صلاح معاطى الثانى من اليمين مع يحيى حقى فى الأوبرا
صلاح معاطى الثانى من اليمين مع يحيى حقى فى الأوبرا


تجربتى مع صاحب القنديل

أخبار الأدب

الإثنين، 24 يناير 2022 - 02:00 م

كتب: صلاح معاطى

عندما أشرع فى قراءة كتاب وبخاصة فى الأدب أو الإبداع، لا أتوقف كثيرًا عند المقدمة، بل أتجاوزها وأدخل فى الموضوع مباشرة، وذلك لسببين: غالبًا ما تكون المقدمات مجاملة من الكاتب الكبير إلى صاحب الكتاب أو تشجيعا له، فتتضمن الكثير من كلمات الثناء والتقريظ وأحيانًا المبالغة، والسبب الثانى أن كثيرًا من المقدمات تكشف فحوى الكتاب ومضمونه، بما يضيع على متعة القراءة، وتسلسل الأحداث وتدرج الصراع وتشابكه، فأصاب بالملل والسأم سريعًا.

لم يتأثر برهبة التقدم والمعمار ولم يهزه بريق المدنية الحديثة فالصراع الأزلى الذى كان يشغله هو صراع الإنسان مع غرائزه ورغباته المكبوتة ومغريات الحياة.

ليس غريبا على رجل كيحيى حقى أن تكون له هذه المنزلة الكريمة فى قلوب الناس، يستوى فى ذلك أهل الأدب والبسطاء والكادحون ممن لا صلة لهم بالأدب.

يحدث هذا فى كثير من المقدمات، إلا مع مقدمات يحيى حقي.. سواء المقدمات التى كان يكتبها وهو رئيس تحرير مجلة المجلة، أو المقدمات التى كان يستهل بها كتبه، أو المقدمات التى كان يكتبها للآخرين. وكل هذه المقدمات هى جزء من إبداع كاتبنا الكبير سواء من حيث اللغة أو الأسلوب أو البناء.

وبالنظر إلى إبداع كاتبنا الكبير الراحل الأستاذ يحيى حقى سنجده إنتاجًا محدودًا من حيث الكم، خلال رحلة حياته الطويلة التى تجاوزت السابعة والثمانين، فلم تزد عن ثمانية وعشرين كتابا فقط، لكن هذه الكتب تعتبر هى خلاصة الأدب والإبداع العربي، حيث نجد فيها القصة القصيرة كما فى مجموعاته دماء وطين وعنتر وجولييت وأم العواجز والفراش الشاغر، والرواية كما فى روايات قنديل أم هاشم والبوسطجى وصح النوم، وروايته السيرية خليها على الله، والكتابات النقدية كما فى كتابه القيم خطوات فى النقد، ودراسات فى القصة كما فى كتب فجر القصة المصرية وأنشودة للبساطة، وعن السينما كتب كتابه فى السينما، والمقالات المسرحية فى مدرسة المسرح، وفى الشعر كتب هذا الشعر، وعن فن العمارة والفنون التشكيلية كتب فى محراب الفن، وفى أدب الرحلات كتب حقيبة فى يد مسافر، وعن الموسيقى كتب تعال معى إلى الكونسير. وفى الفن الشعبى كتب يا ليل يا عين. وفى التاريخ كتب صفحات من تاريخ مصر. وفى الكتابات الدينية كتب على فيض الكريم.

إقرأ أيضاً | في ذكرى ميلاده.. محطات من حياة يحيى حقي رائد القصة القصيرة| فيديو

كل فرع من هذه الأفرع هى ساحة ممتدة من الإبداع ولجها كاتبنا الكبير بعمق ووبساطة فى آن واحد. حتى فى مقالاته التى تناول فيها الشخصيات والحياة كما فى ناس فى الظل وكناسة الدكان سنلاحظ أنها كتبت بأسلوب قصصى أسماه هو «اللوحة» تقترب مما يسميه البعض الآن ومضة، لكن لوحات يحيى حقى بلغت من العمق والصياغة والأسلوب واللغة ما تشبع نفس القارئ النهمة إلى المعرفة والتمتع بجماليات الكتابة الأدبية.

فيحيى حقى المولود بدرب الميضة بالسيدة زينب، الذى تربى بين هؤلاء البسطاء والكادحين والأرزقية من أهالى هذا الحى العريق. المتجول فى أنحاء الحى وعلى أعتاب المقام.. المتأمل لوُجُوه الناس الآتية والذاهبة يلتمسون الخير والبركة.. المتابع لأدعية زوار البيت وتمتماتهم وخزعبلاتهم وأحاجيهم ومعتقداتهم الموروثة.. هذا يقصد البيت ليبتغى حجابًا يحفظه من عيون الناس.. وهذه تأتى إلى المقام لتتلمس طريق ابنها الغائب، والأخرى تأتى لتعمل عملًا لا ينفك أثره لكى يعود بالوبال على زوجها الذى تزوج عليها وجلب إلى الدار ضرة لتنكد عيشتها.. وهكذا..

لقد تأثر يحيى حقى بهذا الجو الذى ارتبطت فيه الأسطورة بالموروث الشعبى ونشأ مشبعًا بأريج المكان وعبقه وصار فى حياته مدفوعًا بهذا العطر الذى جمع من حوله الأحباب.

ومن السيدة زينب بدروبها وأزقتها وحاراتها انطلق يحيى حقى إلى أقصى الصعيد بقُراه البعيدة وأهله الفقراء يتجول فى الطرقات فيرى وُجُوه الكادحين القانعين برحلة الحياة.. تلك الوُجُوه التى لا تفارقها الابتسامة على الرغم من شظف العيش.. فيعيش يحيى حقى بين الفلاحين فيأكل سريسهم ويشرب شايهم.. يشاهد بعينيه الفقر وهو يتعانق مع الجهل والتخلف.. ويستمع إلى أغانيهم ويستعذب ألحانهم ويتألم لألمهم ويتعرف على معتقداتهم وأفكارهم.. لتتغلغل إلى نفسه موروثات وأساطير جديدة يصارعها بفكره وعقله وثقافته.

ويرتحل يحيى حقى من خلال عمله الدبلوماسى إلى بلاد أخرى أكثر تقدمًا ورقيًا ومدنية.. باريس وروما وإستانبول.. فيتجول فى المعارض والمسارح، ودُور السينما والأوبرا، ويلتقى بالموسيقى الصاخبة، والفنَّانين التشكيليين فى الميادين العامة يعرضون لوحاتهم وتماثيلهم.
لم يصدم يحيى حقى فطبيعة الحياة جعلته يتأمل فقط.. يختزن ويقارن.. فالصراع داخله لم يكن صراعًا بين فقر وغنى ولا بين تقدم وجهل.. ولا بين علم وإيمان.

لم يتأثر برهبة التقدم والمعمار ولم يهزه بريق المدنية الحديثة فالصراع الأزلى الذى كان يشغله هو صراع الإنسان مع غرائزه ورغباته المكبوتة ومغريات الحياة.. فماذا يفعل هذا الصعيدى الفقير البسيط الذى يسعى من أجل سد رمقه لو وجد نفسه وسط باريس وشاهد بعينيه العمارات الفارهة السامقة.. والأضواء المبهرة المنبعثة من المحلات.. والنساء العاريات وصرخاتهن المثيرة.. وصراع الإنسان مع غرائزه صراع أبدى ودائم.. إنه صراع الحياة اليومية.. هذا الصراع سوف يكشف لنا أشياء كثيرة لو تأملناه.

وفى إحدى زياراتى للأستاذ يحيى حقي، طلبت منه أن يكتب مقدمة روايتى الأولى السلمانية، لكنه قال لى إنه حتى يكتب مقدمة فلا بدَّ أن يقرأ الرواية كلها ويفحصها فحصًا دقيقًا، لذلك طلب منى قراءة الرواية فصلًا فصلًا فى كل زيارة، وبدأت بالفصل الأول.

