكننا أن نقترب من رؤية الحمزة الفنية بقراءة ما كتبه حول تجربته الفنية: أعتبر كل عمل فنى تجربة فريدة بذاتها بعيدا عن أسطورة الأسلوب وتعمد الالتزام به، فالفنان المنغمس فى عمله يحقق جزئية من ذاته فى العمل تنم عن خبرته وتراكم معرفته ورؤيته للفن ومهاراته، فالأسلوب تابع لمنتج الفنان وليس سابقا عليه، وهو أيضا ليس شكلا ما أو لونا ما أو تقنية معينة بقدر ما هو روح سارية فى كل منتجه الفنى.


ويضيف: يمكن أن توضع أعمالى فى التصوير والطباعة بين الواقعى واللا استحضار، فهى تلعب على الحبلين بين هذا وذاك حسبما يتطلب العمل الواحد، فتجدنى أومئ بدرجة ما بين البعد أو القرب إلى أشكال الأشخاص والحيوانات أو الطيور أو أشياء أخرى وعادة ما أقوم بالمزج بينها بطريقة قد يرى البعض فيها مزجا بين المتخيل المطلق والواقعية المرنة. وأعول كثيرا على ما بات يعرف بالصدفة فى العمل الفنى، وأقول بأنه ليس لها وجود متحقق دون اكتشاف الفنان لها ومن ثم تهذيبها لتتناسب مع بقية عناصر العمل، وأعمل أحيانا على التمهيد لظهورها أو اصطناعها وأجدها أحيانا أخرى متخفية هناك وكأنها تلاعبنى لأجد لذة فى الراكض ورائها.


ينغمس الفنان بالكامل فى تجارب فنية مختلفة وربما لهذا السبب ارتبط مشواره الفنى بصفة التجريب، ففى مجموعة «فن التصوير» يناقش التصوير كنوع فنى يختلف عن النحت والطباعة والفوتوغرافيا وغيرها مع عنوان فرعى يحمل تحية إلى اثنين من الفنانين وهما الفنان الفارسى بهزاد والفنان الفرنسى مارسيل دوشامب، ليجد بينهما رابطا خفيا على الرغم من تلك المسافة الزمنية بل والمكانية التى تفصل بينهما بفارق ما يقرب من خمسة قرون، إذ ينشغل الحمزة فى رصد تلك المساحة من العفوية والصدفة فى أعمال كل منهما على اختلافها، إذ يقول حين أنظر إلى منمنمات بهزاد على دقتها أجد فى التفاصيل أشياء كثيرة أوجدتها الصدفة وأكدها هو فى العمل، أما مارسيل دوشامب فهو الأب الروحى للفن المعاصر الذى نجد فى كثير من أعماله مساحة كبيرة للصدفة، وربما نجد فى كثير من الأعمال التى قدمها الحمزة تأثر بعمل دوشان العجلة وكذلك فتاة عارية تنزل السلم.
كذلك فإن سمة أخرى تكشف عن نفسها فى أعمال الفنان خالد الحمزة وهى ارتباطه بالطبيعة، ليس بصورتها المباشرة ولكن فى تأملاته التى لا تنتهى فى كل العناصر المحيطة به، فى مشروعه الأخير «السلالم» التى شاهدنا مجموعة من اللوحات التى أنجزها فيه من خلال معرضه بالقاهرة، ثمة جانب آخر يرتبط بمجموعة من الأعمال المركبة من فروع الشجر التى استخدمها لعمل سلالم، إذ يرى الحمزة فى الطبيعة عناصر موحية يتعامل معها بطبيعتها ليدخلها فى تركيبات فنية جديدة كانت مبنية فى ذلك المشروع على فكرة الصعود والهبوط. 


فى العموم يرى الفنان خالد الحمزة أن منتجه الفنى يدور حول الحياة وطريقة تفاعله معها، فهو يتعامل مع الطبيعة بمفهومها الأوسع، نراه يخاطب البيئة ومشاكلها، والقضايا الاجتماعية والسياسية، منوعا إنتاجه بين الرسم والطباعة والتصوير وكذلك فنون التركيب وغيرها، إذ يقول: أجد متعة العملية الفنية فى التحاور والتفاعل مع العمل نفسه وكأننى أجد اللون يطلب لونا آخر والشكل ينادى شكلا آخر وهكذا يتم التواطؤ بينى وبين العمل الفنى الذى يأخذ بالتحقق بسلاسة أولا بأول دون تكلف ودون قسر.


فى مشواره العملى قدم الحمزة العديد من الكتب والمقالات والأبحاث للمكتبة العربية من بينها «هذا هو الفن»، و«محمود صادق: الفن حلم حياة»، و«الفن والزمن»، و«الدعاية للفن والدعاية الانتخابية - الكرسى والتوقيع - تحقيق حلم دانتو»، و«نوافذ مأهولة: متتاليات نصية على أعمال فنية- تأليف مشترك مع آخرين»، و«طبيعة الفن ودوره الاجتماعى فى العصر الإلكترونى» و«التراث التشكيلى الشعبى فى الأردن»، وغيرها، ومع هذا العدد الكبير من الدارسات النقدية كان السؤال الذى طالما تكرر على من يجمعون بين ممارسة الفن والنقد، هل  يؤثر الناقد على الفنان ومتى يتوقف دوره فى العملية الفنية، ليجيبنى الحمزة: أنا أنسى شغلى كناقد وأنا فنان، بالرغم من دراستى لتخصص تاريخ الفن العالمى بفتراته المتعددة وتدريسها لسنوات عديدة، أتعمد نسيانه أثناء العمل فالعمل الفنى نفسه يحدد ذاته أو على الأقل أطراف منه تلك التى يمكننى القبض عليها.  

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة