عبد الرازق قرنح
الفائز بجائزة نوبل : أكتب بمزيج من لغات
السبت، 09 أكتوبر 2021 - 03:29 م
حوار: شين كريفي - ترجمة : رفيدة جمال ثابت
• رُشحت رواياتك للقوائم الطويلة والقصيرة لجائزة البوكر، وكذلك لعدد من الجوائز المرموقة الأخرى. هل تجد فى هذه الترشيحات الإطراء والثناء أم تفضل تجنبها؟
• كلا، أرى أن هذه الترشيحات مهمة للغاية، لأنها تضمن لك قراء جددًا، ومن لم يعرفك سابقاً سيسمع بك وربما يحثه ذلك على قراءة أعمالك. أعتقد أن الجوائز أحداث عامة تدفع الناس للاهتمام بقراءة كتب مشوقة لم يكونوا ليسمعوا عنها من قبل.
• هذا يقودنى إلى السؤال التالى حول دور الروائي. يفضل بعض الكُتّاب العزلة، وآخرون يتمتعون بشخصية عامة بارزة. برأيك أين تكمن مكانة الكاتب فى الحياة العامة؟
• أعتقد أن للروائى عدة أدوار، وليس هناك دور بعينه. وأنا سعيد لأن فى مقدور الروائيين اختيار ما ينفعهم وما يناسبهم، وما يفكرون فيه ونوع الكتابة التى يكتبونها.
• بصفتك أستاذاً فى جامعة كينت، هل تجد أن ثمة تعارض بين عملك الأكاديمى والأدبي، أم هل يمكن لهما التواجد جنباً إلى جنب فى سهولة؟
• لا أجد تضارباً بشأن كونى أكاديمياً وكاتباً فى مجال الأدب. بل فى الواقع كل مجال يفضى إلى الآخر، فحينما أتحدث عن أحد الكتب أو أقرأه واستعد لمناقشته مع الطلاب، أفكر أيضاً فى عملية كتاباته وإبداعه، واسترجع ذلك أحياناً حينما أعكف على الكتابة. أعتقد أن الصراع يحدث حينما تتدرج فى وظيفتك، وتضطر إلى تحمل الكثير من الأعباء والمسؤوليات التى ليست لها علاقة بمهنة التدريس أو الكتابة الإبداعية بقدر ما لها علاقة بالمؤسسات. فالعمل الأكاديمى يتطلب قدراً من المسئولية تطغى أحياناً على الذهن فلا يترك مجالاً للتفكير فى الأمور التى تهتم بها كالكتابة.
• حينما تكتب رواية هل تخطط كل حبكة وكل تطور فيها بشكل منهجي؟ أم تدون وتدع الكتابة تحكى القصة؟
• أعتقد أنك حينما تكتب عن الحبكة عليك التخطيط لها وإلا سيصيبك الارتباك أو تفقد القصة. وحيث أننى لا أكتب نصاً تسيره الحبكة أحتاج إلى قدر من التخطيط، ما يأخذ بعض الوقت، ويحدث ذلك وأنا أقوم بأشياء أخرى، وتزداد الأشياء التى أفكر فيها، ثم تحين لحظة أقول لنفسى إنه قد حان وقت كتابة الأشياء، فيصير الأمر كأنه تدوين ملحوظات، وتتراكم هذه الملحوظات، وأبدأ فى الكتابة، وهكذا إلى أن تتراكم فأقوم بكتابة المسودة الأولى ثم الثانية. ثم يحدث أن أضيف بعض المعلومات والتفاصيل أو تطرأ على ذهنى اتجاهات جديدة لم أرها من قبل. لذا ينبغى وجود درجة معين من التخطيط، لكن فى الوقت نفسه يجب إفساح المجال لاختيارات أخرى.
• يقول الراوى المجهول فى رواية «حب الصمت»: «أحب تأمل الفوارق». هل الفوارق تيمة متكررة فى كتاباتك؟ هل توجد مؤثرات أخرى تخللت أعمالك وظلت معك منذ البداية حتى الآن؟
• أجل. ثمة الكثير من المؤثرات مثل النشأة، والوطن، والدين، والقصص التى تربيت عليها، وكذلك التجارب، ولا أعنى بذلك تجاربى فحسب، بل وكذلك تجارب الآخرين، والتى قد تلامس تجاربى أو تختلف عنها. ومقصدى من عبارة الراوى أن يكون المرء قادراً على التمييز، ورؤية مكمن الاختلافات، وفهمها وسردها، والاحتفاء بها أو رفضها، بناءً على ماهيتها.
• فى الرواية السابقة الراوى شخصية لا يعول عليها إلى حد ما؛ إذ أنه يسرد قصصاً للسيد ويلوبى وإيما تتسم بالفانتازية والمغالاة. فى «الهجران» يُنتزع القارئ من منطقته الآمنة حينما يتبين له أن رشيد كان يقص نصف الكتاب تقريباً. هل تهدف إلى زعزعة ثقة القارئ فى القصص التى يختار تصديقها؟
• أجل بالطبع. حينما نستمع إلى قصة ما نحتاج إلى معرفة من يكتبها؟ وماذا يقول؟ ولماذا؟ هل نصدقها؟ وهل هى مهمة؟ هذه الأسئلة جزء من طريقة تقييمنا للقصة وتحليلها وفهمها. حكمة القصة تكمن فى الإجابة على هذه الأسئلة. لا أقصد أن نحل شفرات القصة أو نكتشف الخدعة فيها، بل القدرة على طرح أسئلة على غرار هل نصدق ذلك؟ من يفعل هذا؟ ولماذا؟ هل هناك طريقة أخرى للتفكير فيها؟ هل نجدها قصة مثيرة للانتباه لو ساورتنا الشكوك نحوها؟ تعجبنى عملية الانخراط فى الحبكة والابتعاد عنها فى ذات الوقت، فالقصة تتطلب ذلك من القارئ لأنه مهتم وما من خيار آخر، لكن فى الوقت نفسه عليه الإبقاء على درجة من المسافة عنها.
• فى روايتك «على شاطئ البحر» يقول لطيف محمود: «هذا هو البيت الذى أقطنه... لغة تصرخ فى وجهى وتسخر منى خلف كل زاوية ثالثة». اخترت الكتابة باللغة الإنجليزية، لكنك ترصع رواياتك بشذرات من اللغات الأخرى، مثل السواحيلية. هل معنى ذلك أنك تنحاز إلى جانب تشينوا أتشيبى أمام نجوجى واثيونجو فى جدالهما بشأن مسألة اللغة، وأنه ينبغى انتزاع لغة المستعمر من الداخل؟
• لا أعتقد أنى أنحاز إلى أيهما. يزعم أتشيبى أن الإنجليزية يمكن توظيفها فى مناهضة الاستعمار. لكن نجوجى يعارضه قائلاً بأن اللغة متغلغلة فى كل شيء نفعله؛ فى طريقة التفسير والتأويل، وفى القيم والمعايير، وفى السيطرة فى الأشياء. لكنى أرى أن اللغة لا تعمل بهذه الطريقة، لاسيما بالنسبة للكاتب. وينبغى أن أعترف أن بعض الأسباب التى دفعتنى إلى الكتابة بالإنجليزية لها علاقة بالطبع بالاستعمار، وأيضاً بما قرأته، والذى كان معظمه مكتوباً بالإنجليزية. ومتعلق كذلك بمكان وجودى حينما بدأت الكتابة آنذاك. أحب أن أقول إننى شخص تعثر بالكتابة. حينما كنت طفلاً لم أقل إننى أريد أن أكون كاتباً. وجدت نفسى أكتب فى العشرينيات حينما كنت فى إنجلترا، ولم يخيل لى آنذاك أن أتساءل: «ما اللغة التى عليّ استخدامها؟». اللغة التى أعرف استخدامها فى الكتابة كانت الانجليزية لأنها كانت اللغة المتاحة للقراءة. لكن عندى علم بأشياء أخرى ليس لها علاقة بالكتابة. لذا فأنا اكتب بلغة واحدة، وهى الإنجليزية، وأرصعها بأمور إبداعية من ثقافات ولغات أخرى، وينتج من ذلك مزيجاً حيوياً فريداً.
• يناجى صالح عمر نفسه: «أريد أن أتطلع إلى الأمام، لكنى دائماً أجد نفسى انظر إلى الوراء». تتأرجح حبكات رواياتك بين الماضى والحاضر. هل الماضى بالنسبة لك ليس «عالماً مفقوداً» مثلما يتصوره رشدي؟
• فى ظنى أن رشدى لا يعنى أن الماضى عالم مفقود بالكامل. أعتقد أنه يقصد أنها عملية مؤلمة مثل تلك الصورة التى أستخدمها حول المشى عبر المرآة والتشظي. ربما كان مقصده أن الماضى ليس مفقوداً بل شيئاً يستدعى الحزن والرثاء. وفى هذا الصدد لم أبتعد. آنيتا ديساى تقول على لسان شخصياتها جملة رائعة أظن أنها موجودة فى رواية «ضوء النهار المشرق» وقد استعرت هذه العبارة فى «حب الصمت» وهى «لا شيء ينتهى أبداً». أرى الماضى بهذه الطريقة. لا ينتهى أبداً، حتى لو انتهى.
• أتقصد أن الماضى يسكن الحاضر؟
• بالطبع. الماضى حاضر، لأننا نعيش فى خيالنا ونعيش كذلك فى الواقع، لذا الماضي، وهو جزء من مخيلتنا، ما زال حياً بالنسبة لنا، ولا ينتهى قط.
نُشر فى مجلة (Magill)
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة