مواقع التواصل الاجتماعى
مواقع التواصل الاجتماعى


عندما يتوه المثقف وسط أمواج مواقع التواصل الاجتماعى

أخبار الأدب

السبت، 25 ديسمبر 2021 - 02:48 م

شهاب‭ ‬طارق

خلال‭ ‬السنوات‭ ‬القليلة‭ ‬الماضية‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬المثقف‭ ‬‮«‬بوصلة‮»‬‭ ‬يتم‭ ‬من‭ ‬خلاله‭ ‬توجيه‭ ‬الرأى‭ ‬العام‭ ‬بشأن‭ ‬قضايا‭ ‬بعينها،‭ ‬أصبح‭ ‬عبارة‭ ‬عن‭ ‬‮«‬رقم‮»‬‭ ‬داخل‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وبات‭ ‬يتعامل‭ ‬مع‭ ‬أمور‭ ‬جديدة‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬تقابله‭ ‬من‭ ‬قبل،‭ ‬فبدلًا‭ ‬من‭ ‬توجيه‭ ‬الجمهور‭ ‬لقضايا‭ ‬بعينها،‭ ‬أصبح‭ ‬بفضل‭ ‬منصات‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬على‭ ‬‮«‬الهامش‮»‬‭ ‬أمام‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الترندات‭ ‬التى‭ ‬تظهر‭ ‬بسرعة‭ ‬كبيرة‭ ‬وتختفى‭ ‬بالسرعة‭ ‬نفسها،‭ ‬ولم‭ ‬يعد‭ ‬أمامه‭ ‬إلا‭ ‬مجاراة‭ ‬الواقع‭ ‬الجديد‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يلتزم‭ ‬الصمت‭. ‬ولم‭ ‬يسلم‭ ‬المشهد‭ ‬الثقافى‭ ‬فى‭ ‬مصر‭ ‬من‭ ‬عدوى‭ ‬الترندات،‭ ‬وربما‭ ‬يكون‭ ‬من‭ ‬التبعات‭ ‬جروبات‭ ‬القراءة‭ ‬التى‭ ‬توجه‭ ‬القراء‭ ‬لأعمال‭ ‬بعينها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬الدعاية‭ ‬الملحة‭.‬

تحدثنا‭ ‬مع‭ ‬عدد‭ ‬من‭ ‬الكتاب‭ ‬والمثقفين‭ ‬عن‭ ‬الحياة‭ ‬داخل‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وموقفهم‭ ‬من‭ ‬الترند‭.‬

د‭. ‬سيد‭ ‬ضيف‭ ‬الله‭:‬ ‬كيان‭ ‬المثقف‭ ‬ضاع‭ ‬‭ ‬داخل‭ ‬الترند

أرى‭ ‬الآن‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬تحولًا‭ ‬كبيرا‭ ‬يخص‭ ‬علاقة‭ ‬المثقف‭ ‬بالقضايا،‭ ‬وفقد‭ ‬أغلبية‭ ‬المثقفين‭ ‬سيطرتهم‭ ‬على‭ ‬الموضوعات‭ ‬التى‭ ‬يريدون‭ ‬بحثها،‭ ‬فلم‭ ‬يعد‭ ‬للمثقف‭ ‬أجندة‭ ‬يحددها‭ ‬بنفسه،‭ ‬لأن‭ ‬الأجندة‭ ‬تحدد‭ ‬له‭ ‬صباح‭ ‬كل‭ ‬يوم‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬مطالعته‭ ‬لحساباته‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬وبالتالى‭ ‬أصبح‭ ‬تابعا‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬كبير‭ ‬جدا،‭ ‬ليس‭ ‬فقط‭ ‬فيما‭ ‬يخص‭ ‬الموضوعات‭ ‬العامة‭ ‬التى‭ ‬يعلق‭ ‬عليها‭ ‬تحت‭ ‬مسمى‭ ‬‮«‬الترند‮»‬‭ ‬بل‭ ‬أرى‭ ‬أنه‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬النقد‭ ‬الأدبي،‭ ‬فهناك‭ ‬بعض‭ ‬النقاد‭ ‬يبنون‭ ‬قراءاتهم‭ ‬النقدية‭ ‬على‭ ‬الأعمال‭ ‬التى‭ ‬يروج‭ ‬لها‭ ‬أصحابها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬حساباتهم،‭ ‬ويتأثرون‭ ‬بتقييم‭ ‬تلك‭ ‬المنشورات،‭ ‬ويصل‭ ‬ببعضهم‭ ‬الحال‭ ‬إلى‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬مقالته‭ ‬النقدية‭ ‬عن‭ ‬الغلاف‭ ‬الأكثر‭ ‬رواجا‭ ‬على‭ ‬صفحة‭ ‬الفيس‭ ‬بوك؛‭ ‬بينما‭ ‬هناك‭ ‬أعمال‭ ‬أفضل‭ ‬لكن‭ ‬ليس‭ ‬لأصحابها‭ ‬حضور‭ ‬فعال‭ ‬على‭ ‬الفيس‭ ‬بوك،‭ ‬ولا‭ ‬يتم‭ ‬الانتباه‭ ‬لها،‭ ‬لذلك‭ ‬فإن‭ ‬من‭ ‬لا‭ ‬يتواجد‭ ‬اليوم‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬لا‭ ‬يتواجد‭ ‬على‭ ‬ساحة‭ ‬الأدب‭ ‬والثقافة‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭. ‬

أما‭ ‬المشكلة‭ ‬الثانية‭ ‬فهى‭ ‬أن‭ ‬المثقف‭ ‬فقد‭ ‬الميزة‭ ‬الأساسية‭ ‬التى‭ ‬كانت‭ ‬تميزه‭ ‬عن‭ ‬الجماهير،‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬هناك‭ ‬كيان‭ ‬اسمه‭ ‬‮«‬المثقف‮»‬‭ ‬لأن‭ ‬المثقف‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬دخل‭ ‬من‭ ‬بوابة‭ ‬تلك‭ ‬المواقع‭ ‬أصبح‭ ‬رقما‭ ‬ضمن‭ ‬الجماهير‭. ‬فالميزة‭ ‬الأساسية‭ ‬بين‭ ‬المثقف‭ ‬والجماهير‭ ‬تكمن‭ ‬فى‭ ‬المسافة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الموضوع‭ ‬الذى‭ ‬يدرسه،‭ ‬والتى‭ ‬تمنحه‭ ‬القدرة‭ ‬على‭ ‬التفكير‭ ‬بشكل‭ ‬فردى‭ ‬ونقدى‭ ‬ليمكنه‭ ‬تحديد‭ ‬موقفه‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬‮«‬رؤية‮»‬‭ ‬وبناء‭ ‬على‭ ‬موقف‭ ‬نقدي،‭ ‬حتى‭ ‬وإن‭ ‬كان‭ ‬موقفه‭ ‬ضد‭ ‬التيار‭ ‬السائد،‭ ‬فالمثقف‭ ‬لديه‭ ‬قدرة‭ ‬على‭ ‬زعزعة‭ ‬السائد،‭ ‬على‭ ‬مخالفة‭ ‬المسلمات،‭ ‬والسير‭ ‬عكس‭ ‬التيار،‭ ‬فهذا‭ ‬هو‭ ‬تعريف‭ ‬المثقف‭ ‬بشكل‭ ‬عام‭ ‬خاصة‭ ‬عند‭ ‬إدوارد‭ ‬سعيد‭. ‬لكن‭ ‬ما‭ ‬أراه‭ ‬الآن‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬أحد‭ ‬يسبح‭ ‬عكس‭ ‬التيار،‭ ‬فما‭ ‬أن‭ ‬يدخل‭ ‬المثقف‭ ‬إلى‭ ‬مواقع‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬فعليه‭ ‬أن‭ ‬يسبح‭ ‬مع‭ ‬الترند،‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬لديه‭ ‬القدرة‭ ‬النفسية‭ ‬والقوة‭ ‬الرمزية،‭ ‬والمهنية،‭ ‬والشللية،‭ ‬والتى‭ ‬تمكنه‭ ‬من‭ ‬صنع‭ ‬الترند‭ ‬بنفسه‭. ‬فإذا‭ ‬جاء‭ ‬مثلا‭ ‬صحفى‭ ‬مشهور،‭ ‬وكتب‭ ‬رواية‭ ‬وجامله‭ ‬جميع‭ ‬النقاد‭ ‬والمثقفين‭ ‬بشأن‭ ‬روايته‭ ‬تلك،‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬فى‭ ‬الموكب‭ ‬وتقول‭ ‬بأن‭ ‬هذه‭ ‬رواية‭ ‬جميلة،‭ ‬وإما‭ ‬عليك‭ ‬أن‭ ‬تسير‭ ‬عكس‭ ‬التيار‭ ‬وتقول‭: ‬‮«‬هذه‭ ‬أسوأ‭ ‬رواية‮»‬‭ ‬لكن‭ ‬عليك‭ ‬تكوين‭ ‬جبهة‭ ‬مضادة‭ ‬لتبنى‭ ‬هذا‭ ‬الرأى‭ ‬المخالف‭. ‬

لذلك‭ ‬فإما‭ ‬أن‭ ‬تسبح‭ ‬مع‭ ‬التيار‭ ‬أو‭ ‬أن‭ ‬تتلقى‭ ‬السهام،‭ ‬التى‭ ‬قد‭ ‬تأتيك‭ ‬من‭ ‬قارئ‭ ‬ربما‭ ‬لم‭ ‬يقرأ‭ ‬فى‭ ‬حياته‭ ‬كلها‭ ‬سوى‭ ‬خمس‭ ‬روايات،‭ ‬ولديه‭ ‬نفس‭ ‬السلطة‭ ‬الرمزية‭ ‬للحكم‭ ‬على‭ ‬الاعمال،‭ ‬مادمت‭ ‬قد‭ ‬ارتضيت‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬وسيلة‭ ‬التواصل‭ ‬مع‭ ‬الناس‭ ‬هى‭ ‬الفيس‭ ‬بوك‭ ‬فلا‭ ‬قيمة‭ ‬لأستاذية‭ ‬أو‭ ‬ألقاب،‭ ‬الكل‭ ‬سواسية،‭ ‬وهذ‭ ‬ما‭ ‬يجب‭ ‬على‭ ‬الناقد‭ ‬أن‭ ‬يدركه‭ ‬وبالتالى‭ ‬عليه‭ ‬أن‭ ‬يستخدم‭ ‬اللغة‭ ‬المناسبة،‭ ‬وأن‭ ‬يختار‭ ‬الموقع‭ ‬الذى‭ ‬يريد‭ ‬أن‭ ‬يضع‭ ‬نفسه‭ ‬فيه،‭ ‬فإذا‭ ‬أراد‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬مع‭ ‬‮«‬الموجة‮»‬‭ ‬فهذا‭ ‬أمر‭ ‬سهل،‭ ‬لكنه‭ ‬فى‭ ‬المقابل‭ ‬سيفقد‭ ‬أى‭ ‬ميزة‭ ‬باعتباره‭ ‬‮«‬مثقفا‮»‬‭ ‬أما‭ ‬إذا‭ ‬رأى‭ ‬أن‭ ‬له‭ ‬رأيا‭ ‬مخالفا‭ ‬فمواقع‭ ‬التواصل‭ ‬ليست‭ ‬ساحة‭ ‬الأكاديميين‭ ‬أو‭ ‬كهنة‭ ‬النقد‭. ‬

لكن‭ ‬الخطير‭ ‬فى‭ ‬اﻷمر‭ ‬أن‭ ‬السياسات‭ ‬الثقافية‭ ‬بجانب‭ ‬القرارات‭ ‬المصيرية،‭ ‬تأخذ‭ ‬غالبا‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬الحضور‭ ‬الجماهيري،‭ ‬بل‭ ‬إن‭ ‬اختيار‭ ‬القيادات‭ ‬يتم‭ ‬غالبا‭ ‬بناء‭ ‬على‭ ‬مدى‭ ‬حضورهم‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬المواقع،‭ ‬الأعلى‭ ‬صوتا‭ ‬تجده‭ ‬حاضرا‭ ‬وموجودا،‭ ‬والأكثر‭ ‬حضورا‭ ‬ليس‭ ‬بالضرورة‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬الأكثر‭ ‬كفاءة‭.   ‬

أما‭ ‬بالنسبة‭ ‬إليّ‭ ‬فقد‭ ‬تعلمت‭ ‬أن‭ ‬أتجنب‭ ‬الترندات،‭ ‬أتجنب‭ ‬الجدل‭ ‬فى‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬التى‭ ‬لا‭ ‬أعرف‭ ‬أبعادها‭.‬

انتصار‭ ‬عبد‭ ‬المنعم‭:‬

‭  ‬أبتعد‭ ‬للحفاظ‭ ‬على‭ ‬استقلال‭ ‬توجهاتي

‮ ‬منذ‭ ‬سنوات‭ ‬بعيدة،‭ ‬كان‭ ‬الناس‭ ‬يستيقظون‭ ‬على‭ ‬صوت‭ ‬بائع‭ ‬الجرائد‭ ‬المتجول‭ ‬وهو‭ ‬ينادى‭ ‬بأعلى‭ ‬صوته‭: ‬اقرا‭ ‬الحادثة‭! ‬اقرا‭ ‬الحادثة‭! ‬فيتسابق‭ ‬الناس‭ ‬لشراء‭ ‬الصحيفة‭ ‬لمعرفة‭ ‬الحادثة،‭ ‬وتصبح‭ ‬مجالا‭ ‬للنقاش‭ ‬فى‭ ‬البيوت‭ ‬والمقاهى‭ ‬والجامعات،‭ ‬صباحا‭ ‬ومساءً،‭ ‬إلى‭ ‬حين‭ ‬ينادى‭ ‬البائع‭ ‬المتجول‭ ‬على‭ ‬‮«‬ترند‮»‬‭ ‬جديد‭ ‬فيحل‭ ‬محل‭ ‬الحادثة‭. ‬مر‭ ‬زمن‭ ‬‮«‬الترند‮»‬‭ ‬المسموع،‭ ‬ولم‭ ‬تعد‭ ‬الصحف‭ ‬نفسها‭ ‬قادرة‭ ‬على‭ ‬مواكبة‭ ‬الحوادث‭ ‬والأخبار،‭ ‬وامتلأ‭ ‬فضاء‭ ‬الانترنت‭ ‬بالأخبار،‭ ‬وهنا‭ ‬بدأت‭ ‬ظاهرة‭ ‬‮«‬الترند‮»‬‭ ‬على‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬لجذب‭ ‬الانتباه‭ ‬لخبر‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬لشخص‭ ‬بعينه‭ ‬كوسيلة‭ ‬لتكوين‭ ‬اتجاه‭ ‬معين‭ ‬سواء‭ ‬كان‭ ‬سلبيا‭ ‬أو‭ ‬إيجابيا‭.. ‬الترند‭ ‬أو‭ ‬الاتجاه‭ ‬يرتبط‭ ‬فى‭ ‬الأساس‭ ‬بسوق‭ ‬المال‭ ‬والأعمال،‭ ‬ويقصد‭ ‬به‭ ‬تطور‭ ‬قيم‭ ‬السوق‭ ‬أو‭ ‬سعر‭ ‬الأصل،‭ ‬ويمكن‭ ‬أن‭ ‬تكون‭ ‬الاتجاهات‭ (‬صعودا‭) ‬أو‭(‬هبوطا‭) ‬أو‭ ‬جانبية‭ (‬مسطحة‭). ‬وللتدليل‭ ‬على‭ ‬الترند‭ ‬الايجابى‭ ‬‮«‬صاعد‮»‬‭ ‬والمعاكس»هابط‮»‬،‮ ‬‭ ‬لا‭ ‬نجد‭ ‬نموذجا‭ ‬أبلغ‭ ‬مما‭ ‬حدث‭ ‬بعد‭ ‬وفاة‭ ‬دكتور‭ ‬أحمد‭ ‬خالد‭ ‬توفيق‭ ‬عام‭ ‬2018،‭ ‬فحين‭ ‬نعاه‭ ‬محبوه‭ ‬فى‭ ‬ترند‭ ‬تصدر‭ ‬صفحات‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا،‭ ‬ظهر‭ ‬ترند‭ ‬مناقض‭ ‬له‭ ‬تماما‭ ‬يتعالى‭ ‬على‭ ‬قراء‭ ‬الكاتب،‭ ‬ويقلل‭ ‬من‭ ‬قيمته‭ ‬كأديب،‭ ‬ويسفه‭ ‬من‭ ‬قرائه‭.‬

‮   ‬والمدهش‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬نقوله‭ ‬الآن‭ ‬عن‭ ‬دور‭ ‬‮«‬الترند‮»‬‭ ‬فى‭ ‬جذب‭ ‬الانتباه‭ ‬سلبا‭ ‬وإيجابا‭ ‬تجاه‭ ‬شخص‭ ‬أو‭ ‬حدث،‭ ‬هو‭ ‬نفسه‭ ‬الذى‭ ‬قيل‭ ‬من‭ ‬قبل‭ ‬عن‭ ‬‮«‬الشائعات‮»‬‭ ‬ودورها‭ ‬فى‭ ‬تكوين‭ ‬آراء‭ ‬واتجاهات‭ ‬معينة‭. ‬ففى‭ ‬كتابه‭ ‬الصادر‭ ‬عام‮ ‬‭ ‬1987‭ ‬‮«‬الشائعات‭: ‬الوسيلة‭ ‬الإعلامية‭ ‬الأقدم‭ ‬فى‭ ‬العالم‮»‬‭ ‬،‭ ‬يذكر‮ ‬‭ ‬الكاتب‭ ‬الفرنسى‭ ‬جان‭ ‬نويل‭ ‬كابفيرير‭ ‬Jean-Noël Kapferer،‭ ‬أن‭ ‬الشائعة‭ ‬هى‭ ‬فى‭ ‬المقام‭ ‬الأول‭ ‬معلومة‭ ‬تضيف‭ ‬عناصر‭ ‬جديدة‭ ‬إلى‭ ‬شخص‭ ‬ما‭ ‬أو‭ ‬حدث‭ ‬ما،‭ ‬وغالبا‭ ‬ما‭ ‬تكون‭ ‬الشائعة‭ ‬مرتبطة‮ ‬‭ ‬بنجوم‭ ‬الشهرة،‭ ‬والمال‭ ‬والأعمال‭ ‬وغيرها‭. ‬وهذا‭ ‬ما‭ ‬يحدث‭ ‬الآن‭ ‬تماما،‭ ‬يلجأ‭ ‬الفنانون‭ ‬والكتاب‭ ‬أكثر‭ ‬من‭ ‬غيرهم‭ ‬لما‭ ‬يعرف‭ ‬بالتسويق‭ ‬النفسى‭ ‬لأنفسهم‭ ‬بإطلاق‭ ‬‮«‬الترند‮»‬‭ ‬عن‭ ‬أنفسهم‭ ‬وعن‭ ‬منافسيهم،‭ ‬بطريقة‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬عن‭ ‬طريق‭ ‬توجيه‭ ‬الجمهور‭ ‬المتحمس‭ ‬لهم‭.‬‮ ‬

‮ ‬وهكذا‭ ‬كلما‭ ‬أصبح‭ ‬الكاتب‭ / ‬الفنان‭ ‬موضوعًا‭ ‬للشائعات‭/ ‬الترند،‭ ‬فهذا‭ ‬يعنى‭ ‬بالضرورة‭ ‬أنه‭ ‬أصبح‭ ‬ذا‭ ‬أهمية،‭ ‬ولا‭ ‬يهم‭ ‬موضوع‭ ‬الترند،‭ ‬قد‭ ‬يكون‭ ‬خبر‭ ‬مرض‭ ‬أو‭ ‬زواج‭ ‬أو‭ ‬حادث،‭ ‬أو‭ ‬تحرشات‭ ‬فى‭ ‬أسوأ‭ ‬الحالات،‭ ‬ولكنها‭ ‬تشكل‭ ‬أعلى‭ ‬معدلات‭ ‬‮«‬الترند‮»‬،‭ ‬يكفى‭ ‬أن‭ ‬يقترن‭ ‬اسم‭ ‬فنان‭ ‬أو‭ ‬كاتب‭ ‬بكلمة‭ ‬تحرش،‭ ‬لتتصدر‭ ‬أخباره‭ ‬صفحات‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا،‭ ‬هجوما،‭ ‬ودفاعا‭ ‬فى‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭.. ‬كان‭ ‬‮«‬برنارد‭ ‬شو‮»‬‭ ‬يقول‭ ‬إن‭ ‬الإنسان‭ ‬البدائى‭ ‬عبد‭ ‬أصناما‭ ‬من‭ ‬الخشب‭ ‬والحجارة،‭ ‬فى‭ ‬حين‭ ‬أن‭ ‬الانسان‭ ‬المتحضر‭ ‬يهيم‭ ‬بمعبود‭ ‬من‭ ‬لحم‭ ‬ودم‭.. ‬وهكذا‭ ‬يتصدى‭ ‬‮«‬ألتراس‮»‬‭ ‬فنان‭ ‬ما‭ ‬إلى‭ ‬‮«‬ألتراس‮»‬‭ ‬الفنان‭ ‬المنافس،‭ ‬وتشتعل‭ ‬السجالات‭ ‬ويرتفع‭ ‬معدل‭ ‬الترند،‭ ‬وترتفع‭ ‬القيمة‭ ‬‮«‬السوقية‮»‬‭ ‬للفنان‭ ‬بالتبعية‭ ‬بازدياد‭ ‬الطلب‭ ‬عليه‭ ‬بذريعة‭ ‬أنه‭ ‬تصدر‭ ‬‮«‬الترند‮»‬‭.‬

‮ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الكتابة،‭ ‬وقبل‭ ‬ظهور‭ ‬مجموعات‭ ‬القراءة‭ ‬على‭ ‬الفيس‭ ‬بوك،‭ ‬لجأ‭ ‬بعض‭ ‬الكتاب‭ ‬إلى‭ ‬تسويق‭ ‬أنفسهم‭ ‬بإطلاق‭ ‬شائعة‭ ‬منع‭ ‬أو‭ ‬مصادرة‭ ‬أعمالهم،‭ ‬ثم‭ ‬بأسماء‭ ‬وهمية‭ ‬يطلقون‭ ‬الهاشتاج،‭ ‬وتطفو‭ ‬أسماؤهم‭ ‬على‭ ‬سطح‭ ‬‮«‬ترند‮»‬‭ ‬لأيام‭ ‬ثم‭ ‬تختفي‭. ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الترند‭ ‬المرتبط‭ ‬بفنان‭ ‬شعبى‭ ‬مثلا‭.. ‬وتعد‭ ‬عملية‭ ‬تكوين‭ ‬الاتجاهات‭ ‬عملية‭ ‬ناجعة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬اعتمدت‭ ‬على‭ ‬إقحام‭ ‬الذات‭ ‬الإلهية‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬‮«‬ترند‮»‬‭ ‬فمثلا‭ ‬الكاتب‭ ‬الذى‭ ‬أطلق‭ ‬على‭ ‬نفسه‭ ‬أنه‭ ‬‮«‬إله‭ ‬السرد‮»‬‭ ‬أراد‭ ‬به‭ ‬تكوين‭ ‬ترند‭ ‬صاعد‭ ‬وهابط‭ ‬فى‭ ‬نفس‭ ‬الوقت‭. ‬فمن‭ ‬ناحية،‭ ‬نجح‭ ‬فى‭ ‬تكوين‭ ‬قاعدة‭ ‬شعبية‭ ‬تناصره‭ ‬لمجرد‭ ‬أنه‭ ‬تجرأ‭ ‬على‭ ‬الوسط‭ ‬الأدبى‭ ‬قديما‭ ‬وحديثا،‭ ‬وشكك‭ ‬فى‭ ‬قيمة‭ ‬أعمال‭ ‬نجيب‭ ‬محفوظ‭ ‬مقارنة‭ ‬بأعماله،‭ ‬ومن‭ ‬الناحية‭ ‬الأخرى،‭ ‬نال‭ ‬هجوم‭ ‬الكثيرين‭ ‬وصل‭ ‬إلى‭ ‬حد‭ ‬العداء،‭ ‬وفى‭ ‬كل‭ ‬الأحوال‭ ‬نعتبر‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬قام‭ ‬به‭ ‬‮«‬إله‭ ‬السرد‮»‬‭ ‬النموذج‭ ‬الأمثل‭ ‬للتدليل‭ ‬على‭ ‬التهافت‭ ‬على‭ ‬تسويق‭ ‬الأعمال‭ ‬ولو‭ ‬على‭ ‬حساب‭ ‬التسويق‭ ‬السلبى‭ ‬لشخصية‭ ‬الكاتب‭ ‬نفسه‭.. ‬وبعد‭ ‬ظهور‭ ‬مجموعات‭ ‬القراءة‭ ‬المتخصصة‭ ‬على‭ ‬الفيس‭ ‬بوك،‭ ‬أصبح‭ ‬الأمر‭ ‬أكثر‭ ‬سهولة،‭ ‬فالكاتب‭ ‬أو‭ ‬صاحب‭ ‬دار‭ ‬النشر‭ ‬يقوم‭ ‬بإنشاء‭ ‬المجموعة،‭ ‬ويكلف‭ ‬أحد‭ ‬الشباب‭ ‬بإدارتها،‭ ‬مباشرة‭ ‬أو‭ ‬بطريقة‭ ‬غير‭ ‬معلنة،‭ ‬وعن‭ ‬طريق‭ ‬المجموعة‭ ‬تنطلق‭ ‬ترشيحات‭ ‬القراءة‭ ‬لكاتب‭ ‬بعينه،‭ ‬وينطلق‭ ‬الترند‭ ‬الواحد‭ ‬تلو‭ ‬الآخر‭ ‬باسم‭ ‬الكاتب‭ ‬والدار‭ ‬والكتاب،‭ ‬وتنشط‭ ‬الحركة‭ ‬فى‭ ‬موسم‭ ‬ترشيحات‭ ‬القوائم‭ ‬الطويلة‭ ‬والقصيرة‭ ‬للجوائز‭.‬

‮  ‬والغريب،‭ ‬أن‭ ‬عملية‭ ‬تكوين‭ ‬ترند‭ ‬معين،‭ ‬توسع‭ ‬مجالها،‭ ‬ليشمل‭ ‬أشياء‭ ‬لا‭ ‬علاقة‭ ‬لها‭ ‬بمشاهير‭ ‬سواء‭ ‬رياضيين‭ ‬أو‭ ‬فنانين،‭ ‬ولكنها‭ ‬تخص‭ ‬أفرادا‭ ‬غير‭ ‬معروفين‭ ‬يتصدرون‭ ‬المشهد‭ ‬بترند‭ ‬يستغل‭ ‬الحس‭ ‬الدينى‭ ‬عند‭ ‬رواد‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬على‭ ‬شاكلة‭ ‬‮«‬جمعة‭ ‬مباركة‮»‬‭ ‬أو‭ ‬‮«‬مسلم‭ ‬وأفتخر‮»‬‭ ‬وتكون‭ ‬النتيجة‭ ‬أن‭ ‬يتسابق‭ ‬الجميع‭ ‬فى‭ ‬التدليل‭ ‬على‭ ‬صلاحهم‭ ‬الدينى‭ ‬بمتابعة‭ ‬الترند‭ ‬وهكذا‭.‬

‮  ‬الحقيقة،‭ ‬هناك‭ ‬تريندات‭ ‬أفادتنى‭ ‬كثيرا،‭ ‬ولكن‭ ‬أغلبها‭ ‬تخص‭ ‬البيئة‭ ‬وحماية‭ ‬الحيوانات‭ ‬المعرضة‭ ‬للانقراض‭ ‬التى‭ ‬تطلقها‭ ‬جمعيات‭ ‬حماية‭ ‬الحيوان‭ ‬فى‭ ‬كل‭ ‬أنحاء‭ ‬العالم،‭ ‬كذلك‭ ‬المتعلقة‭ ‬بشركات‭ ‬تصنيع‭ ‬المبيدات‭ ‬الزراعية‭ ‬الملوثة‭ ‬للبيئة،‭ ‬وجميعها‭ ‬جعلتنى‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬معرفية‭ ‬متزايدة‭ ‬كل‭ ‬يوم،‭ ‬على‭ ‬عكس‭ ‬الترندات‭ ‬المتعلقة‭ ‬بعالم‭ ‬الفن‭ ‬والأدب‭ ‬التى‭ ‬تسبب‭ ‬التوتر‭ ‬وضيق‭ ‬الصدر،‭ ‬لأنها‭ ‬تتطلب‭ ‬أخذ‭ ‬موقف‭ ‬إما‭ ‬مناصرا‭ ‬أو‭ ‬معاديا‭ ‬لطرف‭ ‬ما‭.. ‬وذلك‭ ‬ما‭ ‬جعلنى‭ ‬لا‭ ‬أتابع‭ ‬أى‭ ‬ترند‭ ‬خاص‭ ‬بهذين‭ ‬المجالين،‭ ‬كى‭ ‬أحافظ‭ ‬على‭ ‬استقلال‭ ‬توجهاتى‭ ‬بعيدا‭ ‬عن‭ ‬أى‭ ‬استقطاب‭ ‬من‭ ‬أى‭ ‬نوع‭. ‬

أحمد‭ ‬الملوانى‭:‬

لن‭ ‬أتحول‭ ‬لإنتاج‭ ‬كتب‭ ‬بمواصفات‭ ‬الترند‭ ‬القياسية‭!‬

الحديث‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬الكاتب‭ ‬بالترند‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬حديث‭ ‬بشكل‭ ‬غير‭ ‬مباشر‭ ‬عن‭ ‬علاقة‭ ‬الكاتب‭ ‬بالقراء‭. ‬فكما‭ ‬أعتقد‭ ‬أننا‭ ‬نتحدث‭ ‬هنا‭ ‬عن‭ ‬الترند‭ ‬بوصفه‭ ‬بوصلة‭ ‬تحدد‭ ‬اتجاه‭ ‬الجمهور‭ ‬نحو‭ ‬موضوعات‭ ‬محددة‭ ‬تشغله‭ ‬وتأخذ‭ ‬حيزًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬من‭ ‬أفكاره‭ ‬وجهده‭ ‬اليومي‭.‬‮ ‬

بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬العلاقة‭ ‬بين‭ ‬الكاتب‭ ‬والقارئ‭ ‬هى‭ ‬علاقة‭ ‬متبادلة‭ ‬ذات‭ ‬اتجاهين،‭ ‬لكنها‭ ‬فى‭ ‬رأيى‭ ‬تبدأ‭ ‬بالضرورة‭ ‬من‭ ‬عند‭ ‬الكاتب‭. ‬فأنا‭ ‬ككاتب‭ ‬أقدم‭ ‬للقارئ‭ ‬إبداعًا،‭ ‬ثم‭ ‬أعود‭ ‬لأستقبل‭ ‬منه‭ ‬آراء‭ ‬ووجهات‭ ‬نظر‭ ‬قد‭ ‬تكون‭ ‬مفيدة‭ ‬بالنسبة‭ ‬لى‭ ‬فى‭ ‬تقييم‭ ‬تجربتى‭ ‬الإبداعية‭. ‬ولكن‭ ‬فى‭ ‬مرحلة‭ ‬صناعة‭ ‬منتجى‭ ‬الأدبى‭  ‬سواء‭ ‬فى‭ ‬مرحلة‭ ‬كتابة‭ ‬النص‭ ‬أو‭ ‬حتى‭ ‬ما‭ ‬يسبقها‭ ‬من‭ ‬مراحل،‭ ‬منذ‭ ‬أن‭ ‬كان‭ ‬النص‭ ‬مجرد‭ ‬فكرة‭ ‬تداعب‭ ‬خيالاتى‭  ‬فلا‭ ‬وجود‭ ‬فى‭ ‬حساباتى‭ ‬لما‭ ‬يعرف‭ ‬بالقارئ‭! ‬ربما‭ ‬هى‭ ‬إجابة‭ ‬صادمة‭ ‬لنوع‭ ‬من‭ ‬القراء‭ ‬اعتاد‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الكاتب‭ ‬بتملقه،‭ ‬وإشعاره‭ ‬بأهميته‭ ‬الفائقة‭. ‬ولكنى‭ ‬سأكون‭ ‬منافقًا‭ ‬إن‭ ‬أخبرتك‭ ‬بعكس‭ ‬الحقيقة‭. ‬والحقيقة‭ ‬أنى‭ ‬لا‭ ‬أكتب‭ ‬من‭ ‬أجل‭ ‬القارئ،‭ ‬وإنما‭ ‬أكتب‭ ‬من‭ ‬أجلي‭. ‬أكتب‭ ‬لإشباع‭ ‬رغبتى‭ ‬الذاتية‭. ‬أكتب‭ ‬لأبحث‭ ‬عن‭ ‬إجابات‭ ‬لأسئلة‭ ‬تحرقني‭. ‬أنا‭ ‬أكتب‭ ‬لنفسي،‭ ‬ولكنى‭ ‬أنشر‭ ‬من‭ ‬أجلك‭. ‬وهى‭ ‬علاقة‭ ‬بسيطة‭ ‬أفترض‭ ‬فيها‭ ‬الانفصال‭ ‬بين‭ ‬عملية‭ ‬الكتابة‭ ‬وقرار‭ ‬النشر‭. ‬فليس‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬أكتبه‭ ‬بالضرورة‭ ‬يجب‭ ‬أن‭ ‬أنشره‭. ‬وكل‭ ‬رواية‭ ‬أكتبها‭ ‬أتساءل‭ ‬بعد‭ ‬الانتهاء‭ ‬منها‭: ‬هل‭ ‬أريد‭ ‬للناس‭ ‬أن‭ ‬تقرأها؟‭ ‬ببساطة‭ ‬أنا‭ ‬أفكر‭ ‬فى‭ ‬القارئ‭ ‬بعد‭ ‬انتهائى‭ ‬من‭ ‬كتابة‭ ‬الرواية‭. ‬لذلك‭ ‬فبالنسبة‭ ‬لى‭ ‬فكرة‭ ‬أن‭ ‬يقوم‭ ‬الكاتب‭ ‬أولا‭ ‬بمتابعة‭ ‬الترند،‭ ‬وقياس‭ ‬اتجاهات‭ ‬القراء‭ ‬على‭ ‬مواقع‭ ‬السوشيال‭ ‬ميديا‭ ‬ـ‭ ‬وخاصة‭ ‬أماكن‭ ‬تجمع‭ ‬قراء‭ ‬الأدب،‭ ‬مثل‭ ‬جروبات‭ ‬الفيس‭ ‬بوك‭ ‬الأدبية‭ ‬ـ‭ ‬هو‭ ‬شيء‭ ‬قاتل‭ ‬للإبداع،‭ ‬ويحول‭ ‬الكاتب‭ ‬لآلة‭ ‬إنتاج‭ ‬أدب‭ ‬بلا‭ ‬روح،‭ ‬أدب‭ ‬ليس‭ ‬حقيقيًا‭ ‬ولا‭ ‬صادقًا‭. ‬فالكاتب‭ ‬يكتب‭ ‬ليعبر‭ ‬فقط‭ ‬عن‭ ‬نفسه،‭ ‬لا‭ ‬ليرضى‭ ‬رغبات‭ ‬وذائقة‭ ‬القارئ‭. ‬الذى‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬ليس‭ ‬قارئًا‭ ‬واحدًا،‭ ‬ولا‭ ‬ذائقة‭ ‬واحدة‭. ‬فكلمة‭ (‬قارئ‭) ‬التى‭ ‬نستخدمها‭ ‬بتلك‭ ‬البساطة‭ ‬وكأنها‭ ‬عنوان‭ ‬جماعى‭ ‬مطلق‭ ‬مسلم‭ ‬به،‭ ‬فى‭ ‬الحقيقة‭ ‬هى‭ ‬تتضمن‭ ‬ملايين‭ ‬القراء،‭ ‬وملايين‭ ‬الأذواق،‭ ‬وملايين‭ ‬الاتجاهات‭ ‬والتفضيلات‭. ‬والأهم‭ ‬أن‭ ‬كل‭ ‬هذا‭ ‬ليس‭ ‬ثابتًا،‭ ‬وإنما‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬حالة‭ ‬تغيير‭ ‬دائم‭ ‬وسريع‭. ‬فالقارئ‭ ‬الفرد‭ ‬قد‭ ‬تتغير‭ ‬اتجاهات‭ ‬تفكيره‭ ‬مع‭ ‬كل‭ ‬ترند‭ ‬جديد‭. ‬فماذا‭ ‬ستفعل‭ ‬عزيزى‭ ‬الكاتب‭ ‬المسكين‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬وضعت‭ ‬أمام‭ ‬عينيك‭ ‬فكرة‭ ‬إرضاء‭ (‬القارئ‭) ‬ـ‭ ‬بمفهومها‭ ‬الجماعى‭ ‬المشوه‭ ‬ـ‭ ‬قبل‭ ‬أن‭ ‬تشرع‭ ‬فى‭ ‬كتابة‭ ‬عملك‭!‬

أنا‭ ‬لا‭ ‬أتعالى‭ ‬على‭ ‬القراء‭ ‬بالطبع‭. ‬وأنا‭ ‬نفسى‭ ‬عضو‭ ‬فى‭ ‬جروبات‭ ‬القراءة،‭ ‬وأحب‭ ‬أن‭ ‬أحلل‭ ‬ما‭ ‬يدور‭ ‬فيها‭ ‬وأستنتج‭ ‬اتجاهات‭ ‬وتيارات‭ ‬النجاح‭ ‬فى‭ ‬مجال‭ ‬الرواية،‭ ‬وقد‭ ‬أستفاد‭ ‬منها‭ ‬عند‭ ‬اتخاذ‭ ‬قرار‭ ‬النشر‭. ‬لكن‭ ‬عندما‭ ‬أجلس‭ ‬لأكتب‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أفكر‭ ‬فى‭ ‬أى‭ ‬من‭ ‬هذا‭. ‬فى‭ ‬يوم‭ ‬بعيد‭ ‬وضع‭ ‬أحد‭ ‬الناشرين‭ ‬يده‭ ‬فوق‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬كتبى‭  ‬وكان‭ ‬قد‭ ‬حقق‭ ‬مبيعات‭ ‬جيدة‭ ‬ـ‭ ‬وقال‭ ‬لي‭: ‬اعطنى‭ ‬كل‭ ‬عام‭ ‬كتاباً‭ ‬كهذا،‭ ‬وأنا‭ ‬سأضمن‭ ‬لك‭ ‬مبلغًا‭ ‬كبيرًا‭ ‬سنويًا‭ ‬من‭ ‬أرباح‭ ‬مبيعاتك‭. ‬وذكر‭ ‬مبلغًا‭ ‬على‭ ‬سبيل‭ ‬المثال،‭ ‬وكان‭ ‬كبيرًا‭ ‬بالفعل‭! ‬هذا‭ ‬الناشر‭ ‬تحدث‭ ‬معى‭ ‬بتلك‭ ‬الثقة‭ ‬لأنه‭ ‬يعرف‭ ‬أن‭ ‬ما‭ ‬كتبته‭ ‬فى‭ ‬هذا‭ ‬الكتاب‭ ‬يساير‭ ‬الترند،‭ ‬ويرضى‭ ‬اتجاهات‭ ‬القراء؛‭ ‬هذا‭ ‬الترند‭ ‬وتلك‭ ‬الاتجاهات‭ ‬التى‭ ‬ساهم‭ ‬الناشر‭ ‬نفسه‭ ‬فى‭ ‬وضعها‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬تحكمه‭ ‬فى‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬جروبات‭ ‬الأدب‭ ‬وقتها‭ ‬على‭ ‬الفيس‭ ‬بوك‭! ‬إذن‭ ‬اللعبة‭ ‬بسيطة‭ ‬ومربحة،‭ ‬والكثيرون‭ ‬يعرفون‭ ‬قواعدها‭ ‬ويلعبونها‭ ‬ببراعة‭. ‬كل‭ ‬ما‭ ‬فى‭ ‬الأمر‭ ‬أنى‭ ‬أحب‭ ‬ما‭ ‬أفعله،‭ ‬وأخشى‭ ‬أن‭ ‬يضيع‭ ‬شغفى‭ ‬بالكتابة‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬تحولت‭ ‬لآلة‭ ‬إنتاج‭ ‬كتب‭ ‬على‭ ‬مقاسات‭ ‬السوق،‭ ‬وبمواصفات‭ ‬الترند‭ ‬القياسية‭. ‬حتى‭ ‬لو‭ ‬اعتبرت‭ ‬فى‭ ‬نظر‭ ‬واحد‭ ‬من‭ ‬أكبر‭ ‬الناشرين‭ ‬فى‭ ‬الوطن‭ ‬العربى‭  ‬ذلك‭ ‬الشخص‭ ‬الغامض‭ ‬المذكور‭ ‬سلفًا‭ ‬ـ‭ ‬مجرد‭ ‬شخص‭ (‬فقرى‭.. ‬ما‭ ‬يعرفش‭ ‬مصلحته‭ ‬فين‭).‬

فى‭ ‬النهاية‭ ‬أنا‭ ‬لا‭ ‬أحب‭ ‬الأحكام‭ ‬المطلقة‭. ‬وأنا‭ ‬أتحدث‭ ‬عن‭ ‬تجربتى‭ ‬الشخصية‭ ‬وفقط‭. ‬لكن‭ ‬من‭ ‬الوارد‭ ‬أن‭ ‬يظهر‭ ‬من‭ ‬بيننا‭ ‬ذلك‭ ‬الكاتب‭ ‬العبقرى‭ ‬القادر‭ ‬على‭ ‬إرضاء‭ ‬كل‭ ‬القراء،‭ ‬ومسايرة‭ ‬كل‭ ‬الاتجاهات،‭ ‬والعزف‭ ‬على‭ ‬كل‭ ‬الترندات،‭ ‬وفى‭ ‬ذات‭ ‬الوقت‭ ‬يقدم‭ ‬أدبًا‭ ‬رفيعًا‭ ‬قابلا‭ ‬للخلود،‭ ‬وليس‭ ‬مجرد‭ ‬حواديت‭ ‬سيتم‭ ‬تجاوزها‭ ‬سريعًا‭ ‬من‭ ‬نفس‭ ‬القراء‭ ‬الذين‭ ‬يسعى‭ ‬لإرضائهم،‭ ‬مع‭ ‬ظهور‭ ‬ترند‭ ‬جديد‭ ‬يفشل‭ ‬هو‭ ‬فى‭ ‬مسايرته‭.‬

زين‭ ‬العابدين‭ ‬فؤاد‭:‬

ثقافة‭ ‬موجهة‭  ‬

أنا‭ ‬لا‭ ‬أتعامل‭ ‬بفكرة‭ ‬‮«‬الترند‮»‬‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬فالسؤال‭ ‬هو‭: ‬‮«‬هل‭ ‬مهمة‭ ‬المثقف‭ ‬أن‭ ‬ينجر‭ ‬وراء‭ ‬الترند،‭ ‬أم‭ ‬أن‭ ‬مهمته‭ ‬الحقيقية‭ ‬هى‭ ‬أن‭ ‬يقود‭ ‬الرأى‭ ‬العام؟‭ ‬فهذه‭ ‬وجهة‭ ‬نظرى‭ ‬لأنى‭ ‬أرى‭ ‬أن‭ ‬مهمته‭ ‬الحقيقية‭ ‬هو‭ ‬أن‭ ‬يتولى‭ ‬دور‭ ‬الريادة‭ ‬لا‭ ‬أن‭ ‬يكون‭ ‬تابعا،‭ ‬لكن‭ ‬للأسف‭ ‬لم‭ ‬يعد‭ ‬بإمكان‭ ‬المثقف‭ ‬أن‭ ‬يوجه‭ ‬الرأى‭ ‬العام،‭ ‬نتيجة‭ ‬عدم‭ ‬ظهور‭ ‬المثقفين‭ ‬فى‭ ‬بعض‭ ‬القنوات‭ ‬التلفزيونية‭ ‬مثلما‭ ‬كان‭ ‬يحدث‭ ‬فى‭ ‬الماضي،‭ ‬وبالتالى‭ ‬أصبحت‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعي،‭ ‬هى‭ ‬الوسيلة‭ ‬الوحيدة‭ ‬التى‭ ‬بات‭ ‬المثقف‭ ‬يخاطب‭ ‬من‭ ‬خلالها‭ ‬الجمهور،‭ ‬ونحن‭ ‬نحاول‭ ‬بذل‭ ‬المجهود‭ ‬فى‭ ‬هذه‭ ‬المسألة‭. ‬

أما‭ ‬بخصوص‭ ‬ظهور‭ ‬كتاب‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭ ‬بصورة‭ ‬مفاجأة‭ ‬نتيجة‭ ‬تنفيذ‭ ‬حملات‭ ‬دعائية‭ ‬لصالحهم،‭ ‬فأنا‭ ‬لا‭ ‬أعتقد‭ ‬أنهم‭ ‬قادرون‭ ‬على‭ ‬الاستمرار،‭ ‬فأى‭ ‬شيء‭ ‬موجه‭ ‬لا‭ ‬يمكن‭ ‬أبدا‭ ‬أن‭ ‬يبقى،‭ ‬ولا‭ ‬أتصور‭ ‬أن‭ ‬هناك‭ ‬كاتباً‭ ‬‮«‬حقيقيا‮»‬‭ ‬يقدم‭ ‬على‭ ‬فعل‭ ‬مثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور،‭ ‬فالكاتب‭ ‬ليست‭ ‬مهمته‭ ‬أن‭ ‬يخرج‭ ‬أعمالا‭ ‬أدبيا‭ ‬لتناسب‭ ‬‮«‬السوق‮»‬،‭ ‬فأنا‭ ‬منعت‭ ‬أعمالى‭ ‬لمدة‭ ‬10‭ ‬سنوات‭ ‬ولم‭ ‬أستطع‭ ‬النشر‭ ‬طوال‭ ‬تلك‭ ‬السنوات،‭ ‬إلا‭ ‬أننى‭ ‬لم‭ ‬أكتب‭ ‬وقتها‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬‮«‬السوق‮»‬،‭ ‬وقد‭ ‬كنت‭ ‬أشارك‭ ‬فى‭ ‬الكثير‭ ‬من‭ ‬الفعاليات‭ ‬لإلقاء‭ ‬شعري،‭ ‬وكنت‭ ‬أستخدم‭ ‬وسائل‭ ‬أخرى‭ ‬لنشر‭ ‬أعمالي،‭ ‬من‭ ‬خلال‭ ‬استخدام‭ ‬المغنين‭ ‬لأشعاري،‭ ‬فحين‭ ‬منعت‭ ‬من‭ ‬النشر‭ ‬بقرار‭ ‬من‭ ‬السادات‭ ‬يوم‭ ‬16‭ ‬أكتوبر‭ ‬1973،‭ ‬إذ‭ ‬إن‭ ‬آخر‭ ‬قصيدة‭ ‬نشرتها‭ ‬كانت‭ ‬‮«‬الحرب‭ ‬لسه‭ ‬فى‭ ‬أول‭ ‬السكة‮»‬‭ ‬وقد‭ ‬كتبتها‭ ‬حين‭ ‬كنت‭ ‬مجندا،‭ ‬ونشرت‭ ‬فى‭ ‬جريدة‭ ‬الجمهورية‭ ‬يوم‭ ‬8‭ ‬أكتوبر،‭ ‬ومن‭ ‬حسن‭ ‬حظى‭ ‬أن‭ ‬عدلى‭ ‬فخرى‭ ‬قام‭ ‬بتلحينها،‭ ‬وكذلك‭ ‬الشيخ‭ ‬إمام،‭ ‬وأحمد‭ ‬الشابوري‭. ‬ورغم‭ ‬ما‭ ‬تعرضت‭ ‬له‭ ‬إلا‭ ‬أننى‭ ‬لم‭ ‬أكتب‭ ‬ما‭ ‬يريده‭ ‬‮«‬السوق‮»‬‭ ‬فى‭ ‬تلك‭ ‬الفترة،‭ ‬لذلك‭ ‬على‭ ‬الكاتب‭ ‬الحقيقى‭ ‬ألا‭ ‬يلتفت‭ ‬لمثل‭ ‬هذه‭ ‬الأمور‭ ‬التى‭ ‬تحدث‭ ‬على‭ ‬وسائل‭ ‬التواصل‭ ‬الاجتماعى‭.‬

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة