علاء عبد الكريم
ساعة شيطان
الجمعة، 11 فبراير 2022 - 01:47 م
القتلة لا يبحثون عن المنطق حين يرتكبون جرائمهم..،في الجريمة والعقاب تساءل ديستويفسكي؛ هل يصبح القتل طريقًا للعدالة؟!، وكأن هذا الروائي، خالد الذكر، تمنى يومًا أن تسود العدالة وتختفي الجريمة، يتحدث علماء الإجرام والاجتماع والنفس عن دوافع الجريمة، ولكنهم احتاروا في تعميم أسبابها بشكل قاطع، على عكس ما يحدثك أهل العلم ورجال المطافي عن أسباب حدوث الحرائق- مثلًا- التي أتت نتيجة احتكاكات، ويظل السر الكبير وعجز العلماء عن تفسير حقيقة النار، والشرر المتطاير منها والذي بدا في نظر الأشرار وكأنه جيش من حشرات بديعة تلمع في الظلام؛ منذ أكثر من 25 عامًا وأنا في مقتبل حياتي الصحفية، سألت قاتلاً أجيرًا، ألقت الشرطة القبض عليه في جبل البداري بأسيوط، فهو جبل شاهق، صعوده قد يكلفك من الصداع والإرهاق ما لم يتحمله بشر، لكنه يجذبك ويدفعك لاكتشافه وتسلقه رغم ما يحيطه من غموض دفعت مفكر عروبي مصري كبير مثل الدكتور عصمت سيف الدولة إلى الكتابة عن مشايخ جبل البداري وهو أقرب إلى سيرة قرية، فعلماء الآثار يؤكدون أن حضارة البداري، سبقت الحضارة الفرعونية نفسها، واحتضنت جبالها قبور حكام أقاليم مصر العليا، سألت هذا القاتل داخل مركز شرطة البداري وقتها بعد القبض عليه؛ «لماذا تقتل»؟، فـ أدهشني رده حين أجابني باقتضاب، يرتجل كلامه قائلاً؛ «لأنه يسعدني ذلك»، ثم صمت للحظات وواصل حديثه المقتضب بقسمات حادة علت وجهه وقد لمعت عيناه السوداوان تركزان على البندقية التي يحملها الجندي على كتفه بحيث لا تفوته أي حركة تصدر من هذا الجندي مهما كانت بسيطة، قائلاً؛ «عندما أمسك ببندقيتي أشعر بالدماء تخفق بقوة في رأسي، وما أن اضغط على الزناد إلا وينتابني احساس وكأنها يد ساحر».
التاريخ يعيد نفسه، عبارة تتردد كثيرًا على مسامعنا وننطق بها أكثر، فهو ليس سردًا للأحداث وتسجيلًا للوقائع فقط ولكنه صراع دائم بين الخير والشر ما بقيت الدنيا، وإن كنت أميل الي تفسير آخر ذكره بعض المؤرخين العرب؛ بأن التاريخ لا يعيد نفسه ابدًا وإنما هو تكرار لبعض الحوادث تتشابه في تفاصيلها وإن اختلفت الأزمنة، فما كنا نحسبه في الماضي نادر الحدوث وكأن إله الجنون عند الاغريق قد تلبسّ شخصًا فدفعه الي ارتكاب أبشع الجرائم بعيدًا عن أعين الآلهة صار مألوفًا اليوم بكل بشاعته ودمويته، تمامًا مثلما حدث منذ أيام قليلة مضت في حي الزمالك الهادئ دائمًا؛ جريمة بدأت بخناقة عروسين لم يمر على زواجهما شهور قليلة، انتهت بمذبحة بشرية خلفت 5 جثث بينهم القاتل الذي انتحر بإطلاق الرصاص على نفسه؛ وكأن لسان حاله يقول؛ «عندما انتهي تمامًا لن تستطيعوا القبض عليّ»، نعم انتهى العرض بكومة من الجثث امتلأت بها صالة الشقة مع غزارة نزيف الدماء، وانفض الجمع وعاد الجيران إلى منازلهم، عبء ثقيل من الغضب والدهشة الممزوجة بالخوف والإرهاق من ساعات ساخنة عاشوها بلا سابق إنذار رفعت حرارة أجسامهم في ليلة شديدة البرودة.
اللافت للنظر في بيان النيابة العامة التي استمعت لأقوال سبعة منهم ثلاثة شاهدوا وقوع الجريمة، وبعدما انتهت التحقيقات معهم؛ إلى أن المتهم كانت تربطه علاقة بسيدة من المتوفين نشأ بسببها نزاعٌ بينهما، وتحدَّد لقاء في يوم الواقعة بمسكن شقيقة المتهم بالزمالك لإنهاء هذا النزاع في حضور ذوي الطرفين، وقد أحضر المتهم حقيبةً كبيرة يومها أخفاها بالمسكن قبل انعقاد اللقاء، ولما ثار النقاش بينهم بشأن النزاع استشاط المتهم غضبًا وأخرج من الحقيبة التي كانت معه بندقية آلية أطلق منها عيارًا ناريًّا أصاب السيدة طرف النزاع معه، ثم لما حاول الحضور ردعه أطلق صوبهم أعيرة نارية فقتلهم، وإذ حضرت الشرطة وحاولت دخول المسكن أطلق أعيرة نارية أخرى صوب السيدة ووالدتها فقتلهما، ثم قتل نفسه بعيار ناري، وقد قررت شقيقة المتهم في محضر بلاغ الواقعة سابقةَ إيداعه بإحدى مصحات العلاج النفسي منذ حواليّ ثلاثة أشهر.
ويبقى السؤال؛ ما كل هذه الطاقة من العنف التي تلبست جسد هذا الشاب في ساعة شيطان معها ارتكب مذبحته، وكأن عقله هرب ركضًا من رأسه إلى مكان بعيد، اختفى تاركًا جسده ونفسه ملطخًا بالسواد والكره تجاه أقرب الناس إليه؟!
نعم هي جرائم عنوانها الرئيسي؛ عندما يكون خيال مؤلفي القصص البوليسية أقل من الواقع.
الكلمات الدالة
الاخبار المرتبطة