سلوى بكر تكتب : فيلة سوداء بأحذية بيضاء
سلوى بكر تكتب : فيلة سوداء بأحذية بيضاء


سلوى بكر تكتب: فيلة سوداء بأحذية بيضاء

أخبار الأدب

الأحد، 06 فبراير 2022 - 03:03 م

حياتى مع حسام صارت عكس حياته العملية تمامًا، فالصعود الصاروخى لشركته كان يقابله هبوط عمودى لعلاقتنا الزوجية. عشرات التفاصيل ظلت تتراكم على مَرّ الأيام، وتُباعد بينى وبينه، لم نعد صديقين كما كنا من قبل، لا نقرأ كتابًا ثم نناقشه معًا.. لا نلتقى بأصدقاء تربطنا بهم أفكار ووجهات نظر مشتركة.

لم تعد السينما جزءًا من روتين حياتنا، وبدأت أشعر بأن حسام ما هو إلا مجموعة من الأقنعة التى تتساقط بمرور الأيام، لتسفر فى النهاية عن وجهه الحقيقى وملامح شخصيته الحقيقية، فكل ما بُنيت عليه علاقتنا من آمال وأحلام وأفكار عن الحرية والعدل ووطن تنعم قراه بحياة كريمة.

وبتماثيل رخام على الترعة وأوبرا كما يقول صلاح جاهين، باتت فى نظرى نوعًا من الوهم والسراب، وشعارات ربما لم يكن مؤمنًا بها حقًّا فى أى يوم من الأيام. كانت قناعتى بهذا تتزاي.

وتتأكد كلما تأملت سلوك حسام وتصرفاته، وكل المتغيرات المستجدة فى تفكيره سواء تجاهى أو تجاه الآخرين. فى بداية زواجنا، كان يسهم فى بعض الأعمال المنزلية، حتى لو عاد مرهقًا من العمل، خصوصًا بعد تعيينى بالمدرسة، يرفع الصحون والأكواب بعد الغداء أو العشاء، يعد كوبين من الشاى باللبن ساعة عصارى، لكن بات وبمرور الوقت، من المستحيل أن يمد يده لأى عمل بالبيت، كاستحالة الغول والعنقاء والخِل الوفى، بل وبات يشعرنى عامدًا أن العمل المنزلى هو شأن خاص بى فقط، وملزمة أن أقوم به من الألف للياء.

فى إحدى المرات كنت قد عدت إلى البيت بعد يوم عمل مدرسى شاق، فى حالة شديدة من الإجهاد، لأننى كنت أدرب تلميذات بالمدرسة على رقصات سوف تؤدَّى فى حفل نهاية العام، أعددت طعام الغداء على عجلٍ.

وبينما نحن جالسان نأكل على السُّفرة طلبت منه وقد تلون صوتى برنة اعتذار أن يأتى بالهدوم المغسولة من الغسالة، وينشرها على الحبال بعد انتهاء الأكل.

وحتى تجف قبل غياب الشمس، وقلت له إنى متعبة ومرهقة جدًّا، لأن البنات لم يتقنوا الرقصات كما يجب، فكررنا أداء الحركات مرارًا، وما زال أمامنا الكثير من البروفات خلال الأيام المقبلة حتى يصلوا إلى درجة مقبولة من الإتقان.


فوجئت به يصرخ، وبدا صوته بأذنى، وكأنه هبابٌ أسوَد مندفع بقوة من مدخنة:
- يعنى لم تنشرى الغسيل قبل خروجك الصبح، وأنا محتاج القميص البيج المخطط بالليل، لأنى نازل اجتماع شغل مهم.
- قلت باستنكار مدافعة عن نفسى:


- كنت مستعجلة جدًّا، لأنى لازم أكون مبدرة ساعة قبل جرس طابور الصباح بسبب تدريب البنات. قلت لك هذا الكلام من يومين: التدريب ساعة قبل طابور الصبح، وساعة بعد جرس الحصة الأخيرة، والانصراف من المدرسة، ثم عندك قمصان ياما.. ألبس قميصًا أبيض.


عندك قمصان بيضاء فى الدولاب مغسولة ومكوية، والأبيض يليق على لون أى بدلة.
زادَ تصاعُد السخام من فمه:


- عاوزة حضرتك ألبس على كيفك.. يا فرحتى بالقميص الأبيض.. ما هو آخر الرقص والحفلات والمسخرة إنك تقولى ألبس القميص الأبيض.


أطلقتُ بدورى الدخان الساخن المكتوم بصدرى بعد أن ألجم الغضب لسانى للحظات، بينما عيناى تتسعان بالدهشة، وصرخت:
- الرقص مسخرة.. الحفلات مسخرة.


قاطعنى:
- بصراحة كفاية شغل.. استقيلى من المدرسة.. المرتب تافه، والتربية الرياضية ما تسوى همها، لا فيها دروس خصوصية، ولا أى امتيازات مادية.

بيتك أولى من الخروج، والجرى فى الشوارع وركوب المواصلات، ثم إن ربنا فاتحها علينا، ودخلى أكتر من ممتاز. اقعدى واهتمى ببيتك وحالنا.. لو كنتِ مُدرسة مادة مفيدة، مادة تحصل منها منفعة كنت قلت ماشى الحال، ولكن الرياضة والرقص، رياضة بنات، كلام فارغ وربما يحصل بسببها بلاوٍ وكوارث تخرب بيوت، وأنتِ فاهمة معنى كلامى.


زمان قالوا الواحدة مصيرها مهما كانت بيت العَدَل.. سموه بيت العَدَل.. تأملى المعنى والنبى وفكرى بالعقل.
هدأ قليلًا، ثم واصل بصوت بذل جهدًا كى يكون طبيعيًّا بينما بقيت فى مطرحى أنظر إليه مبهوتة:


- هل فكرت فى مشكلتنا إياها؟ هل فكرت أن لعبك الجمباز من أيام المدرسة وأنتِ صغيرة، ربما كان السبب فى مشكلتنا ليلة الدخلة؟ فكرى واعقلى، واحمدى ربنا.. أنتِ فى نعمة بحق وحقيق.

اقرأ ايضا | لم تعد السينما جزءًا من روتين حياتنا

الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 
 
 
 

مشاركة