كانت الرواية تدور أحداثها فى أحد الأحياء القديمة بمدينة السويس قبل نكسة ١٩٦٧، وسط مجتمع الصيادين.. وبدأت قراءة الفصل الأول.
ومع أول جملة من الرواية أوقفنى يحيى حقي، وطلب منى إعادة الجملة التى كانت تقول:
«ما إن سار محمود فى الحارة بضع خطوات حتى اجتاحته عاصفة هوجاء من الصبية» وسألني: هل تعتقد أن مجموعة من الصبية ممكن أن تحدث عاصفة؟ وبدأنا نفكر فى الكلمة البديلة لكلمة عاصفة، وراح يبحث عن معنى أدق. فقد رأى أن كلمة (عاصفة هوجاء) كبيرة للغاية ولا تؤدى المعنى الصحيح واللائق وهو لا يحب المبالغة.. وأبى أن أكمل قراءتى إلا بعد أن نبحث عن الكلمة البديلة حتى نجدها.. وطلب منى أن ألجأ إلى المعاجم لكى آتى له بالكلمة التى تعبر عن المعنى بالضبط.. وأخيرًا اقترح كلمة «زوبعة».

وواصلت قراءة الفصل وبعد أن أثنى على اللغة والأسلوب والوصف ورسم الشخصيات، خصوصًا وصف حالة الفقر التى تسود مجتمع الصيادين، وطريقة حياتهم.. طلب منى أن أكتب ما يمليه علي، وكان معى جهاز التسجيل فرحت أسجِّل هذا الجزء من مقدمته التى لم يكملها حول استخدام اللهجة العامية فى التعبير سواء بالنسبة للسرد أو الحوار، والفرق بين استخدام العامية فى الحوار بين مجتمع الصيادين ومجتمع المثقفين والمتعلمين.
وكان هذا الفصل هو الفصل الوحيد الذى قرأته من روايتى ليحيى حقي، فقد رحل بعدها بأيام، ولم يتسن له قراءة باقى فصول الرواية ولا استكمال مقدمته، لذلك للأمانة لم أضعها كمقدمة حين صدرت الرواية بعد ذلك.

اعتدل يحيى حقى فى جلسته ووضع يده فوق جبهته فى إطراقة عميقة، ثم قال:
حكمتى التى أومن بها يا صلاح أن الحياة معركة فقُم بواجبك، وأكره جدًا عن الرجل أن يقال عنه إنه طيب بمعنى أنه ضعيف.. الطيبة شيء والضعف شيء آخر فلا يغرنَّك من يقول عنك إنك رجل طيب، إنما يجب أن يقال عنك إنك رجل قوى وطيب «واخد بالك».. وليس طيبا بمعنى ضعيف.. أيهما خير لك.. أن تكون الحيطة اللى تنط عليها الكلاب «الحيطة الواطية»، أم تكون الكلب اللى ينط على الحيطة الواطية؟ أترك لك هذا السؤال لكى تجيب عليه...
ضحكنا معًا.. وانطلق يحيى حقى فى ضحك طفولى دمعت له عيناه، واحمرت وجنتاه..

ثم واصل حديثه مجيبًا على سؤالي: *هل العامية لغة أم لهجة؟
قد نختلف فى الإجابة على هذا السؤال.. وأنا أقصد طبعًا بالأخص اللهجة العامية المصرية.. بعضهم يقولون العامية ما هى إلا لهجة من الفصحى، وبعضهم يقولون بسبب خصائصها المتميزة بها أنها لغة مستقلة، بل إنها تستطيع أن تعبر عن أشياء لا تستطيع الفصحى أن تعبر عنها.. من ذلك «الباء» فى كلمة «أنا باكل».. هذا التعبير يدل على استمرار الفعل. قلما نجد له مثيلًا فى اللغة الفصحى.

فالبعض يقول العامية لغة والبعض يقول العامية لهجة.. ولكن هناك مسألة لا أظن بعد أن نتدبرها أن نختلف فيها وهي.. بأى لغة نفكر نحن أهل مصر؟ حقًّا إننا نتعلم اللغة الفصحى فى المدرسة ونحفظ نحوها وصرفها ولكن أريد أن أدخل داخل مخ الرجل المصرى الذى هو أنا مثلًا.

أشهد أن تفكيرى كله باللغة العامية.. حين نكتب الفصحى هل نحاول أن نترجم هذه العامية إلى فصحى؟ هذه المسألة لا أريد أن أناقشها أيضًا.. ولكن أقول إن إدراكنا للطبيعة التى حولنا.. الانتباه إلى بعض نواحى الجمال.. الانتباه إلى المفارقات.. الانتباه إلى النكت التى تدعو أحيانًا إلى التعجب وأحيانًا إلى الابتسام أنا أستعمل كلمة نكتة هنا لا بمعنى الفكاهة، بل بمعنى كل شيء دقيق يحتاج إلى لمحة سريعة لتبينها.. كل هذه الأشياء ننتبه إليها بفضل العامية.

إذن أقول لك يا أستاذ صلاح.. أنا أشترط لمن يريد أن يكتب اللغة الفصحى كتابة جيدة أن يتقن اللغة العامية.. كيف؟
أولا أن يحبها حبًّا شديدًا.. أن يعرف كل ألفاظها.. أن يقف أمام دقائقها العجيبة فى التعبير.
من ذلك قولها «هذه الشقة مبهوأة علي، هذه الشقة محندقة علي» فانظر إلى كلمة «مبهوأة» و«محندقة» وحاول أن تجد لفظين فصيحين يحلان محلهما لإحداث نفس التأثير الذى يحدثه هذان اللفظان العاميان.. فقلما تجد.
إذن أنا أريد منك أولًا أن تحب اللغة العربية وأن تتقنها كما قلت لك بمعرفتها أولًا. وكأنك تتصيد كل الألفاظ العامية التى تجد أنه لا يمكن ترجمتها إلى الفصحى.

* من أين نصل إلى إتقان اللغة العامية؟
أقسم اللغة العامية إلى قسمين.. قسم أقول عنه أنه سوقي.. تعامل كل يوم.. أن تذهب بهذه اللغة العامية إلى سوق الخضار وتقضى حاجتك وتتكلم فى التليفون فى مشاغل الحياة.. هذه اللغة ضعها فى كيس وألقها فى البحر.. لا قيمة لها.. ولها عيوب كثيرة جدًّا لأنها تتحول من جيل إلى جيل وأضرب مثلًا:
كنت حين أركب الأتوبيس يقولون «اتفضل يا أفندي» ثم أصبح «اتفضل يا بيه» وبعدين «اتفضل يا باشمهندس».. فكل جيل له تعبير ينادينى به.
ثم ثانيًا.. ليس لها جذور.. اللغة الفصحى لها جذور ضاربة لأعمق أعماق وجداننا وتاريخنا ومراجعنا.. ولها أسرارها.. يعنى اللغة الفصحى ليست لغة، بل هى حرف. كل حرف فى اللغة الفصحى له معنى وله دلالة.

أنا مغرم أشد الغرام بالاستماع إلى التجويد فى القرآن لأتبين كيف ينطق.. كل لفظ له نوع معين من النطق وموسيقى خاصة به، بل له معنى.. وضربت لذلك مثلاً فى بعض كتبي. حينما صدر قاموس المعجم الوسيط لمجمع اللغة العربية كان عندى وقت طويل فقرأت القاموس من أوله إلى آخره كلمة كلمة.. كان غرضى الأول أن أصل إلى الكلمات المستحدثة التى استحدثها المعجم.

كنت أريد أن أعثر على الكلمات الجديدة لأننى فى أشد الحاجة إلى هذه الكلمات.. فإذا بى أقف عند كلمتين استوقفتا نظري:
كلمة «توربيد» و «طوربيد» وكلمة «ترابيزة» و«طرابيزة» واضح أن المعجم حينما وصل إلى هذه الكلمة وتبين له أن كل كلمة منهما يمكن أن تكتب فى التاء مرة وفى الطاء مرة.. يعنى تقارب النطق بالتاء والطاء جعله يرى من الأمانة أن يكتبها مرة بالتاء ومرة بالطاء.. كما فعل فى التوربيد طوربيد وترابيزة طرابيزة.. فإذا بى أجده فى ترابيزة «بالتاء» يقول منضدة صغيرة توضع فوقها الكتب أو الأشياء.. لما كتبها «بالطاء» طرابيزة قال منضدة كبيرة.

كذلك فى توربيد «بالتاء» يعنى قذيفه، وطوربيد «بالطاء».. قذيفه كبيرة. فانظر كيف تحول نطق اللسان من التاء إلى الطاء أعطى للكلمة معنى الكبر والضخامة مع أن ليس فى هذه الكلمة أى شيء يدل على الكبر.. لكن مجرد تغيير نطق حرف من تاء إلى طاء يضيف للتاء معنى لا يستدل به من الكلمة ولا من وصفها.

إلى هذه الدرجة أقول لك إن اللغة الفصحى مش ألفاظ ولا كلمات.. ده الحرف له معنى..
هناك أيضًا الحروف المتشابهة وهناك الحروف المتحابة.. ونحن فى المدرسة ضربوا لنا أمثلة على التنافر فى الحروف.. وقالوا بيت شعر مشهور:
«وقبر حرب بمكان قفر وليس قرب قبر حرب قبر»

وأنا حين أتأمل هذا البيت أقسم لك أنى لا أجد فيه أى تنافر.. على كل حال انتبه علماء اللغة إلى أن الحروف قد تتنافر، وحذروا من أن تجمع فى كلمة واحدة مثل هذه الحروف المتنافرة.. ونسوا أنه ليس هناك شيء مخلوق ليكون حرفًا أو ليكون كلمة.. إنما هو مخلوق لأداء معنى.. فإذا كان تجمع هذه الحروف التى يرونها متنافرة تؤدى معنى فهى على العين والرأس وهى ليست متنافرة أبدًا..
قلت لك إن اللغة العامية السوقية لا قيمة لها.. بل سمجة أيضًا..

تبقى ما يسمى باللغة العامية الفنية التى استخدم فى استعمالها الذوق.. التلذذ باللفظ سواء وأنت تنطقها أو وأنت تشير إلى شيء معين، وتشعر بنشوة أنك نجحت فى العثور على هذا اللفظ لأداء هذا المعنى أو لوصف هذا الشيء.. فتشعر باللذه والسرور.. هذه اللغة العامية الفنية هى مطلبي.. من الكاتب الأديب.. منك يا صلاح أن تبحث عنها وتتأملها وتتذوقها وتعرف من أين يأتى جمالها.

* من أين نعثر على هذه اللغة العامية؟
فى بابين:
الباب الأول أسميه «الأغانى الشعبية».. لأن هذه الأغانى الشعبية نابعة من صميم الشعب، متصلة بوجدان الشعب «غير متأثرة بحكاية اللغة الفصحى» يعنى إنتاج مصفى لا يخالطه أى تأثيرات، كأنه ولد يولد ولم يلبس ملابسه بعد ما أجمله! «ح تلبسه طاقية وقميص وابصر ايه.. ما يبقاش هو».
نحن نريد أن نرى اللغة العامية كما تولد.. فإذن يجب أن نهتم أشد الاهتمام يا أستاذ صلاح بأن تجمع الأغانى الشعبية.
الباب الثانى «الأمثال الشعبية» شوف الرقة والذوق فى تعبيرها.

مثلًا عندما يقال لك «قلب الشتا طوبه».. وعندما يقال:
«خبط الهوا على الباب.. قلت الحبيب جاني.. أتاريك يا باب كدَّاب.. تتهز بالعاني» كلمة العانى هذه الواحد يقف قدامها متحير.. إزاى جت؟ وما لذتها هنا؟ ولا يمكن ترجمتها.
فنحن إذن نبحث عن الأمثال الشعبية أيضًا وندرسها دراسة صحيحة.
الأغانى والأمثال فى نظرى هما المنبعان الرئيسيان لتذوق اللغة العامية ومعرفتها.. فإذا تحقق هذا لديك يا أستاذ صلاح.. هل أطلب منك إذن أن تترجم هذه اللغة العامية إلى الفصحى كأنك تترجم إنجليزى إلى فصحى أو فرنساوى إلى فصحى أو طليانى إلى فصحى؟ لا. أحذرك من هذا كل التحذير.. سيبوظ كل شيء لأن الترجمة بتفسد النص الأصلي.
قصدى هو أن يتكون لك من إتقانك للغة العامية مزاج.. نابع من تذوقك لهذه اللغة بجمالها.. بهذا المزاج تدخل إلى الفصحى.

***

وليس غريبا على رجل كيحيى حقى أن تكون له هذه المنزلة الكريمة فى قلوب الناس، يستوى فى ذلك أهل الأدب والبسطاء والكادحون ممن لا صلة لهم بالأدب.
كان دائما يقول لي:
عندما تكتب عن الحياة.. فلا تصور الحياة كما هى بالضبط، فأنت لست مصورا للحياة.. وإنما قل كأن الحياة هكذا.. وضع مئة خط تحت كلمة كأن هذه..
هكذا علمنى يحيى حقي.

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة