كاريكاتير لجمعة
كاريكاتير لجمعة


البستان

فاطمة على تكتب : «جمعة فرحات» .. يثير العقل ولا يُخدره بالضحك

أخبار الأدب

السبت، 30 أكتوبر 2021 - 03:55 م

فى‭ ‬فترة‭ ‬حياة‭ ‬الفنان‭ ‬الكبير‭ ‬جمعة‭ ‬فرحات‭ ‬رسام‭ ‬الكاريكاتور‭ ‬الغالب‭ ‬عليه‭ ‬الفكر‭ ‬السياسى‭ ‬القومى‭ ‬العربى‭ ‬قدم‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الرسومات‭ ‬الهامة‭ ‬والـتأريخية‭ ‬لقضية‭ ‬شعب‭ ‬فلسطين‭ ‬التى‭ ‬ضمتها‭ ‬أحد‭ ‬كتبه‭ ‬الهامة‭ ‬‮«‬سلام‭ ‬الدم‮»‬‭ ‬حافظاً‭ ‬لها‭ ‬وتأريخاً‭ ‬لأحداث‭ ‬معاصرة‭ ‬للقضية‭ ‬بالرسم‭ ‬وليس‭ ‬بالكلمات‭ .‬‭. ‬قدم‭ ‬بها‭ ‬شهادته‭ ‬لأحداث‭ ‬عاصرها‭ ‬وعاصرناها‭ ‬وعاصرتها‭ ‬أجيال‭ ‬وساسة‭ ‬عرب‭ ‬وشعوب‭ ‬من‭ ‬العالم‭ ‬تابعوها‭.. ‬وقد‭ ‬جعل‭ ‬خطوط‭ ‬قلمه‭ ‬الكاريكاتوري‭ ‬رسوماً‭ ‬ناظر‭ ‬منظومة‭ ‬محكمة‭ ‬من‭ ‬الفكرالصهيونى‭ ‬فى‭ ‬كيفية‭ ‬ابتلاع‭ ‬الأرض‭ ‬وسرقة‭ ‬التاريخ‭  ‬ويُفسر‭ ‬فكراً‭ ‬دون‭ ‬كلمات‭.. ‬وظل‭ ‬‮«‬جمعة‭ ‬‮»‬‭ ‬الرسام‭ ‬المثقف‭ ‬يدعم‭ ‬ذهن‭ ‬مشاهديه‭ ‬ويمدهم‭ ‬ببعد‭ ‬آخر‭ ‬ومفاهيميه‭ ‬تتواصل‭ ‬بها‭ ‬الثقافات‭ ‬بين‭ ‬الفن‭ ‬والسياسة‭ ‬وكلاهما‭ ‬لغة‭ ‬عالمية‭ ‬حتى‭ ‬لا‭ ‬تبدو‭ ‬رسومه‭ ‬ومادته‭ ‬التى‭ ‬جعلها‭ ‬‮«‬للمقاومة‮»‬‭ ‬مشهد‭ ‬معزول‭ ‬عن‭ ‬عمل‭ ‬العقل‭ ‬ومتعة‭ ‬التأمل‭ ‬وذلك‭ ‬إضافة‭ ‬للجمالية‭ ‬البصرية‭ ‬للخط‭ ‬وما‭ ‬يرسم‭.. ‬ثم‭ ‬رحل‭ ‬فى‭ ‬هدوء‭ ‬تاركاً‭ ‬جزءاً‭ ‬من‭ ‬روحه‭ ‬وفكره‭ ‬عاصفاً‭ ‬فوق‭ ‬أوراق‭ ‬الرسم‭..‬

وقد‭ ‬شاهدت‭ ‬للراحل‭ ‬الرائع‭ ‬رسم‭ ‬تناظرى‭ ‬بين‭ ‬الأدب‭ ‬وأحداث‭ ‬الواقع‭ ‬رسم‭ ‬أدهشنى‭ ‬ولم‭ ‬يُضحكنى‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬يُطلق‭ ‬عليه‭ ‬فن‭ ‬كاريكاتورى‭ .. ‬لأن‭ ‬الراحل‭ ‬جمعة‭ ‬الكاريكاتورى‭ ‬لا‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬جذب‭ ‬الابتسامة‭ ‬بل‭ ‬يعمل‭ ‬على‭ ‬أخذك‭ ‬مباشرة‭ ‬إلى‭ ‬مناطق‭ ‬العقل‭ ‬النقدى‭ .. ‬الرسم‭ ‬هو‭ ‬تعبير‭ ‬صارخ‭ ‬وصريح‭ ‬عن‭ ‬الوضع‭ ‬الفلسطينى‭ ‬والسارق‭ ‬الصهيونى‭ .. ‬الرسم‭ ‬مستوحى‭ ‬من‭ ‬رواية‭ ‬‮«‬العجوز‭ ‬والبحر‮»‬‭ ‬للأديب‭ ‬العالمى‭ ‬‮«‬إرنست‭ ‬هيمنجواى‮»‬‭ ‬لذلك‭ ‬العجوز‭ ‬الذى‭ ‬خاض‭ ‬البحر‭ ‬ليلة‭ ‬بأكملها‭ ‬للإصطياد‭ ‬وربط‭ ‬صيده‭ ‬الثمين‭ ‬على‭ ‬جانب‭ ‬مركبه‭ ‬البسيط‭ ‬الغير‭ ‬مُهيئ‭ ‬للصيد‭ ‬الضخم‭.. ‬وفى‭ ‬أثناء‭ ‬عودته‭ ‬جذب‭ ‬صيده‭ ‬قروش‭ ‬البحر‭ ‬يمزقونه‭ ‬ويلتهموه‭ ‬قطعة‭ ‬قطعة‭.. ‬وكان‭ ‬العجوز‭ ‬يحاربهم‭ ‬بالضرب‭ ‬بمجداف‭ ‬مركبه‭ ‬الخشبى‭ ‬الضعيف‭ ‬وطوال‭ ‬رحلة‭ ‬العودة‭ ‬كان‭ ‬يتناقص‭ ‬جسد‭ ‬سمكته‭ ‬العملاقه‭ ‬حتى‭ ‬لم‭ ‬يبق‭ ‬منها‭ ‬إلا‭ ‬هيكلها‭ ‬العظمى‭.. ‬فى‭ ‬رسم‭ ‬جمعة‭ ‬هذا‭ ‬المُبكى‭ ‬اللامُضحك‭ .. ‬العجوز‭ ‬هو‭ ‬الزعيم‭ ‬الفلسطينى‭ ‬‮«‬ياسر‭ ‬عرفات‮»‬‭ .. ‬وقروش‭ ‬البحر‭ ‬الخمسة‭ ‬التى‭ ‬أحاطت‭ ‬مركبه‭ ‬هى‭ ‬للسارق‭ ‬الصهيونى‭ ‬ملتهم‭ ‬الأرض‭ ‬ومُزيف‭ ‬التاريخ‭ .. ‬وقد‭ ‬لخص‭ ‬جمعة‭ ‬من‭ ‬الظاهر‭ ‬ما‭ ‬حدث‭ ‬فوق‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬لحكاية‭ ‬العجوز‭ ‬الذى‭ ‬أحاطته‭ ‬الحيتان‭ ‬وأكلت‭ ‬سمكته‭ ‬الغنيمة‭.. ‬هذا‭ ‬الرسم‭ ‬أرى‭ ‬فيه‭ ‬أن‭ ‬أفكار‭ ‬الأشياء‭ ‬بطريقة‭ ‬ما‭ ‬هى‭ ‬الحقيقة‭ ‬الحقيقية‭.‬

جمعه‭ ‬ذهن‭ ‬وقلم‭ ‬مثقف

هذا‭ ‬الرسم‭ ‬المفاهيمى‭ ‬لرسام‭ ‬مثقف‭ ‬لم‭ ‬يكن‭ ‬هدفه‭ ‬ممارسة‭ ‬هذا‭ ‬الفن‭ ‬الخطير‭ ‬للإضحاك‭ ‬بل‭ ‬ليستفز‭ ‬العقل‭ ‬العربى‭ ‬للاستفاقه‭ ‬وليس‭ ‬للضحك‭ .. ‬وأيضاً‭ ‬برسوماته‭ ‬الفلسفية‭ ‬فى‭ ‬عالمنا‭ ‬السياسى‭ ‬الطاحن‭ ‬أضاف‭ ‬مفاهيم‭ ‬كثيرة‭ ‬وأيضاً‭ ‬نقد‭ ‬وتعبير‭ ‬وتفسير‭ ‬واستهجان‭ ‬وربطه‭ ‬بشكل‭ ‬وثيق‭ ‬بجمال‭ ‬الرسم‭ ‬وسهولته‭ ‬وفى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭ ‬بعمقه‭ ‬كمفهوم‭ ‬وفلسفة‭ ‬وموقف‭ .. ‬

فكان‭ ‬بمجموع‭ ‬رسوماته‭ ‬بالرصد‭ ‬الحديث‭ ‬لتبعيات‭ ‬سرقة‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬قدم‭ ‬الصورة‭ ‬الانتقادية‭ ‬الدرامية‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬البكاء‭ ‬على‭ ‬النفس‭.. ‬لتصبح‭ ‬المفارقة‭ ‬بين‭ ‬الواقع‭ ‬وما‭ ‬على‭ ‬السطح‭ ‬الورقى‭ ‬المرسوم‭ ‬أكثر‭ ‬غرابة‭ ‬حين‭ ‬نتطلع‭ ‬لرسوماته‭ ‬حول‭ ‬شخصية‭ ‬السياسى‭ ‬الصهيونى‭ ‬سارق‭ ‬الأرض‭ ‬والتاريخ‭ ‬المنتفخ‭ ‬شراهة‭ ‬دوما‭ ‬وأقرب‭ ‬للروبوت‭ ‬الوحشى‭.. ‬يضعها‭ ‬تحت‭ ‬الميكروسكوب‭ ‬النفسى‭ ‬رغم‭ ‬أننا‭ ‬جميعا‭ ‬نعيشها‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭ ‬وللأسف‭ ‬تعايش‭ ‬معها‭ ‬نسبياً‭ ‬الشعب‭ ‬المسروق‭.‬

وهو‭ ‬لم‭ ‬يخجل‭ ‬كعربى‭ ‬من‭ ‬انتقاد‭ ‬الذات‭ ‬بل‭ ‬والسخرية‭ ‬منها‭ ‬عله‭ ‬تحدث‭ ‬استفاقة‭ .. ‬إستفاقة‭ ‬مؤلمة‭ ‬لكن‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬تحدث‭ .. ‬ولم‭ ‬تحدث‭.. ‬لكن‭ ‬جمعة‭ ‬حاول‭ ‬المقاومة‭ ‬بالخط‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تقودنا‭ ‬دوماً‭ ‬مرة‭ ‬أخرى‭ ‬إلى‭ ‬منطقة‭ ‬التواجه‭ ‬الذى‭ ‬لا‭ ‬يقبل‭ ‬أى‭ ‬تفسيرات‭ ‬غير‭ ‬ذاته‭ .. ‬وجهًا‭ ‬لوجه‭ ‬مع‭ ‬واقع‭ ‬وحشى‭ ‬لا‭ ‬يصلح‭ ‬معه‭ ‬الانسحاب‭ ‬إلى‭ ‬الرؤى‭ ‬الداخلية‭ ‬وحسب‭.. ‬فكان‭ ‬قلمه‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬ذلك‭ ‬الواقع‭ ‬الوحشى‭.. ‬وقد‭ ‬واجهه‭ ‬بتحريك‭ ‬قلمه‭ ‬على‭ ‬الورق‭ ‬بشكل‭ ‬سحرى‭ ‬جاذب‭ ‬لعقول‭ ‬متابعيه‭ ‬وقراء‭ ‬الجرائد‭ ‬والمجلات‭ ‬التى‭ ‬عمل‭ ‬بها‭ ‬الصادرة‭ ‬بلغتنا‭ ‬وبلغة‭ ‬العالم‭ .. ‬وأيضاً‭ ‬بمجموعة‭ ‬كتبه‭ ‬الناقدة‭ ‬منسقا‭ ‬أدواته‭ ‬بذكاء‭ ‬بين‭ ‬اليد‭ ‬والعين‭ ‬والذهن‭ ‬لصناعة‭ ‬موقف‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬كاريكاتور،‭ ‬بل‭ ‬موقف‭ ‬كاريكاتورى‭ ‬لأن‭ ‬الواقع‭ ‬أصلاً‭ ‬كاريكاتورى‭ ‬غير‭ ‬منطقى‭. ‬

أسلوب‭ ‬ثنائيات‭ ‬وتقابلات‭ ‬الصورة‭ ‬

اعتمد‭ ‬الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬على‭ ‬الثنائيات‭ ‬وإحداث‭ ‬المقابلات‭ ‬بينهما‭ ‬داخل‭ ‬الصورة‭ ‬ليُثير‭ ‬العقل‭ ‬ويُظهر‭ ‬المفارقة‭ ‬ويوضح‭ ‬كلا‭ ‬منهما‭ ‬الآخر‭ .. ‬وهذه‭ ‬المفارقة‭ ‬تحقق‭ ‬الهدف‭ ‬دون‭ ‬شرح‭ ‬كلمات‭.. ‬فرسومه‭ ‬تقدم‭ ‬نفسها‭ ‬كما‭ ‬بدأ‭ ‬واضحاً‭ ‬بليغاً‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬سلام‭ ‬الدم‮»‬‭ ‬الذى‭ ‬يُعد‭ ‬مرجعية‭ ‬بصرية‭ ‬لتاريخ‭ ‬وفعل‭ ‬الفكر‭ ‬الصهيونى‭ ‬فى‭ ‬مقابل‭ ‬ثنائيته‭ ‬أو‭ ‬طرفه‭ ‬الثانى‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬يفارقه‭ ‬فى‭ ‬الواقع‭ ‬وهو‭ ‬المقاوم‭ ‬الفلسطينى‭.. ‬كلاهما‭ ‬يؤرخ‭ ‬للآخر‭ ‬بالرسم‭ ‬والقلم‭ ‬الرابيدو‭ ‬الأسود‭ ‬دون‭ ‬ضجيج‭ ‬أو‭ ‬صراخ‭ ‬لون‭.. ‬فمهما‭ ‬صرخ‭ ‬اللون‭ ‬فإن‭ ‬صراخ‭ ‬الواقع‭ ‬أعنف‭ ‬وأشرس‭ ‬لأن‭ ‬مادته‭ ‬الدماء‭.. ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬جعل‭ ‬الخط‭ ‬المجرد‭ ‬صارخ‭ ‬فى‭ ‬ذاته‭.. ‬وهذا‭ ‬التناظر‭ ‬فى‭ ‬الرسم‭ ‬هو‭ ‬صورة‭ ‬للتناظر‭ ‬النفسى‭ ‬المحرك‭ ‬للقلم‭ ‬وللفكرة‭ ‬بين‭ ‬موقفين‭ ‬وضعهما‭ ‬الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬أحدهما‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬الآخر‭.. ‬فى‭ ‬مواقف‭ ‬تناظرية‭ ‬لا‭ ‬تدعو‭ ‬للضحك‭ ‬كاريكاتورياً‭ ‬بل‭ ‬هى‭ ‬بكائيات‭ ‬تؤرخ‭ ‬لاستمرار‭ ‬اغتصاب‭ ‬فلسطين‭.‬

‭ ‬وإلى‭ ‬جانب‭ ‬اهتمام‭ ‬الفنان‭ ‬بالتناظر‭ ‬نجده‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬بُعدين‭ ‬مباشرين‭ ‬كى‭ ‬يؤكد‭ ‬من‭ ‬وراء‭ ‬رسمه‭ ‬على‭ ‬البعد‭ ‬الرابع‭ ‬الزمنى‭ ‬القائم‭ ‬منذ‭ ‬بدايته‭ ‬على‭ ‬تشويه‭ ‬الحقائق‭ .. ‬متخطياً‭ ‬البعد‭ ‬الثالث‭ ‬لأنه‭ ‬الواقع‭ ‬ونحن‭ ‬نعيشه‭ ‬بالفعل‭ .. ‬ونرى‭ ‬التباين‭ ‬فى‭ ‬رسومات‭ ‬جمعة‭ ‬بين‭ ‬التسطيح‭ ‬ثنائى‭ ‬الأبعاد‭ ‬لسطح‭ ‬الورقة‭ ‬ووهم‭ ‬الحجم‭ ‬ثلاثى‭ ‬الأبعاد‭ ‬التى‭ ‬يعتمد‭ ‬على‭ ‬إقامتها‭ ‬بإعتماد‭ ‬بعض‭ ‬رسوماته‭ ‬على‭ ‬المنظور‭ ‬الذى‭ ‬ظهر‭ ‬فى‭ ‬عدد‭ ‬قليل‭ ‬من‭ ‬لوحاته‭ .. ‬كرسمه‭ ‬الذى‭ ‬يضم‭ ‬نجمة‭ ‬داوود‭ ‬التى‭ ‬يُقام‭ ‬داخلها‭ ‬كمكعبات‭ ‬مجسمة‭ ‬حياة‭ ‬صهيونية‭ ‬ومستوطنات‭ ‬فى‭ ‬القلب‭ ‬بينما‭ ‬ملقاة‭ ‬بعيداً‭ ‬خارج‭ ‬الأطراف‭ ‬خيام‭ ‬لاجئين‭ ‬أصحاب‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينيين‭ .. ‬كذلك‭ ‬فى‭ ‬رسمه‭ ‬لـ‭ ‬‮«‬لعبة‭ ‬الشطرنج‮»‬‭.. ‬وأيضاً‭ ‬رسمه‭ ‬بمنظورين‭ ‬لرسمين‭ ‬فى‭ ‬كلاهما‭ ‬تبدأ‭ ‬نجمة‭ ‬داوود‭ ‬من‭ ‬أسفل‭ ‬الورقة‭ ‬ممتدة‭ ‬إلى‭ ‬عمقها‭ ‬حيث‭ ‬قبة‭ ‬الصخرة‭ ‬والمسجد‭ ‬الأقصى‭ ‬وفى‭ ‬إحدهما‭ ‬تخرج‭ ‬‮«‬يد‭ ‬تخنق‭ ‬حمامة‭ ‬بيضاء‭ ‬تحلق‮»‬‭ .. ‬وفى‭ ‬االثانية‭ ‬‮«‬تنتهى‭ ‬برأس‭ ‬ثعبان‮»‬‭ ‬بفم‭ ‬مفتوح‭ ‬كى‭ ‬يلتهم‭ ‬المسجد‭ .. ‬وأيضاً‭ ‬تكرر‭ ‬الفم‭ ‬المفتوح‭ ‬لابتلاع‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬هو‭ ‬أمامه‭ ‬فى‭ ‬رسمين‭ ‬آخرين‭ ‬إحدهما‭ ‬فم‭ ‬لرئيس‭ ‬وزراء‭ ‬صهيون‭ ‬مفتوح‭ ‬عن‭ ‬آخره‭ ‬لالتهام‭ ‬المسجد‭ ‬ويد‭ ‬أخرى‭ ‬داعمة‭ ‬على‭ ‬الجانب‭ ‬المقابل‭ ‬تدفع‭ ‬بالمسجد‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬الفم‭ .. ‬ورسم‭ ‬الفم‭ ‬الآخر‭ ‬ضم‭ ‬فماً‭ ‬ضخماً‭ ‬لمستوطن‭ ‬صهيونى‭ ‬انشق‭ ‬وجهه‭ ‬عن‭ ‬فم‭ ‬ضخم‭ ‬مفتوح‭ ‬وأمامه‭ ‬اثنين‭ ‬من‭ ‬زعماء‭ ‬صهيون‭ ‬يدفعون‭ ‬بالأرض‭ ‬الفلسطينية‭ ‬إلى‭ ‬داخل‭ ‬الفم‭ ‬ليلتهمها‭ ‬بالكامل‭.. ‬ولنلاحظ‭ ‬أن‭ ‬الأيادى‭ ‬والأفواه‭ ‬هما‭ ‬ما‭ ‬ركز‭ ‬عليهما‭ ‬الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬فالأيادى‭ ‬أداة‭ ‬السارق‭ ‬لفعل‭ ‬السرقة‭.. ‬والأفواه‭ ‬التى‭ ‬ابتلعت‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬سرق‭.. ‬ولازالت‭ ‬على‭ ‬ذات‭ ‬الشهية‭ ‬لالتقام‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬الأرض‭. ‬

القاسم‭ ‬المشترك‭ ‬بين‭ ‬السارق‭ ‬والمسروق

‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬سارق‭ ‬الأرض‭ .. ‬والمسروقة‭ ‬أرضه‭.. ‬قدمها‭ ‬كثيراً‭ ‬الفنان‭ ‬جمعة‭ ‬صاحب‭ ‬الرأى‭ ‬ووجهة‭ ‬النظر‭ ‬المؤرخ‭ ‬لأجيال‭ ‬لم‭ ‬تشهد‭ ‬ولم‭ ‬تقرأ‭ ‬عما‭ ‬يحدث‭ ‬على‭ ‬الأرض‭ ‬الفلسطينية‭.. ‬فنجد‭ ‬دائماً‭ ‬فى‭ ‬متناظرات‭ ‬رسمه‭ ‬نجد‭ ‬تلاقى‭ ‬السارق‭ ‬والمسروق‭ ‬وجهاً‭ ‬لوجه‭ ‬كطرفين‭ ‬ربطت‭ ‬مصيرهما‭ ‬معا‭ ‬أرض‭ ‬فلسطين‭.‬‭. ‬لنجد‭ ‬أحدهما‭ ‬يحدق‭ ‬فى‭ ‬الآخر‭ ‬بجرأة‭ ‬ساخراً‭ ‬جشعاً‭ ‬وسعيداً‭ ‬وهو‭ ‬الصهيونى‭ ‬ورغم‭ ‬أنه‭ ‬السارق‭ ‬إلا‭ ‬أنه‭ ‬يحدق‭ ‬بجرأة‭ ‬وثقة‭.. ‬والآخر‭ ‬إرادته‭ ‬مقيدة‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬صاحب‭ ‬الحق‭.. ‬وأعتقد‭ ‬أن‭ ‬العنصر‭ ‬المبكى‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬المقابلات‭ ‬فى‭ ‬رسوم‭ ‬جمعة‭ ‬أكسبتها‭ ‬غضب‭ ‬عارم‭ ‬وشعبية‭ ‬كبيرة‭.. ‬حتى‭ ‬أصبحا‭ ‬كالعلامة‭ ‬التجارية‭ ‬لشعبية‭ ‬السارق‭ ‬ووحدة‭ ‬المسروق‭..‬

مجموع‭ ‬لوحاته‭  ‬سيزيفية‭ ‬المعاناة

هذه‭ ‬المشاهد‭ ‬العبثية‭ ‬التى‭ ‬رسمها‭ ‬جمعة‭ ‬لقدر‭ ‬توحش‭ ‬وبجاحة‭ ‬السارق‭ ‬بدت‭ ‬من‭ ‬العبث‭ ‬أن‭ ‬أصبح‭ ‬يتقن‭ ‬أدائها‭ ‬الشخصان‭ ‬المتقابلان‭ ‬كالقاتل‭ ‬والمقتول‭ ‬وتكرار‭ ‬فعل‭ ‬القتل‭ ‬اليومى‭ ‬بصور‭ ‬مبتكرة‭ ‬بذلك‭ ‬التواجه‭ ‬اليومى‭ ‬والتكرار‭ ‬الأبدى‭.. ‬فكل‭ ‬يوم‭ ‬يتكرر‭ ‬نفس‭ ‬فعل‭ ‬الاغتصاب‭.. ‬تماما‭ ‬ككل‭ ‬يوم‭ ‬على‭ ‬‮«‬سيزيف‮»‬‭ ‬فى‭ ‬الأسطورة‭ ‬حمل‭ ‬صخرته‭ ‬والصعود‭ ‬بها‭ ‬لأعلى‭ ‬جبل‭ ‬النار‭ ‬الليلى‭ ‬لتهبط‭ ‬من‭ ‬أعلى‭ ‬ليهبط‭ ‬وراءها‭ ‬يلتقطها‭ ‬فوق‭ ‬ظهره‭ ‬ليصعد‭ ‬من‭ ‬جديد‭ ‬إلى‭ ‬لا‭ ‬نهاية‭.. ‬لا‭ ‬تستقر‭ ‬الصخرة،‭ ‬ولا‭ ‬هو‭ ‬يتوقف‭ ‬عن‭ ‬مقاومة‭ ‬سقوطها‭ .. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬رأيته‭ ‬واضحاً‭ ‬من‭ ‬سلسلة‭ ‬أعمال‭ ‬جمعة‭ ‬والمواقف‭ ‬التى‭ ‬تجمع‭ ‬صعوداً‭ ‬وهبوطاً‭ ‬نفسياً‭ ‬وفيزيقياً‭ ‬بين‭ ‬الصهيونى‭ ‬والفلسطينى‭ .. ‬ويستمر‭ ‬ممارسة‭ ‬الواقع‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يرفض‭ ‬أحدهما‭ ‬القيام‭ ‬بدوره‭ .. ‬فهناك‭ ‬ما‭ ‬يشبه‭ ‬اتفاق‭ ‬وعقد‭ ‬ضمنى‭ ‬للتشارك‭ ‬معا‭ ‬وعدم‭ ‬تنازل‭ ‬أحدهما‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬التمرين‭ ‬اليومى‭ ‬من‭ ‬شخصان‭ ‬يمثلان‭ ‬جهتان‭ ‬متمردتان‭ ‬إلى‭ ‬الوقت‭ ‬الحالى‭.. ‬دون‭ ‬أى‭ ‬عائد‭ ‬أو‭ ‬فائدة‭ ‬إلا‭ ‬بذل‭ ‬الجهد‭ ‬والروح‭ ‬تماماً‭ ‬كإنسان‭ ‬يمشى‭ ‬إلى‭ ‬الأبد‭.‬

مجموع‭ ‬رسومات‭ ‬الفنان‭ ‬الراحل‭ ‬الكبير‭ ‬عن‭ ‬الصهيونى‭ ‬والفلسطينى‭ ‬والسرقة‭ ‬والضياع‭ ‬نرى‭ ‬من‭ ‬مجموع‭ ‬أوراقها‭ ‬الزاحفة‭ ‬بخطوطها‭ ‬مدفوعة‭ ‬بقوة‭ ‬دفع‭ ‬من‭ ‬الفعل‭ ‬الصهيونى‭ ‬يقابله‭ ‬بالتناظر‭ ‬رد‭ ‬فعل‭ ‬فلسطينى‭ ‬أو‭ ‬استسلام‭ ‬ضمنى‭ ‬للفعل‭.. ‬لذلك‭ ‬امتدت‭ ‬هذه‭ ‬الرسومات‭ ‬لتكمل‭ ‬الحلقه‭ ‬بـ«المقاومة‮»‬‭ ‬وكثرت‭ ‬الرسومات‭ ‬ولم‭ ‬يتغير‭ ‬ما‭ ‬على‭ ‬الأرض‭.. ‬لكنها‭ ‬أوراق‭ ‬للتاريخ‭  ‬قد‭ ‬تملأ‭ ‬يوماً‭ ‬ما‭ ‬تبقى‭ ‬من‭ ‬ذاكرتنا‭ ‬البالية‭ ‬أو‭ ‬المغيبة‭ ‬أو‭ ‬التى‭ ‬ملت‭ ‬من‭ ‬كثرة‭ ‬تكرار‭ ‬نفس‭ ‬الأفعال‭ ‬وصدماتها‭ ‬بين‭ ‬صعود‭ ‬وهبوط‭ ‬على‭ ‬التوالى‭ ‬فوق‭ ‬مساحة‭ ‬أرض‭ ‬محدودة‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬كتيبة‭ ‬الفاعلين‭.. ‬إنها‭ ‬من‭ ‬أكثر‭ ‬الرسومات‭ ‬استحالة‭ ‬التى‭ ‬بدت‭ ‬لنا‭ ‬كأنها‭ ‬ستستمر‭ ‬فى‭ ‬ديمومة‭ ‬أبدية‭ .. ‬وإن‭ ‬كفت‭ ‬وتوقفت‭ ‬فإن‭ ‬رسومات‭ ‬جمعة‭ ‬تؤرخ‭ ‬بمرارة‭ ‬عن‭ ‬انهزام‭ ‬جمعى‭ ‬داخلى‭ ‬محفوظ‭ ‬داخل‭ ‬التاريخ‭ ‬وداخل‭ ‬كتابه‭ ‬التأريخى‭ ‬‮«‬اسلام‭ ‬الدم‮»‬‭  ‬الذى‭ ‬برسوماته‭ ‬هو‭ ‬نوع‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬الوجودى‭ ‬الحزين‭ ‬المتشائم‭ ‬فضلاً‭ ‬عن‭ ‬كونه‭ ‬يثير‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬الأسئلة‭ ‬العميقة‭ ‬للغاية‭ ‬والأكثر‭ ‬عبثاً‭ ‬فى‭ ‬تاريخ‭ ‬البشرية‭.. ‬بدت‭ ‬للآن‭ ‬رسوماته‭ ‬لصراع‭ ‬الأرض‭ ‬فى‭ ‬تصاعد‭ ‬وانحدار‭ ‬بشكل‭ ‬رهيب‭ .. ‬ولم‭ ‬توصلنا‭ ‬لشىء‭.. ‬إلى‭ ‬اللا‭ ‬مكان‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة