جمال فهمى
جمال فهمى


دفتر أحوال

فى موضوعى «الضحك» و«الرأى»

جمال فهمي

الخميس، 17 فبراير 2022 - 07:30 م

 المولى تعالى فطر هذا الكون المترامى الهائل على ثراء التنوع والاختلاف، لهذا  فتعدد الأذواق والآراء أمر يفرضه ناموس الخلق ، وترتيبا على ذلك فإن مبدأ حرية الفكر والعقيدة والرأى، ليس مجرد خيار نأخذ به أو نهمله وإنما هو أمر ربانى لابد من احترامه وإلا اختل نظام حياة البشر..

ومع ذلك فإننى أحيانا يداهمنى شعور  بأن الأستاذ «الرأى الحر» بالذات  ربما يكون واحدا من أهم مصادر تعاسة  الإنسان، وأن فكرة «الرأي» نفسها هى أس  الكثير من البلاوى الزرقاء ، لهذا أُذكر نفسى كثيرا بحقيقة  أن داء «الرأي» مات به عمنا ابو الطيب المتنبى رغم معرفته القديمة بأن فيه هلاك وأنه سلاح قاتل، إذ ترك لنا فى الأثر أبياتا من الشعر يقول فيها نصا: الرأى قبل شجاعة الشجعانِ / هو أول وهى المَحَلُّ الثاني


فإذا هما اجتمعا لنفس حرة / بلغت من العلياء كل مكانِ


ولربما طعن الفتى أقرانه / بالرأى قبل تطاعن الأقرانِ


إذن، فقد كان المتنبى يعرف خطورة الرأى وأنه يستعمل فى الطعن «قبل تطاعن الأقران»، ورغم إدراكه لهذه الحقيقة ظل سادرا فى حماقته وممتنعا عن علاج نفسه من هذا الداء حتى قتله بيت من الشعر قاله ذات يوم وهو يتفاخر على الناس هاتفا: الخيل والليل والبيداء تعرفنى / والسيف والرمح والقرطاس والقلم


 وقد تظن، عزيزى، القارئ  أن التجلى الوحيد للمعاناة والتعاسة المرتبطة بالرأى هى الحرمان من حرية الآراء، لكن الواقع يقول إن بعض الآراء المتاح لأصحابها إبداءها والعربدة بها صباح مساء من كل المنابر،قد تؤدى إلى حال من التعاسة والأذى العمومى نظرا لأن أغلبها عبارة عن مسخرة فاقعة قد تسبب الإصابة بنوع من الضحك الذى وصفه عمنا المتنبى بأنه «أمر من البكاء»..

وأبقى مع الضحك المُر قليلا، وأبدأ بأننى اكتشفت، بالقراءة والبحث، أن الضحك أنواع وأجناس شتى، كما أن أسبابه ومثيراته متعددة ومختلفة اختلافا بينا، وكذلك الأمر بالنسبة لآثاره، فهى إجمالا آثار مفيدة على الصعيدين الاجتماعى والجسمانى (مثلا، الضحك يحرك 17 عضلة فى وجه الإنسان و80 عضلة فى باقى جسمه) معا، لكنها قد تكون ضارة جدا جسمانيا واجتماعيا إذا زاد ضحك الإنسان عن حد معين وانقلب لداء هستيرى وقهقهة على الفارغة والمليانة، بما يستدعى المثل الشعبى الشائع: «الضحك من غير سبب قلة أدب»..

ومع أن علماء نفس كبار ورواد أمثال «فرويد» و«بافلوف» و«أدلر» وغيرهم، أفردوا للضحك مساحة كبيرة فى الدراسات والبحوث النفسانية حتى بات مستقرا الآن ما يسمى «علم نفس الضحك»، كما أن العلاج بالضحك  LAUGHTER THERABY معروف وقديم وهو حاليا شائع جدا ويستخدم على نطاق واسع خصوصا فى حالات الاكتئاب الناتج عن شدة الضغوط العصبية وما تسببه من تأثيرات سيئة على عضلة القلب..

رغم هذا كله فإن الضحك المفرط يسبب مشاكل حقيقية فى التواصل مع الناس ومشاكل صحية قد تكون أكثر خطورة، أبرزها إرهاق عضلة القلب والسكتة الدماغية، كما يوصى الأطباء مرضاهم أحيانا بتجنب مثيرات الضحك خصوصا هؤلاء المصابون بأمراض تنفسية معينة وكذلك من خضعوا لعمليات جراحية ومازالوا لم يفكوا خياطتها بعد ..

إلخ..

باختصار، تستطيع أن تقول إن الضحك داء ودواء فى آن واحد ..

فكما تفُرغ القهقهة كربك وتخفف من ثقل الهم على نفسك، فقد تؤذيك وتهلكك أيضا، لهذا فإن التفطيس والقتل من الضحك عمدا، احتمال وارد بقوة.
 


الكلمات الدالة

 

 
 
 
 
 
 
 

مشاركة