هالة العيسوي
هالة العيسوي


من وراء النافذة

الفن لكل مواطن

هالة العيسوي

الأربعاء، 15 ديسمبر 2021 - 05:31 م

أن يشهد شهر نوفمبر اثنين من أهم وأرقى المهرجانات الفنية فى مصر، فيحل مهرجان الموسيقى العربية فى أوله، ويختم الشهر مهرجان القاهرة السينمائى الدولى، وأن تنفد تذاكرهما مبكرًا فهذا خير دليل على انه مايزال فى الحس العام ما يتوق للمتعة الفنية الأصيلة.

كانت فرصة ذهبية أن يأتى الأخير بعد أسابيع قليلة من إقامة مهرجان سينمائى خاص أثار كثيرًا من الجدل حول انعدام محتواه الفنى شبه المنعدم مقرونًا بخروج صارخ عن الأعراف الأخلاقية المجتمعية، لإثبات البون الشاسع بين فعاليات ترعاها الدولة لفنون تجذب الذائقة الجماهيرية من سينما وموسيقى وغناء،  تهتم بالأصالة وأخرى ترعاها حفنة من أصحاب المليارات، لكنها لا تراعى الحد الأدنى من المعايير الاحترافية فى إقامة المهرجانات، وتصدم الحس الجمعى بمعاييرها الشاذة، ولا تساهم بأى قدر فى نشر الوعى الثقافى.

الحقيقة أن ثمة تقصيرًا مشتركًا بين الكيانات الفنية المختلفة، والإعلام. الأولى، ولاسيما الرسمى منها، تضاءل إنتاجها وانكمش لأسباب معلنة أراها معيبة وهى ضآلة الإمكانيات، أما الخاص الذى يتمتع بإمكانات مهولة، فقد هرول نحو الشباك ويغالى فى تكاليف تسجيل ونقل الأعمال الفنية الخاصة به  تليفزيونيًا. الإعلام بدوره، وقد أصبحت الغالبية العظمى من قنواته تابعة للقطاع الخاص، مملوكة فى أغلبها لرجال أعمال، تهتم  فى المقام الأول بتحقيق الربح على حساب المحتوى.

لقد اعتاد المواطن فى الماضى على انتظار حفلة أم كلثوم الشهرية التى كانت تذاع على الهواء فى الراديو ثم فى التليفزيون بعد إنشائه. كما اعتاد على انتظار حفلات أضواء المدينة، وحفلات أعياد الربيع التى تنافس فيها كبار المطربين،وكانت أيضًا تذاع على الهواء لمن لا طاقة له بحضور هذه الحفلات  وابتياع تذاكرها. اليوم طغى سوق الألبومات الخاصة والكليبات، ولا تذاع الأغنيات الجديدة لمطرب ما إلا فيما ندر حسب أهواء ومعايير البزنس. وانحصرت الحفلات المذاعة على الهواء فى حفلات المهرجانات الرسمية، والمناسبات الوطنية.

قد تكون الصرعة الجديدة فى الميديا هى اتساع الشبكات الفضائية وتعدد قنواتها المتخصصة، لكن مع مجتمع تقترب نسبة الأمية فيه من ثلثه، ناهيك عن المتسربين من التعليم والحاصلين على قدر يسير منه، تصبح معركة إعادة الوعى الثقافى مهمة أساسية لأجهزة الدولة، وفى هذه الحالة يكون المواطن فى حاجة إلى وجبة ثقافية متكاملة من أخبار سياسية واقتصادية، إلى مواد ترفيهية من فن ورياضة،  فالقنوات المتخصصة تجذب فقط المهتمين بمجالها، وكما توجد برامج متخصصة فى التعليق على المباريات، من الضرورى أن تعود البرامج النقدية للأعمال الفنية مع كل عمل جديد يذاع فى التليفزيون. كى يعى المشاهد أبعاد العمل الفنى ويتذوقه.

الإنسان يألف ما يشاهده أو يسمعه باستمرار، وزمان كان حراس العقارات يستمتعون بطلاوة صوت الست وحلاوة الألحان، حتى فى أصعب قصائدها. الآن غزت الشاشات كل بيت وحجرة وسقيفة فى مصر، وبات من السهل تغذية عقول البسطاء بأنواع ومستويات معتدلة من الثقافة العامة، فقط لو أحسنا اختيار الوجبات.

وكما نهتم بصحة المواطن البدنية، من الضرورى الاهتمام بصحته الذهنية وتوسيع آفاق تفكيره، فيبتعد عن التشنج والتعصب عن جهل للرأى الواحد، وينبذ العنف غير المبرر، وتنفرج أساريره وتتحسن معنوياته. لو أدركنا قيمة تحسن المزاج العام للمواطنين وأثره على الاقتصاد لتوجهنا جميعًا بكل طاقاتنا لتوصيل الفن لكل مواطن.


الكلمات الدالة

 

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة