الدكتور فوزى فهمى
د.أحمد مجاهد يكتب .. فوزي فهمي الخوجة
السبت، 23 أكتوبر 2021 - 04:15 م
د.أحمد مجاهد
على الرغم من كل المناصب الرفيعة التى تقلدها الفقيد الغالى الأستاذ الدكتور فوزى فهمى داخل وزارة الثقافة وخارجها، يظل الدور الأقرب إلى قلبه هو دور المعلم الملتزم الذى يذهب إلى محاضراته فى موعدها تماما، ولا ينيب أحدا عنه فى تدريسها مهما كانت مشاغله.
ولا ينحصر دور الخوجة لدى فوزى فهمى على ما قدمه لطلابه الفعليين داخل قاعات الدرس، هؤلاء التلاميذ الذين يفخر بهم أكثر من كل إنجازاته اللوجستية العملاقة داخل صرح أكاديمة الفنون، بعد أن صاروا نجوم الحركة المسرحية فى مصر والوطن العربى فى كل دروبها؛لكنه كان مفتاح شخصيته وطابعها المهيمن فى كل فعل وزمان ومكان.
فبالرغم من أهمية الدور الذى قدمه فى رئاسته لمهرجان القاهرة الدولى للمسرح التجريبى لمدة عشرين عاما، متمثلا فى جلب العروض المتميزة من كل أنحاء العالم، وفى الندوات الفكرية الثرية التى كانت تقام على هامش كل دورة، وفى استضافة أعلام المسرح العربى والعالمى على أرض مصر؛ يظل إنجازه الأكبر فى هذا الصدد هو إصداره 328 كتابا حديثا مترجما عن العديد من اللغات فى كافة مجالات المسرح، كانت وستظل رافدا حقيقيا لتطوير الإبداع المسرحى ونقده فى مصر والعالم العربى.
وعلى الرغم من كافة المناصب التى تقلدها داخل وزارة الثقافة مثل رئاسته للمركز القومى لثقافة الطفل، وللهيئة العامة لقصور الثقافة، ولأكاديمية الفنون؛ يظل دوره الأكبر والأهم الذى قام به داخل أروقة الوزارة هو رئيس اللجنة العليا لمكتبة الأسرة.
وقد امتد هذا الدور لمدة ستة عشر عاما فى مرحلته الأولى قبل ثورة يناير، وصدر عنه كتاب توثيقى فاخر ومهم عام 2010 يرصد ما أنجزه هذا المشروع حتى عام 2019، وقد قال الدكتور صابر عرب رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب فى ذلك الوقت بمقدمته أنه: «يعد أهم المشروعات الثقافية فى تاريخ مصر الحديث والمعاصر، سواء من حيث عدد الإصدارات التى وصلت إلى أربعة آلاف عنوان، أو من حيث تنوع المعارف، ما بين كتب التاريخ والفكر والأدب وعلوم المصريات والتراث والمرأة والخيال العلمى». ولظروف الثورة تم إلغاء معرض القاهرة الدولى للكتاب فى هذا العام، وقد اختفى هذا الكتاب تماما بما فيه من دراسة توثيقية رائعة لهذه الفترة من تاريخ المشروع.
وما يهمنى فى هذا السياق هو نقطتان جوهريتان فقط؛ الأولى: أنه مع احترامى الكامل بالطبع لكافة أعضاء اللجنة الموقرة كل فى تخصصه على مر هذه السنوات، حيث كان يتم تغيير أعضائها كل عام.ومع شكر كل مثقف مصرى حقيقى للمنتج التنويرى المتميز فى إصدارات هذا المشروع؛ فإن صاحب الفضل الأول والمستمر فى اختيار هذه الكتب هو الدكتور فوزى فهمى.
أما النقطة الثانية: فتتمثل فى أنه عند عودة مشروع مكتبة الأسرة مرة ثانية بعد الثورة، تم اختيار الكاتب الكبير إبراهيم أصلان رئيسا للجنته العليا، وقد توفاه الله بعد ما يقرب من عامين من تولى المسئولية، وكان الخيار الأنسب بحكم القيمة والقامة وتاريخ الإنجاز، هو عودة الدكتور فوزى فهمى مرة أخرى لتولى رئاسة هذه اللجنة مرة أخرى.
فخلاف البعض السياسى مع الدكتور فوزى فهمى بعد الثورة، لم يتعارض قط مع قناعتهم التامة بقيمة الخوجة العلمية، ودوره الثقافى الرصين والممتد فى كافة الحقب السياسية.
وما دمنا نتحدث عن السياسة، وعن أستاذ الدراما، فمن الجدير بالذكر فى هذا السياق أنه على الرغم من امتلاك الدكتور فوزى فهمى لكل الإمكانات الفكرية والخبرات الإدارية التى كانت تؤهله لأن يكون وزير ثقافة مرموقا؛ فإن لعبة القدر قد اختارته لوظيفة سياسية أخرى، وهى رئيس لجنة الثقافة بمجلس الحكماء الشهير بمجلس الشورى، وهى الوظيفة الأكثر مناسبة واتساقا مع شخصية الخوجة أيضا.
وفى إطار علاقتى الشخصية بالفقيد المعلم، لا يمكننى أن أغلق باب الحديث عنه دون الإشارة إلى عدة أشياء:
أولا: عند انتدابى لرئاسة هيئة قصور الثقافة وبحثى عن اللوائح الموجودة بها، وجدت أن لائحة النشر الخاصة بالهيئة لم يضعها سوى الخوجة الدكتور فوزى فهمى، على الرغم من إشرافه عليها بجوار عمله فى مرحلة متقدمة من تاريخ الهيئة، ولمدة تقل عن عام واحد.
ثانيا: كنت أحرص دائما على قراءة مقاله الأسبوعى، لأن الخوجة فوزى فهمى، أيا ما كانت القضية التى يطرحها، فإنه لا يفعل هذا إلا من خلال عرضه لمسرحية أو لرواية أو لكتاب يتعلق بالموضوع الذى يريد مناقشته.
ثالثا: تلك الصورة التى لا يمكننى نسيانها؛ فإذا ذهبت لزيارة الدكتور فوزى فهمى فى مكتبه، ستجد صعوبة بالغة فى مشاهدة ملامح وجهه من خلاف تلال الكتب التى تحيط به من كل جانب.
رابعا: عند مصادفتى لأى مشكلة عويصة يصعب حلها أثناء ممارستى للعمل العام، لم أكن أسترشد سوى برأى اثنين فقط: الدكتور فوزى فهمى، أو الأستاذ على أبو شادى، رحمهما الله.
بقى أن تعرف أن الراحل الكريم الدكتور فوزى فهمى كان متعففا عن الحصول على جوائز الدولة فى كل مراحل حياته على الرغم من استحقاقه لها، وكان فى كل مرة تقوم جهة ما بترشيحه لنيل إحداها يصر إصرارا شديدا على الاعتذار رسميا عن هذا الترشيح فور علمه به.
وعندما سألته فى إحدى المرات: لماذا تصنع هذا يا أستاذنا؟ قال: التكريم الحقيقى الذى حصلت عليه هو شهادة أستاذى العظيم الدكتور محمد مندور بحقى وتقديره لى فى مجال العلم، ولا يوجد تكريم أكبر من هذا عندى لأطمع فى الحصول عليه.
وقد كان محقا فيما قال وليس مدعيا قط وفقا لمفتاح شخصيته، فماذا يمكن أن يريد الخوجة أكثر من شهادة أستاذه العبقرى له فى مجال العلم؟ وكيف يقبل معلم الأجيال وضع تاريخه فى لعبة التقييم والتصويت، من أشخاص قد لا يعرفون قيمته الحقيقية حق المعرفة؟.