‬حسن‭ ‬حنفى‭
‬حسن‭ ‬حنفى‭


د. مصطفى النشار يكتب : حسن حنفى.. يختتم مشروعه الفلسفى بتفسير القرآن

أخبار الأدب

السبت، 30 أكتوبر 2021 - 04:49 م

لا‭ ‬شك‭ ‬أن‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬الذى‭ ‬رحل‭ ‬عنا‭ ‬جسدا‭ ‬فى‭ ‬الحادى‭ ‬والعشرين‭ ‬من‭ ‬أكتوبر‭ ‬الحالى‭ ‬يعتبر‭ ‬من‭ ‬أهم‭ ‬الفلاسفة‭ ‬المسلمين‭ ‬فى‭ ‬عالم‭ ‬اليوم‭ ‬وربما‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬العصور،‭ ‬فمؤلفاته‭ ‬ومترجماته‭ ‬تزين‭ ‬أرفف‭ ‬معظم‭ ‬مكتبات‭ ‬العالم‭ ‬شرقه‭ ‬وغربه،‭ ‬وهو‭ ‬الوحيد‭ ‬بين‭ ‬فلاسفة‭ ‬الإسلام‭ ‬اليوم‭ ‬الذى‭ ‬يذكرنا‭ ‬بتلك‭ ‬الموسوعية‭ ‬والشمول‭ ‬التى‭ ‬كان‭ ‬يتميز‭ ‬بهما‭ ‬فلاسفة‭ ‬الإسلام‭ ‬الأوائل‭ ‬كالفارابى‭ ‬وابن‭ ‬سينا،‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬هؤلاء‭ ‬الفلاسفة‭ ‬الأوائل‭ ‬قد‭ ‬عنوا‭ ‬بالتأويل‭ ‬العقلى‭ ‬للقرآن‭ ‬والتوفيق‭ ‬بين‭ ‬الفلسفة‭ ‬والدين،‭ ‬فإن‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬قد‭ ‬اتسعت‭ ‬رؤيته‭ ‬لتشتمل‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬تثوير‭ ‬التراث‭ ‬وتجديد‭ ‬العقيدة،‭ ‬وإنما‭ ‬أيضا‭ ‬إعادة‭ ‬بناء‭ ‬علوم‭ ‬الأوائل‭ ‬كلها‭ ‬من‭ ‬الفقه‭ ‬وأصول‭ ‬الدين‭ ‬حتى‭ ‬علم‭ ‬الكلام‭ ‬والتصوف‭ ‬والتفسير‭ ‬العقلى‭ ‬الموضوعى‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ذاته‭!.‬

لقد‭ ‬كان‭ ‬أبرز‭ ‬مايميز‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬بين‭ ‬أساتذة‭ ‬جيله‭ ‬هو‭ ‬تلك‭ ‬الروح‭ ‬الفلسفية‭ ‬النقدية‭ ‬التى‭ ‬غرسها‭ ‬فى‭ ‬تلاميذه‭ ‬لدرجة‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬يعرض‭ ‬عليهم‭ ‬ما‭ ‬يكتبه‭ ‬قبل‭ ‬وبعد‭ ‬نشره‭ ‬ليناقشوه‭ ‬فيه‭ ‬وكان‭ ‬يتقبل‭ ‬انتقاداتهم‭ ‬بعقلية‭ ‬منفتحة‭ ‬لا‭ ‬تحجر‭ ‬على‭ ‬رأى‭ ‬بل‭ ‬تشجع‭ ‬عليه‭ ‬وتستفيد‭ ‬منه،‭ ‬وكم‭ ‬تناول‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬نفسه‭ ‬هذه‭ ‬الانتقادات‭ ‬فعرض‭ ‬لها‭ ‬ورد‭ ‬على‭ ‬بعضها‭ ‬فى‭ ‬كثير‭ ‬من‭ ‬مؤلفاته‭ ‬فى‭ ‬طبعاتها‭ ‬التالية‭. ‬إنه‭ ‬كا‭ ‬ن‭ ‬المحرض‭ ‬الأكبر‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تلاميذه‭ ‬أصحاب‭ ‬رأى‭ ‬وأصحاب‭ ‬موقف‭ ‬فلسفى‭. ‬وكم‭ ‬تناولت‭ ‬أنا‭ ‬شخصيا‭ ‬بعض‭ ‬مؤلفاته‭ ‬وآرائه‭ ‬بالنقد‭ ‬حتى‭ ‬ونحن‭ ‬نكتب‭ ‬مؤلفا‭ ‬جماعيا‭ ‬لعرض‭ ‬فلسفته‭ ‬وتكريمه،‭ ‬فكان‭ ‬يستقبل‭ ‬مانكتب‭ ‬مبتسما‭ ‬ودون‭ ‬أن‭ ‬يضيق‭ ‬أو‭ ‬يسفه‭ ‬مانقول‭ ‬حتى‭ ‬ولو‭ ‬كان‭ ‬فيه‭ ‬تجنيا‭ ‬عليه‭ ‬أو‭ ‬عدم‭ ‬فهم‭ ‬لمنهجه‭ ‬ولغاياته‭.‬

وفى‭ ‬هذا‭ ‬المقال‭ ‬أعرض‭ ‬لموقفى‭ ‬النقدى‭ ‬من‭ ‬كتابه‭ ‬‮«‬التفسير‭ ‬الموضوعى‭ ‬للقرآن‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬قرأه‭ ‬فى‭ ‬حياته‭ ‬شاكرا‭ ‬ومرحبا‭ ‬مما‭ ‬يعنى‭ ‬أننا‭ ‬فقدنا‭ ‬برحيله‭ ‬فيلسوفا‭ ‬حقيقيا‭ ‬واسع‭ ‬الأفق‭ ‬رحب‭ ‬الصدر‭.‬

لقد‭ ‬لخص‭ ‬د‭. ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬فى‭ ‬مطلع‭ ‬ذلك‭ ‬الكتاب‭ ‬وفى‭ ‬نصف‭ ‬صفحة‭ ‬فقط‭ ‬رؤيته‭ ‬الشاملة‭ ‬للتجديد،‭ ‬ذلك‭ ‬المشروع‭ ‬الذى‭ ‬بدأ‭ ‬ببيان‭ ‬نظرى‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬‮«‬التراث‭ ‬والتجديد‮»‬‭ ‬حمل‭ ‬خطة‭ ‬المشروع‭ ‬كلها؛‭ ‬فهناك‭ ‬ثلاثة‭ ‬أضلاع‭ ‬لمشروعه‭ ‬التجديدى‭ (‬والمشروع‭ ‬فى‭ ‬الفكر‭ ‬العربى‭ ‬المعاصر‭ ‬هو‭ ‬المقابل‭ ‬لما‭ ‬يسمى‭ ‬مذهب‭ ‬فى‭ ‬الفلسفة‭ ‬الغربية‭)‬؛‭ ‬لكن‭ ‬بينما‭ ‬المذهب‭ ‬الفلسفى‭ ‬يقطع‭ ‬مع‭ ‬الماضى‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬بناء‭ ‬الحاضر،‭ ‬يُعيد‭ ‬المشروع‭ ‬الفكرى‭ ‬بناء‭ ‬الماضى‭ ‬طبقا‭ ‬لمتطلبات‭ ‬الحاضر‭ ‬وهذه‭ ‬الأضلاع‭ ‬هي‭:‬

‭ (‬‮١‬‭) ‬موقفنا‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬القديم

‭(‬‮٢‬‭) ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬التراث‭ ‬الغربى‭.‬

‭(‬‮٣‬‭) ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الواقع

ويتمثل‭ ‬الضلع‭ ‬الأول‭ ‬فى‭ ‬المؤلفات‭ ‬التالية‭: ‬

‭- ‬من‭ ‬العقيدة‭ ‬إلى‭ ‬الثورة‭ (‬خمسة‭ ‬أجزاء‭)‬

‭- ‬من‭ ‬النقل‭ ‬إلى‭ ‬الإبداع‭ (‬تسعة‭ ‬أجزاء‭)‬

‭- ‬من‭ ‬النقل‭ ‬إلى‭ ‬الواقع‭ (‬جزآن‭)‬

‭- ‬من‭ ‬النقل‭ ‬إلى‭ ‬العقل‭ (‬خمسة‭ ‬أجزاء‭)‬

أما‭ ‬الضلع‭ ‬الثانى‭ ‬فقد‭ ‬تمثل‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬مؤلفاته‭ ‬الأخرى‭ ‬

وخاصة‭ ‬كتاب‭ ‬‮«‬مقدمة‭ ‬فى‭ ‬علم‭ ‬الاستغراب‮»‬‭ ‬وهى‭ ‬كلها‭ ‬مؤلفات‭ ‬ضخمه‭ ‬احتوت‭ ‬على‭ ‬آلاف‭ ‬الصفحات‭ ‬واستغرفت‭ ‬من‭ ‬صاحبها‭ ‬عشرات‭ ‬السنين‭.‬

أما‭ ‬الضلع‭ ‬الثالث‭ ‬فيتمثل‭ ‬فى‭ ‬كتابه‭ ‬الأضخم‭ ‬‮«‬التفسير‭ ‬الموضوعى‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‮»‬،‭ ‬وهو‭ ‬الذى‭ ‬يمثل‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الواقع‭ ‬وإن‭ ‬جاء‭ ‬فى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬ألف‭ ‬صفحة‭ ‬موزعة‭ ‬على‭ ‬ثمانية‭ ‬أبواب،‭ ‬وكان‭ ‬الأحرى‭ ‬به‭ ‬أن‭ ‬ينشر‭ ‬عبر‭ ‬ثلاثة‭ ‬أجزاء‭. ‬على‭ ‬كل‭ ‬حال‭ ‬فقد‭ ‬فضل‭ ‬فيلسوفنا‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬هكذا‭ ‬فى‭ ‬جزء‭ ‬واحد‭.‬

أما‭ ‬الباب‭ ‬الأول‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬بعنوان‭ ‬نشأة‭ ‬الوعى‭ ‬ويشتمل‭ ‬على‭ ‬فصلين‭ ‬أولهما‭ ‬اشتمل‭ ‬على‭ ‬دراسة‭ ‬موسعة‭ ‬للجسم‭ ‬الإنسانى؛‭ ‬لأجزائه‭ ‬مثل‭ ‬الرأس‭ ‬والشعر‭ ‬واللحية،‭ ‬الوجه‭ ‬واللسان‭ ‬والحلقوم‭ ‬والعنق،‭ ‬الذراع‭ ‬واليد‭ ‬والإصبع،‭ ‬الظهر‭ ‬والصدر‭ ‬والبطن‭ ‬والامعاء‭ ‬والأرحام،‭ ‬الرجل‭ ‬والساق‭ ‬والقدم،‭ ‬كما‭ ‬تناولها‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ومايتعلق‭ ‬بهذا‭ ‬الجسم‭ ‬من‭ ‬متطلبات‭ ‬وحاجات‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬الذكر‭ ‬والأنثى‭ ‬ومايرتبط‭ ‬بحياتهما‭ ‬مثل‭ ‬الطعام‭ ‬والشراب،‭ ‬الجوع‭ ‬والمرض‭ ‬والثانى‭ ‬عن‭ ‬الإدراك‭ ‬الحسى‭ ‬متضمنا‭ ‬تعريفه‭ ‬وأدواته‭ ‬من‭ ‬سمع‭ ‬وبصر‭ ‬وذوق‭ ‬ولمس‭ ‬وشم‭ ‬وميز‭ ‬فيه‭ ‬بين‭ ‬النظر‭ ‬والرؤية‭ ‬ثم‭ ‬أوضح‭ ‬دور‭ ‬القلب‭ ‬والفؤاد‭ ‬واللب‭ ‬وأحوالهم‭ ‬المحايدة‭ ‬كالطبع‭ ‬والختم‭ ‬والربط‭ ‬والأكنة‭ ‬والأقفال،‭ ‬وأحوالهم‭ ‬السلبية‭ ‬كالفزع‭ ‬والرعب‭ ‬والوجل‭ ‬والغفلة‭ ‬واللهو،‭ ‬وأحوالهم‭ ‬الايجابية‭ ‬كالشهادة‭ ‬والوحى‭ ‬والفهم‭ ‬والضمير‭ ‬والطهارة‭ ‬والسكينة‭ ‬والطاعة‭ ‬والطمأنينة‭.. ‬الخ‭.‬

أما‭ ‬الباب‭ ‬الثانى‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬بعنوان‭ ‬الوعى‭ ‬الذاتى‭ ‬ويشتمل‭ ‬على‭ ‬فصلين؛‭ ‬خصص‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬المعرفة‭ ‬العقلية،‭ ‬وتحدث‭ ‬فيه‭ ‬بداية‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬لفظى‭ ‬الوعى‭ ‬والذات‭ ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬النوم‭ ‬واليقظة‭ ‬والظن‭ ‬والاحتمال‭ ‬والشك‭ ‬والريبة‭ ‬واليقين‭ ‬والعقل‭ ‬والفكر‭ ‬والفقه‭ ‬والعلم‭ ‬والمعلوم‭ ‬والعليم‭ ‬والعلام‭ ‬والعالم‭ ‬والمرئى‭ ‬واللامرئى‭ ‬والوحى‭ ‬والتنزيل‭ ‬والكتاب‭ ‬والتفسير‭ ‬والشرح‭ ‬والمراء‭ ‬والجدل‭ ‬والحوار‭ ‬والسؤال‭.. ‬الخ‭.‬أما‭ ‬الفصل‭ ‬الثانى‭ ‬فقد‭ ‬خصصه‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬الإحساس‭ ‬بالزمان،‭ ‬وتناول‭ ‬فيه‭ ‬الوصف‭ ‬القرآنى‭ ‬لألفاظ‭ ‬الزمان‭ ‬والزمان‭ ‬الوجودى‭ ‬الخاص‭ ‬بالدنيا‭ ‬والآخرة‭ ‬والحياة‭ ‬والموت‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬الزمان‭ ‬الطبيعى‭ ‬بكل‭ ‬صوره‭ ‬والزمان‭ ‬النفسى‭ ‬بكل‭ ‬صوره‭ ‬ثم‭ ‬توقف‭ ‬عند‭ ‬الوعى‭ ‬بالزمان‭ ‬القبلى‭ ‬والبعدى‭..‬الخ‭.‬

أما‭ ‬الباب‭ ‬الثالث‭ ‬فقد‭ ‬عرض‭ ‬فيه‭ ‬العواطف‭ ‬والانفعالات‭ ‬ويشتمل‭ ‬على‭ ‬فصلين؛‭ ‬تحدث‭ ‬فى‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬العواطف‭ ‬مميزا‭ ‬كما‭ ‬ميز‭ ‬القرآن‭ ‬بين‭ ‬الود‭ ‬واللطف‭ ‬والرأفة‭ ‬والشفقة‭ ‬والابرام‭ ‬والتكليف‭ ‬والذمة‭ ‬والعفة‭ ‬والظهارة‭ ‬والتحصين‭ ‬والتوبة‭ ‬والعفو‭ ‬والعذر‭ ‬والقبول‭ ‬والصفاء‭ ‬والزهد‭ ‬والوصاية‭ ‬والرعاية‭ ‬والوعظ‭ ‬والوفاء‭ ‬والاستئمان‭ ‬والمنفعة‭ ‬والرحمة‭ ‬والحكم‭ ‬والقضاء‭ ‬والوقار‭ ‬والطيبة‭.. ‬الخ‭..‬،‭ ‬وتحدث‭ ‬فى‭ ‬الفصل‭ ‬الثانى‭ ‬عن‭ ‬الانفعالات‭ ‬مميزا‭ ‬كما‭ ‬ميز‭ ‬القرآن‭ ‬بين‭ ‬الخوف‭ ‬والخشية‭ ‬والفزع‭ ‬والرعب‭ ‬والخشوع‭ ‬والقشعريرة‭ ‬والرهبة‭ ‬والذهول‭ ‬والتعجب‭ ‬والخبل‭ ‬والحيرة‭ ‬والتيه‭ ‬والتخبط‭ ‬فضلا‭ ‬عن‭ ‬التمييز‭ ‬بين‭ ‬النكد‭ ‬والكرب‭ ‬والغم‭ ‬والحزن‭ ‬والتعاسة‭ ‬وبين‭ ‬الاستكانة‭ ‬والوهن‭ ‬والكبد‭ ‬والارهاق‭ ‬و‭ ‬وكذلك‭ ‬بين‭ ‬الضحك‭ ‬والتمتع‭ ‬والسعادة‭ ‬والفرح‭ ‬والازدراء‭ ‬والاشمئزاز‭ ‬والاستهزاء‭ ‬والعبوس‭ ‬والنفور‭ ‬والاستنكاف‭..‬الخ‭..‬

وقد‭ ‬جاء‭ ‬الباب‭ ‬الرابع‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬الخيال‭ ‬والوعى‭ ‬الخلقى‭ ‬ويشتمل‭ ‬على‭ ‬فصلين؛‭ ‬خصص‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬الخيال‭ ‬ورصد‭ ‬فيه‭ ‬حديث‭ ‬القرآن‭ ‬عن‭ ‬الخيال‭ ‬الاعتقادى‭ ‬والخيال‭ ‬الافتراضى‭ ‬الظنى‭ ‬والخيال‭ ‬التشبيهى‭ ‬والخيال‭ ‬المغترب‭ ‬والخيال‭ ‬الوهمى‭ ‬وأوضح‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬هذا‭ ‬التصنيف‭ ‬لأنواع‭ ‬الخيال‭ ‬حديث‭ ‬القرآن‭ ‬عن‭ ‬الحق‭ ‬والرب،الإيمان‭ ‬والكفر،‭ ‬الهدى‭ ‬والضلال،‭ ‬الانزال‭ ‬والإملاء،‭ ‬النفع‭ ‬والنفاذ،‭ ‬الوضوء‭ ‬والتيمم،‭ ‬الحج‭ ‬والعمرة‭ ‬والطواف،‭ ‬الصلاة‭ ‬والعبادة‭ ‬والدعاء،‭ ‬الاستغفار‭ ‬والإنابة‭ ‬والشفاعة،‭ ‬السنة‭ ‬والشرع،‭ ‬الويل‭ ‬والعذاب،‭ ‬العقاب‭ ‬والقصاص‭.. ‬الخ‭. ‬وقد‭ ‬خصص‭ ‬الفصل‭ ‬الثانى‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬الوعى‭ ‬الخلقى‭. ‬وبدأ‭ ‬ببيان‭ ‬ألفاظ‭ ‬الوعى‭ ‬كالنفس‭ ‬والارادة‭ ‬والمشيئة‭ ‬والشعور‭ ‬ثم‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬السلبية‭ ‬مثل‭ ‬اللمز‭ ‬واللعن‭ ‬والحيد‭ ‬والميل‭ ‬والتحيز‭ ‬والجور‭ ‬والخضوع‭ ‬والهون‭ ‬والذل‭ ‬والقهر‭ ‬والجنف‭ ‬والاصغارواللغو‭ ‬والاغتياب‭ ‬والافك‭ ‬والفتنه‭ ‬والنميمة‭ ‬والوسوسة‭ ‬والزعم‭ ‬والبطلان‭ ‬والنفاق‭ ‬والخداع‭ ‬والتزيين‭ ‬والسرقة‭ ‬والمكر‭ ‬والطمع‭ ‬والشهوة‭ ‬والخيانة‭ ‬والغواية‭ ‬والإغراء‭ ‬والاستدراج‭ ‬واللواط‭ ‬والزنى‭ ‬والفحش‭ ‬والبغى‭ ‬والكبر‭ ‬والخيلاء‭ ‬والغرور‭ ‬والجحود‭ ‬والخصام‭.. ‬الخ‭. ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬القيم‭ ‬المتضادة‭ ‬كالصدق‭ ‬والكذب،‭ ‬الطاعة‭ ‬والعصيان،‭ ‬الإحسان‭ ‬والإساءة،‭ ‬البر‭ ‬والأذى،‭ ‬الخير‭ ‬والشر،‭ ‬الحلال‭ ‬والحرام،‭ ‬الصبر‭ ‬والجزع،الإذاعة‭ ‬والتجسس،‭ ‬الحرية‭ ‬والاضطرار‭.. ‬الخ‭.‬

أما‭ ‬الباب‭ ‬الخامس‭ ‬فقد‭ ‬خصص‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬المقاصد‭ ‬والأفعال‭ ‬ويشتمل‭ ‬على‭ ‬فصلين؛‭ ‬عرض‭ ‬فى‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬للمقاصد‭ ‬مثل‭ ‬الاعتياد‭ ‬والدأب‭ ‬والبخع،‭ ‬العمد‭ ‬والاستغناء،‭ ‬الاقتداء‭ ‬والاتباع‭ ‬والتآسى‭ ‬،‭ ‬الركن‭ ‬والتوكل،‭ ‬الفوز‭ ‬والفلاح‭ ‬والتوفيق،‭ ‬العمل‭ ‬والسعى‭ ‬والعجز‭ ‬والكسل،‭ ‬الخمود‭ ‬والوضع‭ ‬والمكوث‭ ‬والاعتكاف،‭ ‬الستر‭ ‬والخفاء،‭ ‬التربص‭ ‬والرصد‭..‬الخ‭. ‬ثم‭ ‬عرض‭ ‬فى‭ ‬الفصل‭ ‬الثانى‭ ‬للأفعال‭. ‬أولا‭ ‬أفعال‭ ‬الجسم‭ ‬كالدخول‭ ‬والخروج،‭ ‬الزود‭ ‬والصد‭ ‬والدرء،‭ ‬الوقوف‭ ‬والقيام،‭ ‬الركوع‭ ‬والسجود،‭ ‬الفرار‭ ‬والتولى‭ ‬والادبار،‭ ‬المنع‭ ‬والكف،‭ ‬الافساح‭ ‬والترك،‭ ‬الصدع‭ ‬واللعب‭ ‬والرتع،‭ ‬ثانيا‭ ‬أفعال‭ ‬اليد‭ ‬كالمسك‭ ‬والقبض‭ ‬والضم،‭ ‬المسح‭ ‬والمس،‭ ‬الخرق‭ ‬والخراب‭ ‬والتحطيم،‭ ‬الجرح‭ ‬والقد‭ ‬والتفريق،‭ ‬الرجم‭ ‬والوخز،‭ ‬النحت‭ ‬والصناعة‭ ‬والطباعة،‭ ‬الردم‭ ‬والنقب،‭ ‬ثالثا‭ ‬أفعال‭ ‬القدم‭ ‬كالوطئ‭ ‬والخطوة‭ ‬والتوكأ،‭ ‬السير‭ ‬والمشى‭ ‬والذهاب‭ ‬والمضى‭ ‬والروغ،‭ ‬السباحة‭ ‬والمرور،‭ ‬العثو‭  ‬والركض‭.. ‬الخ‭.‬

أما‭ ‬الباب‭ ‬السادس‭ ‬فقد‭ ‬خصص‭ ‬للحديث‭ ‬عن‭ ‬الأنا‭ ‬والآخر‭ ‬فى‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬ويشتمل‭ ‬على‭ ‬فصلين؛‭ ‬تحدث‭ ‬فى‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬تطابق‭ ‬الآنا‭ ‬والآخر،‭ ‬عرض‭ ‬فيه‭ ‬لألفاظ‭ ‬الأنا‭ ‬مثل‭ ‬نفس،انسان،‭ ‬فرد،‭ ‬ذكر،‭ ‬أنثى،أحد،‭ ‬عبد،‭ ‬حر‭. ‬ثم‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬تجليات‭ ‬الأنا‭ ‬فى‭ ‬البراءة،‭ ‬العقل‭ ‬والتجربة،‭ ‬العزيمة‭ ‬والحرية،‭ ‬الرشد،‭ ‬الوصل‭. ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬الأنا‭ ‬والآخر‭ ‬–‭ ‬الفرد‭ : ‬الأب‭ ‬–الأم‭- ‬الابن‭ ‬–‭ ‬الأخ‭ ‬والأخت‭ ‬–‭ ‬الصاحب‭ ‬والظهير‭- ‬الخدن‭ ‬والخليل‭ ‬–‭ ‬المغيث‭ ‬والمعين،‭ ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬الأنا‭ ‬والآخر‭- ‬الجمع‭ : ‬الثلة‭ ‬–‭ ‬الأهل‭ ‬–‭ ‬القوم‭ ‬–‭ ‬الملة‭ ‬–‭ ‬الحزب‭ ‬–‭ ‬المدينة‭ ‬–‭ ‬الشعب‭ - ‬الأمة‭ ‬–‭ ‬الناس‭ ‬–‭ ‬البشر‭- ‬النسل‭.. ‬الخ‭. ‬وفى‭ ‬الفصل‭ ‬الثانى‭ ‬تحدث‭ ‬عن‭ ‬جدل‭ ‬الأنا‭ ‬والآخر؛‭ ‬حيث‭ ‬تحدث‭ ‬أولا‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬الاجتماعى‭ ‬ومايتعلق‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬العدل‭ ‬والظلم‭ ‬والميزان‭ ‬والعزلة‭ ‬والسلم‭ ‬والهدية‭ ‬والتحية‭ ‬والزواج‭ ‬والطلاق‭ ‬ثم‭ ‬ثانيا‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬السياسى‭ ‬ومايرتبط‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬السلطان‭ ‬والملك‭ ‬والطغيان‭ ‬والبغى‭ ‬والعدوان‭ ‬والاخراج‭ ‬ثم‭ ‬ثالثا‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬الاقتصادى‭ ‬ومايرتبط‭ ‬به‭ ‬من‭ ‬المال‭ ‬والملكية‭ ‬والانفاق‭ ‬والكرم‭ ‬والبخل‭ ‬والفساد‭ ‬والتجارة‭ ‬والهجرة‭ ‬والكسب‭ ‬والخسران‭ ‬والفشل‭ ‬والفقد‭ ‬والانقاص‭ ‬والميراث‭ ‬والدية‭ ‬واليتم‭ ‬والقوامة‭ ‬ثم‭ ‬رابعا‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬الجهادى‭ ‬ومايتعلق‭ ‬به‭ ‬مثل‭ ‬المشاكسة‭ ‬والنهر‭ ‬والعقاب‭ ‬والحرب‭ ‬والسلام‭ ‬والأنفال‭ ‬والنصر‭ ‬والهزيمة‭. ‬والسفاح‭ ‬والرباط‭ ‬والجهاد‭ ‬والقتال‭ ‬والاثخان‭ ‬والعهود‭ ‬والمواثيق‭.. ‬الخ‭.‬

وقد‭ ‬جاء‭ ‬الباب‭ ‬السابع‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬الوعى‭ ‬بالطبيعةويشتمل‭ ‬على‭ ‬فصلين؛‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬بعنوان‭ ‬الطبيعة‭ ‬الواعية‭ ‬تناول‭ ‬فيه‭ ‬أولا‭ ‬الآية‭ ‬بين‭ ‬النص‭ ‬المكتوب‭ ‬والظاهرة‭ ‬الطبيعية‭ ‬وثانيا‭ ‬الطبيعة‭ ‬الحية‭ ‬والطبيعة‭ ‬الميته‭ ‬وثالثا‭ ‬الماء‭ ‬والمطر‭ ‬والمزن‭ ‬والوابل‭ ‬والطوفان‭ ‬ورابعا‭ ‬النبات‭ ‬من‭ ‬بقول‭ ‬وفاكهة‭ ‬ونخل‭ ‬وشجر‭ ‬وحدائق‭ ‬وخامسا‭ ‬الحيوان‭  ‬مثل‭ ‬الغنم‭ ‬والخنازير‭ ‬والعجول‭ ‬والأبقار‭ ‬والنوق‭ ‬والأنعام‭ ‬والدابة‭ ‬والفيل‭ ‬والخيل‭ ‬والحمار‭ ‬والذئب‭ ‬وسادسا‭ ‬الحشرات‭ ‬مثل‭ ‬الذباب‭ ‬والنحل‭ ‬والعناكب‭ ‬وسابعا‭ ‬الطيور‭ ‬كالهدهد‭ ‬وثامنا‭ ‬الزواحف‭ ‬كالحية‭.‬والفصل‭ ‬الثانى‭ ‬عن‭ ‬الوعى‭ ‬الطبيعى‭ ‬واشتمل‭ ‬على‭ ‬أولا‭ ‬قوانين‭ ‬الطبيعة‭ ‬وثانيا‭ ‬الخلق‭ ‬والبعث‭ ‬وثالثا‭ ‬السماء‭ ‬والأرض‭ ‬ورابعا‭ ‬الشمس‭ ‬والقمر‭ ‬وخامسا‭ ‬النور‭ ‬والنار‭ ‬وسادسا‭ ‬الجبال‭ ‬والرياح‭ ‬وسابعا‭ ‬البحار‭ ‬والأنهار‭ ‬وثامنا‭ ‬الاتجاهات‭ ‬الأربعة‭ ‬وتاسعا‭ ‬الطبيعة‭ ‬والعمران‭ ‬وعاشرا‭ ‬الانسان‭ ‬والطبيعة‭. ‬

وقد‭ ‬جاء‭ ‬الباب‭ ‬الثامن‭ ‬والأخير‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭ ‬الوعى‭ ‬والتاريخ‭ ‬ويشتمل‭ ‬على‭ ‬فصلين؛‭ ‬الفصل‭ ‬الأول‭ ‬عن‭ ‬تاريخ‭ ‬الوعى‭ ‬ويتحدث‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬مصادر‭ ‬تاريخ‭ ‬الوعى‭ ‬وقصص‭ ‬الأنبياء‭ ‬آدم‭ ‬ونوح‭ ‬وإبراهيم‭ ‬وموسى‭ ‬وعيسى‭ ‬ومحمد‭ ‬عليهم‭ ‬السلام‭ ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬نهاية‭ ‬التاريخ‭ ‬وبداية‭ ‬الوعى‭ ‬التاريخى‭. ‬أما‭ ‬الفصل‭ ‬الثانى‭ ‬فعنوانه‭ ‬الوعى‭ ‬التاريخى‭ ‬وتحدث‭ ‬فيه‭ ‬عن‭ ‬معنى‭ ‬الوعى‭ ‬ومصطلحات‭ ‬الوعى‭ ‬التاريخى‭ ‬مثل‭ ‬السبق‭ ‬والتراجع‭ ‬–‭ ‬التقدم‭ ‬والتأخر‭- ‬الناسخ‭ ‬والمنسوخ‭ ‬–‭ ‬السلف‭ ‬والخلف‭ ‬–‭ ‬التقليد‭ ‬والاتباع‭ ‬والاجتهاد‭ ‬ثم‭ ‬عن‭ ‬الأثر‭ ‬والتأثر‭ ‬وتاريخ‭ ‬الأولين‭ ‬وعن‭ ‬الهدف‭ ‬من‭ ‬التاريخ‭ ‬ونهوض‭ ‬التاريخ‭ ‬والمستقبل‭ ‬التاريخى‭ ‬والرسول‭ ‬والرسالة‭ ‬وأخيرا‭ ‬عن‭ ‬سقوط‭ ‬التاريخ‭ ‬وانهياره‭ ‬وجدل‭ ‬التاريخ‭..‬

ولعلنا‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬لمحتوى‭ ‬‮«‬‭ ‬التفسير‭ ‬الموضوعى‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬‮»‬‭  ‬يتكشف‭ ‬لنا‭ ‬مدى‭ ‬شمولية‭ ‬الرؤية‭ ‬ومدى‭ ‬الدقة‭ ‬فى‭ ‬الدخول‭ ‬إلى‭ ‬تفاصيلها‭ ‬التى‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬تترك‭ ‬شاردة‭ ‬ولا‭ ‬واردة‭ ‬إلا‭ ‬وتعرض‭ ‬لها‭ ‬د‭. ‬حسن‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬آيات‭ ‬القرآن‭ ‬التى‭ ‬حرص‭ ‬فيها‭ ‬حرصاً‭ ‬شديداً‭ ‬على‭ ‬حصر‭ ‬كل‭ ‬الآيات‭ ‬التى‭ ‬ورد‭ ‬فيها‭ ‬أى‭ ‬لفظ‭ ‬من‭ ‬الألفاظ‭ ‬الواردة‭ ‬فى‭ ‬متن‭ ‬الكتاب‭ ‬وحسب‭ ‬الموضوع‭ ‬الذى‭ ‬يتحدث‭ ‬عنه‭. ‬أقول‭ ‬لعلنا‭ ‬بعد‭ ‬هذا‭ ‬العرض‭ ‬يمكننا‭ ‬التوقف‭ ‬لنؤكد‭ ‬على‭ ‬بعض‭ ‬الملاحظات‭ ‬التى‭ ‬ربما‭ ‬التقط‭ ‬معظمها‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬ذاته‭.‬

أولا‭: ‬إن‭ ‬أهم‭ ‬ما‭ ‬يلفت‭ ‬انتباهى‭ ‬فى‭ ‬فلسفة‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬ومشروعه‭ ‬هو‭ ‬وعيه‭ ‬الدائم‭ ‬بما‭ ‬يعتور‭ ‬المشروع‭ ‬من‭ ‬نقائص‭ ‬وما‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يوجه‭ ‬إليه‭ ‬من‭ ‬انتقادات‭ ‬وحرصه‭ ‬على‭ ‬اثباتها‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬يقدمهاغيره‭. ‬ولنأخذ‭ ‬كتابنا‭ ‬هذا‭ ‬نموذجًا،‭ ‬خُذ‭ ‬مثلًا‭ ‬قوله‭ ‬فى‭ (‬ص15‭) ‬من‭ ‬الكتاب‭:‬‮«‬‭ ‬إن‭ ‬مشروع‭ ‬التراث‭ ‬والتجديد‭ ‬قد‭ ‬وقع‭ ‬أسير‭ ‬النص‭ ‬كما‭ ‬حدث‭ ‬للقدماء‭ ‬ولم‭ ‬يستطيع‭ ‬أن‭ ‬يتحرر‭ ‬منه،‭ ‬فما‭ ‬زال‭ ‬أسير‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬التجديد‭ ‬دون‭ ‬التراث‭ ‬فيخرج‭ ‬المشروع‭ ‬مجتث‭ ‬الجذور،‭ ‬وازداد‭ ‬هذا‭ ‬الموقف‭ ‬حتى‭ ‬طغى‭ ‬التراث‭ ‬على‭ ‬التجديد‭ ‬والجذور‭ ‬على‭ ‬الأوراق‭ ‬والثمار‮»‬

وهو‭ ‬يختتم‭ ‬نفس‭ ‬الكتاب‭ ‬بخاتمة‭ ‬تحت‭ ‬عنوان‭: ‬محاولة‭ ‬فى‭ ‬النقد‭ ‬الذاتى‭ ‬يقول‭ ‬فيها‭ ‬هذا‭ ‬عن‭ ‬المنهج‭ ‬الذى‭ ‬اتبعه‭ ‬فيه‭ ‬بأنه‭:‬

‮١‬‭-  ‬‮«‬يصيب‭ ‬الباحث‭ ‬بالملل‭ ‬لأنه‭ ‬يبنى‭ ‬قواعد‭ ‬البيت‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يسكن‭ ‬فى‭ ‬البيت‭ ‬نفسه‮»‬‭ ‬ص‭(‬‮١٠٣٩‬‭).‬

‮٢‬‭- ‬‮«‬‭ ‬تكرار‭ ‬النص‭ ‬بتكرار‭ ‬اللفظ‭ ‬وقد‭ ‬لا‭ ‬يضيف‭ ‬النص‭ ‬المكرر‭ ‬جديدا‮»‬‭ ‬ص‭(‬‮١٠٤٠‬‭)‬

‭ ‬‮٣‬‭- ‬‮«‬يخشى‭ ‬أن‭ ‬يعتبر‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬تفسيرا‭ ‬لغويا‭ ‬للقرآن‮»‬‭ ‬ص‭ (‬‮١٠٤٠‬‭)‬

‮٤‬‭- "‬يغيب‭ ‬فيه‭ ‬لفظ‭ ‬الله‭ ‬‮«‬‭ ‬ويبرر‭ ‬ذلك‭ ‬بأنه‭ ‬قد‭ ‬تم‭ ‬تحليله‭ ‬فى‭ "‬من‭ ‬العقيدة‭ ‬الى‭ ‬الثورة‮»‬‭.‬

ثم‭ ‬يوضح‭ ‬أن‭ ‬‮«‬التفسير‭ ‬الحديث‭ ‬المركز‭ ‬حول‭ ‬الإنسان‭ ‬غير‭ ‬التفسير‭ ‬القديم‭ ‬المركز‭ ‬على‭ ‬الله‭ ‬وكلاهما‭ ‬استجابة‭ ‬لمطالب‭ ‬العصر‮»‬‭ ‬ص‭ (‬‮١٠٤١‬‭)‬

وبينما‭ ‬يتساءل‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬الخاتمة‭: ‬هل‭ ‬أستطاع‭ ‬مشروعه‭ ‬التجديدى‭ ‬أن‭ ‬يطور‭ ‬الإصلاح‭ ‬إلى‭ ‬ثورة‭ ‬أو‭ ‬على‭ ‬الأقل‭ ‬إلى‭ ‬نهضة؟‭ ‬يقول‭ ‬بنبرة‭ ‬أسى‭ ‬وحزن‭: ‬

‭"‬تزداد‭ ‬السلفية‭ ‬ويرتد‭ ‬الإصلاح‭ ‬‮«‬مازال‭ ‬التراث‭ ‬هو‭ ‬السائد،‭ ‬الجانب‭ ‬المحافظ‭ ‬منه،‭ ‬والتجديد‭ ‬محاصر‭ ‬بين‭ ‬النظام‭ ‬السياسى‭ ‬والتيارات‭ ‬المحافظة،‭ ‬اليسار‭ ‬منعزل‭ ‬بنفسه‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬لا‭ ‬اليمين‭ ‬الدينى‭ ‬يقبله‭ ‬ولا‭ ‬اليسار‭ ‬العلمانى‭ ‬يقبل‭ ‬صاحبه،‭ ‬عند‭ ‬اليمين‭ ‬شيوعى‭ ‬متخلف،‭ ‬وعند‭ ‬اليسار‭ ‬إخوانى‭ ‬متخلف،‭ ‬وعند‭ ‬أجهزة‭ ‬الأمن‭ ‬إخوانى‭ ‬شيوعي،‭ ‬والناس‭ ‬لا‭ ‬تقرأ،‭ ‬والنخبة‭ ‬طويل‭ ‬عليها،‭ ‬فلم‭ ‬يبق‭ ‬إلا‭ ‬التاريخ‭ ‬وصاحب‭ ‬المشروع‭ ‬راضى‮»‬‭"‬ص‭ (‬‮١٠٤٣‬‭- ‬‮١٠٤٤‬‭).‬

ثانيا‭ : ‬وبعيدًا‭ ‬عن‭ ‬نقده‭ ‬لنفسه‭ ‬وتحسره‭ ‬على‭ ‬ما‭ ‬يواجهه‭ ‬من‭ ‬عنت‭ ‬وجمود،‭ ‬أود‭ ‬أن‭ ‬أتساءل‭: ‬هل‭ ‬هذا‭ ‬الذى‭ ‬قدمه‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬تفسيرًا‭ ‬موضوعيًا‭ ‬حقيقيًا‭ ‬للقرآن؟‭! ‬يقول‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬نفسه‭: "‬أن‭ ‬نظرية‭ ‬التفسير‭ ‬تعتمد‭ ‬على‭ ‬منهج‭ ‬تحليل‭ ‬المضمون‭ ‬وهو‭ ‬تطوير‭ ‬للتحليل‭ ‬اللغوى‭ ‬القديم‭ ‬ودلالة‭ ‬التكرار‭ ‬والإضافة‭ ‬والتعريف‭ ‬والاعتماد‭ ‬على‭ ‬تكرار‭ ‬الألفاظ‭ ‬بين‭ ‬الكثرة‭ ‬والقلة‭ ‬وحتى‭ ‬لو‭ ‬كان‭ ‬الإحصاء‭ ‬غير‭ ‬دقيق‭ ‬تكفى‭ ‬الدلالة‭ ‬الكلية‭ ‬ثم‭ ‬تفصيل‭ ‬العدد‭ ‬الكلى‭ ‬إلى‭ ‬أعداد‭ ‬أصغر‭ ‬بالنسبة‭ ‬للاضافة‭ ‬والضمائر‭ ‬وغيرها‭ ‬من‭ ‬التحليلات‭ ‬اللغوية‭ ‬القديمة‭. ‬وتتكرر‭ ‬بعض‭ ‬الألفاظ‭ ‬أو‭ ‬الآيات‭ ‬فى‭ ‬سياقات‭ ‬مختلفة‭ ‬نظرا‭ ‬لأهميتها‭ ‬ومما‭ ‬يسمح‭ ‬باستعمال‭ ‬منهج‭ ‬تحليل‭ ‬المضمون‭ "(‬ص‮٨‬‭).‬

إذن‭ ‬فنحن‭ ‬أمام‭ ‬تفسير‭ ‬لغوى‭ ‬لفظى‭ ‬للقرآن‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬يتطور‭ ‬هنا‭ ‬لتحليل‭ ‬المضمون‭! ‬لكن‭ ‬الحقيقة‭ ‬فى‭ ‬اعتقادى‭ ‬أنه‭ ‬كان‭ ‬ينبغى‭ ‬أن‭ ‬يركز‭ ‬التفسير‭ ‬الموضوعى‭ ‬على‭ ‬تحليل‭ ‬المضمون‭ ‬مع‭ ‬مراعاة‭ ‬البُعد‭ ‬الواقعى‭ ‬والقضايا‭ ‬المهمة‭ ‬للواقع‭ ‬المعاصر‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬كنت‭ ‬أتوقعه‭ ‬من‭ ‬حسن‭ ‬حنفي؛‭ ‬فأين‭ ‬موضوع‭ ‬الأرض،‭ ‬العدالة،‭ ‬الحرية،‭ ‬أين‭ ‬قضايا‭ ‬الحياة‭ ‬السياسية‭ ‬والاجتماعية‭ ‬للإنسان،‭ ‬أين‭ ‬قضايا‭ ‬العمل‭ ‬والمساواة‭ ‬والحقوق‭!! ‬وكيف‭ ‬يراها‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭. ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬نفعلالآيات‭ ‬القرآنية‭ ‬فى‭ ‬حياتنا‭ ‬المعاصرة؟‭! ‬فلا‭ ‬يتصرف‭ ‬الإنسان‭ ‬إلا‭ ‬بروح‭ ‬العدالة‭ ‬والاخاء‭ ‬والمساواة،‭ ‬إلا‭ ‬بروح‭ ‬التقوى‭ ‬والإخلاص‭ ‬فى‭ ‬العمل‭ ‬والجدية‭ ‬والإتقان‭ ‬فيه،‭ ‬أين‭ ‬نحن‭ ‬من‭ ‬الفهم‭ ‬القرآنى‭ ‬لقضايا‭ ‬البيئة‭ ‬والتعامل‭ ‬مع‭ ‬مقدراتها‭ ‬بوعى‭ ‬وشفافية‭ ‬ومراعاة‭ ‬حقوق‭ ‬الأجيال‭ ‬المستقبلية‭!‬

إن‭ ‬ذلك‭ ‬وغيره‭ ‬من‭ ‬قضايا،‭ ‬هو‭ ‬ما‭ ‬كان‭ ‬ينبغى‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مثار‭ ‬اهتمام‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬الموضوعى‭ ‬للقرآن،‭ ‬ذلك‭ ‬التفسير‭ ‬الذى‭ ‬اقتصر‭ ‬على‭ ‬رصد‭ ‬وحصر‭ ‬الآيات‭ ‬التى‭ ‬تتعلق‭ ‬بالجسد‭ ‬الإنسان‭ ‬وأعضائه‭ ‬ووظائف‭ ‬هذه‭ ‬الأعضاء،‭ ‬وحصر‭ ‬الآيات‭ ‬التى‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬وسائله‭ ‬المعرفية،وانفعالاته‭ ‬وأفعاله‭ ‬ووعيهالخلقى‭ ‬ومقاصده‭! ‬لقد‭ ‬اقتصر‭ ‬التفسير‭ ‬على‭ ‬حصر‭ ‬الآيات‭ ‬التى‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬كل‭ ‬ذلك‭ ‬وعرضها‭ ‬عبر‭ ‬تفسيرها‭ ‬اللغوى‭ ‬دونما‭ ‬تعليق،‭ ‬ودونما‭ ‬السؤال‭ ‬عن‭ ‬الهدف‭ ‬والغاية‭ ‬من‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬اللغوى‭ ‬الظاهراتى‭ ‬لهذه‭ ‬الآيات‭! ‬أين‭ ‬تجاوز‭ ‬هذا‭ ‬الرصد‭ ‬الظاهراتى‭ ‬للآيات‭ ‬ومعانيها‭ ‬اللفظية‭ ‬إلى‭ ‬ماوراء‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬أهداف‭ ‬قرآنية‭ ‬ربانية‭ ‬يدعونا‭ ‬فيها‭ ‬الله‭ ‬إلى‭ ‬الانتباه‭ ‬إلى‭ ‬الأسس‭ ‬والقواعد‭ ‬التى‭ ‬تتشكل‭ ‬بمقتضاها‭ ‬الحياة‭ ‬الانسانية‭ ‬بصورة‭ ‬مثالية‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬جوانب‭ ‬الحياة‭ ‬اقتصادية‭ ‬كانت‭ ‬أو‭ ‬سياسية‭ ‬أو‭ ‬اجتماعية‭ ‬؟‭! ‬أين‭ ‬ثورية‭ ‬التفسير‭ ‬وأين‭ ‬تعبيره‭ ‬الواعى‭ ‬عن‭ ‬معاناة‭ ‬الانسان‭ ‬وعن‭ ‬آلامه‭ ‬وآماله‭ ‬وطموحاته‭ ‬المشروعة‭ ‬فى‭ ‬حياة‭ ‬حرة‭ ‬آمنة‭ ‬وفى‭ ‬مجتمع‭ ‬سياسى‭ ‬يحقق‭ ‬له‭ ‬دفء‭ ‬الحياة‭ ‬وجودتها‭ ‬؟‭! ‬أين‭ ‬ثورية‭ ‬التفسير‭ ‬ومواجهته‭ ‬لكل‭ ‬أشكال‭ ‬التطرف‭ ‬فى‭ ‬الفهم‭ ‬وقصور‭ ‬النظر‭ ‬مما‭ ‬ترتب‭ ‬عليه‭ ‬كل‭ ‬هذه‭ ‬الظواهر‭ ‬السلبية‭ ‬التى‭ ‬يعانى‭ ‬منه‭ ‬العالم‭ ‬الاسلامى‭ ‬؟‭! ‬أين‭ ‬ثورية‭ ‬التفسير‭ ‬التى‭ ‬تحض‭ ‬مسلمى‭ ‬العصر‭ ‬على‭ ‬الاتحاد‭ ‬والتوحد‭ ‬تحت‭ ‬رايته‭ ‬لنشر‭ ‬الاسلام‭ ‬المعتدل‭ ‬الداعى‭ ‬إلى‭ ‬السلام‭ ‬والمحبة‭ ‬بين‭ ‬كل‭ ‬البشر‭ ‬؟‭! ‬أين‭ ‬رؤية‭ ‬الاسلام‭ ‬لمستقبل‭ ‬البشرية‭ ‬وكيف‭ ‬يمكن‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬بسماحته‭ ‬وعدله‭ ‬وشموله‭ ‬وعقلانيته‭ ‬هو‭ ‬قائد‭ ‬الدورة‭ ‬الحضارية‭ ‬القادمة‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬بعد‭ ‬القادمة‭ ‬؟‭! ‬أين‭ ‬قضية‭ ‬عالمية‭ ‬الاسلام‭ ‬فى‭ ‬مواجهة‭ ‬عصر‭ ‬العولمة‭ ‬التى‭ ‬يسعى‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الغرب‭ ‬إلى‭ ‬قولبة‭ ‬البشر‭ ‬فى‭ ‬قالب‭ ‬مادى‭ ‬استهلاكى‭ ‬لذى‭ ‬لايعى‭ ‬من‭ ‬الانسان‭ ‬سوى‭ ‬شهوات‭ ‬جسده‭ ‬وتلبية‭ ‬أطماعه‭ ‬؟‭! ‬

لقد‭ ‬قال‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬إن‭ ‬نظرية‭ ‬التفسير‭ ‬‮«‬قد‭ ‬تجمع‭ ‬بين‭ ‬المستويات‭ ‬الثلاث‭ ‬العلمى‭ ‬والثقافى‭ ‬والسياسي‮»‬‭ ‬وأن‭ ‬المصدر‭ ‬الرئيسى‭ ‬ربما‭ ‬لهذه‭ ‬المحاولة‭ ‬هو‭ "‬المعجم‭ ‬الفهرس‭ ‬لألفاظ‭ ‬القرآن‭ ‬الكريم‭ ‬‮«‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬مصدرها‭ ‬الثانى‭ ‬هو‭ "‬القاموس‭ ‬المحيط‮»‬‭ ‬وهو‭ ‬قاموس‭ ‬لغوى،‭ ‬أما‭ ‬مصدرها‭ ‬الثانى‭ ‬فهو‭ ‬‮«‬‭ ‬الأمثال‭ ‬والأغانى‭ ‬الشعبية‭ ‬التى‭ ‬تعبر‭ ‬عن‭ ‬حكمة‭ ‬الشعوب‭ ‬كما‭ ‬تعبر‭ ‬قصص‭ ‬الأنبياء‭ ‬عن‭ ‬العبرة‭ ‬فى‭ ‬التاريخ‮»‬‭ (‬صـ‭ ‬‮٢٤‬‭-‬‮٢٦‬‭).‬

ولعل‭ ‬استناده‭ ‬إلى‭ ‬هذه‭ ‬المصادر‭ ‬هو‭ ‬ماأثر‭ ‬فيه‭ ‬وجعله‭ ‬يقف‭ ‬فى‭ ‬الغالب‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬التفسيرًالظاهريً‭ ‬اللغويً‭ ‬ولا‭ ‬يعبر‭ ‬عن‭ ‬الموضوعات‭ ‬الرئيسية‭ ‬والقضايا‭ ‬المهمة‭ ‬للواقع‭ ‬المعاش‭ ‬ولا‭ ‬يعير‭ ‬القضايا‭ ‬الكبرى‭ ‬للانسانية‭ ‬أى‭ ‬اهتمام‭ ‬حقيقي‭!‬

إذن‭ ‬فنحن‭ ‬لسنا‭ ‬أمام‭ ‬تفسير‭ ‬موضوعى‭ ‬حقيقى‭ ‬للقرآن،‭ ‬ثم‭ ‬أننا‭ ‬لسنا‭ ‬أمام‭ ‬تعبير‭ ‬حقيقى‭ ‬عن‭ ‬الجبهة‭ ‬الثالثة‭ (‬جبهة‭ ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الواقع‭)‬،‭ ‬إن‭ ‬الواقع‭ ‬والموقف‭ ‬من‭ ‬قضاياه‭ ‬لم‭ ‬يشغل‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬بقدر‭ ‬ما‭ ‬شغله‭ ‬إيراد‭ "‬نظرية‭ ‬التفسير‮«‬‭ ‬وهى‭ ‬ذات‭ ‬طابع‭ ‬فلسفى‭ ‬ظاهرى‭ ‬رغم‭ ‬أنه‭ ‬قال‭ ‬من‭ ‬البداية؛‭ ‬إن‭ ‬‮«‬التفسير‭ ‬وسيلة‭ ‬وليس‭ ‬غاية،‭ ‬أداه‭ ‬وليس‭ ‬هدفا،‭ ‬الغاية‭ ‬منها‭ ‬هو‭ ‬تطبيق‭ ‬العمل‮»‬‭(‬صـ‭ ‬‮١٩‬‭).‬

إن‭ ‬الجبهة‭ ‬الثالثة‭ ‬من‭ ‬مشروعه‭ ‬الفكرى‭ = ‬كما‭ ‬قال‭ ‬هو‭ - ‬هى‭ ‬‮«‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الواقع‮»‬‭ ‬والغاية‭ ‬منها‭ ‬كما‭ ‬يقول‭ ‬هو‭ "‬إدخال‭ ‬الوحى‭ ‬فى‭ ‬العالم‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الفعل‭" (‬صـ‭ ‬‮١٩‬‭). ‬إنها‭ ‬فى‭ ‬رأيه‭" ‬‮«‬أقرب‭ ‬إلى‭ ‬التفسير‭ ‬التطبيقى‭ ‬منها‭ ‬إلى‭ ‬نظرية‭ ‬أو‭ ‬منهج‭ ‬فى‭ ‬التفسير‭ ‬كما‭ ‬يوحى‭ ‬بذلك‭ ‬العنوان‭ ‬الفرعى‭ ‬وقد‭ ‬يمحى‭ ‬الفرق‭ ‬بين‭ ‬النظرية‭ ‬والتطبيق،‭ ‬فالنظرية‭ ‬تبدو‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬التطبيق‭ ‬والتطبيق‭ ‬يعطى‭ ‬نماذج‭ ‬من‭ ‬النظرية‮»‬‭ (‬صـ‭ ‬‮١٩‬‭).‬

والسؤال‭ ‬هو‭: ‬هل‭ ‬حققت‭ ‬النظريةالتى‭ ‬عمل‭ ‬عليها‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬هنا‭ ‬ما‭ ‬أراد‭ ‬؟‭! ‬هل‭ ‬حققت‭ ‬هذا‭ ‬الديالكتيك‭ ‬بين‭ ‬النظرية‭ ‬والتطبيق،‭ ‬بين‭ ‬النظر‭ ‬والعمل،‭ ‬بين‭ ‬العقل‭ ‬والواقع؟‭!‬

الحقيقة‭ ‬لا؛‭ ‬فقد‭ ‬جاء‭ ‬تصنيف‭ ‬الكتاب‭ ‬فى‭ ‬صورته‭ ‬العامة‭ ‬فلسفيًا‭ ‬نظرياً‭ ‬يشتمل‭ ‬على‭ ‬الحديث‭ ‬عن‭ ‬الجسم‭ ‬والوعى‭ ‬الذاتى،‭ ‬الوعى‭ ‬بالزمان،‭ ‬الوعى‭ ‬الاجتماعى،‭ ‬الوعى‭ ‬الكونى،‭ ‬الوعى‭ ‬التاريخى‭. ‬ومن‭ ‬المعروف‭ ‬أن‭ ‬هذه‭ ‬قسمة‭ ‬فلسفية‭ ‬تستند‭ ‬على‭ ‬مصطلح‭ ‬‮«‬الوعى‮»‬،‭ ‬والوعى‭ ‬بالمعنى‭ ‬الظاهراتى‭ ‬فقط‭ ‬بدليل‭ ‬أن‭ ‬مضمون‭ ‬الكتاب‭ ‬جاء‭ ‬بعد‭ ‬ذلك‭ ‬شرحا‭ ‬وتفسيرًا‭ ‬لغويًا‭ ‬للآيات‭ ‬دون‭ ‬أن‭ ‬يوضع‭ ‬فى‭ ‬الاعتبار‭ - ‬كما‭ ‬قلت‭ ‬فيما‭ ‬سبق‭- ‬أى‭ ‬اهتمام‭ ‬بموضوعات‭ ‬الواقع‭ ‬الفعلى‭ ‬وقضايا‭ ‬الإنسان‭ ‬المرتبطة‭ ‬بواقعه‭ ‬المعاش،‭ ‬لقد‭ ‬اقتصر‭ ‬التفسير‭ ‬على‭ ‬رصد‭ ‬الآيات‭ ‬التى‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬ما‭ ‬أطلق‭ ‬عليه‭ ‬موضوعات‭ "‬الوعي‭" ‬وظل‭ ‬الأمر‭ ‬مقتصرا‭ ‬على‭ ‬أن‭ ‬نعى‭ ‬هذه‭ ‬الآيات‭ ‬ونبرزها‭ ‬أمام‭ ‬أعيننا،‭ ‬تلك‭ ‬الآيات‭ ‬التى‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬الجسد‭ ‬وأعضائه،‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬كل‭ ‬عضو‭ ‬فيه،‭ ‬عن‭ ‬أفعال‭ ‬الأنسان‭ ‬وانفعالاته‭... ‬الخ‭. ‬دون‭ ‬أن‭ ‬تعالج‭ ‬قضايا‭ ‬بعينها‭ ‬من‭ ‬قضايا‭ ‬الواقع‭: ‬مثل‭ ‬قضية‭ ‬الفقر،‭ ‬قضية‭ ‬التمكن‭ ‬السياسي،‭ ‬قضايا‭ ‬احتلال‭ ‬الأرض،‭ ‬قضايا‭ ‬العدالة‭ ‬و‭ ‬الحريات‭ ‬والمساواة‭...‬الخ‭. ‬

لقد‭ ‬خاب‭ ‬ظنى‭ ‬فى‭ ‬أن‭ ‬أرى‭ ‬قضايا‭ ‬الواقع‭ ‬وموقف‭ ‬القرآن‭ ‬منها‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬الموضوعى‭ ‬الذى‭ ‬كان‭ ‬يستهدف‭ ‬فى‭ ‬الأساس‭ " ‬الموقف‭ ‬من‭ ‬الواقع‭". ‬ورأيت‭ ‬رصدًا‭ ‬للآيات‭ ‬التى‭ ‬تتحدث‭ ‬عن‭ ‬لفظ‭ ‬معين‭ ‬من‭ ‬ألفاظ‭ ‬القرآن‭ ‬ومعنى‭ ‬هذا‭ ‬اللفظ‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ (‬الجسد‭- ‬الفرج‭- ‬الدبر‭- ‬النوم‭- ‬اليقظة‭- ‬الحس‭ -‬الشك‭- ‬الريبه‭ - ‬الدنيا‭- ‬الآخرة‭- ‬الحياة‭- ‬الموت‭- ‬النسيان‭- ‬التذكر‭- ‬الطهارة‭- ‬العفة‭- ‬التوبة‭- ‬العفو‭- ‬الصفاء‭- ‬الزهد‭- ‬الضحك‭- ‬الفرح‭- ‬العبوس‭)...‬الخ‭ ‬من‭ ‬ألفاظ‭ ‬تنتمى‭ ‬لموضوع‭ ‬كل‭ ‬باب‭ ‬وكل‭ ‬فصل‭ ‬عن‭ ‬فصول‭ ‬الكتاب،‭ ‬لقد‭ ‬غابت‭ ‬القضايا‭ ‬الكبرى‭ ‬للواقع‭ ‬عن‭ ‬نظرية‭ ‬التفسير‭ ‬‮«‬المنطقية‮»‬‭ ‬وتطبيقها‭ ‬ولازلنا‭ ‬فى‭ ‬انتظار‭ ‬التفسير‭ ‬الموضوعى‭ ‬للقرآن‭ ‬الكريم‭ ‬الذى‭ ‬ربما‭ ‬كان‭ ‬موجودا‭ ‬فى‭ ‬كتابات‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬الأخرى‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬وجودها‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬الذى‭ ‬توقف‭ ‬عند‭ ‬حدود‭ ‬رصد‭ ‬وحصر‭ ‬الآيات‭ ‬ووضعها‭ ‬حسب‭ ‬ورود‭ ‬هذا‭ ‬اللفظ‭ ‬أو‭ ‬ذاك‭ ‬فيها‭!‬

والحقيقة‭ ‬أن‭ ‬د‭. ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬لم‭ ‬يتوقف‭ ‬عند‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬الموضوعى‭ ‬للقرآن‭ ‬بل‭ ‬كان‭ ‬قد‭ ‬بدأ‭ ‬ونحن‭ ‬لانزال‭ ‬نقرأ‭ ‬ونعرض‭ ‬وننقد‭ ‬هذا‭ ‬التفسير‭ ‬فى‭ ‬كتابة‭ ‬مجلدا‭ ‬جديدا‭ ‬بعنوان‭ " ‬التفسير‭ ‬الشعورى‭ ‬للقرآن‭ " ‬وهو‭ ‬يتخذ‭ ‬فيه‭ ‬فيما‭ ‬يبدو‭ ‬منحى‭ ‬صوفيا‭ ‬وجدانيا‭ ‬لكن‭ ‬للأسف‭ ‬رحل‭ ‬وهو‭ ‬يستكمل‭ ‬الصفحات‭ ‬الأخيرة‭ ‬منه‭. ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬فيه‭ ‬مالم‭ ‬نقرأه‭ ‬فى‭ ‬التفسير‭ ‬الموضوعى‭ ‬ومالم‭ ‬يكن‭ ‬يتوقعه‭ ‬قراء‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬الذين‭ ‬اعتادوا‭ ‬على‭ ‬منهجه‭ ‬الظاهراتى‭ ‬فى‭ ‬العرض‭ ‬والتفسير‭ ‬حيث‭ ‬أتوقع‭ ‬تغليب‭ ‬القراءة‭ ‬الروحية‭ ‬الباطنية‭ ‬الجوانية‭ ‬للقرآن‭ ‬على‭ ‬التوقف‭ ‬عند‭ ‬معانى‭ ‬الألفاظ‭ ‬وظاهر‭ ‬الآيات‭. ‬وسواء‭ ‬اتفقنا‭ ‬مع‭ ‬حسن‭ ‬حنفى‭ ‬أو‭ ‬اختلفنا‭ ‬معه‭ ‬خاصة‭ ‬فى‭ ‬موضوع‭ ‬تفسيره‭ ‬للقرآن‭ ‬فهو‭ ‬قد‭ ‬لحق‭ ‬بالرفيق‭ ‬الأعلى‭ ‬وهو‭ ‬بصحبة‭ ‬القرآن‭ ‬وكم‭ ‬فى‭ ‬ذلك‭ ‬من‭ ‬دلالات‭ ‬على‭ ‬حسن‭ ‬الخاتمة‭ ‬التى‭ ‬تمنيناها‭ ‬له‭ ‬كما‭ ‬نتمناها‭ ‬لأنفسنا‭ ‬بعده‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة