‬كاريكاتير لجمعة
‬كاريكاتير لجمعة


البستان

سمير‭ ‬عبدالغنى‭ ‬ يكتب :جمعة .. حضور‭ ‬لا‭ ‬يغيب‭ ‬

أخبار الأدب

السبت، 30 أكتوبر 2021 - 03:45 م

 

كنت‭ ‬أتمنى‭ ‬أن‭ ‬أقول‭ ‬إن‭ ‬آخر‭ ‬مكالمة‭ ‬أنا‭ ‬الذى‭ ‬اتصلت‭ ‬به‭ ‬لأسأل‭ ‬عليه،‭ ‬الحقيقة‭ ‬أن‭ ‬آخر‭ ‬مكالمة‭ ‬هو‭ ‬الذى‭ ‬اتصل‭ ‬يودعنى‭ ‬سألنى‭ ‬عن‭ ‬زوجتى‭ ‬وأولادى‭ ‬وأحوالى‭ ‬تمنيت‭ ‬له‭ ‬الشفاء‭ ‬ووعدته‭ ‬بإقامة‭ ‬معرض‭ ‬كبير‭... ‬كان‭ ‬يسمعنى‭ ‬وكأنه‭ ‬ذاهب‭ ‬إلى‭ ‬عالم‭ ‬آخر‭ ‬حيث‭ ‬كل‭ ‬شيء‭ ‬حقيقي‭.‬

البداية‭ ‬كانت‭ ‬سنة‭ ‬1990‭ ‬قابلت‭ ‬جمعة‭ ‬فى‭المركز‭ ‬الثقافى‭ ‬الفرنسى ‬بالإسكندرية‭ ‬كان‭ ‬معه‭ ‬كل‭ ‬الرسامين،‭ ‬رسمنى‭ ‬جورج‭ ‬البهجورى‭ ‬وتحدثت‭ ‬مع‭ ‬زهدى‭ ‬العدوى‭ ‬لكنه‭ ‬الوحيد‭ ‬الذى‭ ‬شاهد‭ ‬رسومى‭ ‬وقال‭ ‬لى‭ ‬لو‭ ‬بتحب‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬وعايز‭ ‬تكمل‭ ‬مشروعك‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تأتى‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬يومها‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬أعرف‭ ‬معنى‭ ‬أن‭ ‬لى‭ ‬مشروعا‭: ‬كنت‭ ‬مهرجا‭ ‬كبيرا‭ ‬أعيش‭ ‬على‭ ‬قهوة‭ ‬البوابين‭ ‬فى‭ ‬الإسكندرية‭ ‬وسط‭ ‬مجموعة‭ ‬من‭ ‬أروع‭ ‬المبدعين‭ ‬لم‭ ‬أكن‭ ‬بارعا‭ ‬فى‭ ‬الرسم‭ ‬لكننى‭ ‬كنت‭ ‬مهرجا‭ ‬سليط‭ ‬اللسان‭ ‬وأحب‭ ‬فقط‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير.‬‭ ‬

عندما‭ ‬ذهبت‭ ‬إلى‭ ‬القاهرة‭ ‬وعملت‭ ‬فى‭ ‬مجلة‭ ‬كاريكاتير‭ ‬كنت‭ ‬أذهب‭ ‬من‭ ‬حين‭ ‬إلى‭ ‬آخر‭ ‬إلى‭ ‬مجلة‭ ‬روزا‭ ‬لأقابل‭ ‬جمعة‭ ‬فرحات‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬موجوداً‭ ‬يقابلنى‭ ‬وإن‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬موجوداً‭ ‬تفتح‭ ‬لى‭ ‬الغرفة‭ ‬الذى‭ ‬يزامله‭ ‬فيها‭ ‬الكاتب‭ ‬الساخر‭ ‬عصام‭ ‬حنفى‭ ‬ويقدم‭ ‬لى‭ ‬الساعى‭ ‬الشاى‭ ‬حتى‭ ‬يحضر‭ ‬الأستاذ‭.‬‭ ‬كان‭ ‬استقباله‭ ‬رائعا‭ ‬وحضوره‭ ‬إنسانيا‭ ‬وتوجيهاته‭ ‬دائما‭ ‬فى‭ ‬محلها‭ ‬كان‭ ‬يساعدنى‭ ‬كى‭ ‬أفهم‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬ويشجعنى‭ ‬على‭ ‬ممارسة‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬بجدية‭ ‬أكثر‭ ‬ووعى‭ ‬أكبر‭. ‬مر‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬من‭ ‬الصداقة‭ ‬والمحبة‭ ‬حتى‭ ‬قابلنى‭ ‬فى‭ ‬كافيتيريا‭ ‬المجلس‭ ‬الأعلى‭ ‬وقال‭ ‬لى‭ ‬أعلم‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬فتاة‭ ‬تحبك‭ ‬وتريد‭ ‬الزواج‭ ‬منك‭ ‬وأعتقد‭ ‬أنها‭ ‬مناسبة‭ ‬لا‭ ‬تراوغ‭ ‬ولا‭ ‬تخاف‭ ‬من‭ ‬حياة‭ ‬الاستقرار‭.‬‭ ‬مر‭ ‬وقت‭ ‬طويل‭ ‬وأنت‭ ‬وحدك‭ ‬ويجب‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬لك‭ ‬أسرة‭ ‬فى‭ ‬القاهرة‭ ‬حضر‭ ‬زفافى‭ ‬وكان‭ ‬موجودا‭ ‬فى‭ ‬سبوع‭ ‬ابنى‭ ‬يقدم‭ ‬لى‭ ‬ظرفا‭ ‬به‭ ‬نقود‭ ‬تحية‭ ‬لأول‭ ‬مولود‭.‬‭ ‬عندما‭ ‬عملت‭ ‬فى‭ ‬جريدة‭ ‬العربى‭ ‬الناصري‭.. ‬كان‭ ‬يدفعنى‭ ‬دفعا‭ ‬لأرسم‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬السياسى‭ ‬ورغم‭ ‬أننى‭ ‬كنت‭ ‬أفعل‭ ‬ذلك‭ ‬فى‭ ‬جريدة‭ ‬العربى‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يقول‭ ‬لى‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬أقوى‭ ‬فهو‭ ‬سلاحك‭ ‬الوحيد‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭ ‬فى‭.‬‭ ‬كل‭ ‬مرة‭ ‬كان‭ ‬يعرض‭ ‬عليه‭ ‬أحد‭ ‬أصدقائه‭ ‬من‭ ‬الصحفيين‭ ‬العرب‭ ‬احتياجه‭ ‬لرسام‭ ‬كاريكاتير‭ ‬كان‭ ‬يعرض‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬أسافر‭ ‬وكنت‭ ‬أرفض‭ ‬وكان‭ ‬دائما‭ ‬يقول‭ ‬لى‭ ‬سعيد‭ ‬إنك‭ ‬ترفض‭ ‬السفر‭ ‬ربما‭ ‬تعود‭ ‬بنقود‭ ‬ولكن‭ ‬ستخسر‭ ‬جزء‭ ‬كبير‭ ‬من‭ ‬نفسك،‭ ‬جمعة‭ ‬لم‭ ‬يترك‭ ‬مصر‭ ‬ولم‭ ‬يجر‭ ‬وراء‭ ‬المادة‭ ‬وإنما‭ ‬اسمه‭ ‬الكبير‭ ‬وفنه‭ ‬جعلوه‭ ‬دائما‭ ‬يعمل‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬مكان‭ ‬فكان‭ ‬أحد‭ ‬المبدعين‭ ‬الكبار‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬الكاريكاتير‭.‬

‏‭ ‬فى‭ ‬برنامجه‭ ‬‮«‬جمعة‭ ‬كل‭ ‬جمعة‮«‬‭ ‬وهو‭- ‬أول‭ ‬برنامج‭ ‬تخصص‭ ‬فى‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭- ‬كان‭ ‬يحرص‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تظهر‭ ‬وسائل‭ ‬التوصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬أن‭ ‬ينقل‭ ‬لنا‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬فى‭ ‬أجمل‭ ‬صورة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬وكان‭ ‬لديه‭ ‬حضور‭ ‬وخفة‭ ‬ظل‭ ‬وبراعة‭ ‬فى‭ ‬قراءة‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬جعلت‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬يدخل‭ ‬كل‭ ‬بيت،‭ ‬وبعد‭ ‬مرور‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬فى‭ ‬برنامجه‭ ‬قرر‭ ‬أن‭ ‬يستضيف‭ ‬كل‭ ‬فنان‭ ‬مصرى‭ ‬ليحكى‭ ‬عن‭ ‬تاريخه‭ ‬وذكرياته‭ ‬وحكاياته‭ ‬مع‭ ‬هذا‭ ‬الفن،‭ ‬ولقد‭ ‬ظهرت‭ ‬معه‭ ‬مرتين‭ ‬مرة‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬نفسى‭ ‬ومرة‭ ‬عن‭ ‬طوغان،‭ ‬قلت‭ ‬له‭ ‬ذات‭ ‬يوم‭ ‬إننى‭ ‬أخجل‭ ‬منك‭ ‬فكلما‭ ‬ظهرت‭ ‬فى‭ ‬أحد‭ ‬البرامج‭ ‬تذكرت‭ ‬حجازى‭ ‬وجاهين‭ ‬وحسن‭ ‬حاكم‭ ‬ولا‭ ‬أتذكرك‭ ‬فكان‭ ‬يقول‭ ‬لى‭ ‬أنا‭ ‬أيضا‭ ‬عندما‭ ‬أظهر‭ ‬فى‭ ‬التلفزيون‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬أساتذتى‭ ‬جاهين،‭ ‬حجازي،‭ ‬حسن‭ ‬حاكم‭ ‬وصلاح‭ ‬الليثى‭ ‬ولا‭ ‬أذكرك‭ ‬إنهم‭ ‬أساتذتى‭ ‬الذين‭ ‬أفخر‭ ‬بهم‭ ‬وسعيد‭ ‬أنك‭ ‬تذكرهم‭.‬

كان‭ ‬جمعة‭ ‬بسيطا‭ ‬وطيبا‭ ‬وودودا‭ ‬فى‭ ‬علاقته‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬الرسامين،‭ ‬ولقد‭ ‬منحنى‭ ‬صداقته‭ ‬وأبوته‭ ‬وجعلنى‭ ‬فى‭ ‬لحظات‭ ‬الضيق‭ ‬كاتم‭ ‬العديد‭ ‬من‭ ‬أسراره‭ ‬ولم‭ ‬يشعرنى‭ ‬لحظة‭ ‬بفارق‭ ‬السن،‭ ‬كان‭ ‬دائما‭ ‬أكثرنا‭ ‬شبابا‭ ‬وحيوية‭ ‬وفى‭ ‬علاقته‭ ‬بالجمعية‭ ‬عندما‭ ‬انقطع‭ ‬دعم‭ ‬وزارة‭ ‬الثقافة‭ ‬كان‭ ‬جمعة‭ ‬هو‭ ‬الداعم‭ ‬والممول‭ ‬الأكبر‭ ‬لكل‭ ‬نشاط‭ ‬أو‭ ‬فاعلية‭ ‬وكان‭ ‬آخر‭ ‬توقيع‭ ‬لجمعة‭ ‬على‭ ‬مشروع‭ ‬إنشاء‭ ‬متحف‭ ‬للكاريكاتير‭ ‬العربى‭ ‬الذى‭ ‬يؤسسها‭ ‬لكاتب‭ ‬الساخر‭ ‬عماد‭ ‬جمعة‭.‬

‏‭ ‬لآخر‭ ‬لحظة‭ ‬كان‭ ‬معنا‭ ‬يشاركنا‭ ‬كل‭ ‬مشاكلنا‭ ‬ويحرص‭ ‬على‭ ‬حلها‭ ‬لعله‭ ‬الآن‭ ‬هناك‭ ‬يجلس‭ ‬مع‭ ‬العظماء‭ ‬فى‭ ‬عالمه‭ ‬الآخر‭ ‬صاروخان‭ ‬ورخا‭ ‬وزهدى‭ ‬وجاهين‭ ‬وصلاح‭ ‬الليثى‭ ‬ومحيى‭ ‬اللباد‭ ‬وبطراوى‭ ‬ورءوف‭ ‬عياد‭ ‬وحجازى‭ ‬ومحسن‭ ‬جابر‭ ‬ومصطفى‭ ‬حسين‭ ‬وحسن‭ ‬حاكم‭ ‬يضحك‭ ‬من‭ ‬قلبه‭ ‬ويحكى‭ ‬لهم‭ ‬عما‭ ‬وصل‭ ‬إليه‭ ‬فن‭ ‬الكاريكاتير‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬والعالم‭ ‬تحية‭ ‬إلى‭ ‬الرجل‭ ‬الذى‭ ‬أحبنا‭ ‬فاحببناه‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة