ابراهيم فرغلي يكتب : رسالة ضد قوى تحرم التعددية  ولصالح مصر التى نحلم بها
ابراهيم فرغلي يكتب : رسالة ضد قوى تحرم التعددية ولصالح مصر التى نحلم بها


ابراهيم فرغلي يكتب: رسالة ضد قوى تحرم التعددية ولصالح مصر التي نحلم بها

أخبار الأدب

الأحد، 05 ديسمبر 2021 - 04:05 م

في زمننا هذا لا نعيش عصر الأحلام، خصوصا لجيلى الذى قرر أن يخوض الحياة مترفعا، وأن ينجز على مستوى الأفراد أحلاما صغيرة تغنيه عن أحلام راودته عن وطن أكثر عدلا فى الفرص وفى استحقاقه مكانة تليق به، فى زمن رأينا دولا أخرى تحاول أن تلحق بركب العصر، بينما كنا نعيش فى زمن شيخوخة مبارك المسماة بالاستقرار. 


مع ذلك، فقد كانت الكتابة بالنسبة لى على الأقل وسيلة للحلم، وبين الأحلام التى كتبت عنها استعادة هويتنا المصرية القديمة المسلوبة، بالجهل واللامبالاة من جهة، وبروافد السلفية التى أغرقت مصر منذ السبعينات، من جهة أخرى. 


استعادة الهوية المصرية القديمة، ليس بمعنى أن نردد الشعار الكلاشيهى لدينا حضارة 7000 عاما، كما يتردد، بل كاستعادة لقيم النهضة التى تمثلها هذه الحضارة: الاحتفاء بالعلم والمعرفة، والتعليم، والعمارة، وبالقيم الحضارية التى جسدها أجيال متعاقبة من المصريين القدماء وخلدوها، ونقشوها على الحجارة، بينما كنا نسير بينها عميانا لا نراها لأننا مفصولين عنها بالجهل باللغة، وبتفاصيل تلك الحضارة. 

عبرت عن ذلك فى أعمال روائية منها أبناء الجبلاوى التى لعبت رادوبيس فيه من بين شخصيات نجيب محفوظ التى ظهرت فى النص لتبحث عن نصوص محفوظ الضائعة كما تقترح الراوية دورا رئيسا فى قيادة البطل: رادوبيس، الغانية التى عشقها الملك، وكانت نموذجا للفكر والاستقلالية والحرية، لكنها أيضا تسببت فى ثورة الشعب على الملك. 

 

 


كانت رادوبيس فى النص هى التى تمتلك الخارطة التى تقود لكتب محفوظ، فى دلالة رمزية على أن جوهر حضارتنا هى الحضارة المصرية القديمة بين روافد أخرى للهوية بكل تراثنا الإسلامى والمسيحى. 


فى روايتى للناشئة أيضا «مغامرة فى مدينة الموتى» يسافر بطلا الرواية فى الزمن إلى عصر بناء الأهرام، لتقديم صورة حية للشباب عن عصر وجدنا ثقافتنا تتعامل معه باعتباره نموذجا متحجرا لثقافة ننتمى لها ولكن من دون أن ندرك السبل الحقيقية لإدراك هذه العلاقة. 


وكذلك فى رواية مصاصو الحبر، التى يحاول فيها أحد الكائنات المارقة من مصاصى الحبر، وهى كائنات متخيلة تهتم بامتصاص الحبر أو المعرفة لأنها ترى أنها أولى بها من كائنات لديها إمكانات المعرفة ولا تستخدمها، مثل أى صاحب عقل متحجر، أو مثل أى منا نحن الذين نعيش فوق كنز من الحضارة والمعرفة ولا نعرف عنها شيئا، بل نتغاضى عنها، ونتخلى لصالح التفاهة والابتذال والسطحية فى الفن والأدب والثقافة والإعلام، فى كل شىء. 


لذلك أعترف أن شيئا لم يوفر لى طاقة الأمل فى تحقيق هذا الحلم بمثل ما فعل موكب المومياوات الملكية قبل فترة، ثم احتفالية طريق الكباش المقدس قبل أيام فى الأقصر، بكل ما تضمنه من الدقة والإتقان والإبهار، وبكل مدلولاته ورمزيته فى ترسيخ الإحساس بهذه الهوية المسلوبة، والتى أعرف أنها ستكون وسيلة من وسائل استعادتنا لمكانتنا فى العالم، ولإمكاناتنا على المستوى المحلي، فى طريق طويل بالكاد بدأ بعد جمود طويل. 


لا شك أن ثمة فوائد أخرى جمة سيستفاد منها على مستوى السياحة ورمزية مكانة مصر بوصفها صاحبة أقدم حضارة راسخة، لكن ما يعنينى هو الأثر الكبير لمثل هذه الاحتفالية على الهوية الوطنية لأجيال جديدة سيكون حظها أفضل من حظنا، وسيترسخ لديها مكون قامت قوى عديدة بمحاولة طمسه أو تسفيهه أو وصفه بالوثنية لصالح مشروع سياسى تتضح لنا ملامحه الآن بشكل ساطع يوميا، بعد سنوات من العمل تحت الأرض وفى الظلام، وبمنطق التقية، أو الاستضعاف حتى يتم التمكن. 

 

 


احتفالية الأقصر بعد مسيرة المومياوات حدثان من أهم ما مرت به مصر فى العقد الأخير فى تقديري، وأتمنى أن نرى غيرهما قريبا، بنفس القوة والإمكانات التى تكشف عن القدرات المصرية التى تنجز متى توفرت الرؤية والإرادة، فهذه رسالة قوية لأصحاب المشروعات التى حاولت طمس الهوية المصرية لصالح هوية واحدة ترفض الآخر والتعددية، ورسالة لجيل جديد نتمنى حقا أن نرى على يديه محاولات جادة لاستعادة قيم الحضارة المصرية القديمة فى زمن لم يعد يحتمل إلا المضى قدما فى نهضة مصر لتعود كما كانت دائما مركز الشرق الأوسط، وصلة وصل العالم شرقا وغربا. 

 


ويقينى أن استعادة قيم الحضارة المصرية القديمة العريقة، ستكون بمزيد من الإصرار والمضى قدما فيها رسالة أخرى لكافة المحرضين على ملاحقة الإبداع والفكر باسم ازدراء الأديان، أو بأى مسمى آخر، ودفعة لاستعادة صورة مصر التى نحلم بها، وطنا للنهضة والحرية والإبداع.

 

أقرا ايضا | السياحة : احتفالية «الكباش» ستحدث نفس رد فعل موكب المومياوات الملكية

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة